استطلاع:غازي المفلحي / لا ميديا -

عزل تحالف العدوان مدينة الدريهمي عن الحديدة واليمن والعالم بحصار مميت أدى إلى تناقص سكانها الـ7 آلاف من المستضعفين دائماً (النساء والأطفال والمسنين) يوماً بعد آخر بالتجويع وقطع سبل العيش ومنع العلاج عنهم، إضافة إلى قتلهم بشكل مباشر بالغارات والخروقات، صواريخ وقذائف أو رصاص. ويكاد الحصار على المدينة يكمل العام، وبحسب المعلومات عن حال المدينة المحاصرة وأهلها، فإنه لن يبقى في الدريهمي سكان، ولن تكون مديرية للأحياء إذا استمر حصارها لفترة أطول.

عام من الحصار
بدأ حصار الدريهمي بالتزامن مع التصعيد الأخير الذي شنه تحالف العدوان على الحديدة، والذي يكاد يكمل العام أيضاً دون أن تتحقق طموحات الإمارات والسعودية، ربما إن الكثيرين خاصة دولياً لا يتكلمون عن حصار الدريهمي، ولكن الجميع يعلمون به، ويستمر حتى اللحظة، والأمم المتحدة تسمع وترى، والعدوان ومرتزقته ماضون في قتل أبناء الدريهمي سواءً بالقصف أو بمنع وصول المساعدات الغذائية والدوائية إليهم وإغلاق جميع المنافذ المؤدية إلى المدينة وقطع سبل العيش فيها على المزارعين أو الصيادين. بينما كان فك الحصار وإرسال المعونات وإدخالها إلى المدينة المحاصرة هي أولى اهتمامات الأمم المتحدة، بحسب ما تتبناه من وظيفة ودعاوى إنسانية، إلَّا أن مكتب الأمم المتحدة بالحديدة كان له مواقف سلبية مباشرة في أكثر من مرة، حيث امتنع عن استقبال قافلة غذائية كان أبناء الحديدة، ورغم ظروفهم الصعبة، جهزوها لإخوانهم في مدينة الدريهمي، تحتوي على أغذية ودقيق وأرز وسكر وجبن ومعلبات وماء ومواشي، استشعاراً منهم بمعاناة أبناء الدريهمي المحاصرين.

تواطؤ الأمم المتحدة
الأمم المتحدة ومنظماتها الإغاثية، وبعد مرور 6 أشهر من الحصار، لم تحرك ساكناً، فلم تقدم المساعدة أو حتى تسهل وصولها، ولم تقم بالتنسيق مع تحالف العدوان لفتح الطرق للوصول إلى المحاصرين وتسليمهم المساعدات، في ما يشبه المشاركة في الحصار وقتل الأطفال والنساء. وعدم التحرك وفق صفتها كوسيط إنساني بين طرفي حرب، هدفها المساعدة كما يفترض بها.
كما لم يحرك المجتمع الدولي وأبواقه ساكناً، ولم يصدر عنه أي موقف حيال حصار وحشي لمدينة يسكنها 7 آلاف نسمة، بينما قد تعلو الأصوات عند حصار مسلحي جماعة إرهابية في اليمن أو سوريا أو غيرهما، كما هو معهود من ازدواجية المجتمع الدولي الميؤوس منه وصاحب القيم الإنسانية المزيفة.
وطالبت قيادة السلطة المحلية في الحديدة، في أكثر من رسالة وخطاب ونداء استغاثة لرئيس بعثة الأمم المتحدة مايكل لوليسغارد، بالعمل والتنسيق لتحييد طيران العدوان السعودي الأمريكي أثناء مرور القوافل الدولية والمحلية لمدينة الدريهمي المحاصرة، والتي تتعرض لغارات وقصف جوي.
بدورها، وجهت وزارة الصحة العامة والسكان عبر القطاعات الصحية بالحديدة نداءات استغاثة للمجتمع الدولي للتحرك الفوري لإنقاذ الدريهمي، والرد كان لا شيء.

