خلال الأيام الأخيرة شهدت عدن معارك حامية بين طرفي عملاء العدوان والاحتلال من مرتزقة الإمارات والسعودية، وهي المدينة التي كانت في السابق تقاسماً للنفوذ العسكري بين الطرفين والفريقين -الحميمين- وليدي السعودية والإمارات و.. السي آي إيه.
وخلال السنوات الثلاث لم تتوقف الحرب الباردة والحارة بينهما إلا لتبدأ من جديد، فالاغتيالات والتفجيرات الإرهابية السرية والهجمات الغادرة، كانت ملمحاً بارزاً في العلاقات البينية للطرفين الحميمين -المحاربين في جبهة واحدة هي العدوان- والمناهضين للقوى الوطنية التحررية الاستقلالية.. ومنذ يوليو 2015م وإعادة اجتياح عدن والسيطرة عليها -من قبل القوات الإماراتية السعودية الأمريكية- بدأت العديد من عوامل الصراع البينية في جبهة الخصم بالتنامي، وشرعت (الكواتم) باغتيال بعضها في الشوارع، وقد كانت تلك القضايا مؤجلة لديهم إلى المستقبل، أي إلى ما بعد رحيل اليمني عن أراضيه الجنوبية!
الأرض والبترول
كان المشروع السعودي الأمريكي قائماً على سلخ الجنوب عن اليمن طمعاً في الاحتياطات الضخمة التي تختزنها صحارى الجنوب، وبدء مشروع ميناء تصدير النفط عبر الصحراء اليمنية إلى البحر العربي... وهذا يوضح أن تدعيم المشروع الانسلاخي جنوباً كان سابقاً لمشروع دعم الشرعية الجديد الذي استخدم كمبرر للعدوان على اليمن، وليكون إطاراً لتنفيذ المخطط الاستعماري المبيت.
إن الشرعية بالنسبة للسعودية والإمارات هي شرعية تمكينها من إنجاز الاحتلال والانسلاخ للجنوب النفطي والمندب والساحل الغربي، أما إعادة الشرعية إلى صنعاء فهي مبرر للعدوان والاحتلال، لكنه ليس حقيقياً ولم يعد واقعياً. وفعلياً ففي نية العدوان المقايضة على هادي وشرعيته بتسوية تضمن معالجة مشكلته الحيوية الحدودية وقبوله بالحكومة المناصفة وانتخابات جديدة، وتجاوز صفحة هادي التي كان دوماً يذكرها في المشاورات السياسية التي جرت -في الظهران والكويت وجنيف وعمان- على أساس طي صفحة هادي والشرعية، وعلى أساس أن (الشرعية) تكون مشتركة يتفق عليها أطراف الحوار السياسي اليمنية، فلم يعد هناك طرف شرعي وطرف لاشرعي في المشاورات، وكان هذا يشير إلى نية العدوان في أن يقايض بورقة هادي وشرعيته مقابل أخرى أهم بالنسبة له، خاصة بعد اختراق حدوده وخطوطه الدفاعية الأولى والثانية.
ومنذ يوليو 2015م ، شنت قوات المرتزقة الجنوبيين والانفصاليين والدواعش والإخوان، الحرب على المحافظات الشمالية لتمكين الاحتلال من مد سيطرته عليها بعد أن مكنته من التمدد في الجنوب.
وتسلمت السلطة المحلية في عدن والمحافظات الجنوبية عناصر محسوبة على الإصلاح والإخوان وهادي والقاعدة. كان مجلس (المقاومة الجنوبية) برئاسة نايف البكري هو ممثل التيارات السلفية الإخوانية، وقد تسلم إدارة السلطة المحلية في عدن لفترة من الوقت، وهو توجه يتبع هادي تغلب عليه القوى السلفية الإخوانية المشيخية الإرهابية والمركزية المشيخية الشمالية التي كانت جزءًا من نظام صالح والأحمر وعلي محسن، وغايتهم هي العودة إلى صنعاء وإعادة الشرعية إليها، الشرعية التي يتمطون بها أيضاً للعودة إلى نعيمهم في العاصمة.
وسرعا ن ما أخفق هذا الاتجاه في غزو المحافظات الداخلية وتكبد خسائر هائلة، وقاد إلى خسائر داخل العمق السعودي نفسه.

