غازي المفلحي/ لا ميديا-

ملايين اليمنيين، بين نازحين وموظفين حكوميين، بلا رواتب وعاطلون عن العمل وأيتام سلبهم العدوان معيليهم 
وغيرهم ممن يحتاجون شكلاً من أشكال المساعدة. الكثير منهم يشتكون من عدم حصولهم على المساعدات الإنسانية الغذائية والإيوائية التي تعلن أرقامها وأطنانها الهائلة في الإعلام وهي تجمع لأجلهم وكانت في عدة مناسبات 10 مليارات دولار، 2.6 مليار دولار، و100 مليار دولار.
خليط من النهب الدولي والمحلي
مليارات الدولارات لو صرفت فعلاً لفقراء اليمن لأنقذتهم جميعاً، ولو خصصت للاستثمار وتنمية الاقتصاد اليمني المدمر لقطعت شوطاً كبيراً في إصلاحه، لكن أثرها على قدر حجمها لا يكاد يُلاحظ على البطون الخاوية. ومشكلة المساعدات الإنسانية إلى اليمن أنها إحدى قضايا الفساد والانتهاك الأكثر شهرة التي لا يُعرف طرفها أو مركزها، فهي خليط من النهب الدولي والمحلي الأكثر تعقيداً واتساعاً.

شكاوى متعددة
لن تعاني أو تبحث طويلاً لتجد أشخاصا أو أُسراً مستحقة يشتكون من مشاكل مثل: عدم حصولهم على المساعدات الإنسانية. التوزيع غير العادل، الحصول على المساعدات بعد عناء ومشقة، وصول المساعدات على فترات متقطعة ومتأخرة، تعمد الإذلال والتأخير في صرف المساعدات، وصول المساعدات ناقصة أو منتهية الصلاحية... هذه فقط بعض المشاكل في آخر حلقات هذه المساعدات وتوزيعها للمستحقين الفقراء والنازحين والمحتاجين، التي شكا منها الكثير ممن قابلناهم أو ممن لم نقابلهم. أما المشاكل وتهم الفساد الأخرى المتعلقة بالحلقات الأعلى والأكثر احترافاً في الاحتيال كأن تصل قيمة استهلاك الانترنت لمنظمة الغذاء العالمي إلى مليون و200 ألف دولار في السنة فتلك قضايا أخرى تحتاج تقارير ووقفات كثيرة.

الاستثمار على حساب البطون الخاوية
لم يعد سراً أو تذمراً مبالغاً فيه أن غالبية المساعدات الغذائية يتم بيعها في الأسواق أو يتم توزيعها وفق معايير خاصة ليست الحاجة أساسها الأول، ويظهر شعار برنامج الغذاء العالمي واللجنة الدولية للصليب الأحمر على منتجات معروضة في العديد من محلات بيع المواد الغذائية في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات جنوبا وشمالا بكل وضوح، كالقمح وزيت الطبخ والفاصوليا وغيرها، كما ليس سرا ما تجنيه المنظمات من ثروات طائلة من الاستثمار في البطون الخاوية.
تحدثت "لا" مع كثير من المواطنين، واشتكوا من عدم تسلم مساعدات غذائية، منهم الأستاذ توفيق الكبودي، المدرس في إحدى المدارس الحكومية جنوب العاصمة، والذي قال إنه لم تأت مساعدات إلى منطقتهم أو إلى المدرسة التي يدرس فيها، لا للمدرسين ولا للفقراء والنازحين في الحي. آخرون قالوا إنهم نازحون وأن أسماءهم شطبت من كشوفات التوزيع. كما أن هناك موظفين حكوميين من ضمن ما يقارب المليون موظف خسروا رواتبهم الحكومية ويعيشون أوضاعاً صعبة يعدون ضمن استهداف المساعدات، ولكن لم يصلهم شيء.

