مروان أنعم / #لا_ميديا -

دول العالم المتبجحة والمتاجرة بقضايا حقوق الإنسان في كل المناسبات والمحافل الدولية، تعطي الأذن الصماء عندما يتم الحديث عن الملف الإنساني والحقوقي للعمالة الوافدة في السعودية، تخشى تلك الدول أن تضحي بعلاقات «الكاش موني» مع دولة تسرف في شراء مواقف الدول والحكومات بالبترودولار مقابل تغاضيها عن إسراف مملكة الشر في إهانة البشر الوافدين إليها.
السلطات السعودية تقوم بشن حملات متواصلة ضد العمال وصغار التجار اليمنيين، الذين يعملون برأسمال صغير مسجل بأسماء اشخاص سعوديين، فبعد صدور العديد من القوانين التعسفية في قصر العمالة في بعض المجالات على المواطن السعودي، قامت السلطات هنالك باعتقال وترحيل الآلاف من المغتربين اليمنيين، وزجتهم بالسجون، وارتكبت في حقهم الكثير من الانتهاكات، ومنها منعهم من حقهم القانوني في المقاضاة، وحقهم في الملكية والانتقال، رغم أنهم لم يرتكبوا أية جريمة جنائية أو قانونية تستوجب الحجز والحبس، فقط هم ضحايا تغيير مزاج سياسة الدولة المضيفة في ما يتعلق بالعمالة الوافدة، فالدولة السعودية هي التي أخلت بالأعراف والشروط التي بموجبها استقدمت تلك العمالة الوافدة، دون النظر لأي اعتبارات أو معالجات تكفل وتضمن أبسط الحقوق المدنية والتجارية للمغتربين.

سجون أقرب إلى مكب نفايات 
يعيش المغتربون اليمنيون المحتجزون في سجون المملكة أوضاعاً مأساوية ومهينة، إذ إن تلك السجون تفتقر لأبسط الاحتياجات الضرورية للسجناء، من حمامات صحية ومرافق أخرى، كما لا تتوافر أية خدمات ورعاية طبية للمصابين بأمراض مزمنة، بالإضافة إلى التكدس والازدحام في أماكن ضيقة لا تتسع للأعداد الكبيرة من المرحلين.
وفي وصف الأوضاع داخل هذه السجون، يقول علي العامري، الذي قبض عليه بسبب عدم تجديد الإقامة وسُجن لعدة أشهر قبل ترحيله: «حمامات السجن القليلة الموجودة والتي لا يتوقف استخدامها على مدار الساعة من قبل مئات المعتقلين، لا أبواب لها، بمعنى أن على السجين قضاء حاجته دون ساتر، ويستطيع الجميع أن يراه، وإذا أصابه العطش عليه أن يشرب من صنبور الماء نفسه الذي يتوضأ منه في الحمام.
ويضيف: ورغم قلة عدد الحمامات، إلا أن الروائح الكريهة المنبعثة منها تملأ المكان على مدار الساعة، وليست هناك طريقة للتخلص منها، وبالتالي فإن شدة الازدحام وانعدام النظافة يسهمان بشكل كبير جداً في انتقــــال الأمراض بــين السجنـــاء.
وهناك عشرات الفيديوهـات والصور المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي، توضح الأوضاع المزرية والسيئة التي يعيشها المغتربون اليمنيون في السجون السعودية، وطرق التعامل غير الإنساني معهم.
كما تتضمن تلك الفيديوهات مناشدات لعدد من اليمنيين السجناء للسلطات اليمنية للنظر في مأساتهم وأوضاعهم غير الإنسانية، ولكن لا حياة لمن تنادي، فالسفارة ومندوبوها مجرد أراجوزات يأتمرون بأمر الديوان الملكي ورغباته.

مندوب الترحيلات اليمني
المغتربون اليمنيون المحتجزون في السجون السعودية يظلون ينتظرون بفارغ الصبر مندوب السفارة اليمنية في المملكة، لكنه للأسف لا يأتيهم سوى بالضرر دون الفائدة، فمندوب السفارة إذا ما جاء يقتصر دوره على شرعنة كل الإجراءات التعسفية وغير القانونية التي تمارس بحق السجناء، إذ يقوم هذا المندوب بالتوقيع على أوراق الترحيل دون أن يستمع أو يلتقي بأحد من السجناء للنظر في شكواهم من سوء المعاملة، وهو بذلك يجسد دور الحكومة العميلة المدمنة للمهانة والامتهان لحقوق اليمنيين المغتربين في كل بقاع الأرض.
الكثير من المحتجزين اليمنيين في سجون المملكة، وبعد أن أصابهم اليأس من أي تدخل يمني جاد لرفع معاناتهم، لم يعودوا يطلبون من سلطات بلدهم وسفارتها سوى التدخل للإسراع بترحيلهم إلى بلدهم، وإنقاذهم من الاحتجاز والحبس الطويل، والذي من الممكن أن يصل إلى أشهر عديدة قبل ترحيلهم.