تنظيم جديد للقيادة العدوانية
ولذلك تفجر النزاع داخل البيت السعودي نفسه حول إدارة العدوان في اليمن، الأمر الذي استدعى التدخل الأمريكي البريطاني لإعادة رسم وتنظيم استراتيجية جديدة للعدوان في ضوء الصمود اليمني والانتكاسات التي حصدها العدو.
لقد واصل المقاتل اليمني اقتحام العمق السعودي وتوجيه الصواريخ الباليستية إلى مراكزه وانكشاف أمنه القومي لعجزه عن اعتراض الصواريخ اليمنية واختراقه شبكات دفاعات العدو الجوية وإسقاط طائراتهم وتدمير بوارجهم وتعطيل قدرتها على الإنزال البري والبحري والجوي على الساحل اليمني الغربي.
إن ذلك يجعل السعودية واقعة تحت الضغط اليمني، وبالتأكيد ستقبل المقايضة بجوربها هادي والآخرين.

بروز الحراك الانفصالي في حضن العدوان
كان الحراك يتحفظ على المشاركة الحربية خارج الحدود الرسمية للدولة السابقة (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)، متذرعاً باتفاقاته التي عقدها مع الإمارات والسعودية، بأنهم وُعِدوا بأن يعاملوا كممثلين لـ(الدولة الجنوبية) والمشاركة في عاصفة الحزم مقابل منح الجنوب سلطة الحكم الذاتي وانسلاخه عن اليمن ومساعدته على الاستقلال وفق التسيير الأمريكي البريطاني وأدواتها.. وهذا كشف للعيان ازدواجية مخططات العدوان الاحتلالي، وأولوياته المتضاربة بين تياراته الشمالية الإخوانية والجنوبية الانسلاخية.
ففي نهاية العام الثاني للعدوان، كانت قوى المرتزقة الشرعوية قد وصلت إلى أوج قوتها وطاقتها بعد ما تحقق لها من تمددات في الجنوب وفي مأرب والجوف وتعز الساحل، لكنها ارتطمت بالصلابة اليمنية التي كلفتها الكثير من الانكسارات والنكسات، وجاءت الاختراقات الاستراتيجية في الجبهات الشمالية الحدودية وفي العمق السعودي، وكذا المفاجآت الصاروخية المتنوعة في العمق العدواني؛ لتوصل العدوان إلى طور جديد من الحرب، أي انتقاله من موقع الهجوم إلى موقع وموقف الدفاع الاستراتيجي في الخطوط التي وصل إليها.
كما أدت مضاعفات التكاليف الهائلة للحرب -التي تعدت التريليوني دولار- والصراع الداخلي السياسي في البيت الحاكم وانقسامه إلى أجنحة وكتل متذابحة...، مترافقة مع الهزائم التي تواترت من العراق وسوريا إلى لبنان وقطر، كل ذلك قاد تحالف العدوان إلى مراجعة وضعه، لاسيما وأن الحدود السابقة للسعودية أمست مهددة في ظل التقدم المستمر لقوات الجيش واللجان الشعبية.
وفي الجبهات المركزية، خسر العدو وحقق انتكاسات متتالية، فضلاً عن خسارة طابوره الخامس في الداخل وشبكاته التجسسية، واختراق قياداته واتصالاته وعملياته.
بينما انتقل الجيش اليمني في الساحل والكرش والقبيطة وموزع وكهبوب وذوباب إلى الهجوم التدريجي، وتطورت قدراته الدفاعية والهجومية وتكتيكاته ووسائله، لتترسخ حقيقة فشل الهجوم العدواني العام على اليمن، وانتقال السعودية إلى التراجع على حدودها السابقة وإلى خسارتها.