إذلال وتطفيش
كثيرون يشتكون مصادرة حصصهم وشطب أسمائهم من الكشوفات أو عدم مرور لجان المسح لتسجيلهم ضمن المستحقين، بالإضافة إلى اعتماد الكثير من الوثائق والبيانات لأجل تعقيد عملية ضم أسمائهم إلى كشوفات المستحقين. كما يشتكي الكثيرون من وسطاء التسجيل والتوزيع وتحركهم وفق المحسوبيات وبدون روادع أخلاقية ووطنية في بعض الأحيان. أحمد غالب، أحد المدرسين الذين شطبت أسماؤهم من قائمة توزيع المساعدات، يقول إن ذلك بسبب خلاف شخصي بينه وبين مختصين في لجان التسجيل والتوزيع.
موظفون بلا رواتب ونازحون أضاف حرمانهم من هذه السلال الشهرية، البسيطة أساساً، المزيد من المعاناة والبؤس إلى حياتهم، حيث يكاد أكثرهم لا يملكون شيئاً.
مروان سعيد، نازح من محافظة تعز إلى منطقة حزيز بصنعاء، يشكو من العشوائية في إقامة مراكز التوزيع، وقلة خبرة وكفاءة القائمين عليها، فهي حسبما قال متغيرة وغير ثابتة باستمرار ما يصعب مهمة معرفتها في كل مرة، فقد يتغير المركز كل شهر، كما أن الكثيرين لا تصلهم الإشعارات التي تُعلمهم بالتوجه لأخذ حصصهم فتضيع أو تنهب. كما اشتكت نساء من تعمد تأخير الصرف والمماطلة وإذلال الناس أو تضجيرهم حتى يتركوا حصصهم.

فساد وفشل إداري
يشير بعض المختصين إلى جانب من الفساد أو الفشل الإداري والفني في المسح والتوزيع يتمثل بالتوزيع العشوائي، وسقوط بعض الأسماء سهواً أو بسبب الإجراءات غير السليمة في إحصاء المحتاجين والوصول إليهم وتمييزهم، بالإضافة إلى سوء تقدير لمن هم أولى من غيرهم بالحصول على المساعدات، حيث يقول بعض المحتاجين إن أغلب المساعدات تذهب إلى الأرياف بينما حال سكان الأرياف في كثير من المناطق أفضل من المنكوبين في المدن، فسكان الريف لديهم بيوتهم الخاصة ويعتمدون على المزارع أو المغتربين، خاصة في المحافظات الآمنة من المعارك المباشرة على الأرض، بينما يعيش كثير ممن في المدن، خاصة النازحين والفقراء، حياة أقرب إلى حياة التشرد والمجاعة.

السطو على المساعدات
يقول برنامج الغذاء العالمي إن مساعداته الشهرية لليمنيين مخصصة لما يقرب من ثمانية ملايين يمني، إلا أن المستفيدين في الواقع أقل بكثير وفقا للنتائج المشاهدة، وهناك عملية سطو كبيرة على المساعدات محلياً، ومن أمثلة ذلك ما ظهر بعد أن تلقى صحفيون وعاملون في صحيفة ومؤسسة "الثورة" اتصالات من برنامج الغذاء العالمي للتأكد مما إذا كانوا حصلوا على مساعدات شهرية تصرف بأسمائهم، لكن العاملين في الصحيفة فوجئوا بالاتصال وبأن هناك مساعدات تصرف لأسرهم ولا تصل، قبل أن يبلغوا أن المساعدات تُصرف شهرياً منذ بداية العام 2018. وهذه العملية توازي عملية جمع الثروات غير المشروعة التي تقوم بها المنظمات الدولية التي تخصص جل تلك الملايين من الدولارات كنفقات لها وترمي الفتات كمساعدات، وفضيحة فاتورة الانترنت المبالغ فيها بشكل كبير جداً شاهد قريب على ذلك.

