طلال سفيان/ لا ميديا

مع العودة القوية لحراكه الثوري إلى قلب حاضرة الجنوب (عدن) استطاع الزعيم حسن أحمد باعوم، قائد ومفجر الثورة الجنوبية،  أن يقلب الطاولة على رؤوس الجميع. صباح السبت قبل الماضي فاجأت تظاهرة حاشدة لأنصار باعوم جميع المراقبين السياسيين بكثافة المشاركين فيها.. لم يتم الإعلان مسبقا عن تنظيم هذه التظاهرة التي انطلقت من وسط كريتر (المربع الأمني للقوات السعودية واستخباراتها ومقر حكومة عملائهم)  ورددت شعارات مناوئة للتحالف الذي تقوده السعودية في عدوانها على اليمن.. وبعودة نيران الغضب وعنفوان حراك الزعيم باعوم، عاشت مدن الجنوب مؤخراً حالة غليان اجتماعي، وتصدرت عدن والمكلا وسيئون المشهد،  وظهر ذلك جليا مع اندلاع ثورة الجياع نتيجة تردي الأوضاع في البلاد وتدهور الحالة المعيشية للمواطنين في الآونة الأخيرة.

ووسط فوران الغضب الذي اجتاح الشارع الجنوبي مطلع الشهر الجاري, دعا باعوم أبناء الجنوب إلى التركيز على أساس المشكلة، وهو الاحتلال الأجنبي المتعدد... في إشارة منه إلى الحكومة العميلة والقوات السعودية والإماراتية.
وبرؤية استبقت ما سيؤول إليه واقع اليوم من إفرازات كارثية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, قال باعوم في بيان أصدره في 7 يوليو الماضي إن ما وصلت إليه أحوال عدن وبقية مناطق ومدن الجنوب الأخرى من تردٍّ ومعاناة بسبب ارتفاع الأسعار وغياب الأمن والصراعات الداخلية إنما تنذر بمأساة كبيرة قد يكون وقعها عنيفاً على الجميع وسيدفع شعب الجنوب ثمنها غالياً وستكون على حساب قضية وثورة الجنوب التحررية التي أضحت في مرمى أدوات الخارج، بالذات الإمارات والسعودية اللتين كان من أبرز أجنداتهما ضرب كل ما هو جنوبي وشل فاعلية حراكهم وافتعال الأزمات الداخلية والصراعات وضخ الوهم في أذهان الجنوبيين وخداعهم باستمرار وتحريضهم بعضهم ضد البعض.

أيلول الأسود في الجنوب
بعد تصاعد الرفض الشعبي لتواجدها والمتجسد بالتظاهرات الشعبية الكبرى التي طالبت برحيلها من كل أرض الجنوب، دأبت قوى الاحتلال السعودي الإماراتي على التمادي بالطغيان والإرهاب في محاولة يائسة منها لثني الأحرار عن نضالهم السلمي الرافض لهيمنتها واحتلالها  أرضنا.
وخلال هذه المرحلة الصعبة والفارقة واجه حراك باعوم الثوري حملة إعلامية وسياسية تشهيرية هدفت لاقتلاع قضيته الوطنية وإقصاء مناضليه عن المشهد لإعادة تشكيله بما يضمن استمرار إلغاء الاستقلال والسيادة.
وعبر عمليات التشهير والاغتيالات والاعتقالات التي طالت مناضلي الحراك الثوري, اتسعت دائرة الاعتقالات التي ينفذها تحالف العدوان ضد القيادات المناوئة لتواجده في الجنوب، سواءً من الشخصيات السياسية أو من عناصر الحراك الثوري الجنوبي، وذلك على خلفية مواقفهم المناهضة للاحتلال السعودي الإماراتي في الجنوب، فبعد اعتقال قيادات المجلس الثوري في حضرموت علي الأحول وناصر بامثقال وحسين سالم القميشي, اعتقلت الكتيبة الرابعة بمعسكر (جبل حديد) في عدن المدعومة إماراتيا مطلع الأسبوع الماضي, الإعلامي زياد الشلح، عضو مجلس الحراك الثوري مسؤول الإعلام والتوجيه المعنوي بالكتيبة, وسلمته للقوات الإماراتية التي أودعته أحد معتقلاتها.
