علي نعمان المقطري / لا ميديا -
بعيداً عن الذرائع الأمنية التي ادعاها كل طرف فإن المؤكد أن المبادرة إلى الصراع هذه المرة كانت من جانب مليشيا الإصلاح المدعومة من محافظ هادي، نبيل شمسان المعين أخيراً، وقيادة محور تعز العسكرية والأمنية والطرف الذي يتبعه في مركز العدوان، أي الشرعية الهادوية وعلي محسن وجهاز المخابرات السعودية، وطرف فيها معني بإدارة التناقضات الجانبية مع الطرف الإماراتي الحليف التابع لها.
والنتيجة الأساسية هنا هي أن الصراع كان امتداداً لصراع الطرفين في ساحات عدن وغيرها من ساحات السيطرة العدوانية بقرنيها السلفيين الأمريكيين الصهيونيَّين، بهدف توسيع نفوذ كل طرف من أطراف العدوان محلياً وإقليمياً ودولياً.
هي حرب باردة تُخاض داخل أجنحة العدوان نفسه في سياق إعادة التنظيم والتموضع العامة وتكريس التوازنات القائمة والجديدة بين الأطراف، وخاصة عشية الانتقالات الكبرى في مسار الصراعات الجارية الآن، فكل مرحلة لها أولوياتها ومطالبها وحساباتها وقواها الطليعية التي تقف على طليعتها وتتطابق مصالحها مع مصالح العدوان العليا بحيث تصبح أغراضه هي أغراضها، وفي كل طور جديد تتقدم قوى وتتخلف أخرى وتتبدل قيادات وشخصيات لتفسح الطريق أمام غيرها من القوى والقيادات الجديدة والصاعدة، ولكن القوى المسيطرة القديمة بطبيعتها لا تخلي مواقعها بسهولة دون مقاومة أبداً، فلذلك ترتدي عملية إعادة التنظيم بين الأطراف العدوانية أشكالاً من الإزاحات المُرة والدموية المحدودة أحياناً والموسعة أحياناً أخرى.
إن علاقات السيطرة والسيطرة المضادة وإعادة التنظيم والتموقع بين المليشيات المرتزقة لا تتم إلا عبر الإزاحات واستعراض القوة الجافة والمباشرة وهذا الشكل من الصراع لا تعرفه مناطق الجيش اليمني إلا نادراً وفي حالات ناتجة عن المؤامرات والفتن، وليس بين أشقاء في قوة واحدة كما يحدث لدى العدو ومناطق سيطرته. صراعات الدم لا تحدث هنا بين الإخوة، ولا تحدث إلا مع قوة معادية اخترقت أو تسللت.
صراع استنزاف لا حسم فيه لطرف، وإن غلب فهو صراع بين أشقاء العدو حول نتائج التركة، نتائج الغنيمة، وهو ضرب من آلية مرتبة سلفاً من قبل قيادة العدوان الاستراتيجية لإدارة القوى والسيطرة عليها والتلاعب بها واستغلالها وتوظيفها ومنع وحدتها، ولا يمكن أن يصل إلى نهاية حاسمة لأحد الطرفين على الآخر، فسرعان ما يتدخل المشغل الأعلى لإعادة الأمور إلى مجاريها في إطار خدمة العدوان ووفقاً لشروطه ومصالحه بعد أن يكون قد بلغ مأربه المرحلي وحافظ على الطرفين ولو قرص أحدهما.
ويجري الصراع في إطار إعادة توزيع السيطرة على الجغرافيا المحتلة بين أطراف العدوان الإقليميين والإعداد للطور التالي من المخطط، أي أن تعز مقدمة على اختبارات وتطورات بعد فترة من البيات الشتوي طالت، ويعتمد بدوره على عمليات إعادة تقييم لأهمية المناطق والمراكز التي يسيطر عليها كل طرف والأهداف المرجو تحقيقها ومدى تطابقها مع الأهداف العدوانية المباشرة في الطور الجديد.
تغيير التوازنات يغير السياسات
مع نهاية العام الثاني كان العدو قد تكبد الهزائم المُرة في جبهاته الشمالية الشرقية والغربية، وكانت السعودية قد أضحت عاجزة عن حماية حدودها الاحتلالية القديمة التي كانت لها قبل العدوان في الحد الشمالي الجنوبي، وأصبحت قوات الجيش واللجان الشعبية تتوغل داخل الحدود السعودية وقد اخترقت الخطوط الدفاعية الأولى والثانية، وأضحت تفرض سيطرتها النارية على مناطق واسعة في عمق حدودها القديمة، ووقعت السعودية وعدوانها وأسيادها في ورطة وفي أزمة خانقة وهرعت نحو أسيادها تبحث منهم عن مخرج يخلصها من الانهيار الوشيك.
وللخروج من أزمة العدوان فقد اتجه ترامب إلى إعادة تنظيم القيادة في الميدان عبر تكليف الإمارات وقواتها الخاصة بالإشراف على إدارة العمليات البرية وسط اليمن وشرقها وغربها والدفع بقواتها ومرتزقتها إلى الساحة الجنوبية الغربية والساحل التهامي لنقل اهتمام قوات الجيش واللجان بعيداً عن العمق السعودي واستنزافها في مناطق هي غير مستعدة لخوض معارك فيها بنجاح، لأنها مكشوفة تحت سطوة الطيران وتحت سيطرة القوى البحرية والجوية العدوانية وأساطيلها العملاقة، وأصبحت تعز ومحيطها الغربي ومناطقها الساحلية الواقعة تحت السيطرة العدوانية ساحة الاستنزاف العدواني الجديد تحت قيادة القيادة الإماراتية في عدن الصغرى.
وبدخول الإمارات وقواتها الخاصة -مزهوة بما حققته جنوباً- إلى الميدان وتمددها شمالاً نحو أطراف تعز، شعر إخوان تعز أنهم لم يكونوا ولم يعودوا فرس الرهان الأكبر للإمارات في الطور الجديد، لأسباب يطول شرحها هنا، منها حملات التشهير المتبادلة بينهما بعد الربيع الماضي، وتعارض الدور العدواني المطلوب إنجازه على المسرح الجنوبي والغربي، والرهان على قوى أخرى، حيث ظهرت قوى جديدة تراهن عليها الإمارات تتطابق مصالحها مع الدور الجديد للعدوان، بينما انتقل الإخوان إلى الدور الثانوي التكميلي -ولو مؤقتاً- بعد انكسار هجمات العدوان في المسارح الشمالية الشرقية والمركزية وانتقاله إلى مراكز جيوستراتيجية أخرى ذات أولوية أعلى في الطور التالي من العدوان، طور التراجع الاستراتيجي إلى قواعده والتحول إلى الدفاع الاستراتيجي حول القطاعات البحرية الصحراوية المحتلة من الوطن على السواحل والموانئ والجزر ورؤوس الجسور البرـ بحرية ومنابع الثروة وإحكام السيطرة على تلك القطاعات، مع مواصلة حروب الاستنزاف شمالاً وإن بوسائل متعددة ومعقدة، وكلها مهمات لا تريد الإمارات مشاركتها مع الإخوان وفروعهم.
المصدر علي نعمان المقطري / لا ميديا