غازي المفلحي/ لا ميديا 

أيام معدودات وينتهي شهر رمضان ثم يعرف الناس هل كان صيامهم للشهر في موعده الصحيح أم أنهم قد أخطؤوا؛ إما صاموا قبل موعد الشهر أو أفطروا يوماً منه أو ربما أكثر، بسبب المشكلة التي تتكرر خاصة في الأعوام الأخيرة، وهي عدم القدرة على تحديد بداية شهر رمضان، وأيضاً بداية شهر شوال كأول أيام عيد الفطر! فما هي الحلول الممكنة العلمية والنظرية والدينية لحساب أيام الشهور الهجرية بدقة، وخاصة الشهور ذات الخصوصية المهمة بالنسبة للمسلمين كرمضان؟

جدال سنوي
يحل رمضان على المسلمين كل عام وتدشن أيامه الأولى من كل عام تقريباً بالجدل حول رؤية هلال الشهر الكريم. ومؤخراً صار يتكرر الخطأ في تحديد بدايته، في كثير من البلدان العربية والإسلامية، ومنها بلدنا، ما يثير الشكوك بين المسلمين حول صحة صيامهم في المواقيت المناسبة. ويؤكد ذلك الشك عادة في بداية شهر شوال عند ظهور هلال اليوم الثاني أو الثالث من الشهر، بعد أن يكون المسلمون قد أخطؤوا في تحديد أول أيام شهر رمضان، ثم في يوم عيدهم. وينقسم الخلاف في مستواه الأعلى بين الدول العربية والإسلامية وكذا بين المذاهب... والجميع يستند إلى معلومات فريقين مكلفين بمهمة رؤية الهلال، وهم: فريق يعتمد على رؤية الهلال بالعين المجردة، وفريق يعتمد المناظير والحسابات الفلكية في رؤية الهلال، أو الجمع بين الوسيلتين.
تعتمد اليمن، سابقاً وحالياً، على الرؤية المجردة، وبمساعدة بعض المناظير، في تحديد بداية شهر رمضان ويوم العيد، ولا تعتمد على حساب فلكي خاص أو وسائل أكثر تطوراً، مع توصية كثير من الفلكيين اليمنيين باتباع نظام فلكي خاص باليمن ومطالع الهلال فيها.
يقول الفلكي والباحث اليمني عدنان الشوافي: "الخلاف في دخول الشهور لا يعني أن ذلك يفهم وغيره لا يفهم، الأمور واضحة ودقيقة التقدير، ولكن الاختلاف في المنهج المتبع، بالحساب الفلكي أم بالرؤية بالعين".
ويوضح الشوافي قائلاً: «مثلاً يغرب القمر في 3 يونيو بعد الشمس، وقد ولد الهلال فلكياً، ومنه يكون عيد الفطر 1440 هجرية الثلاثاء 4 يونيو 2019، بالحساب الفلكي، وبالحساب الفلكي تكون رؤية الهلال غير ممكنة في 3 يونيو من المطالع اليمنية، لذلك يكون 4 يونيو متمم رمضان لمن يريد الرؤية بالعين، وعيد الفطر الأربعاء 5 يونيو.
إذن، الأمر واضح، العيد الثلاثاء بالحساب الفلكي، والأربعاء بالرؤية بالعين. يبقى أن نعرف أيهما المتبع في بلدنا، السائد هو الحساب الفلكي على مدار العام، وكان دخول شعبان ومنه دخول رمضان مفروضاً بالحساب الفلكي، فالمفترض أن يكون العيد الثلاثاء بالمعيار الذي صمنا به، إلا أننا لا نستبعد الأربعاء، وليس بغريب عنا، لأننا نسمع من رمضان إلى رمضان عن تحري الأهلة بالعين للصيام فقط، فهل ذلك تطبيقاً لقوله تعالى: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج".
ويضيف الشوافي: "كما نشير إلى أن رسالتنا في شهر رجب كانت سابقة للوقف على هذا المفترق، وتقول: لو تريدون حصر الرؤية بالعين طبقوا من شعبان وبشكل شهري، كما ندعو إلى اتباع الجهات الرسمية سواء قررت الثلاثاء أو الأربعاء، لأنهم المعنيون في اتخاذ القرار، وموقفنا من المسألة كشاهد".

