استطلاع: بشرى الغيلي / لا ميديا -

يرقبون روحانيته من خلف كبسولات زجاجية، يتمنون أن تتوقف ساعة الزمن للحظة وتعيدهم لأجوائه المفعمة بالذكر، حيث المساجد تصدح بحناجر تعانق بأصواتها عنان السماء.. هكذا وجد أنفسهم معظم مسلمي العالم والدول العربية لرمضان هذا العام.. طقوس مختلفة لم يعهدوها منذ عشرات السنين.. في اليمن على العكس تماما تضاعفت روحانيته رغم مرور أسبوعين من الشهر الفضيل، الجوامع مفتوحة، والصلوات تقام في وقتها وأوانها، وتبادل الزيارات بين الأهل والجيران، وإحياء ليالي السمر الجميلة بذكر سيرة المصطفى وأصحابه وآله الكرام وتلاوة القرآن، تفاصيل تستطلعها «لا»، وتعرّج على بعض الدول العربية والإسلامية وبعض الجاليات العربية هناك..

في اليمن.. لا شيء تغيّر
ريهام الخزان (طالبة جامعية) تقول: «رمضان عندنا باليمن لم يختلف فيه شيء، بل على العكس تماما زادت الروحانية والخشوع فيه بسبب الأحداث والكوارث التي حصلت في العالم، وبرغم الآلام التي تعيشها كل أسرة يمنية، إلا أن رمضان وفرحتنا بقدومه ما تغيرت، هي نفسها التي كانت في الأعوام الماضية، وشوقنا له زاد أكثر من ذي قبل».

روحانية مساجد صنعاء
زمزم قاسم (مذيعة بإذاعة يمن FM) تقول لـ«لا»: «مازالت صلاة التراويح تُسمع في مساجد صنعاء، ومازال الناس يتمتعون بالحب والسلام، ومازالت تلك الموائد الصغيرة في الحي عامرة من بيت إلى بيت، وروحانية رمضان موجودة في صنعاء، والأطفال يلعبون بالطماش وتعلو ضحكاتهم في كل حي».
وتضيف: «هذا ما وجدت عليه رمضان من خلال خروجي إلى العمل، ومع قدوم رمضان يتحول الليل إلى نهار والنهار إلى ليل، ما عدا عند البعض ممن يذهبون إلى عملهم ويخصصون جزءاً من الليل للنوم والراحة، والبعض لا ينام إلا سويعات فقط بعد صلاة الفجر، فرمضان هو مصدر دخل لهم».

نعمة وهدية إلهية 
أم رشاد (ربة بيت) تقول: «أجواء رمضان هي نعمة منّ بها الله علينا حيث إنه لا يوجد فرق بين رمضان هذه السنة، ورمضان الماضي وكغيره من السنوات الماضية كالتجمعات والتراويح والزيارات العائلية وتبادل الأكلات.. وغيرها. أما بالنسبة للعادات والتقاليد في جميع الدول، أعتقد أنها اختلفت بنسبة كبيرة بسبب الحجر الصحي، لأنهم حتى تواصلهم كله عبر النت، واستضافتهم لضيوف برامجهم عبر النت عن بُعد من منازلهم بسبب الحجر الصحي.. إذن هناك اختلاف كبير بين الدول واليمن الحبيب الذي عاداته وتقاليده لم تتغير لحد اللحظة، فأهل اليمن يحولون كوارثهم إلى منحة أو أنها هدية من رب العالمين».

تغيّر كل شيء!
في رأي مختلف ومغاير للآراء السابقة تقول هناء العباسي (مهندسة): «يؤسفني أن أتحدث عما نعيشه حاليا، فقد أصبحت الأجواء مظلمة والمساجد خالية، والتجمعات مع العائلة والأحباب نادرة جدا.. فهنا في اليمن لم تعد الأجواء كما كنا نعيشها في السنوات الماضية، فبعض المساجد قلّ عدد المصلين فيها، والبعض أُغلقت، أما عن تجمع العائلة فمنهم من يتجمعون ومنهم من يفضلون الجلوس في منازلهم، أما مجالس القات فماتزال موجودة وإن تقلصت عن الأيام الماضية».