اتهامات متبادلة
وتم تراشق الاتهامات في أزمة المساعدات الإنسانية، حيث اتهم برنامج الغذاء العالمي مطلع يناير الماضي حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي بنهب المساعدات وبيعها. كما اتهم سابقاً مدير الطوارئ والإغاثة ببرنامج الغذاء العالمي، عمر الداؤودي، والممثل المقيم لبرنامج الأغذية، ستيفن أندرسون، العام الماضي، جهات حكومية لم يسمها بالاتهامات ذاتها. ورد على ذلك محمد علي الحوثي بأنه قد تم مطالبة البرنامج في وقت سابق بتسليم قائمة بأسماء الجهات أو الشخصيات محل الاتهام، كما اتهم محمد علي الحوثي البرنامج بشراء مساعدات منتهية الصلاحية.
لكن البرنامج بدوره أشار إلى أن السلطات الحكومية عرقلت إجراء إصلاحات أراد البرنامج تنفيذها، كإدخال نظام التسجيل البيومتري للمستهدفين من المساعدات، للتأكد من وصول المساعدات إلى مستحقيها.

نصيب الأسد للأمم المتحدة ووكالاتها
التقارير والمعلومات تشير إلى حصول منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها على أكبر حصة من المساعدات التي قدمت أو جمعت لليمن، حيث جمعت الأمم المتحدة 10 مليارات دولار، فيما أعلنت دول ومنظمات واتحادات عن مساعدات لا تقل عن 100 مليار دولار، من أجل محاربة الفقر والجوع في اليمن منذ بداية العدوان. وسلمت هذه الأموال لعشرات المنظمات والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمؤسسات غير الحكومية المحلية. ومن بين أكبر المنظمات التي تلقت هذه الأموال برنامج الغذاء العالمي وصندوق الطفولة التابع للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وبالرغم من الكم الرقمي والإعلامي والبنكي الهائل للمساعدات المقدّمة من المنظمات الإنسانية لليمنيين إلا أنها بطريقة ما غير كافية ولا تصل بشكل يفيد المحتاجين. وكل ما يحصل عليه المحتاجون في اليمن من كل تلك الملايين والمليارات هو كيلوغرامات من خليط القمح والصويا وعلبة زيت، هذا إن حصلوا عليها أصلاً قبل أن يتخطفها لصوص الدرجة الثانية والثالثة.
يعد إحصاء أوجه ممارسات الفساد بالنسبة للمساعدات بالغ الصعوبة. وتتحدث بعض التقارير عما يصل إلى 60 في المائة من المساعدات تجري عليها عملية الفساد، وهي نسبة كبيرة إذا ما تأكدت، فإنها تعني نهب معونات الملايين من اليمنيين، وهو ما يتطلب تعاون الجهات الدولية والمحلية لتكشف لليمنيين من هم المسؤولون عن نهب الغذاء المخصص للإغاثة الإنسانية، واتخاذ الإجراءات لوقف سرقة المساعدات والتكسب وصنع الثروات الطائلة من المتاجرة بفقر وحاجة اليمنيين، وحتى لا تستغل حكومة المرتزقة ذلك لتنفذ مطالبها بسحب المساعدات الدولية من حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي وإرسالها عبرها وإدارتها وعن طريق بنك عدن.
جدير بالذكر أن تقرير الاحتياجات الإنسانية في اليمن لعام 2018، الصادر عن عدد من المنظمات، يشير إلى أن هناك 17.8 مليون شخص تقريباً يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و16 مليوناً يفتقرون إلى المياه النظيفة والصرف الصحي الآمن، و16.4 مليوناً يفتقرون إلى الرعاية الصحية. وقد ضاعفت الأزمة التي سببها العدوان قسوة الأزمة الإنسانية في البلد منذ يونيو 2017، حيث أصبح 11.3 مليون يمني بحاجة ماسة إلى مساعدات تبقيهم على قيد الحياة.