شايف العين - غازي المفلحي / لا ميديا

التحليق أخفض من سقف المعركة وأعلى من هموم الشعب 

قبل الـ26 من مارس 2015، كانت تباع في الأكشاك أكثر من 30 صحيفة، صمتت مع بداية العدوان، ولم تصمد في مواجهة ترسانته الإعلامية عدا بعضها التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد، ومنها من التحقت بتلك الترسانة، وصفّت خطابها إلى جانب خطاب العدو، وكذلك القنوات التلفزيونية والإذاعات.
ورغم شحة الإمكانات المادية والفنية بفعل العدوان والحصار استمرت عدد من الصحف بالصدور وعدد من القنوات والإذاعات بالبث، واستجد الكثير منها. كما صدرت صحف جديدة تواجه إعلام العدو، ومع كونها قليلة مقارنة بالسابق، إلا أنها لا تشهد إقبالاً كبيراً من القراء. وهنا أجرت (لا) استطلاعاً صحفياً لمعرفة أسباب فتور إقبال المواطنين على الأكشاك لشراء الصحف أو بالأصح عزوفهم عنها عدا صحيفة أو صحيفتين، بهدف تصحيح وضعها، وليس الإساءة إليها، وما هو تقييمها عند المتابعين وخبراء الاتصال.

الصحف أكثر تعاسة 
من بين جميع الوسائل الإعلامية الوطنية اتضح أن الصحافة الورقية هي الأكثر تعاسة، وتراجعت حضوراً وأداءً وإقبالاً عليها من المجتمع، وأغلب الصحف الورقية الباقية -وهي في المجمل لا تزيد عن 12 صحيفة ومجلة (26 سبتمبر، الثورة، لا، البلاغ، الميثاق، الحقيقة، شباب ورياضة، يمن أوبزرفر، الرياضة، مجلة الجزيرة الاقتصادية، الأوراق، الحارس، المسيرة)- أصبحت ذات اتجاه وطابع واحد.
التقت (لا) ببعض قراء الصحف وبائعيها، واقتربت من واقع حال الصحيفة اليمنية في المناطق الصامدة في ظل العدوان المدمر، وتبين أن عجلة الصحافة الورقية تداعت وتكاد أن تتوقف لأسباب كثيرة تتعلق بوضع القارئ الاقتصادي والنفسي واهتماماته، وبجودة أداء الناشر واختياره لمضامين وسياسة الصحيفة، وما يتم نشره، وبطبيعة الحال بالوضع العام الذي خُلق بسبب العدوان على اليمن.
(أمين الخجل) صاحب كشك لبيع الجرائد والكتب، يقول إن الصحف القليلة الموجودة اليوم ينقصها الكثير مما يحتاجه الناس ويشد اهتمامهم من مواضيع، وهو ما عكس مستوى متدنياً جداً من الإقبال على شرائها مثل التنوع في المضمون واستهداف شرائح متعددة من المجتمع وتناول المواضيع الخاصة بهموم الناس.

(عمر العزي) بائع آخر يشتكي من عزوف الناس الكبير عن شراء الصحف، والسبب حسب ما قال أنه يسمع من بعض من يأتي من القراء نادراً ليلقي نظرة دون شراء شيء، أو ليتصفح العناوين فقط، هو بسبب المحتوى المبتذل لما تبقى من صحف، فالمحتوى يمكننا القول بأنه سياسي بشكل كامل على حساب كل الجوانب الحياتية الأخرى التي تهم القراء وتشدهم نحو الصحف.
محمد الحسني (صحافي) يرى أن الصحافة اليمنية تمر بمرحلة خطيرة جداً، مرحلة انقسام الهوية، بالتالي فإن عليها -أي الصحافة- إثبات دورها التوعوي المؤثر على القارئ ورسالتها الإعلامية وترسيخ مبادئ؛ القارئ نفسه بدأ يستنكرها، كالوطنية والدفاع عن الوطن والاحتياجات الإنسانية والتكافل الاجتماعي، وغيرها من المبادئ والثوابت التي أصبح المواطن إما لا يعيها أو لم يعد مهتماً بها بسبب طريقة عرض وتقديم الرسائل الإعلامية المتعلقة بها. 

