فارس التويتي رئيس مؤسسة يكرب لـ«مرافئ لا»:العدوان يستهدف طمس ملامحنا وعلينا تقديس كل ما له علاقة بالهوية والتراث
- تم النشر بواسطة دعاء القادري/ لا ميديا
حاورته/ دعاء القادري -
لا شك أن ما تعرضت له المواقع الأثرية في بلادنا من قصف وتدمير ممنهج، يجعلنا ندرك مدى همجية تحالف العدوان وحقده الدفين على اليمن شعباً وتاريخاً وحضارة؛ إذ بلغ عدد المنشآت التي استهدفها العدوان 257 منشأة سياحية وموقعاً أثرياً وتاريخياً. الأمر الذي تطلب من المعنيين بحماية الآثار رصد كل تلك الأعمال وتوثيقها كجرائم تضاف إلى قائمة الجرائم التي ارتكبها ومازال يرتكبها تحالف العدوان الأمريكي السعودي. كما تأسست عدد من المؤسسات في هذا الصدد، بهدف الحفاظ على التراث، والتخاطب مع الجهات المختصة والمنظمات الدولية المعنية بحماية الآثار، للعمل على صيانة المواقع الأثرية والمنشآت السياحية التي تعرضت للقصف.
«مرافئ لا» التقى رئيس مؤسسة يكرب للتراث والثقافة، فارس التويتي، في حوار حول أنشطة المؤسسة وطبيعة عملها، وكذا حول الأضرار التي ألحقها العدوان في القطاع السياحي.
حماية التراث والثقافة
ما الدافع وراء إنشاء مؤسسة يكرب للتراث والثقافة؟
الدافع لإنشاء مؤسسة يكرب هو وجود احتياج حقيقي لإسهام المجتمع في المحافظة على التراث المادي واللامادي لليمن، وضرورة وجود مؤسسة تهتم بإشراك الشباب بشكل خاص، لأنهم مستقبل الوطن، ولا بد من ربطهم بماضيهم وحضارتهم وتاريخهم.
تأسست مؤسسة يكرب للتراث والثقافة، 2019، إذ قمت بإنشائها بمبادرة ذاتية، وبالتعاون مع عدد من المهتمين بقضايا التراث والثقافة والهوية الوطنية والناشطين في المجال السياحي، بهدف المشاركة في الحفاظ على الثقافة والتراث المادي واللامادي للجمهورية اليمنية، والعمل على تشجيع المجتمع والمؤسسات المعنية لتحقيق ذلك، من خلال برامج ومشاريع ثقافية وتراثية وتنموية نوعية. وهي مؤسسة غير حكومية وغير ربحية مستقلة.
ورسالتنا في مؤسسة يكرب هي أن نشارك في الحفاظ على الثقافة والتراث المادي واللامادي للجمهورية اليمنية، والعمل على تشجيع المجتمع والمؤسسات المعنية لتحقيق ذلك، من خلال برامج ومشاريع ثقافية وتراثية وتنموية نوعية.
دلالة حضارية
ولماذا اختيار اسم يكرب؟ هل له دلالة ما؟
اختير اسم يكرب ليكون اسماً للمؤسسة، وذلك لما له من دلالة حضارية؛ فكلمة يكرب في اللغة السبئية تعني الملك، وارتبطت هذه الكلمة بملوك السبئيين العظماء، أمثال الملك يكرب بن يدع إل بين، الذي أسهم في توسعة الدولة السبئية وتنظيمها من خلال القوانين والأحكام التي أقرها. ويأتي اختيار هذا الاسم لمؤسستنا لكونها مرتبطة ومعنية بالحفاظ على الموروثات الحضارية التي تزخر بها بلادنا، والمتمثلة بالمدن التاريخية والأماكن الأثرية والآثار والنقوش والمخطوطات وكل ما له صلة بالتراث.
تعزيز دور الشباب
ما طبيعة عمل مؤسسة يكرب؟ وما هي أهدافكم في الحفاظ على التراث والثقافة؟
بالنسبة للمؤسسة هي مؤسسة غير حكومية وغير ربحية مستقلة، لها رؤية واستراتيجية عمل، بحيث أصبح لها دور في المشاركة على نطاق واسع، وذلك من خلال التنسيق والتعاون مع الجهات المعنية. فالمؤسسة حاصلة على ترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وأيضا حاصلة على تصريح من وزارة الثقافة، بالإضافة إلى أنها مسجلة لدى المجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، كما أن المؤسسة لديها مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية والهيئة العامة للآثار والمتاحف. وتحرص مؤسسة يكرب على التنسيق الكامل مع جميع الجهات ذات العلاقة أثناء تنفيذ أنشطتها لضمان نجاحها.
وبالنسبة لأهداف المؤسسة، فأهم أهدافنا هو الإسهام في تعزيز دور الشباب في المحافظة على التراث، ونشر الوعي بين أفراد المجتمع بأهمية ارتباطه بتراثه وثقافته الأصيلة، بالإضافة إلى الإسهام في التنمية المستدامة للمجتمع اليمني من خلال تنفيذ البرامج والمشاريع التراثية والثقافية والسياحية.
