علي نعمان المقطري / لا ميديا

 الأخطاء المهلكة للعدو 
ارتكب العدو أخطاء مهلكة في جميع معاركه، وخاصة في الساحل الغربي، وهو الآن يتجرع نتائج ومحصلات أخطائه التكتيكية والاستراتيجية. 
خلال العامين ونصف حقق العدو على الساحل بعض المكاسب، وكان يمكنه أن يستغلها في السياسة والمفاوضات، ويحصل على مقابلها السياسي في إطار صفقات وسطية عامة توقف الحرب والعدوان ككل، وتحقق الحد الأدنى من الأهداف للقوى السياسية التي تغطي العدوان وتفوضه عنها، لكنها حماقة العدوان ـ وكل عدوان هو كذلك ـ وقيادته الأجنبية التي لا تحقق أهدافها بصفقات وسطية سياسية، ومن ثم تظل الحرب مرهونة بمدى ما يتحقق على الأرض من مكاسب ومن إجبارات وإكراهات واضطرارات. 
ولكن التحكم بسير الحرب والمعارك ليس ممكناً دوماً من جانب الخاسر، وعندما يكتشف ضرورة التنازل والوسطية يكون الوقت قد فات والسيل قد تجاوز الزبى والخطوط الحمراء. 
قانون القوة هو الذي يحكم الحرب، فلا يميل القوي إلى البحث في السلام إلا عندما تعجز قوته عن تدمير الخصم أو بإزاحته أو إخضاعه لإرادته. النصر هدفه السلم المشرف، والسلام لا يصنعه الحمقى من القادة والساسة والملوك التوابع، وإنما يصنعه الأحرار الحكماء الأقوياء. فالقائد القوي الداهية الحازم الشريف يدرك أنه قد شارف على عهد نهاية الحرب من وقت مبكر يسارع إلى اغتنام الفرص السلمية المشرفة قبل أن تنكشف نقاط ضعفه في الميادين. 
فالناس لا يصنعون السلام إلا مع الأقوياء الحازمين، وليس مع الضعفاء والحمقى، وبعد أن تبين نقاط ضعفهم وتتكشف عوراتهم، لأن الضعيف يغري العدو ويعطيه الأمل بأنه سيتغلب عليه حتماً بالمزيد من الصبر والمناورات والنفس الطويل، أما القائد القوي لا يؤمل منه الحصول على المزيد مما عرضه بنفسه من تنازلات ومصالحات شريفة، لأن كل محاولة إلى استغلال ضعف القوي الشريف المؤقت العابر يقود حتماً إلى تأجيج الشعور بالعار الوطني والشخصي، وتتصاعد مشاعر الإهانة والهوان والإذلال في نفوس القائد النبيل وقواته وشعبه، وتتضاعف مفاعيلها القومية وتمنحه طاقة هائلة لتخطي اللحظة الحضيضية صعداً، وعلى الإقدام على تحدي العدو وقهره، ولذلك كان أذكى القادة وأحكمهم لا يحاولون استغلال لحظات ضعف أعدائهم وخصومهم إلى حد الإذلال والهوان، بل أحياناً يساعدونهم في تجاوز متاعبهم لكي يجذبوا مشاعرهم لتحقيق السلام والصلح الشريف. 
ونعرف كيف تصرف القائد الإسلامي العظيم الناصر صلاح الدين الأيوبي مع خصمه الملك الإنجليزي الفارس الجسور الملقب بقلب الأسد، فقد رفض استغلال خيانة حلفائه له في إنزال هزيمة ساحقة به، قائلاً لأخيه الملك العادل ما قيمة نصر يجلله العار والخيانة، وإن مثل هذا هو مجرد فخاخ وعفونة، وليست معارك شريفة، وقد دفعت نخوة صلاح الدين وشهامته وفروسيته ونبله وتسامحه في معاملة خصومه إلى اندلاع تصدعات معنوية ضخمة داخل المعسكر المعادي بسبب الآثار المعنوية التي ترتبت على معاملته لهم ووقعها لدى كل جماعة مختلفة منهم كانت لها طموحاتها الخاصة ونزاعاتها وأطماعها الدنيئة ومؤامراتها. 
فقد لعبت شهامة صلاح الدين دوراً حربياً معنوياً كبيراً أثر في تفتيت الروح المعنوية للمعسكر المعادي، وسرع في إظهار التناقضات التي كانت كامنة بينهم، فقد أدى رفض صلاح الدين المؤامرة إلى فضحها في نظر قلب الأسد وجماعاته، والانقضاض فوراً على جيش الفرنسيين والمرتزقة الآخرين، وطردهم وشحنهم أذلاء في بواخر المسافرين لإعادتهم إلى أوروبا مجللين بالعار، وكنتيجة لذلك أدى إلى انفجار الصراعات البينية داخل قيادة قلب الأسد نفسه الذي كان مبهوراً بشهامة القائد العربي، ومعها كانت مؤامرات جديدة تنمو مرتبطة بصراعات العروش، وقد أضعفت تلك التطورات الوحدة العسكرية والسياسية للغزاة، فتم سحقهم في معارك فاصلة في حطين وأمام أسوار بيت المقدس. 
 