انخفاض منسوب الطقوس
عبدالعزيز البدوي (إعلامي) يقول: «أجواء رمضان في اليمن والدول الإسلامية تبدو مختلفة تماما هذا العام عن الأعوام السابقة في ظل جائحة «كورونا»، خصوصا من حيث تقلّص عادات كثيرة ارتبطت بالشهر».
ويضيف البدوي: «أيضاً الطقوس الروحانية تقلصت إلى حدٍّ كبير، مثلا صلاة التراويح التي اقتصرت على مناطق صغيرة في معظم دول العالم العربي والإسلامي، وتبدو منعدمة في المدن المكتظة بالسكان بسبب المخاوف من تفشي الفيروس».
ويرى بأنه بالنسبة لليمن فهناك احترازات طفيفة في مواجهة الفيروس كاستخدام الكمامات والمنظفات والتعقيم، أما في ما يتعلق بالإجراءات الأخرى لم تُطبق في البلد، إذ مازالت الأسواق وأماكن التجمعات آهلة بالناس.

حياة خالية..
بعد أن تعرّفت «لا» على آراء اليمنيين كيف يقضون أجواء رمضان في ظل جائحة «كورونا»، عرّجت على أخذ بعض الآراء من بعض الدول العربية والإسلامية.
من دولة المغرب الشقيقة التي فرضت حجرا صحيا إجباريا على جميع مدنها بسبب انتشار الوباء، تحدثت إلينا سناء (قانون دولي)، من الدار البيضاء، قائلة: «هذا الوباء جعل من الحياة على الكرة الأرضية مثل العيش في كوكب خال من كل شيء دون أوكسجين الحياة، واتضحت  أزمته في ظل هذا الشهر المبارك، باعتباره شهر التواصل والتآخي والاجتماع والتضامن والذكر والدعاء وترتيل القرآن، إلا أنه في ظل «كورونا» بات في نفوسنا حزنا وألما على فراق تلك الأجواء، فقد انتقلنا بين ليلة وضحاها من بؤرة الاجتماعات الإنسانية إلى بؤرة الانفرادية والوحدة الخاصة الممنوعة من التواصل المباشر بالآخر».

غياب العادات الجميلة
وعن اختلاف أجواء رمضان في بلادها المغرب تؤكد سناء أن أجواء رمضان هذا العام اختلفت بشكل كبير عن رمضانات الأعوام السابقة، حيث غابت العادات الرمضانية الجميلة في معظم الدول العربية والإسلامية، مثل تبادل الزيارات وعزائم الإفطار الجماعي، وتبادلها بين الأسر، وغياب الصلوات الجماعية، وحلقات الذكر وتلاوة القرآن والتجويد، وكل هذه من العادات الجميلة لدى المجتمعات العربية الإسلامية، لأن رمضان هو شهر التواصل والتلاحم والتصافي والتسامح، لكن في ظل الوضع الصحي كل منّا باق في مكانه.
وتستدرك: «لكن رغم الحجر الصحي، لا ننكر استعدادات الأسر المغربية لرمضان، فقد تحدينا هذا الوضع بتحضير بعض الحلويات الخاصة بمائدة رمضان، والتي تعتبر من العادات المغربية والعربية في هذا الشهر الفضيل، إلا أنها تبقى مختلفة في الإحساس بلذتها ونكهتها في ظل غياب الجمع العائلي من باقي الأهل المتفرقين في حجرهم الصحي».
وتختم بألم وغصّة، قائلة: «رمضان في ظل «كورونا» هو رمضاننا الحزين بفعل أغلاط البشر وضعفنا الذي لم نكن نحسب له حساباً في انقلاب الموازين، وكأنه جرس الصحوة من أفعالنا وأخطائنا».

