غازي المفلحي/ لا ميديا

تمتلك الدول العربية 90 % من السواحل المطلة على البحر الأحمر، وهو المسطح المائي الأكثر أهمية بموقعه ومضائقه في منطقة الشرق الأوسط، بينما تمتلك إسرائيل وإريتريا بقية النسبة القليلة، ولكن الأنظمة العربية الانهزامية العميلة سمحت بتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة أمريكية إسرائيلية بشكل شبه كامل، بتمكينها من أراضيها وسواحلها، سواء بالسماح بتواجد القوات والقواعد العسكرية أو بالتحكم بالقرارات السياسية. ولا شيء اليوم يحول بين تحول البحر الأحمر إلى مسبح أمريكي إسرائيلي خالص, باستثناء المنصة البحرية اليمنية الحرة المتمثلة في الساحل الغربي اليمني ومحافظة الحديدة، التي تهاجمها قوى الغزو الأمريكية الإسرائيلية بعباءة القوات الإماراتية ومرتزقتها، لإسقاط آخر قلاع السيادة العربية في بحر كان يمتلكه العرب يوماً.

البحر الكنز
تأتي أهمية البحر الأحمر الاستراتيجية من كونه يربط القارات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأوروبا، ولذلك فهو من أهم طرق التجارة والملاحة البحرية العالمية، وأقصر وأسرع ممر بحري بين الشرق والغرب، وذلك بعد افتتاح قناة السويس عام 1967.
 وزادت أهميته بشكل أكبر بالنسبة لأمريكا وموظفيها الخليجيين بعد اكتشاف النفط في بلدانهم، حيث بات الممر الاستراتيجي لنفط الخليج المُهدى إلى أوروبا وأمريكا، كما يعد شرياناً اقتصادياً حيوياً تمر عبره 10 ٪ من حركة التجارة العالمية.
 وتطل عليه اليمن والسعودية وإريتريا والسودان ومصر والأردن وفلسطين المحتلة وجيبوتي والصومال، وتفتحه وتغلقه قناة السويس شمالاً وباب المندب جنوباً، المضيقان المائيان العربيان الأكثر أهمية في العالم والخارجان عن السيطرة العربية بفضل عمالة الحكام العرب.
فالروح العربية الانهزامية العميلة السائدة اليوم ترى وترضى بأن تطل على هذا البحر بنسبة 90 % لكن دون أن تسيطر أو تتحكم بكنوزه الاستراتيجية أو تسيطر عليه بموجب القوانين والأعراف الدولية المتعلقة بالقانون البحري، فمع الإحاطة والامتلاك العربي الكبير لسواحل ومياه هذا البحر إلا أن العرب خارج لعبة النفوذ والسيطرة على ما يملكون، باستثناء الساحل الغربي في اليمن الذي تتسيده اليمن برجالها، حيث تتسابق أمريكا وإسرائيل وفرنسا والصين وتركيا وكثير من الدول لبناء القواعد العسكرية المطلة على هذا البحر ونشر أساطيلها وقطعها البحرية في مياهه لحماية مصالحها وتأمين مرور سفنها وناقلات النفط ومراقبة والتجسس على التحركات في البحر والمياه الإقليمية ومضيق باب المندب وقناة السويس، وأضحى ميداناً عسكرياً أمريكيا غربياً تسبح فيه قواتها متنقلة بين قواعدها في مناطق العالم، وممراً سريعاً لتحركاتها وتدخلاتها لغزو بلدان عربية مثل سوريا واليمن والعراق.