الرياض أمام خيارات صعبة مستحيلة
إن ذلك يتمثل في عجزها عن مواصلة دور القائد الأعلى للعدوان على اليمن وتحمل تكاليفه الاستراتيجية المالية، وبدأت الأصوات تتردد من القصر السعودي تستغيث بالأمريكي للبحث عن مخرج يحافظ على ماء وجه السعودية، ويجنبها الهزيمة الكاملة إذا استمرت تقدمات وانتصارات الجيش اليمني في عمقهم.. ويعرفون أن من الاستحالة كسب أي موقع أو استرداد أية منطقة من يدي اليمني، بمساحة تقدر بـ10 آلاف كيلومتر مربع، مستمرة في الاتساع كلما استمر العدوان.
أمام تلك الحقائق فقد اضطرت السعودية إلى القبول بالتفاوض المباشر مع القيادة الوطنية في الظهران ثم الكويت ثم سلطنة عُمان، بصورة مباشرة منفردة ثم جماعية بمشاركة الأمريكي نفسه، والذي التزم بضمان التنفيذ لكل الاتفاقيات نيابة عن الرباعية المعتدية.. مما يؤكد توصل الرباعية إلى القبول بالتفاوض كمخرج وحيد أمام دول العدوان لتوفير نكساتهم.. وقد شكلت اتفاقيات عمان أعلى مستوى وصلت إليه المفاوضات والالتزامات، وكلها كانت تنطوي على معنى المقايضة بـ(الشرعية) والتخلي عن قرار 2216 كأساس للمعالجات.
وبعد مجيء ترامب تغير موقفها مؤقتاً لتحاول من خلال صفقات التريليون دولار الجديدة استئناف الهجمات على الساحل والعاصمة وتدبير المؤامرات الداخلية والانقلابات والحصار الشامل والإبادة الجماعية للسكان وللبنية التحتية.
لكن السعودية، وأخيراً، كشفت أوراقها ومشروعاتها ومخططاتها الاستعمارية وحقيقتها بعيداً عن الشرعية وأوهامها وأكاذيبها.
فالنفط والسواحل وتعز المندب وسقطرى ومأرب والجوف، هي المطمع الرئيسي للعدوان وجوهره، وهذا هو ما فجر النزاع بين طرفي المرتزقة العدواني.. لكن، لماذا؟
لأن هذا الموقف معناه التراجع عن مشروع الوصول إلى العاصمة وإعادة الشرعية المزعومة إليها، لأن ذلك غدا مستحيلاً مهما كابرت هي أو عملاؤها.

الانفصال الانسلاخي..
درة التاج الاستعماري الآن ومن قبل
بعد 3 سنوات كشف العدوان عن مشروع الانسلاخ والانفصال الإلحاقي للجنوب المبرم بينه وبين الفصائل العميلة الجنوبية من سنوات قديمة سبقت الأزمة اليمنية بعقدين، وهي الفصائل التي حولت قواها إلى منظمات تتبع الاستعمار وتأتمر بأمره ومعه تنجز خطواته خطوة خطوه.
إن عنوان المشروع المشترك هو فصل الجنوب رسمياً ووضعه تحت رعاية الاحتلال عبر الفعاليات الدولية، والمدخل لهذا هو الشروع بتشكيل المؤسسات الانفصالية من جيش وشرطة ومجالس حكم محلي ومحافظات ومجالس انتقالية وتشريعية، وتسليم حكم الجنوب صورياً لإدارة الانفصاليين وفرض واقع جديد: هو أن الجنوب أضحى خارج التفاوض المباشر بين السعودية والعدوان وبين اليمنيين، وخارج السيطرة، وبأنه طرفٌ مستقل يجب التفاوض معه مباشرة حول الانسلاخ بسلاسة تحت إشراف الأمم المتحدة.
كما أن هذا العمل، تلجأ إليه الدول المحتلة عندما تشارف على الانهيار لاحتلالها العسكري المباشر، حيث تحاول خلق أسباب للصراع والاقتتال الأهلي نيابة عنها, فعندما تصل إلى العجز عن احتلال الشمال والجنوب معاً فهي تحتفظ بالجنوب كقاعدة استعمارية لها دائمة، مقابل انسحابه من (العدوان على الشمال) ووقف القصف الجوي المريع والحصار متلفعاً هذه المرة باسم الحقوق العامة للشعب وحقه في تقرير مصيره تحت سيطرته هو -المحتل- والتحول من الاحتلال المباشر إلى السيطرة العسكرية المبنية عبر القواعد العسكرية الظاهرة والمخفية تحت ستار الشرعية والتأجير والحماية الدفاع المشتر ك، وهو ما تفعله السعودية والإمارات في الجنوب الآن.

الصدام الدموي.. تطويع الإخوان والمغفلين 
إن معارضة جناح الإخوان وهادي وعلي محسن للمشروع تستدعي تطويعهم بالقوة المسلحة والناعمة والقمع و السجون والاغتيالات والقصف والنحر والنيران الشرعية!
وهذا فحوى ما يجري في عدن الآن وهو في بدايته.