الأهلة خارج اليمن
تحاول مصر الجمع بين الطريقتين، التقليدية والعلمية الحديثة، وترى دار الإفتاء المصرية ضرورة إطلاق قمر صناعي إسلامي يعمل على رصد الهلال في سماء العالم الإسلامي. أما السعودية فهي الأكثر بدائية في هذا الموضوع، حيث تقوم بدعوة مواطنيها لتحري الهلال حتى يأتي من يدلي برؤيته في المحكمة الشرعية.
وتدعو المحكمة العليا في السعودية قبيل رمضان المواطنين السعوديين إلى تحري هلال شهر رمضان، في التاسع والعشرين من شهر شعبان، وإبلاغ أقرب محكمة، ممن يراه بالعين المجردة أو بواسطة المناظير.
ورؤية الهلال بالطرق التقليدية هذه تعتمد على عدة أساليب، أبرزها اقتران الهلال، بمعنى وقوع الشمس والقمر على خط واحد، والآخر أن تغرب الشمس قبل غروب الهلال، وإلَّا استحالت رؤية الهلال؛ إذ يطغى ضوء الشمس على الهلال، فتنعدم الرؤية.
وتحديد بداية الشهر العربي بناءً على رؤية الهلال من طرق العرب القديمة، حتى من قبل ظهور الإسلام؛ حيث اهتمت القبائل العربية بالرؤية بغية معرفة الأشهر الحرم التي يوقفون فيها الحروب فيما بينهم، ومن أجل مواسم الحج، وحتى لا تتوقف حركة التجارة، وتتأثر بتلك النزاعات. ويبدو أن الطرق البدائية والسلوك الجاهلي يروق السعودية أكثر، فهي لا تريد تغييره.. ووفقاً لدراسة، وُجد أن السعودية أعلنت في عديد سنوات قدوم شهر رمضان قبل يومٍ من بدئه الفعلي فلكيًا، حيث كان من المستحيل رؤية الهلال، ما دعا إلى انتقاد آلية "الرؤية الشرعية" للهلال في السعودية، وعدم تحقق المجلس الأعلى للقضاء هناك من شهادة الذين يزعمون رؤية الهلال في حين من المستحيل علمياً رؤيته.. ومع ذلك تُصرّ السعودية على اعتماد العين المجردة لرؤية أهلة رمضان وشوال وذي الحجة، ما يتعارض كثيراً مع حسابات تقويم أم القرى نفسه، في حين أن عبدالعزيز الشيخ، مفتي المملكة، يدَّعي أنه تقويم "دقيق وشرعي وموثق ولا يمكن التشكيك فيه"، لكن دون تفسير كيفية رؤية الأهلة في أيام تنعدم فيها الرؤية علمياً، ما يدفع للتساؤل: هل تقويم أم القرى خاطئ، أم يُخيّل لهؤلاء أنهم رأوا الهلال؟
أما في باكستان فقد تم إعلان تشكيل لجنة علمية لرصد الهلال، شكلها وزير العلم والتكنولوجيا، وتقرر أن تجتمع اللجنة كل شهر، لتحديد بدايات الشهور الإسلامية القمرية خلال السنوات الخمس المقبلة، بدقة 100% باستخدام التكنولوجيا، لوضع حد للجدل حول رؤية الهلال في البلاد.
لكن المتشددين وقفوا ضد هذه الفكرة، وعدها كثيرون خطوة ضد "المعايير الإسلامية". وجادل بعض علماء الدين الباكستانيين بأن القمر يجب رؤيته فعليًا لتحديد بداية شهر الصوم. وتعرض وزير العلم والتكنولوجيا والحكومة للانتقاد، فقد طلب مفتي باكستان، منيب الرحمن، رئيس اللجنة المركزية لرؤية الهلال، من الوزير عدم التعليق على "المسائل الدينية"، وتركها لمن سمَّاهم "المُخوّلين بالتحدث فيها"، مطالبًا الوزير بعدم تشويه تاريخ باكستان!
وتتبع معظم الدول نظام رؤية الهلال بالعين المجردة، ومنها اليمن، أو تتبع رؤية الدول المجاورة لها، أو تتخذ معايير خاصة بها؛ فتركيا وماليزيا والمجلس الفقهي لأمريكا الشمالية والمجلس الأوروبي للفتوى والأبحاث، يعتمدون على الحساب الفلكي لتحديد بداية الأشهر، حيث يعدون وجود قمر جديد في الأفق بداية شهر جديد.. وحسب معلومات الفلكيين يمكن عن طريق علم الفلك التنبؤ بدقة بالكسوف الشمسي والقمري لمئات السنوات المقبلة، استنادًا إلى الحسابات العلمية. ويمكن استخدام الحسابات الحديثة لمعرفة أين ومتى نبحث عن القمر، ومدى ارتفاعه في السماء، وفرص رؤيته. وتصل دقة هذه الحسابات إلى حد زمني قدره ثانية واحدة.