سجن ترانزيت قبل الترحيل
هناك العديد من نقاط التفتيش المنتشرة في شوارع المملكة، مهمتها اصطياد المخالفين لقانون الإقامة والمتخلفين عن تسديد ما عليهم من مبالغ أصابتهم بالعجز، فتقوم هذه النقاط باعتقالهم واحتجازهم في السجون.
بعدها تقوم السلطـات السعــــودية بتجميع هؤلاء السجناء من عدة سجون فـــي بعض المدن، وترحيلهم إلى سجن مخصص للترحيل يسـمى «سجن الشميسي»، حيث يتم حشرهم في عنابر ضيقة ومزدحمة. 
سجن الشميسي الذي يحمل تسمية أخرى «سجن الكربوس»، قريب من الحدود اليمنية، ويتم فيه تجميع كل الموقوفين من المغتربين اليمنيين في الأراضي السعودية، تمهيداً لترحيلهم.
يتسع هذا السجن -حسب تصميمه وطاقته الاستيعابية- لـ238 شخصاً، إلا أن السلطات السعودية تزج فيه بنحو 700 شخص أو أكثر في بعض الحالات، دون مراعاة لأي اعتبارات إنسانية أو صحية للسجناء الذين تتم مصادرة حريتهم اغتصاباً، وليس ذلك فقط، بل إن سلطات المملكة تقوم بترحيل اليمنيين القابعين في سجونها وهم مكبلو الأيدي، وتحشرهم في سيارات نقل كبيرة أو باصات، عبر منفذ الوديعة إلى الأراضي اليمنية.
أحد المرحلين الذين اختبروا رحلة الترحيل يؤكد أنه يتم حشر المرحلين فوق بعضهم البعض، فعلى سبيل المثال إذا كان الباص يتسع لـ40 شخصاً، فإنهم يحملونه 100 شخص حتى في الممرات، وإذا حاولت التذمّر أو الاعتراض ستحصل على كمية كبيرة من الشتم والسب واللعن في حال كان مزاج الجندي السعودي جيداً، وأما إذا كان مزاجه غير جيد، فإنه يفكّ حزامه العسكري العريض ويضرب به على جسدك.
ويستطرد: «الباص لم يتوقف منذ بدء ترحيلنا من مكة إلى سجن الكربوس (الشميسي)، على الرغم من حاجة الكثير من الركاب لقضاء حاجاتهم خلال الرحلة التي تستغرق ساعات طويلة تصل إلى 16 ساعة، لكنه لا يسمح لهم بالتوقف والنزول لأي غرض كان».
ويضيف: «كنت أنا وغيري من المرحلين نستخدم العلب البلاستيكية للتبول، كما أن البعض يتقيأ بسبب رائحة الباص السيئة».

لاجئون أم عاملون!
كان وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، زعم في تصريحات له في وقت سابق بأن بلاده استقبلت أكثر من مليون لاجئ يمني، ووفرت لهم الوظائف.
تصريحات الجبير قوبلت بانتقادات واسعة من قبل عدد من الناشطين اليمنيين، معتبرين أنها غير دقيقة، لأن اليمنيين ليسوا لاجئين بالسعودية، بل موظفون وعمال أسهموا في بناء المملكة، وهم يعملون فيها منذ عقود، وفق تأشيرات وفيز قانونية تم دفع أثمانها مسبقاً، حسب هؤلاء الناشطين.
وفي تغريدة للحقوقي السعودي ورئيس مركز القسط لحقوق الإنسان، يحيى عسيري، في صفحته على «تويتر»، يقول: «إن معاملة اليمنيين السيئة في سجون الترحيل بلا مبرر، وهي نموذج للمعاملة الوحشية المعتادة في السجون السعودية. هؤلاء لا دخل لهم في السياسة، ويعاملون بهذه الطريقة، فما بالك بالسياسيين والمعارضين وغيرهم في السجون التي لا نعرفها».
لا توجد إحصائيات رسمية بعدد المغتربين اليمنيين في السعودية، إلا أن إحصائيات سعودية قالت إنهم يمثلون 20% من إجمالي العمالة الأجنبية.
وهناك تقديرات رجحت وصولهم إلى مليوني مغترب، إلا أن دراسة نشرها موقع «محيط» كشفت أن عدد المغتربين يتجاوز مليوناً و350 ألفاً.
ومهما كان العدد الحقيقي للمغتربين اليمنيين في المملكة، إلا أن الشيء الأكيد هو أنهم الأكثر تضرراً من القوانين السعودية في ما يخص العمالة الوافدة، إذ يدفع المغترب اليمني مبلغاً كبيرا لشراء تأشيرة (فيزا)، وهو مبلغ يحتاج إلى أكثر من عام أو عامين لتعويضه إذا استطاع، وقد يتعرض للاعتقال كمخالف للقانون، وهو لم يتمكن من مجرد استعادة ما خسره بشراء التأشيرة، ويكون السجن والترحيل في انتظاره بمبررات ومسوغات عديدة تحاول السلطات السعودية إعطاءها صبغة قانونية خالية من أي حقوق إنسانية.
مآسي وويلات المغتربين المغلوبين على أمرهم في مملكة الجور والظلم، لا تنتهي، ولن تنتهي إلا بوجود الدولة القوية والعادلة، والتي تعتبر كرامة الفرد اليمني في الداخل والخارج جزءاً من كرامتها واستقلالها.
إن الاعتداءات المتعمدة والممنهجة من قبل السلطات السعودية بحق السجناء اليمنيين المغتربين، تشكل في ذاتها انتهاكاً لكل الأعراف والقيم الإنسانية والمواثيق الدولية، فالسجون السعودية وويلاتها تكشف الوجه الحقيقي لعقلية النظام المستبد والمتخلف إنسانياً وحضارياً.