لم تكن الاعتقالات هي الوسيلة الوحيدة لمواجهة قيادات الحراك الثوري المحركة لغضب الشارع, بل امتدت الحملة إلى الاعتداء بالضرب، وهو ما حدث صباح 6 سبتمبر الجاري بقيام مجموعة عسكرية وبمشاركة اثنين من قيادات الانتقالي في لحج بالاعتداء على رئيس مجلس الحراك الثوري بمحافظة لحج (عبدالسلام صالح)، في مدينة الحوطة، أثناء مشاركته في المسيرة الاحتجاجية ضد رفع الأسعار من قبل حكومة بن دغر, بالإضافة إلى بث الرعب في نفوس القيادات وعائلاتهم, فقد الأربعاء الفائت إطلاق الرصاص على منزل محمد صالح بهيان، عضو الهيئة المركزية رئيس مجلس الحراك في وادي حضرموت، من قبل مسلحين يستقلان دراجة نارية, ونفس اليوم أطلق سراح المناضل محسن حسن عزان، نائب رئيس الحراك الثوري بشبوة، وهو في حالة صحية سيئة إثر تعرضه منذ اعتقاله الأحد الماضي للتعذيب والحبس داخل كونتينر وبعدها بساعتين تم اعتقاله ونقله إلى معسكر القوات الإماراتية في ميناء بلحاف.. 
ومثلما حدث بمدينة المكلا في نوفمبر 2016 بمنع حراك باعوم بالقوة من إقامة أي فعالية سلمية, كالت الدوائر الممثلة لقوى الاحتلال وبالذات في محافظة حضرموت اتهامات بالجملة لـ11 قيادياً في الحراك الثوري بالتحريض على أعمال فوضوية وشغب ودعوة الناس للنزول في مسيرات احتجاجية وقطع الشوارع في مدينة المكلا للمطالبة بوضع حد لتدهور العملة وغلاء الأسعار والمطالبة بتحسين المعيشة، وهي المظاهرات التي ردد فيها المتظاهرون شعارات تطالب برحيل الاحتلال من المحافظات الجنوبية، وقام فيها المحتجون بتمزيق صور حكام الإمارات في شوارع المكلا وذلك على غرار ما شهدته شوارع عدن ولحج والضالع من تمزيق صور ملك السعودية والمطالبة برحيل الاحتلال وأدواته المحلية، وهو ما أثار أبوظبي والرياض ضد مجلس الحراك الثوري الجنوبي وسعيهما للانتقام من قياداته.
وعلى خلفية انطلاق الحراك الشعبي والسياسي المطالب برحيل الاحتلال من مدن الجنوب وما صاحبه من موجة اعتقالات وحملات مداهمات واعتداءات طالت مسيري الغضب، لم تجد القوى السياسية المؤيدة لتحالف العدوان في الساحة الجنوبية، وعلى رأسها المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، لمواجهة إخفاقها لصالح التحالف على مستوى الشارع غير رمي سهامها على حراك باعوم واتهامه بالعمالة لقوى دولية وإقليمية من ضمنها جمهورية إيران الإسلامية ودولة قطر لتنفيذ مخططات الهدف منها إشعال فتيل الفتنة والصراع الداخلي في الجنوب. 
وهي الاتهامات والأقاويل الفجة والغبية التي يمارسها دوماً تحالف العدوان والاحتلال وقوى جنوبية تدور في فلكه بهدف إخماد نيران الحراك الشعبي التابع للزعيم باعوم، خوفاً من توسعها وانتشارها مستقبلاً.

أوراق تقلب الطاولة
على الرغم من محطة الاستراحة التي طالت قليلا إلا أن باعوم كان حاضراً دوما بمكانته الثورية وسجله النضالي وخطاباته الثورية في كل مسيرة ومهرجان وفعالية من فعاليات الحراك الجنوبي.
لكن يبدو أن هذه الاستراحة كانت أشبه بالتقاط المحارب لأنفاسه, فخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام المنصرم, كثف مجلس الحراك الثوري الجنوبي نشاطه المناهض للتحالف السعودي والوجود الإماراتي في المحافظات الجنوبية، معتبراً أن الدولتين تمثلان قوة احتلال.
واستطاع المجلس الأعلى للحراك الثوري الذي يترأسه باعوم تحدي التحالف وحلفائه من القوات والأطراف الجنوبية المسيطرة على مدينة عدن ومحيطها، لينظم مؤتمراً حضره المئات من قيادات وناشطي الحراك الجنوبي، بقيادة الزعيم باعوم، الذي شارك الحضور بخطاب متلفز، من مقر إقامته خارج البلاد.