مضمون سياسي حربي بالكامل
ويواصل الحسني حديثه: المتفحص للصحافة في صنعاء سواء كانت مرئية، مسموعة، أو مقروءة؛ يجدها تماماً منحازة إلى نقل الجانب الحربي، وتعميق الثوابت والمبادئ المتعلقة به بدرجة كبيرة، ويمكننا القول إنها تستحوذ على ما نسبته 85 %، وهذا يحسب لها في الغالب، ولكن يحسب عليها أيضاً تجاهل الكثير من الجوانب الإنسانية والاجتماعية، والتي لا تقل عن كونها جبهة حرب أخرى يجب العمل على عرضها وتحقيق الرسالة الإعلامية من خلالها، وعليه فإن تعميق وتكثيف عرض هذه القضايا سيكون له نتائج في خلق الشخصية الوطنية والاجتماعية لدى القارئ.
يكاد يكون هناك إجماع على أن أكبر مشاكل الصحافة الورقية هو غياب التنوع في المواضيع، ثم يأتي بعده الأسباب الأخرى المتعلقة بغياب آراء وتيارات صحفية مختلفة تحت العنوان الموحد (مواجهة العدوان)، ويتحول الناس لاستقاء الأخبار من وسائل السوشيل ميديا، وبالوضع الاقتصادي والنفسي الذي أثر على مزاج الشارع، وجعله مشغولاً غير مهتم بالصحافة، وهو يجري لأسابيع وراء لقمة العيش أو أسطوانة غاز.

توسع الشرخ ولا توحد الصف 
(مقارنة بالماكنة الإعلامية المعادية لليمن، يمكن اعتبار الصحف الوطنية المقاومة ناجحة بقدر لابأس به في ما يتعلق بكشف ضحايا الحرب على اليمن وتعرية العدوان، لكن في ما يتعلق بقضايا داخلية سياسية ومجتمعية، أهمها توحيد الصف الوطني، مازالت بعض وسائل إعلام مكون أنصار الله، وهي الوحيدة في المناطق التي تسيطر عليها القوى الوطنية وتخضع لسلطة المجلس السياسي الأعلى، تسهم في توسيع الشرخ الذي حدث عقب أحداث ديسمبر، والتي كان من المفترض إغلاقها نهائياً باعتبار ما حدث فتنة بين طرفين مقاومين للعدوان حتى يوم وقوعها، أما الاستمرار في التخوين ومحاولة تشويه التاريخ، فباعتقادي لن يفيد بقدر ما ينتج أحقاداً بين أبناء اليمن والمقاومين للعدوان على وجه الخصوص، ولذلك هناك فشل في ما يتعلق بالقضايا الداخلية، ونجاح كبير في ما يتعلق بموضوع العدوان)؛ هكذا تحدث الصحفي (أحمد الشريفي) لـ(لا).
وأكمل الشريفي: (يمكن القول إن هناك إعلاماً في مناطق السيطرة الوطنية يتصدره إعلام أنصار الله، أما الشريك الآخر فهو مغيب تماماً، كون المنابر الإعلامية لم تُسلم له في المجلس السياسي الأعلى منذ أحداث ديسمبر حتى اللحظة عدا صحيفة (الميثاق) التي استأنفت صدورها لاحقاً، بينما كان الأحرى تفعيل كل وسائل الإعلام المحسوبة على أي تيار وطني لمواجهة إعلام العدوان السعودي والإماراتي أو اليمني المرتزق الذي تموله دول العدوان، ويبث من خارج الوطن أو من المناطق غير المحررة، وهو الذي أعلن العداء الصريح لليمن، وشرعن تدميره واحتلاله وقتل أبنائه واجتثاثه أرضاً وهوية. إذن، فمن المهم كثيراً التوصل لخطاب متزن مسؤول ذي مصداقية عالية ومدعم بأداء حرفي إبداعي يواكب تنوع اهتمام الشارع والتطور الإعلامي الإبداعي الذي يتعرض له المجتمع من الوسائل العالمية والعربية المعادية وغير المعادية).
ويضيف الشريفي: (بقيت نقطة مهمة، هناك 14 حزباً يقف ضد العدوان، وهي أحزاب التحالف الوطني الديمقراطي، لم تستطع إصدار صحيفة واحدة ناطقة باسمها بسبب الدعم المقتصر على إعلام أنصار الله فقط).
التطبيل!
يرى المواطنون أنه ينبغي على وسائل الإعلام انتقاد جوانب قصور الأداء الحكومي، لتكون بذلك صوت المواطن، وهذا لم تنتهجه الصحف التي تتواجد اليوم في صنعاء والتي تستمر في التطبيل لحكومة الإنقاذ والمجلس السياسي الأعلى وتلميعهما بدلاً من نقل صوت المواطن وهمومه لمعالجتها، وتبرير ذلك بالعدوان ليس كافيا، وهذا التطبيل من ضمن الأسباب التي كرّهت المواطنين بالصحف.