رمضان مختلف
ومن جيزان، يتحدث محمد لصحيفة «لا» بالقول: «أجواء رمضان هذه السنة في جيزان اختلفت عن رمضانات الأعوام السابقة، فلا إفطار جماعي، ولا زيارات عائلية ولا صلاة تراويح، والمساجد مغلقة وخالية من روادها حرصا على عدم التجمع وانتقال العدوى وتفشي الوباء».

مساجد الأردن مغلقة
من الأردن شارك معنا في الاستطلاع أبو عبدالله، من عمّان، مختصراً حال رمضان في الأردن في زمن «كورونا» بالقول: «يمنع منعا باتاً التجمعات، كما أن المساجد مغلقة، ولا يسمح بدخولها نهائيا للصلاة، سواء الصلوات الخمس، أو صلاة الجمعة، وتم إلغاء السهرات الرمضانية، ومنع عمل الولائم في شهر رمضان، وجميع المدن الأردنية تحت حظر تجوال من الساعة 6 مساءً حتى 8 صباحا». مضيفا أنه تم إغلاق تام لكافة المولات والأسواق الكبيرة، والتسوق يكون سيراً على الأقدام، بعد منع قيادة المركبات، وحتى مجالس العزاء للمتوفى منعت منعا باتا والاكتفاء بالعزاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويختتم أبو عبدالله حديثه بالقول: «الأجواء الرمضانية هذا العام اختلفت تماماً عما كانت عليه في الأعوام السابقة، وليس هناك وجه شبه بين رمضان اليوم ورمضان الأمس».
 
كل الطقوس ألغيت
ماليزيا كدولة إسلامية، وبسبب الإجراءات الاحترازية المشددة، اختفت المظاهر الرمضانية بين الجاليات اليمنية والعربية على السواء هناك.. تقول هدى الأشول (تربوية): «هنا في ماليزيا الاحترازات مشددة على كل المستويات وفي كل الأماكن، ولا يوجد أي نوع من أنواع التجمعات، وكل شخص ملتزم بالحجر الصحي، وبالتالي لا تقام أية صلوات جماعية، ومنها صلاة التراويح، يعني باختصار كل الطقوس الرمضانية هنا ألغيت تماما».

من خلف كبسولة زجاجية
الدكتورة بسمة يحيى (طالبة يمنية مبتعثة في ماليزيا) تقول: «أوقف «كورونا» ساعة الزمن عن الدوران، وتوقف معها الإنسان عند نقطة زمنية غير معلومة.. التوقف في تلك النقطة كمن وضع داخل كبسولة زجاجية يرى كل ما حوله يدور ويعبر، يرى الأرض بفصولها وأيامها، بأعيادها ومناسباتها، وكل طقوس الحياة تأتي وتمضي في ميقاتها، ولكن لا مجال للعيش والتعايش معها أو العبور إليها من خلال الجدار الزجاجي العازل».
وتضيف: «هكذا نحن الآن في رمضان، هو رمضان هنا حولنا نراه، نشم روائحه، نرى ألوانه وعظمة أيامه، لكن لا نستطيع أن نستشعر روحانيته، لا نسمع صوت المآذن للنداء لكل صلاة، ولا ترتوي الأنفس بتلاوة القرآن قبيل المغرب، فترجف لها القلوب شوقا، وتتأهب الجوارح حبا، تتسارع إليها لأداء صلاة التراويح».
وتختم بسمة حديثها لـ»لا»: «في أرض الغربة، نفتقد لمة الأهل كغرباء، والآن نفتقد لمة الأصدقاء كوباء. نسأل الله السلامة».
في نهاية هذا الاستطلاع نختمُ بأمنية جميلة بأن يجنّب الله وطننا الحبيب البلاء، ويصرف عنه الوباء، وأن تظل هذه الأجواء حتى نهاية رمضان وإلى ما هو أبعد من ذلك، فالله لا يجمع بين عسرين، معاناة شعب لـ6 أعوام من الحصار وانهيار للبنية التحتية الطبية وخروج معظمها عن الخدمة بسبب ما تعرضت له من تدمير وعدوان سافر، وعُسر «كورونا» الذي عجزت عن مجابهته دول توصف بنيتها الصحية أنها نموذجية.