تغييب صاحب الحق وتجريمه
بينما يحاصر ميناء الحديدة وتمنع الحركة التجارية فيه من قبل الحلف الإمبريالي بأدواته الخليجية، مسببين بذلك أكبر مجاعة في العصر الحديث ومانعين على شعب اليمن أكثر من 400 صنف ضروري من المواد الأساسية، وعلى وقع الضربات التدميرية على مدينة الحديدة في ساحل اليمن الغربي لأجل احتلالها، تتزاحم في المقابل القواعد العسكرية والمشاريع الاقتصادية والسياحية والاتفاقات السياسية في البحر الأحمر، وتتزايد المناورات المقامة فيه، في سباق السيطرة والنفوذ، وتظهر بكل وقاحة محاولات تضييع وتجريم أصحاب الحق والأرض وإقصائهم من الوجود والسيطرة في هذه الرقعة الجغرافية البحرية الهامة. وفيما يلي تستعرض (لا) المشاريع العسكرية والاقتصادية المقامة في البحر الأحمر لصالح أمريكا وإسرائيل والغرب أو عمالهم العرب.

بوابة الكرامة العربية
لم تحافظ الأنظمة العربية على البحر الأحمر وعلى سيادته العربية، فضلاً عن أن تستثمر أو تستغله في تعزيز النفوذ والقوة العربية، فقد سيطرت عليه الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل مباشر وعلني وغير مباشر ومتخفٍّ سواء ببناء القواعد الخاصة بها في بعض الدول العربية على ضفتيه الآسيوية والأفريقية، أو سيطرتها الكاملة على دول الخليج وإقامة قواعد أمريكية باسمها، ولم يتبق من حصن عربي مطل على البحر الأحمر وخارج السيادة الأمريكية إلا الساحل الغربي اليمني، الذي تشن عليه حملة كبيرة لإسقاطه.
يقول الأستاذ عبد القادر سلام، رئيس تحرير صحيفة (العروبة)، في حديثه مع (لا): (إن الصهيونية العالمية تخطط للسيطرة على جزيرة سقطرى وجزيرة ميون والمخا والمنافذ البحرية اليمنية، عن طريق عميلها الإماراتي في المنطقة، من أجل إكمال الطوق على البحر الأحمر وجعله بحيرة صهيونية أمريكية). ويضيف سلام أن ردع مثل هذه المخططات القديمة والوقوف أمام تحقيقها قد ذهب بحياة رؤساء يمنيين سعوا لبناء دولة يمنية قوية تكون بداية العودة والحضور والسيادة العربية القوية. ويستطرد الأستاذ عبد القادر: (نادى الحمدي وسالم ربيع علي بأن يكون البحر الأحمر بحيرة عربية تقع مسؤولية أمنه على عاتق الدول العربية المطلة عليه، ولكن بني سعود والصهيونية العالمية وقفت لهما بالمرصاد ودفعا حياتهما ثمناً لهذا الموقف، واليوم الأساطيل العالمية المتواجدة في البحر الأحمر هي لكتم أنفاس المقاومة الثورية التي تقودها اليمن ضد هذا المخطط الصهيوأمريكي في المنطقة، لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الكبير والسيطرة عليه، كونه يمتلك ثروات مهولة وموقعاً استراتيجياً يتحكم بجزء كبير من اقتصاد العالم ومستقبله).
وأكد الأستاذ عبد القادر سلام ضرورة خلق مشروع ثوري حقيقي مقاوم لا يقبل المساومات والاتفاقات التي قد تخدم المشروع الصهيوني، ويجب أن يستميت اليمنيون في الدفاع عن ميناء الحديدة والصليف، وأن نعمل على تحرير بقية الجزر المحتلة من قبل الأجير الخليجي.


المشاريع التنموية

 جزيرة سواكن
اتفقت تركيا مع السودان خلال الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الخرطوم خلال الفترة من 24 إلى 26 ديسمبر/ كانون الأول 2017، على أن تمنح الخرطوم أنقرة جزيرة (سواكن) التي تضم منطقة أثرية تاريخية تعود إلى الحقبة العثمانية، على سبيل الاستثمار، لتتولى إعادة إعمارها وتطويرها.

