علي نعمان المقطري / لا ميديا - 

تأتي السعودية إلى المفاوضات وهي تحاول أن تضع نفسها وسيطا لا طرفا في العدوان. ومن أسخف القول أن نسمع  زعيمة العدوان تدعي أنها وسيط للسلام وليست طليعة الحرب والعدوان. ودعوتها تلك تكذبها اعترافات هادي نفسه بأنه استدعى العدوان في العام 2012 في أول زيارة له إلى الرياض، وهو يتجاهل أنه نفسه جاء إلى السلطة على عربة سعودية قادها الملك عبدالله ومخابرته ومخابرات أميركا في صنعاء، وسبق أن أكد ذلك في تصريحات إلى الإعلام قبل أعوام عندما قال إنه عقد اجتماعات خاصة مع زعماء المشترك في نهاية عام 2010، واتفقوا على إجراء التغيير في السلطة، وكان هذا بتوجيه سعودي أميركي في سياق ما عرف بموجة الربيع العربي (العبري) التي قضت بإبعاد العملاء القدامى، واستبدالهم بعملاء جدد لم تحترق صورهم أمام شعوبهم بعد، ليواصلوا تنفيذ مؤامراتهم المرسومة لهم. وهذا ينقض الادعاء السعودي بالحياد وعدم التدخل، ويثبت تدخل المملكة في كل صغيرة وكبيرة من شؤون البلاد وسياساتها طوال نصف قرن، فقد كانت الحاكم الفعلي لليمن، وهي التي أتت بجميع الرؤساء منذ انقلاب 5 نوفمبر 1967، وهي التي ذبحت الرؤساء والقادة المغدورين، سواء مباشرة أم غير مباشرة، عبر عملائها المحليين.

ولم تكن المبادرة الخليجية السعودية إلا توافقا بينها وبين عملائها لمنع الشعب اليمني الثائر من اختيار حكامه، فقد أغرقت الساحات بالأموال لحرف اتجاه الاحتجاجات عن مساراتها وفرض طريق العنف والعنف المضاد والإرهاب لترهيب الشعب اليمني والشباب، من أجل إبعاده عن قضيته، لإعادة إنتاج النظام التبعي القديم بأشكال جديدة مستندة على التجمعات الإرهابية الوهابية والسلفية التي أنشأتها لتكون أداتها للتحكم بمصير اليمن، البلاد والعباد، يوفرون لها ولتدخلاتها المسوغات والمبررات المختلفة واستخدام الدين لتغطية جرائمها، فكل جريمة ترتكبها تكلف جماعة منهم بتحملها نيابة عنها مقابل الأموال والهبات التي تسكبها إلى بطونهم وجيوبهم للتهرب من المسؤوليات القانونية والأخلاقية على جرائمها.
وفي مطلع القرن الماضي ارتكبت جريمة تنومة بحق 4000 حاج يمني أزهقت أرواحهم غدرا وظلما وهم نيام في مخيماتهم، والمغدور بهم من قبل مخابراتها وبأوامر من ملكها الهمام ونفذها فصيل من قواتها يدعى مجموعة العطعط بقيادة سلطان العتيبي أحد قادتها المشهورين، وإلى اليوم ما زالت قضيتهم لم تسوَّ ومازال ثأر الشهداء قائما ودمهم يطلب القصاص.
كما لايزال دم الشهيد إبراهيم الحمدي ينادي بالثأر، ودماء جميع من أزهقت أرواحهم بجانبه، وكانوا أكثر من 100 شهيد تولى عملاؤها الإجهاز عليهم إلى جانب الشهيد إبراهيم الحمدي وإخوته.
حسب كل القوانين الدولية والشرائع تعتبر السعودية مسؤولة مباشرة عن الجرائم التي ارتكبتها هي أو عملاؤها ووكلاؤها وأنصارها، أو حرضت عليها. ومن الطيبعي أن كل مجرم يدعي البراءة لنفسه قبل إدانته، ومن الطبيعي أن يحاول رشوة الشهود والمحلفين ليتجنب الحكم عليه على ما ارتكبه من جرائم؛ لكن كيف سيحدث هذا في البلاد الواقعة تحت سيطرته، وعصاباته هي التي تقرر مصير القوانين ومآلات الجرائم ومرتكبيها؟! فعادة ما يتم محاكمة الضعفاء بينما الأقوياء يفرون وينجون وقد تبرئهم المحاكم التي صاغوها بأنفسهم، وهذا محتمل في هذا العالم الذي تحكمه القيم الغابية لا الأخلاقية؛ لكن هذا مرتبط بحال المدافعين عن الحقوق والأوطان، وحال المجرمين أنفسهم وقدرتهم على فرض عدالتهم ومفاهيمهم في عصرنا وواقعنا.
فهل السعودية اليوم ما تزال قادرة على فرض إرادتها علينا، ونحن في موضع القادرين على إنزال الأذى بحلفائها ومحاورها الشريرة سلما أو حربا، ولم يعد شعبنا في موقع الضعيف المستسلم بعد أن أعزنا الله بقوته ودعمه ونصره،  وحققنا ما حققناه من انتصارات وتقدم طوال سنوات العدوان الخمس؟!
كانت السعودية تفاوض وتساوم على أن تحتفظ بالجنوب ونفطه الضخم بين يديها، بذريعة أن الجنوب يشكل وحدة خاصة كإقليم مستقل ومنفصل عن اليمن وله كيانه الهيكلي الخاص به ممثلا بالمجلس الانتقالي. وكان هذا قبل انهيارات الساحل والشمال الحدودي. أما الآن بعد ما حدث من تطورات فإن السعودية قد فقدت أوراقها واحدة تلو الأخرى.
كانت قوات الجيش واللجان الشعبية وهي تتقدم على الحدود الشمالية تجاه المناطق السعودية الداخلية تشكل معادلة تحرير الجنوب اليمني في مقابل الجنوب السعودي المحتل، وبهذا تكون ورقة وقف الحرب مقابل الجنوب اليمني قد احترقت، فاستمرار العدوان لم يعد له سوى معنى واحد هو مواصلة الجيش واللجان التوغل داخل نجران وعسير وجيزان وما بعد الطائف، ولذلك سقطت المعادلة القديمة التي كانت قد وضعتها السعودية للحرب والتفاوض، والتي كانت تقوم على فكرة أن بإمكانها إجبار اليمنيين على تسليم الجنوب للنفوذ السعودي الأميركي مقابل إيقاف العدوان على شمال اليمن، يمكن إيقافه مؤقتا مقابل إيقاف التقدم اليمني داخل الأراضي السعودية. لكن اليمن رفض كل الخيارات التي تعرضها السعودية في المفاوضات، ورفض القبول بأي تنازل على أي جزء من الوطن مهما كانت التضحيات ومهما طالت الحرب، فالاستقلال لا يكون إلا كاملاً، وأيضاً السلام لا يكون إلا كاملاً. 

