الموت غير الرحيم في «سهيل» و«يمن شباب» و«السعيدة»
إعلانات الدواء تنافس زيوت الطبخ ومساحيق الغسيل..


مارش الحسامي / لا ميديا -

تعد إعلانات الدواء في اليمن، والتي تغزو الفضائيات والمحطات الإذاعية الخاصة، ووسائل المواصلات والشوارع، إحدى الجرائم التي لا يعاقب عليها أحد، رغم القوانين التي تجرمها.
فإعلانات الأدوية ممنوعة عالميا بموجب كافة المواثيق والأعراف الدولية، إلا في اليمن، فهي تتحدى مواثيق الشرف الطبية وتنافس زيوت الطبخ ومساحيق الغسيل.

سلعة لا خدمة
 يعتبر الدواء خدمة إنسانية تختلف في خصوصيتها عن باقي الخدمات والسلع التجارية. وينظر إلى هذا الأمر من جانب الضرورة الملحة والغاية السامية للدواء تجاه الإنسان، الذي هو أغلى شيء في الوجود، وهو ما تتجاهله وزارة الصحة والهيئة العليا للأدوية.

فوضى إعلانية
في حالة نادرة من الفوضى لا يعرفها إلا الشارع اليمني، تحاصرك إعلانات الأدوية ليس في وسائل الاعلام فقط، وإنما أيضا في وسائل المواصلات، بدءاً من أدوية الحمى والصداع وقرحة المعدة والمنشطات الجنسية، وانتهاء بعلاجات داء السكري وغيره من الأمراض المستعصية. أينما يممت وجهك فثمة إعلان دوائي يترصدك، في ظل وجود وزارة للصحة وهيئة عليا للأدوية ومجلس طبي أعلى ومواثيق للشرف ونقابات أطباء وصيادلة مواثيقها تمنع الإعلانات عن الأدوية بأي شكل من الاشكال.

الموت الرحيم
بين فترة وأخرى نسمع عن وفاة شخص ما، نتيجة لتناوله عقار الفياجرا، بل إن عشرات الضحايا فقدوا حياتهم بسبب هذه الأقراص القاتلة، والتي كثيرا ما تروج لها قنوات «سهيل» و»يمن شباب» و»السعيدة»، وبالذات يوم الخميس.
شركات الأدوية التي تقع مقراتها في صنعاء ترعى وتمول برامج في القنوات المحسوبة على الأطراف الموالية للعدوان، فطوال أيام الأسبوع إعلانات لشتى أنواع الأدوية. أما يوم الخميس فيخصص لسيل من الإعلانات المكثفة لعقاقير الفياجرا وأخواتها وما تتحاشى الإفصاح عنه هذه الإعلانات هو أن هذه الأقراص غير آمنة لكثير من الأشخاص، وأنهـــــا في كل الأحوال خطرة جدا على كبار السن، بل إن أغلب الضحايا هم من هذه الفئة، وبالذات من تجاوزوا العقد السادس من العمر وما فوق.

عدوان ناعم
يؤكد الدكتور محمد الكمالي، أخصائي الباطنية والجراحة العامة، أن عقاقير الفياجرا خطرة وقاتلة بالنسبة لكبار السن، ولا يجب استخدامها من قبل هذه الفئة العمرية، إلا تحت إشراف طبي وبعد قياس ضغط الدم.
وأضاف أن كثيراً من الأشخاص دفعوا حياتهم ثمنا لهذه الإعلانات القاتلة التي تروجها قنوات «السعيدة» و»يمن شباب» و»سهيل»، والتي لا ينصح باستخدامها للمرضي الذين لديهم مشاكل صحية في القلب والكبد والكلى وبالذات كبار السن.
وتابع بالقول: «الشخص حين يتجاوز الستين أو السبعين من العمر يصبح ضغط دمه غير مستقر، وعرضة للارتفاع أو الهبوط في أية لحظة، وغالباً ما يكون الهبوط أو الارتفاع طفيفاً وليس خطراً، لكنه يصبح خطيراً مع استخدام عقاقير معينة كالفياجرا، وربما تحدث الوفاة، وأحيانا يكون الشخص يعاني من مشكلات مرضية أخرى مثل السكري أو القلب أو ضغط الدم أو الاكتئاب ويتعاطى أدوية وعقاقير طبية لهذه الأمراض التي قد تتعارض مع أقراص الفياجرا، وهو ما يحدث نتائج لا تحمد عقباها».
وأضاف قائلا: «إذا كان مجرد الترويج للدواء جريمة بحد ذاتها، فإن التستر على المضاعفات والآثار الجانبية وموانع استخدام الدواء يعد أيضاً جرماً لا يقل عن الجرائم التي يرتكبها طيران العدوان».