جزيرتا تيران وصنافير
صدّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 24 يونيو/ حزيران 2017 على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، التي وقعها البلدان في أبريل/ نيسان 2016، والتي تضمنت نقل السيادة على جزيرتي (تيران) و(صنافير) بالبحر الأحمر إلى السعودية.
وتدخل الاتفاقية التي أثارت رفضا واسعا في مصر، وفق أحد نصوصها حيز التنفيذ بتبادل الوثائق بين القاهرة والسعودية، الذي لم يعلن بعد عنه من الجانبين، على أن يتم العمل بها بأثر رجعي اعتبارا من 2 يوليو/ تموز 2017، وفق قرار وزاري مصري.
و(تيران وصنافير) جزيرتان تقعان شمالي البحر الأحمر قرب خليج العقبة، وتمثل الجزيرتان أهمية استراتيجية كونهما تتحكمان في حركة الملاحة في خليج العقبة، وهما جزء من المنطقة (ج) المحددة في معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وجزيرة تيران تعتبر الممر الوحيد من إسرائيل إلى دول الخليج، ولعل هذا ما يفسر سرعة وسلاسة تنفيذ صفقة نقل سيادتهما للسعودية، الحليف والصديق الكبير السري لإسرائيل.

 مشروع (نيوم)
مشروع استثماري ضخم أعلنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 24 أكتوبر الماضي، يقام على أراض سعودية وأردنية ومصرية، باستثمارات إجمالية تقدر بـ500 مليار دولار.

 مشروع البحر الأحمر
أطلقه ولي العهد السعودي نهاية يوليو/ تموز الماضي وجهةً سياحية عالمية، ضمن (رؤية 2030). ويتضمن إقامة منتجعات سياحية على أكثر من 50 جزيرة طبيعية بين مدينتي أملج والوجه، وتمتد على ساحل يتجاوز طوله 200 كيلومتر في البحر الأحمر.


القواعد العسكرية

 قاعدة (ليمونير) الأمريكية
يتمركز فيها 4 آلاف فرد، وتقع جنوبي مطار (أمبولي) الدولي بالعاصمة جيبوتي. هي الأكبر في جيبوتي، وأنشأتها واشنطن عام 2001 بهدف تعزيز وجودها العسكري في المنطقة.


الحضور الإيراني
تتواجد المجموعة 41 بحرية التابعة للجيش الإيراني في البحر الأحمر، وهي تتكون من الفرقاطة اللوجستية (لافان)، والمدمرة (الشهيد الأدميرال نقدي)، وسفينة (تنب) للدعم اللوجستي.


قاعدة سعودية تنتظر الإنشاء في جيبوتي 
شهد عام 2016 مشاورات وزيارات بين القيادتين العسكريتين في كل من جيبوتي والسعودية، تمخضت عن مسودة مشروع اتفاق أمني وعسكري واستراتيجي، يتضمن استضافة جيبوتي قاعدة عسكرية سعودية، وتم تحديد بعض المواقع على الساحل الجيبوتي لهذا الغرض، وأعلنت جيبوتي نهاية 2016 أنها (وافقت مبدئياً) على إقامة قاعدة عسكرية سعودية.


 قاعدة إماراتية مصرية أمريكية في ميون اليمنية المحتلة
دون موافقة حتى مما يسمى (الشرعية) المزعومة، تمضي الإمارات في بناء قاعدة عسكرية أمريكية مصرية بوجه إماراتي في جزيرة (ميون) اليمنية التي تحتلها والقريبة من مضيق باب المندب.
وتعتبر تلك الجزيرة من أهم الطرق البحرية الاستراتيجية في العالم، ونقطة عبور البضائع من آسيا وإليها.

 قاعدة إماراتية في (أرض الصومال)
وافق برلمان (جمهورية أرض الصومال) التي أعلنت انفصالها عن الصومال ولم تحظَ باعتراف دولي، في فبراير/ شباط الماضي، على إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن.