أسباب عزوف القراء 
ارتكز مضمون الصحف الوطنية على تناول أخبار المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ، حتى لم يعد يفرق بين الصحف الأهلية والرسمية، فجميعها تنشر ذات الأخبار الخاصة بلقاءات الوزراء والمسؤولين، ولا تتناول هموم ومشاكل المواطنين، والتي كان للعدوان الدور الأبرز في التسبب بها، إلى جانب تقصير الجهاز الحكومي، بل بعضها تنقل أخبار المواقع الإلكترونية والسوشيال ميديا، والأكثر من ذلك أن هناك من تحولت إلى صدى لما تبثه القنوات لا غير.
صحيفة (البلاغ) التي وصلت أعداد صدورها إلى 1100 عدد، وصحيفة (الحقيقة) التي تتجهز للوصول إلى 300 عدد، تتشابهان في المضمون الذي لا تصنيف له سوى بالسياسي، وتبتعدان تماماً عن الاجتماعي والثقافي، مع أن إحداهما تصنف نفسها على أنها ثقافية.
صحيفة (الثورة) وصحيفتا (26 سبتمبر) و(الحارس) جميعها رسمية، وتعنى بتعريف الناس بتحركات ولقاءات مسؤولي حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي الأعلى، ولا تنقل أي هموم للناس. 
أما الصحف الرياضية فمقبولة لدى القراء نوعاً ما لتنوع موادها بين الأخبار والتقارير والاستطلاعات والحوارات الخاصة بالجانب الرياضي، لكنها لا تناقش مشاكله، وهناك صحيفتان رياضيتان موجودتان حالياً هما (الرياضة) التي تصدر عن مؤسسة الثورة، والأخرى (شباب ورياضة) وتصدر عن وزارة الشباب والرياضة.
أما صحيفة (صدى المسيرة) فمن يشاهد قناة (المسيرة) (صدق الكلمة) فليس مضطراً لشرائها أو قراءتها، لأنها -وبحسب حديث القراء الذين التقينا بهم- تنقل ما تبثه القناة من أخبار ومواضيع، ولا تأتي بجديد.
مما سبق يتضح أن الصحف الوطنية متخمة بالمواضيع السياسية الإخبارية والتحليلية والتلقينية المكررة الجامدة والرتيبة التي تنشرها كل يوم أو كل أسبوع على صفحاتها، في عملية ملء فراغ روتينية لونت قضية النضال ضد العدوان بألوان رمادية مل منها الشارع وحفظ مواضيعها عن ظهر قلب، وعجز أغلبها عن قولبة قضية مواجهة العدوان في أشكال متنوعة تحمل الفكرة وترسخها بحس المسؤولية الوطنية والأداء الحرفي في المواضيع الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والترفيهية والأسرية والثقافية والفنية والرياضية، لتلبي رغبات القراء من كافة الشرائح والفئات متنوعي الاهتمامات وسريعي الملل والمنهكين جسدياً وفكرياً من العدوان والأزمات، وتتناول مواضيع الحياة التي تهم القارئ، والتي أضر بها العدوان.

الصحف الوطنية

12 صحيفة

5 حكوميــة

26 سبتمبر، الثورة، الحارس، شباب ورياضية، رياضة

5 أهليـــة

لا ، البلاغ، الحقيقة، الأوراق، يمن أوبزرفر

2 حزبيـــة

المسيرة _  الميثاق

مجلة واحدة

الجزيرة الاقتصادية

يبيع نسخة واحدة من صحيفة يومية طوال الأسبوع 
(عبدالله يحيى الراعبي) يمر كل يوم من الكشك عله يقرأ ما يدفعه لشراء صحيفة دون جدوى، وقال إن الصحافة اليمنية تحتضر إن لم تكن قد ماتت فعلاً. ويتابع: فمن غير الطبيعي أن تجد صحيفة يومية ليس في صفحاتها موضوع رياضي أو ثقافي أو طبي أو فني، ناهيك عن انقراض الصحافة المتخصصة ذات الجمهور المحدد، نساء، أطفال وشباب، أسرة، تعليم، طب، اقتصاد، مجتمع، فن، ثقافة.
أما نايف النمر فيقول إنه ليس بالضرورة أن تكون الصحف كثيرة لتعبر عن جودة الصحافة في البلاد، ولكن جودة الصحافة تعتمد على مضامين وأداء الصحف الموجودة حالياً، حتى لو كانت واحدة، ولكنها اليوم وللأسف غير مقنعة، وخطابها جامد للغاية.
ملاطف الوعرة (مالك كشك) لم يقل لنا الكثير، ولكنه اختصر لنا الوضع بأن العمل في أسوأ حالاته منذ عرف مهنة البيع هذه، وقال: (أبيع نسخة واحدة فقط من صحيفة يومية في الأسبوع! هذا هو حال الصحف اليوم، ما رأيكم؟).