البيع الرخيص
أكد الدكتور عادل ياسين، أخصائي جراحة عامة، أن هناك فوضى إعلانية تهدد حياة المواطن اليمني، ناصحاً الجميع بعدم الانجرار وراء الإعلانات الدوائية، وعدم استخدام أي دواء لمجرد الإعلان عنه، مطالبا الجهات المختصة بتفعيل قوانين الشرف حفاظا على صحة وسلامة المواطن اليمني.
وأضاف أن هناك إفلاساً تجارياً ونوعاً من البيع الرخيص الذي يجرمه القانون تمارسه عدد من شركات الأدوية بهدف كسب المال وليس إفادة المريض.
وتابع قائلا: «علميا كل دواء له أثر وظيفي وآثار جانبية، ويجب ألا يستخدم أي دواء إلا تحت إشراف طبي ووفقا لحالة المريض وبعد الفحص، ومن المؤسف ما نلاحظه على وسائل المواصلات من إعلانات للأدوية، فتلك ظاهرة خطيرة، لأن هذا الدواء المعلن عنه قد يتعارض مع دواء آخر، أو لا يجوز استخدامه إذا كان الشخص يعاني من مرض أو أمراض معينة، أو من لديه مشاكل صحية في أحد أجزاء الجسم، والمعروف أن الإعلانات لا تذكر الآثار الجانبية للدواء أو موانع استخدامه، ولا سمح اللـــه ربما يخسر ذلك الشخص حياته بسبب هـــــذه الإعلانات، وهو ما يوجب على الجهات المختصة القيام بدورها وتفعيل قوانين الشرف التي تجرم الترويج للدواء بأي شكل من الأشكال». 

أكثر من سقوط أخلاقي
طبيب آخر يقول: «يعتبر الترويج للدواء أكثر من سقوط أخلاقي، لأنه بمثابة جريمتين، الأولى تخص الجانب الأخلاقي والإنساني الذي يمنع الترويج للدواء بأي شكل من الأشكال، والجريمة الثانية تكمن في العواقب المترتبة على هذا الإعلان».
وأضاف: «الإعلانات الدوائية خطرة جدا على حياة المرضى، بمن فيهم أصحاب الأمراض المستعصية، لأن الشخص ربما يترك علاجه الحقيقي، ويلجأ إلى استخدام هذه الأدوية المعلن عنها. وعلى سيبل المثال هناك إعلانات لأدوية داء السكري، ومعروف أن مرض السكري أكثر من نوع ويختلف من شخص إلى آخر، فبعض الحالات بحاجة إلى حُقَن، وبعضها إلى أقراص، أحيانا نجد أن هذا الدواء يناسب هذا الشخص ولا يناسب شخصاً آخر، حتى لو كانا مصابين بالمرض نفسه، لأن كل شخص يختلف عن الآخر من حيث المناعة والقابلية للعلاج، وكل شخص يناسبه نوع معين، وبسبب الإعلانات الدوائية أحيانا الشخص قد يترك الدواء الذي يناسبه وقرره له الطبيب ويستبدله بعقار آخر يفاقم من حالته الصحية». 

لوحات عملاقة
الأعراف والمواثيق الطبية صارمة فيما يخص الترويج للدواء، لدرجة أنها تحظر طباعة صور أو ملصقات ترويجية للأدوية على أبواب الصيدليات. لكن هذا ما تقوله الأعراف والمواثيق غير ما يقوله الواقع، لأن شركات الأدوية في بلادنا تتكفل بطباعة لوحات ضوئية عملاقة تفرد مساحتها للترويج لأصنافها الدوائية، ويتم حشر اسم الصيدلية في إحدى الزوايا. 

على أثير (F.M)
شركات الأدوية التي تهتم بهاجس الربح على حساب الخدمة العلاجية التي تقدمها وجدت ضالتها في الإذاعات المحلية المتزاحمة على موجات (F.M)، وهي الأخرى تهتم بالربح، وتهمش رسالتها الإعلامية، وباتت تفرغ مساحات إعلانية لأدوية.

سقوط أخلاقي في فرزة الباصات
تفشت مؤخرا وبشكل لافت الإعلانات الدوائية على الزجاجات الخلفية لوسائل المواصلات (الباصات والحافلات...)، بعد أن كانت هذه المساحات حكراً على إعلانات المدارس والجامعات الأهلية والمراكز التجارية، قبل أن تتسابق شركات الأدوية على حجز هذه المساحات للترويج لمنتجاتها مقابل 2000 ريال يتم دفعها لسائق الحافلة أو الباص الذي هو الآخر يعتبرها بديلاً جاهزاً للاصق العاكس.

الهيئة العليا للأدوية لا ترد
حاولنا جاهدين مرارا وتكرارا وعلى مدى أكثر من أسبوع التواصل مع مسؤولي الهيئة العلياء للأدوية، باعتبارها الجهة المسؤولة والضابطة، ولكن دون جدوى، بسبب أن هواتفهم إما لا ترد تارة أو مغلقة تارة أخرى، وفي أوقات كثيرة مشغولة.