القاعدة التركية 
من جانبها كانت تركيا حاضرة في سباق القواعد العسكرية، حيث افتتحت أنقرة أكبر قاعدة عسكرية لها في العاصمة الصومالية (مقديشو)، في مراسم حضرها رئيس أركان الجيش التركي.

القواعد الإسرائيلية
تقيم إسرائيل في جزر أرخبيل دهلك الإرتيرية أكبر قاعدة بحرية لها خارج حدودها، وذلك بموجب اتفاقية بينها وبين إريتريا.
وقالت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية إن تقريرا لوكالة الاستخبارات الخاصة (ستارتفور)، نشر في 2012، أفاد بأن إسرائيل تملك قواعد عسكرية في إريتريا، كما تملك تل أبيب قاعدة تنصت استخباراتية تقع على قمة جبل على ارتفاع 3000 متر فوق سطح البحر ومرسى للسفن في جزر (دهلك) في البحر الأحمر.
وتتخذ إسرائيل من الجزيرة مركزاً لها للرصد والمراقبة في البحر الأحمر لمراقبة المنطقة وخاصة اليمن وحركة ناقلات النفط. كما أنها تعد أيضاً محطة لتشغيل الغواصات الإسرائيلية المزودة بالصواريخ النووية، التي تقوم بمراقبة حركة الملاحة عند مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر.
ووفقاً لتقارير أجنبية فقد استخدمت إسرائيل هذه القواعد العسكرية لشن عدة غارات في مناطق النزاعات المجاورة لها. 

 قاعدة إماراتية في ميناء عصب 
وقعت أبوظبي مع إريتريا في عام 2015، عقد إيجار لمدة ثلاثين عاما لغرض إقامة قاعدة عسكرية للإمارات في ميناء عصب، بحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.

 القاعدة الفرنسية في جيبوتي
هي ثاني أكبر قاعدة بعد القاعدة الأمريكية، وأقدم القواعد العسكرية الفرنسية في القارة السمراء، إذ يعود عمرها إلى نحو 100 عام، ويتمركز فيها 900 عسكري، وهي ملاصقة لمطار جيبوتي.

 قاعدة عسكرية صينية في جيبوتي
تعد الصين أحدث الدول التي أضحت لها قواعد عسكرية في جيبوتي، حيث دشنت في أغسطس/ آب 2017 أول قاعدة عسكرية لها في الخارج.

 قاعدة إيطالية
إيطاليا هي الأخرى أنشأت قاعدة عسكرية في جيبوتي عام 2013، لها القدرة على استضافة 300 جندي، وتعد في الوقت ذاته أول مركز لها خارج الحدود، وتعتبر (مركزا للعمليات اللوجستية)، ويعمل فيها 90 جندياً.

 قاعدة يابانية
ولليابان أيضا قاعدة أجنبية هي الوحيدة التي تملكها خارج أراضيها، أنشأتها في جيبوتي عام 2011، ويتمركز فيها 600 عسكري.


المناورات الحديثة في البحر الأحمر

فيما يلي نورد بعضاً من تلك المناورات الغربية التي ألصقت بها بعض الأسماء والكنى العربية:
• مناورة (خليفة 3) لتلميذي الكيان الصهيوني النجيبين الإمارات ومصر، في العاشر من أبريل الماضي.
• مناورة (الفلك) بين عميلي وسط البحر الأحمر الرياض والخرطوم، في السادس عشر من يناير 2017.
• مناورة إسبانية مصرية في التاسع عشر من يونيو الماضي.
• مناورة فرنسية مصرية باسم (كليوباترا) في التاسع عشر من فبراير الماضي.
• مناورة فرنسية مصرية في الثالث عشر من مارس الماضي.
• تدريبات أمريكية مصرية في الثالث والعشرين من أبريل 2017.
• مناورات أمريكية إماراتية مصرية في الحادي والعشرين من مارس 2016.
• مناورات إسرائيلية واسعة في الحادي والعشرين من ديسمبر 2016.