الهوية الوطنية والإيمانية
وما هي الوسائل التي تعملون فيها من أجل تنفيذ برامج المؤسسة؟
حاليا نقوم بإعداد مجموعة من المشاريع النوعية التي لها أثر حقيقي في خدمة التراث، والتي سوف تعمل على لفت الانتباه للقضايا المتعلقة بالتراث. ومن أهم المشاريع التي نعمل عليها حاليا هي مهرجان التراث اليمني، الذي يهدف إلى الإسهام في تعريف المجتمع بالتراث اليمني المتنوع، ورفع الوعي بأهمية حماية التراث، خصوصا لدى الشباب والنشء، وتعزيز الهوية الوطنية والإيمانية، وزيادة الاهتمام بالتراث الثقافي عبر إشراك القطاعين العام والخاص والمنظمات والجهات ذات العلاقة، وسوف نعمل على الوصول إلى 6000 زائر للمهرجان من مختلف فئات المجتمع اليمني. وسوف يستفيد بشكل مباشر أكثر من 100 شاب وشابة من الحرفيين المشاركين في أنشطة المهرجان، بالإضافة إلى الشباب المشاركين في الإعداد ولجنة النظام. ويتضمن المهرجان العديد من الأنشطة، منها: معرض الفن التشكيلي، التراث والهوية في مواجهة قبح العدوان، اعرف تراثك للتعريف بالتراث والثقافة والسياحة في اليمن، بازار تراثنا يجمعنا، ندوة تراثنا يجمعنا، وكذا مسرحية تراثنا يجمعنا، وغيرها من الأنشطة المتميزة التي سوف يكون لها صدى كبير في المجتمع اليمني وعلى المستوى الدولي، كون المهرجان سوف يحظى بتغطية إعلامية وحضور جماهيري. كان مقرراً تنفيذ مهرجان التراث اليمني في 18 أبريل 2020، بالتزامن مع اليوم العالمي للتراث، لكن بسبب الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا تم تحديد موعد جديد ليكون في 10 يوليو 2020. ونسأل الله أن يحفظ شعبنا وبلادنا الحبيبة من كل شر ومكروه.
تدمير ممنهج
كيف ترى واقع التراث والآثار في ظل العدوان؟
تعرضت الكثير من معالم اليمن التراثية والحضارية والتاريخية إلى التدمير الممنهج من قبل قوى العدوان السعودي الأمريكي، والمتمثل بقصف تلك المعالم بالصواريخ والقنابل التي ألقتها طائرات العدوان، ودمرت بها الكثير من تلك المعالم، أبرزها مدينة براقش التاريخية، عاصمة دولة معين، التي لحقها دمار كبير بسبب القصف الذي كان يهدف إلى تدميرها تماماً، لكنها صمدت كصمود الإنسان اليمني، والمتمثل أيضا بقصف العديد من المعالم الحضارية والتاريخية في صنعاء القديمة وفي تعز وحجة والمحويت والحديدة، وهي المعالم التي جعلت دول العالم ومنظماته تشجب وتندد بتلك الأعمال الإجرامية التدميرية التي تنم عن حقد دفين لدى دول العدوان تجاه شعب اليمن وحضارته.
كما استهدف العدوان أكثر من 23 ممتلكة ثقافية، منها متحف الآثار الإقليمي في ذمار، والمتحف الوطني بصنعاء، والمتحف الوطني بعدن، والمتحف الوطني بتعز، والمتحف الوطني بشبوة، والمركز الثقافي بصعدة، والمركز الثقافي بعبس، والمركز الثقافي بحجة، والمركز الثقافي تعز، والمركز الثقافي بإب، وغيرها.
إن ذلك العدوان الممنهج والسافر على معالم اليمن التاريخية تم ويتم بصورة حاقدة وناقمة، في محاولة لطمس تلك المعالم وتدميرها أمام مرأى العالم ومنظماته المتخصصة التي لم تقم سوى بالشجب والإدانة، وهذا طيب، لكن نريد منها القيام بدورها إزاء التراث الثقافي اليمني بما يحفظ هذا التراث الذي هو ملك للإنسانية جمعاء.
وعليه يتوجب على كل المحبين لهذا الوطن العمل بكل ما لديهم من طاقات وإمكانيات للمحافظة على تراثنا وهويتنا من حقد الحاقدين وطمع الطامعين. ومن هذا المنطلق تسعى مؤسسة يكرب بجهود ذاتية وإمكانيات محدودة للإسهام في نشر الوعي بين الشباب وإشراك المجتمع في المحافظة على التراث اليمني.
ما هو الأثر السلبي للعدوان السعودي على قطاع السياحة؟
لم تسلم السياحة اليمنية من الاستهداف الممنهج لآلة الدمار والعدوان السعودي، فمنذ الوهلة الأولى للعدوان على اليمن في 26 مارس 2015، والمنشآت السياحية والمواقع والمعالم الأثرية والتاريخية اليمنية على رأس قائمة الاستهداف، إذ بلغ عدد المنشآت التي استهدفها العدوان 257 منشأة سياحية وموقعاً أثرياً وتاريخياً. ووفق مسؤولين بوزارة السياحة ومجلس الترويج السياحي، فإن العدوان كبد قطاع السياحة خلال الفترة الماضية خسائر مباشرة وغير مباشرة تقدر أولياً بحوالي 7 مليارات دولار.
