أسبوع عمل كل 4 شهور بفعل كساد كبير خلقته الحرب على اليمن... المصلوبون على الرصيف
- تم النشر بواسطة شايف العين / لا ميديا

شايف العين / لا ميديا -
العاشرة والنصف صباحا بتوقيت العاصمة صنعاء. وعلى غير العادة لا تزال «جولة دار سلم» ورصيفها مكتظة بالعمال الذين ينتظرون تحقق حلمهم وقدوم أحد ما يعيد الحياة لمجارفهم ومعاولهم ومطارقهم ويسعد أياديهم الخشنة بعودتها للعمل. وإلى جانب جولة السير هذه, أصيبت بقية جولات صنعاء وأرصفتها المتعارف عليها كأسواق حراج للعمال بمختلف مهنهم، بالاكتئاب والحزن منذ بداية العدوان الأمريكي السعودي على الوطن في مارس 2015، لما حل بأولادها من تعاسة وعسر حال بعد استهداف العدو للقمة عيشهم، مثلهم مثل بقية فئات الشعب، وبقاء بعضهم متعلقاً منذ عامين حتى الآن بوعود المنظمات غير الإنسانية وصندوق الضمان الاجتماعي، بعد إضافة أسمائهم إلى السجلات ليحصلوا على لا شيء.
عطلة قهرية بلا أجر
مضى ثلاثة أشهر على آخر مرة تنفست فيها مجرفة محمد الحبيشي (36 عاماً) رذاذ التراب الذي تحفره، ودخلت بعدها في غيبوبة بفعل تدهور الوضع الاقتصادي الذي يعيشه البلد نتيجة العدوان والحصار، لتتبدد آمال أبنائه الأربعة وزوجته في استقبال الشهر الكريم بمنزل تزين مطبخه المواد والسلع الغذائية اللازمة كغيره من منازل القرية.
يقول الحبيشي إنه منذ بداية العدوان وهو يعمل بمعدل أسبوع واحد كل ثلاثة إلى أربعة أشهر، وما يجنيه من عمله في ذلك الأسبوع يذهب نصفه في تكاليف سكنه ووجبة واحدة يتناولها في اليوم، والنصف الآخر لمن يعولهم ويبدأ من اليوم الثامن صراعه مع الديون لتوفير لقمة العيش له ولأسرته.
أما عبده محسن (43 عاما) فيشكو حاله قائلاً: "ما قد عشت أنا وأسرتي هذا الجوع الذي خيم علينا من قبل أربع سنين أبداً، كنت أبكر الساعة خمسة ونص فجراً وألاقي عمل أجلس فيه لمدة شهر وأحيانا شهرين، أما الآن مثلما بتشوف قده ظُهْر وعادني منتظر صاحب العمل الذي يشلني أرنج جدران بيته بكم ما كان، ولي على هذي الحالة أكثر من سنة، وأبكر من جولة إلى جولة وإذا لقيت عمل فهو قليل ولمدة يومين أو ثلاثة بالكثير وأجلس بقية الشهر في هذا الرصيف بدون عمل".
السبب الرئيسي في معاناة العمال -بحسب قولهم- هو الوضع المتردي الذي تسبب به العدوان على مدى خمسة أعوام أجبرهم فيها على عطلة قهرية طويلة الأمد بلا مقابل، فأعمال البناء متوقفة ونادراً ما تحدث، وإذا حدثت فقليل من كثرة عمال الحراج يجدون فرصة لإحياء أدواتهم وإنعاش دخلهم. كما أن ارتفاع الأسعار بسبب الحصار والحرب التي يشنها العدو على العملة كانت من ضمن الأسباب التي جعلت حالة العمال تزداد سوءا.
المنظمات تتسول باسمنا
أكد معظم عمال الحراج الذين التقتهم بهم صحيفة "لا" أن المنظمات وصندوق الضمان الاجتماعي مستمرة في الكذب عليهم، كونها ضمت أسماءهم إلى سجلاتها ووعدتهم بمساعدات مالية وغذائية ولكنهم لم يحصلوا على شيء من ذلك.
يقول حمود مجاهد (40 عاما): "بالنسبة لي خمس مرات واسمي يُسجل في المنظمات وكل منظمة تقول لي إنها ليست كسابقتها وأنها فعلاً ستعطيني سلة غذائية شهرياً، وأخرى ستعطيني مبلغ 150 ألف ريال كل شهر كي أوفر لأطفالي لقمة العيش... ولا يتحقق شيء من ذلك، حتى تأكدت انهم يسجلون أسماءنا ليتسولوا باسمنا ويجمعوا الثروات، ونحن نموت في هذا الشارع منتظرين ألف ريال وأحيانا نتمنى المائة ريال".
أنور التويتي، أحد العمال الذين التقيناهم، مشكلته ليست مع المنظمات، لأنه لا يصدقها حد قوله، ويشير إلى أن مشكلته مع صندوق الضمان الاجتماعي الذي ما زالت معاملته منــــــذ سنتيـــن حبيسة الأدراج، وهو الوقت الذي أخبروهــــــم فيه بأنهم سيضيفون أسماءهم إلى سجلات الصندوق ليستلموا مبالغ مالية شهريا، ورغم أنها تافهة لا تتجاوز 12 ألف ريال، إلا أن الظروف المعيشية بفعل العدوان والحصار تجعلها قيّمة.
ويضيف أنور أن صندوق الضمان الاجتماعي بدلاً من القيام بواجبه في تقديم الخدمات والمساعدات المالية للمحتاجين والمعسرين بشكل عام، ربطها بالمشائخ والمسؤولين وجعلها تابعة للمحسوبية والوساطة.
إلى جبهات القتال أو نربط على بطوننا حجارة
كثيرون من عمال الحراج دفعتهم ظروف المعيشة الصعبة إلى ترك مجارفهم، وحمل السلاح متوجهين إلى جبهات العزة والشرف بجانب الجيش واللجان الشعبية، والبعض قرر الانضمام لإلى صف المرتزقة.
علي حسين الآنسي، أحد عمال الحراج، يقول إن كثيرين ممن كانوا يشاركونه رصيف جولة الثلاثين في العاصمة صنعاء تركوا مجارفهم ومعاولهم وحملوا عوضاً عنها أسلحتهم، ومنهم من استشهد كصديقه عبدالله الكامل، والبقية لا يزالون إلى جانب أبطال الجيش واللجان الشعبية.
وأضاف الآنسي أنه حاول منع زملائه من الذهاب إلى الجبهة عندما قرروا ذلك قبل عام ونصف، وذكرهم بأولادهم وأسرهم، فردوا عليه بأنهم في فترة العدوان الأولى ظنوا أن الأمر لا يتعلق بهم ولكن عندما فقدوا بعض أصدقائهم وأقاربهم نتيجة القصف وفقدوا أعمالهم وظلوا عاطلين بسبب الحصار اتضح أن العدو يستهدف الشعب بأكمله ويجب إيقافه وردعه.
ويشير علي الآنسي إلى أن آخرين ممن كان يعمل معهم حملوا سلاحهم ولكن في الموقع الخطأ إلى جانب العدو لينضموا إلى مرتزقته. ويختتم حديثه بأنه يجب على من يهمون قوت يومهم ولا يجدونه أن يصبروا، فليسوا أفضل من المجاهدين الذين يبذلون دماءهم وأرواحهم بلا مقابل في سبيل الوطن والشعب، وأقل ما يمكن أن يقدمه من يجلسون في بيوتهم هو الربط على بطونهم بالحجارة.
المصدر شايف العين / لا ميديا