7 آلاف إنسان في مأساة كارثية
تقع مدينة الدريهمى المحاصرة على الشريط الساحلي الغربي، وتقدر مساحتها بــ15 كيلومتراً مربعاً، ويقطنها أكثر من 7 آلاف إنسان (هذا إن لم يكن الحصار قد قلص هذا الرقم كثيراً). وتعيش الدريهمي مع القرى المجاورة لها مأساة كارثية وسط شحة شديدة للمواد الغذائية والدوائية، وقصف مستمر للقرى والمنازل في المدينة التي خيَّر العدوان أهاليها بين الرحيل عنها أو السجن داخلها حتى الموت.
وقد رصدت منظمات حقوقية محلية عشراتِ المجازر بحق المواطنين في تلك المدينة المعزولة بسببِ الحصار والغارات المتواصلة، فيما تؤكدُ مصادرُ عسكريةٌ أن أكثرَ من 20 ألف غارة نفذها العدوان على مدينة الدريهمي خلال زحوفاته عليها، وحتى الذين حاولوا الفرار من المدينة التقفتهم غارات العدو، ومن أشهر الجرائم بحق نازحي الدريهمي استشهاد أكثر من 31 شخصاً، بينهم 22 طفلاً وعددٌ من النساء كلهم من أسرة واحدة، في منطقة الكوعي، أثناء نزوحهم من مدينة الدريهمي المحاصرة، في 23 أغسطس 2018.

سجن كبير بلا غذاء أو دواء
أما النازحون الناجون من مدينة الدريهمي، والذين اتجهوا نحو مديريات الحديدة الأكثر أماناً ونحو صنعاء ومحافظات أخرى، فقد قالوا إن الوضع في مدينة الدريهمي سيئ للغاية، والظروف مهيأة لأن يموت الإنسان هناك لا أن يعيش، فالمدينة سجن كبير بلا غذاء أو دواء أو خدمات، وتحت القصف الجوي والمدفعي، وأهالي الدريهمي ممنوعون من الوصول إلى المدن حولهم أو إلى مركز المحافظة للحصول على احتياجاتهم الغذائية والعلاجية، حيث تشهد صيدليات ووحدات ومراكز ومستشفيات الدريهمي ومحلات المواد الغذائية فيها عجزاً كبيراً.
لا أحد يسمع أنين المحاصرين في الدريهمي الذين ما عادت لديهم القدرة على الصراخ في المدينة التي يتعرض سكانها للإفناء يوماً بعد آخر جراء القذائف أو بسبب شحة الأكل والشراب، أو بفعل الأمراض، وليس الخطيرة منها فحسب، بل حتى البسيطة والإصابات والجروح التي تسببها مقذوفات المرتزقة، والتي تقتل من أصابته شظاياها بسبب تردي الرعاية الطبية إلى أدنى مستوى.
وحسب تقارير، فقد دُمرت أكثر من 70% من منازل وممتلكات المواطنين الخاصة والعامة في الدريهمي، منها 7 مساجد أثرية صوفية، ومركزان صحيان، وشبكات الاتصالات المحلية، وكذلك خزانات المياه النظيفة.
إن أهداف حصار الدريهمي هي ذاتها أهداف حصار اليمن، وتتمثل في كسر وإخضاع اليمنيين لقوى الاحتلال، إضافة إلى عامل الحقد الذي يكنه تحالف العدوان ومرتزقته نحو اليمنيين، لدرجة أنهم يحاصرون ويقتلون بلا هدف أو منهجية عسكرية كما يفعلون في كثير من الأحوال،  وجريمة حي الرقاص في شارع هائل خير دليل. ولا يفيد الرهان على دور أممي جاد منصف لليمن، ويجب الوضع في الاعتبار أن تحالف العدوان لن يغير من سلوكه في قتل وحصار اليمنيين، وليس أمام اليمنيين سوى مواجهته بشدة دفاعاً عن أنفسهم، وحتى يرتفع الحصار عن مدنهم واحدة تلو أخرى، وتتحرر اليمن قاطبة.