كما تسبب العدوان في خسائر بالغة بالسياحة الداخلية جراء استهدافه للمنشآت السياحية والمواقع التاريخية والأثرية، وتعمد قصفه للطرق والجسور، وحصاره للمنافذ والموانئ البرية والبحرية والجوية، ما أدى إلى منع حوالي 500 ألف من السياح اليمنيين (المغتربين في الخارج) الوافدين سنوياً، من الوصول إلى اليمن، وأدى تعطيل إقامة المهرجانات والمؤتمرات والملتقيات العلمية والاقتصادية والثقافية والطبية وغيرها، إلى فقدان اليمن العائدات من سياحة المؤتمرات والمهرجانات، والمقدرة بـ 500 ألف دولار سنوياً.
ونظراً لأهمية القطاع السياحي الداخلية كأحد القطاعات الاقتصادية التي يمكن له الإسهام في تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي، وإيجاد فرص عمل، يتوجب على الجميع العمل لتنشيطها ودعمها وتشجيع الاستثمار فيها وفق خطة يشارك فيها القطاعان العام والخاص.
إهمال وعبث
هل تلمسون تهاوناً في مسألة الحفاظ على تاريخ الحضارة اليمنية، وخصوصاً في ظل ما تتعرض له بعض المناطق الأثرية من إهمال وعبث؟
المحافظة على تاريخ وحضارة اليمن مسؤولية الجميع، والكثير من المعالم التاريخية والتراثية والأثرية تعاني من الإهمال والعبث للأسف الشديد. وأهم أسباب عدم المحافظة هو غياب الوعي المجتمعي تجاه أهمية التراث والآثار، وعلينا أن نرتقي بالوعي العام لدرجة «تقديس» كل ما له علاقة بتراثنا وهويتنا التي أصبحت في وضع صعب جدا، وتتعرض للسرقة والتدمير من قبل دول العدوان, وبالتالي لا بد من العمل بشكل مكثف لجعل كل إنسان يمني مدافعا عن تراثه وهويته، ولا يسمح لأي كان بأن يعبث أو يدمر أو يسرق كل ما له علاقة بآثاره وتراثه.
دور القطاع الخاص
ما هي أكثر الأماكن التي تحتاج للاهتمام من وجهة نظرك؟
هناك معالم تحتاج إلى الاهتمام لما لها من أهمية تاريخية وتحظى بمواقع متميزة يمكن الاستفادة منها في السياحة الداخلية، بحيث يكون لها عائد اقتصادي كبير. فمثلا قصر غمدان يمكن أن يكون مزارا سياحيا جاذبا للكثير من المواطنين، وكذلك الأمر أيضاً بالنسبة لقرية بيت بوس وقرية عطان وغيرهما. وكل ما تحتاجه هذه المواقع هو توفير بعض الخدمات السياحية والترويج لها بشكل ممتاز. وهنا يمكن للقطاع الخاص أن يكون له دور فعال بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وبما فيه مصلحة الجميع، لتكون تلك الأماكن الأثرية مواقع سياحية أسوة بالكثير من الدول الأوروبية والعربية التي تشكل السياحة التراثية أحد أهم مصادر الدخل القومي.
جوهرة التراث اليمني
هل لدى مؤسستكم اهتمامات خاصة بمدينة صنعاء القديمة؟
مدينة صنعاء القديمة هي جوهرة التراث اليمني، ولها مكانة خاصة في قلوب كل اليمنيين، ولذلك سعينا إلى أن يكون لنا أثر إيجابي على هذه المدنية الجميلة بالتعاون مع الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية، وقمنا بالتوقيع مع الأستاذ خالد الإبراهيمي، رئيس الهيئة، على مذكرة تعاون في مجالات التوعية بأهمية المحافظة على المدن التاريخية ونشر مفاهيم التراث والتأهيل للعاملين في الهيئة بما يخدم المحافظة على المدن التاريخية، وفي مجال المحافظة على الحرف التقليدية، خصوصا المهددة بالاندثار. حاليا ننفذ نشاط اليوم الترفيهي والتعليمي في مدينة صنعاء القديمة، الذي يهدف إلى تعريف الشباب بمعالم مدينة صنعاء التاريخية، والتقاط الصور والفيديوهات التوثيقية لتلك المعالم التاريخية، وجعلهم أكثر ارتباطا بحضارتهم وهويتهم.
كلمة توجهونها من خلال الصحيفة إلى المعنيين بالحفاظ على التراث؟
أشكر صحيفة «لا» على اهتمامها بقضايا المجتمع الرئيسية، ومن ضمنها قضية الحفاظ على التراث، وأتمنى من كل الجهات الرسمية والشعبية، وخصوصا الإعلامية، بذل المزيد من الجهود للإسهام في خدمة التراث ورفع الوعي العام للمجتمع بتراثهم وتاريخهم.
المصدر دعاء القادري/ لا ميديا