أخطاء حربية قاتلة للعدو 
اعتقد العدو استهجاناً واستهانة بالقيادات اليمنية وبقدراتها القيادية العالية المستوى وبثقافتها وخبراتها وتحصيلها العلمي والفكري والعقلي، وإن القيادات الاستراتيجية لأكبر الدول الإمبريالية الدولية لا يمكن هزيمتها، وكان هذا وهماً خطيراً ما زال يخيم على العدو وعلى عقليته، وليس له منه شفاء ولا دواء، فقد واجه قادة أفذاذاً وأمة مجبولة على الكرامة والشرف والحرب العادلة صيانة للعرض والأرض، ووريثة لأقدم الجيوش والقيادات. 
وتبتدئ مصائب العدو وحصاراته وتقطعاته مع زيادة خطوط سيره وإمداده وتوغلاته الجديدة شرقاً وشمالاً، إن حصار العدو يزيد خطره مع كل تقدم للأمام داخل الأرض المحتلة، وهذه حقيقة معروفة من القدم. وأشار إليها كل حكماء الحرب وفنونها كلما زاد التقدم زاد طول الخطوط الإمدادية الخارجية للعدو، فيؤدي إلى ضعف سماكة الجبهة المواجهة من حيث قلة عددها وتراجع مستوى صلابتها وسلاحها، حيث يضطر العدو إلى نشر قسم كبير من قواته على خطوط الطرق لتأمينها من الكمائن والفخاخ، وهذا واحد مما عاناه العدو ويعانيه الآن ويكابد آلامه.
 
 الانتصار عبر الحصار المضاد 
حين يصعب تدمير الجيوش الكبرى في الميادين مباشرة، فإن الطريقة المثلى لسحقها هي محاصرتها وتقطيعها إلى أقسام منفصلة معزولة عن بعضها، ومواصلة شن الهجمات عليها دون توقف بهدف إجهادها وإنهاكها وإضعاف مقاومتها. 
في حروب الاحتلال يستحيل فك حصار العدوان باعتبار استحالة فك حصار أية قوة أجنبية بعد إحكام الطوق حولها في أرض محتلة. وحين يصعب على القوى الوطنية نتيجة لتفوقه الجوي والبحري، فإن أفضل وسيلة تكتيكية يستعملها الجيش الثوري هي كمائن الحصار بعد أن يستدرج العدو إلى تقسيم قواته ونشرها وبعثرتها في أماكن متباعدة، فيسهل لصاحب الأرض تقطيع أوصالها ودق أسافين بينها، يتظاهر الجيش أنه يتراجع أمام العدو، بينما قواته الرئيسية تقوم بالالتفاف والدوران الطويل من جنبات العدو ومؤخراته في مفاصل عديدة وهو يغط في نوم عميق من الغرور والغطرسة، فيفاجأ بعدها أن قواته محاصرة وفي أماكن مختلفة. 
وأشهر الحصارات الكبرى في التاريخ العسكري ضد الاحتلال والاستعمار وقواته، كان حصار (بيان تيان فو) في فيتنام الشمالية العام 53م، وقبلها كان حصار نابليون بونابرت في موسكو العام 1812م، وفي إسبانيا من قبل وحصار الألمان في ستالين جراد في الحرب الثانية، وقبلها كان حصار التتار والمغول في عين جالوت على أيدي المسلمين بقيادة السلطان محمود قطز والسلطان بيبرس في الشام ومصر، وحصارات العثمانيين المحتلين في اليمن في شهارة وفي صنعاء وكوكبان وعمران، وحصار الإنجليز في مدينة عدن نهاية حرب الاستقلال الوطني 22 يونيو العام 67م، في انتفاضة الشعب في كريتر وخور مكسر ومحاصرة معسكرات الإنجليز وإجبارهم على المفاوضات والرحيل.
وإن حصار العدو هو حلم كل قائد عسكري محنك. فالمعارك الكبرى لا تحسم إلا بالحصار المحكم على العدو، فالحصار إجراء حاسم في الحرب، ولكن ليس كل حصار حاسماً، فهناك حصارات قد تتحول إلى محاصرة للمحاصر نفسه.
إذا كانت القوى الوطنية المحاصرة تملك احتياطات قريبة من المنطقة المحاصرة، فهي تبادر إلى قطع خط العدو ولو من بعد أولاً، ثم تتقرب إليه لتطوقه في مفاصله الأقرب فالأقرب، وهكذا تجعل خروجه من الطوق مستحيلاً مهما فعل، فتنكسر إرادته ويرفع راية الاستسلام بعد وقت قصير. 
 
 الحصار المدرع 
لا يستطيع العدو الأجنبي المدرع الصمود طويلاً في حصار، ولا يستطيع المهاجم الغازي الأجنبي تحمل آلام الحصار لوقت طويل، وخاصة جيش كبير مدرع أهم متطلباته الطاقة والبترول والمياه والغذاء والذخائر والقذائف الكبيرة للدبابات والمدرعات والمدافع التي تخزن بالقرب من قواعده الخلفية، فيصبح بين خيارات كل منها أصعب من الآخر: 
1- إذا واصل محاولات الخروج من الطوق تعرض لضربات الصواريخ الصغيرة المضادة للدروع. 
2- وإن واصل الصمود في نقطة الحصار تعرض لهجمات دائمة وإزعاجية تقض مضجعه نفسياً وتسلبه الأمن طول الوقت، وتتعرض أعصاب جنوده للانهيار. 
3- انتظاره الدعم من خارجه يقربه أكثر من هزيمته لأنه وهم على وهم لرفع معنوياته كما كان يحاول هتلر مع قواته المحاصرة في ستالين جراد دون جدوى. 
لأن العدو لا يمكنه الحصول على الدعم الذي يحدث فارقاً حاسماً في القوات بعد الحصار، ولكن الوضع قد يكون مختلفاً بالنسبة لحصار المدن والمناطق الكبرى الممتدة المحتلة من خارجها من قبل الغازي المحتل، ذلك أن الحصار يصعب تحقيقه بشكل مطلق في مناطق ممتدة العمران متداخلة المجتمع، وقد يقع المحاصر نفسه تحت التطويق من الخارج والحصار بدوره، وخاصة في محاصرة المدن البطلة.