مستقبل التقويم الهجري 
من المعروف أن القمر بدورانه حول الأرض هو محور التقويم العربي (القمري)، ومدة الدورة الكاملة تبلغ 29.5 يوماً استناداً إلى المعلومات الفلكية. وعندما يصبح القمر والشمس على خط واحد فذلك يطلق عليه الاقتران، ويقال إن القمر الجديد مولود. وعند نقطة الالتقاء تنعكس أشعة الشمس بالكامل بواسطة القمر، فيحجبها بالكامل عن الأرض، حيث يكون القمر حالكًا تمامًا ويكون في طور المحاق، ولا يمكننا رؤية القمر الجديد على بعد سبع درجات من الشمس، وخمس درجات فوق الأفق. وتعتمد رؤية القمر الجديد على الموقع الجغرافي للمشاهد (خطوط الطول والعرض)، وموقع القمر بعد غروب الشمس، وحالة الرؤية في السماء والظروف الجوية والغيوم.
من أشهر التقويمات الهجرية وأكثرها اعتماداً تقويم أم القرى المعمول به في السعودية. لكن باحثين دوليين يحذرون من أن القواعد التي تحكم تقويم أم القرى غير متوافقة مع إمكانية رؤية الهلال فعليًا، ما يعني أنه إذا استمر التقويم على وضعه الحالي فإن نحو 75% من تواريخها ستكون قبل يوم من إمكانية الرؤية الفعلية. ونظراً لأن الكثير من دول العالم تتبع السعودية في الرؤية، فهذا يعني أنها ستصوم وفق حساب خاطئ عادة يكون قبل بدء رمضان فعليًا بيوم واحد أيضًا.

هذا العيد
يشير مركز الفلك الدولي في بيان وقّعه 28 عالمًا ومتخصصًا من 14 دولة عربية وإسلامية وغيرها، أن محاولة تحرّي هلال شهر شوال لهذا العام في يوم الاثنين، الثالث من حزيران/ يونيو الموافق 29 رمضان، مستحيل وغير ممكن فلكياً، لأن القمر سيغرب قبل الشمس في شرق وشمال العالم الإسلامي، وستستحيل رؤية القمر في المنطقة العربية، ولن يكون مرئيًا إلا في بعض الأجزاء الغربية من الأمريكتين، وباستخدام التليسكوب، وفي حالة صفاء الغلاف الجوي.
ويؤكد مركز الفلك الدولي أنه بالحساب الفلكي فإن يوم الاثنين، الثالث من حزيران/ يونيو هو آخر أيام رمضان، غير أنه بالعين المجردة لا يمكن رؤية الهلال ذلك اليوم، لذا فعلى الدول التي تعتمد العين المجردة أن تكمل رمضان 30 يوماً، بينما وفق الحسابات الفلكية فإن شهر شوال سيبدأ يوم 4 حزيران/ يونيو أي أن الثلاثاء القادم سيكون أول أيام عيد الفطر.
الجدير ذكره أنه في تقويم أم القرى رمضان 29 يومًا، بينما تعتمد السعودية الرؤية بالعين المجردة في المناسبات الدينية، فما الذي ستفعله السعودية هذا العام، خصوصاً إذ يتبعها في هذه القرارات الفقهية كثير من الدول؟! 

خلاف سياسي لا فقهي
يعتقد البعض أن وراء الاختلاف الحاصل كثيرًا في تحديد بدايات شهر رمضان ونهاياته خلاف سياسي، ويكاد لا يمر عام دون اختلاف بين الدول العربية في رصد هلال شهر رمضان تحديدًا، وتتسع فترة الاختلاف على نطاق العالم الإسلامي، وقد يصل إلى اختلاف في يومين أو ثلاثة.. لذلك فإن عدداً من علماء الدين وعلماء الفلك يرون أنه لإنهاء حالة الخلاف في تحديد مواقيت المناسبات الدينية، والمُستغلة سياسياً، لا بد من اعتماد الحساب الفلكي، كونه الأكثر دقة، ولقطع الطريق أمام تحكم الخلافات السياسية بالأمور والقضايا الدينية.
لكن تيارات من علماء الدين، خصوصاً المحسوبين على السلفية، يعتقدون أنه لا يجوز استخدام الحسابات الفلكية لتحديد بداية شهر رمضان ونهايته، وإنما يلزم رؤية القمر على الطريقة القديمة مهما كان الالتباس ونسبة الخطأ المرتفعة فيها.
إذ يعتبر هؤلاء أن الحسابات الفلكية في حالة كانت السماء غائمة إنما هو "رأي غريب" لا ينطبق إلا على الشخص الذي يقوم بالحساب ولا يُلزم غيره. وهذا هو رأي ابن تيمية. وعليه انقسم العلماء بين من يأخذون بظاهر النص، وبين من يرجحون الأخذ بمعناه ومقصده.
وحسب رأي المجلس الفقهي الإسلامي في أمريكا الشمالية فإن الرؤية بالعين المجردة مجرد وسيلة، وليست ممارسة أو شعيرة مطلوبة في حد ذاتها، واستخدام ما ينوب عنها ويساعدها من طرق علمية أمر سليم ولا غبار عليه.
ويستند علماء المجلس الأحاديثى في توجههم على تفسير الأحادية المتعلقة برؤية هلال رمصان بمعناها وليس على بنائها اللفظي، مستندين إلى جملة من علماء مسلمين استخدموا الحسابات الفلكية في عصور ماضية.