وخلال المؤتمر العام الثاني لمجلس الحراك الثوري، الذي انعقد في عدن يوم الـ11 من نوفمبر الماضي، تم إعلان مواقف مثيرة، أبرزها اعتبار دول التحالف (الذي تقوده السعودية والإمارات) احتلالاً في جنوب اليمن، ومطالبة هذه الدول بسحب قواتها والتفاوض مع المجلس. ولمّح المجلس إلى التصعيد ضد التحالف، عبر التأكيد على حقه الكامل في التعامل مع الاحتلال بكافة الطرق والوسائل المشروعة، في الزمان والمكان المناسبين وفقاً للمصالح الوطنية. 
أما الموقف الآخر، واللافت في مؤتمر الحراك الجنوبي، فهو الاعتراف بحكومة صنعاء، إشارة إلى حكومة الإنقاذ التي تألفت باتفاق جماعة أنصار الله وحلفائها من حزب المؤتمر. ودعا المجلس هذه الحكومة إلى الاعتراف بحق الجنوبيين في السيادة على أرضهم، وهو الأمر الذي ينتهجه باعوم والقائم على أن الجنوب لا يمكن أن ينفصل عن الشمال من دون الجلوس مع صنعاء على طاولة المفاوضات.  كما وجه خطاباً اقترب فيه من مواطني المحافظات الشمالية، وطالب بضغط دولي على التحالف العربي لإنهاء حربه وحصاره المفروض (على الشعبين الجنوبي والشمالي)، حسب وصفه. 
ومن أبرز، ما جاء به مؤتمر الحراك الثوري الذي يترأسه باعوم، أنه خلط أوراق حلفاء الإمارات من الحراك نفسه، وذلك بعد وصفه لمكون المجلس الانتقالي بالمنشق عن الثوابت الوطنية وتحوله إلى مجرد سوط للجلاد الغازي.
كما مثلت كلمة باعوم تحولاً مهماً في المشهد السياسي الجنوبي، وأول ظهور لمفجر الثورة الجنوبية على المشهد السياسي الجنوبي منذ بداية الحرب، وعلى مجمل ما يحدث في الرقعة الجنوبية، وبشكل لا يقبل التفصيل والمهادنة، والمتوقع له أن يحدث اندفاعة في مسيرة الحراك، خلال المرحلة المقبلة.
ودعا مجلس الحراك الثوري الجنوبي اليمني، في بيان له أصدره في 7 مايو 2018، أحرار الجنوب إلى رفض الاحتلال، والانتصار للكرامة والسيادة الوطنية، بعد ما أقدمت عليه دولة الإمارات يوم 1 مايو 2018 من إرسال حشود عسكرية وتعزيزات حربية مسلحة إلى جزيرة سقطرى.
7 يوليو الماضي دعا المجلس أبناء المحافظات الجنوبية إلى وضع حد لمهزلة ما يحدث في عدن ومحافظات الجنوب الأخرى، مشيراً إلى أن مؤامرات كثيرة يتعرض لها الجنوب وتستهدف أبناءه واستقلاله تقودها الإمارات والسعودية ونظام (7/7).
وفي 12 يوليو دعا المجلس الأعلى للحراك الثوري إلى طرد قوات طارق عفاش من العاصمة المؤقتة عدن.
وفي 17 يوليو الماضي دعا باعوم، في بيان له، جنود وضباط وصف ضباط وأبناء الجنوب كافة إلى الانسحاب من جبهات القتال إلى حدود ما قبل عام 1990 ورفض أي أوامر للزج بهم خارج تلك الحدود, وأن المرحلة القادمة تقتضي التصعيد الثوري السلمي، لوضع حد لنزيف الدم الجنوبي والزج بأبنائه في معارك عبثية. وطالب باعوم بضرورة اقتداء أبناء الجنوب وبالذات عدن وحضرموت، بتجربة إخوانهم في المهرة، الذين ضربوا أروع الأمثلة في الغيرة على الوطن والسيادة وأثبتوا أنهم متمسكون بأرضهم وسيادتهم، ووضعوا حداً لصلف الاحتلال الأجنبي ومحاولة تدخله في شؤونهم.