الظهير الجنوبي للعدوان والاحتلال
ما إن وقعت الإمارات والسعودية على الترتيبات الجديدة للجنوب وتسليمه للسعودية، أعلن عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانفصالي، أن "الشرعية تحتضن وتتسع للجميع"، حد تعبيره بعد التوقيع على ما يسمى اتفاق الرياض.
ما الذي غير الخطاب الانفصالي كل هذا التغيير، من النقيض إلى النقيض؟! ولماذا تذكر الهوية اليمنية أخيرا، وأنها تتسع للجميع؟! ولماذا اعترف بها فقط الآن؟! والجواب هو: لأن السعودية تحتاج إليها الآن في المفاوضات والحرب.
بعد الخطاب المذكور يكون الزبيدي قد مات سياسيا، وانتهت معه تلك الحركة المبهرجة، التي تواصلت في الخمس السنوات المنصرمة، عن الدولة الجنوبية المستقلة والجنوب العربي وعن الهوية الجديدة للانتقالي، أو أن هناك مشروعا يتسع لمرتزقة "الشرعية السعودية" والانفصاليين الإماراتيين معا في المرحلة القادمة؛ فما هو؟!
تهدف السعودية من مناوراتها الجديدة إلى ترميم مواقعها الاستراتيجية المهترئة، وتوحيد جبهتي قوى المرتزقة في مواجهة قوات الجيش واللجان الظافرة في ساحة الشمال وساحة الجنوب في وقت واحد.

أوراق العدو التفاوضية
بعد الضربة الاستراتيجية لصاروخية الجيش واللجان على "أرامكو"، لم يعد أمام العدو السعودي الكثير من الخيارات، فليس بيده من أوراق التفاوض سوى ثلاث أوراق، هي: الجنوب، وما يسمى "الشرعية"، وورقة الحصار واستمرار العدوان.
1 ـ ورقة الجنوب تقوم على مقايضة الجنوب اليمني بجنوب السعودية المحتل. وتريد السعودية بهذه المقايضة تحقيق هدفين: الأول هو: الإقرار لها بشرعية احتلالها القديم للأقاليم الثلاثة المحتلة (نجران، عسير، جيزان)، والثاني هو: تخليص هذه الأقاليم من قبضة الجيش واللجان، وهذه الورقة تقوم على اعتبار عجز الجيش واللجان عن استرداد الجنوب اليمني المحتل، وبالتالي اللجوء إلى التبادل والمقايضة بين الجنوبين (الجنوب اليمني والجنوب السعودي)، وهو ما يعني ضمان احتلالها الدائم لتلك الأقاليم الثلاثة المحتلة قديما. 
إلا أن هذه الورقة يمكن حرقها، بتقدم الجيش واللجان نحو العمق السعودي، نحو الطائف، ومقايضتها بعد ذلك بالأراضي التي تحتلها وبعض الحقوق المعلقة لديها.
2 ـ وبالنسبة لورقة ما يسمى "الشرعية"، فالسعودية تحاول المساومة بها مقابل عودة منظومات مرتزقتها إلى التقاسم في السلطة السياسية، وتقييد أيدي الثورة المستقلة، وإعاقة نهضة الحكومة الوطنية التحررية، من خلال فرض قواها العميلة والتابعة لها في الحكم مقابل طي صفحة هادي وعلي محسن بالتوافق مع بيت الأحمر والشائف وبقية عملاء اللجنة السعودية الخاصة. وخيار الجيش واللجان الشعبية هنا يكمن في إقامة شرعية ديمقراطية وطنية وشعبية مباشرة، وتأسيس دستور جديد ثوري وطني يقوم على ثورة الشعب التحررية.