في كل اعتداء جديد: يكون فيسبوك أو يوتيوب أو جوجل أو تويتر متهمين بكونهم أرضية مناسبة للإرهاب, يشير النقاد إلى إدارتهم التي اعتبروها ضعيفة جداً، وإلى أنظمة مراسلاتهم الخفية.
قبل عدة سنوات كانت ألعاب الفيديو العنيفة تلعب الدور الفعال لكبش الفداء, في كل تراشق للرصاص كانت هذه الأخيرة يشار إليها بإصبع الاتهام كمسؤولة، واليوم ناب عنها متهم آخر في سياق مواجهة تعدد الاعتداءات الإرهابية: من منابر المواقع الاجتماعية.
فبعد بضع ساعات من الهجمة الإرهابية على جسر لندن، كانت تيريزا ماي تتهم الشركات التقنية بعدم بذل الجهد الكامل في ذلك لكي يراقبوا ويقاوموا المتطرفين الذين ضبطوا، وكذلك بتقديمها أرضية مناسبة للعنف والتطرف.
بالنسبة لرئيسة الوزراء البريطانية التي لطالما أرادت أن تضبط مسامير الويب، وكانت تقترح نظاماً دولياً في الاجتماع الأخير لمجموعة الدول الصناعية السبع: المواقع الاجتماعية التي توفر (للإرهاب مساحات آمنة ليروج لنفسه)، حين شرحت في كلمتها أمام داونينغ ستريت.

مرآة المجتمع
توضح جولييت أنسل، محامية في اللوزان، ومتخصصة في التقنيات الحديثة: (تستطيع الشبكات الاجتماعية والشركات التقنية أن تبني أهدافاً سهلة في الإطار الحالي، مع احتمال وقوع اعتداء ثانٍ مشابه لهذا الأخير الذي حدث في مانشستر). ويحاول السياسيون أن يظهروا أنفسهم فعالين ومتفاعلين، لاسيما في سياق الحملة الانتخابية، حتى إنهم يتقاربون مع تيريزا ماي بالنسبة لتقليل عدد رجال الشرطة النشطين، لكن تضيف قائلة: (يمكن بصعوبة أن نعتبرهم سبب هذا العنف، فهم ليسوا إلا مرآة للمجتمع).
كتب بيتر نيومان، أستاذ في جامعة الكينغز في لندن، وخبير في شؤون الإرهاب: بدا خطاب تيريزا ماي أكثر شبهة في اللحظة التي ألقي فيها، فلم يكن أحد يتحدث عن استخدام المواقع الاجتماعية التي هي على صلة بالاعتداء, كيف تثير سيلاً من التفاعلات في بريطانيا العظمى... على المواقع الاجتماعية, (قليل من الناس حالياً على النت يبدون التطرف، ولوم منابر المواقع الاجتماعية فعال سياسياً، لكنه فكرياً وثقافياً بطيء).

المنابر تتفاعل
لم تتأخر الأساسيات المعنية في التفاعل والاستجابة، أكد فيسبوك رغبته في (أن يكون بيئة معارضة للإرهابيين)، ويمنع هذا الموقع الاجتماعي المحتويات التي تدعم الأنشطة الإرهابية, الجانب المنتقد هنا أنه يعتمد في ذلك بشكل كبير على توقيعات المستخدمين, حتى إذا كان أيضاً يعتمد على تقنية الكشف عن الصور التي كانت قد استبعدت أو أزيلت مسبقاً من المنبر، على سبيل المثال, في فيسبوك 4500 شخص يعملون على كشف الرسائل المشتبهة لكلا الجنسين، من بين 1.3 مليون رسالة منشورة في كل ثانية.
أكد جوجل أيضاً التزامه المالي والإنساني ليحارب المحتويات المفرطة في العنف التي كانت تظهر في محرك البحث لديه، وعلى يوتيوب، في كل دقيقة 400 ساعة من الفيديوهات تضاف إليهم على النت، من المؤكد أن الإرهابيين (ليس لهم أي مكان على تويتر)، ذكر هذا الموقع أنه قام بتعليق أو وقف أكثر من 376.000 حساب كان يدافع عن الإرهاب، بين يوليو وديسمبر من العام 2016م.

الكثير جداً من المحتويات المشبوهة
هل المواقع الاجتماعية هي المتهم الخطأ؟ ليس بهذه السرعة, في تقدير سيلفين ميتيل، محامٍ متخصص في حماية البيانات والخصوصية، وأستاذ في جامعة لوزان، (يوجد الكثير جداً من المحتويات المشكوك فيها التي تبقى على المواقع الاجتماعية), وجهة نظر مشتركة ومثبتة وفقاً لتحقيق نشر الأسبوع الماضي، من قبل المدير الأوروبي, سحب فيسبوك ويوتيوب 66% من الرسائل التي تحرض على الكراهية، فيما لم ينجح تويتر في إزالة النصف منها، من جهة أخرى يعتبر الكثير من الخبراء أن هذه الشركات لا تتعاون دائماً بسهولة وبسرعة, يذكر فرانسوا تشارليت، محامٍ متخصص في التكنولوجيا: ينتقدها الكثيرون (لأن البلدان غالباً عاجزة عن مواجهة المجتمعات التي تستمد أهميتها تقريباً من الدويلات الصغيرة في الدولة).

تحديد الشيء المقبول
سحب المحتويات وحظر الحسابات؟ ليس بهذه البساطة، تذكر جولييت أنسل وهي تقدم المراجع على ملفات فيسبوك التي نشرتها الجارديان في الشهر الفائت (المحتويات المتعلقة بالتعيينات الجديدة وبتطرف الأفراد ليست دائماً محرمة أو سهلة التحديد, والمنشورات الحديثة للروابط المديرة لفيسبوك بخصوص هذا الموضوع وشهائد المدراء قدمت كدليل لحجم وصعوبة المهمة), من ناحية أخرى (هذه المواقع التي استخدمت من قبل السلطات للتحري عن عنف بعض الأفراد وعن إجراءات التجنيد وعن مواقع بعض الإرهابيين... إلى آخره)، إذن طردهم من تلك المنابر يدفع بهم تحديداً لاستعمار الويب الأسود، وبالتالي جعل ملاحقتهم أكثر صعوبة مرة أخرى.
يشدد سيلفا ميتي: من منطلق أهمية تحديد ما يمكن قبوله وما هو ليس كذلك، إلا أن في هذه النقطة تماماً إشارة إلى أن وجود تعاون دولي قد يكون نافعاً, (بإمكاننا أن ننتظر من الشركات أن تقدم بعض القواعد، لكن لتحقيق ذلك يجب أن نساعدها في تحديد تلك القواعد، وهذا يسمح بتجنب خصخصة العدالة بالنسبة للخبير الذي كان يعترف: من الممكن الوصول لمعيار دولي بالنسبة لهذه المسائل، بما أنه كان من قبل ممكناً وضع قائمة بالجماعات الإرهابية، وكما أنه يوجد اتفاق على محاربة الإرهابيين، ومع معضلة: (حساسية حرية التعبير تختلف بشكل كبير من بلد لآخر).

مشكلة التشفير 
الإدارة على المواقع الاجتماعية لا تمثل إلا جزءاً من المشكلة, وهناك جزء ثانٍ: أنظمة المراسلات المخفية التي تسمح للإرهابيين بالتواصل في سرية تامة، تقنيات التشفير أيضاً لفتت انتباه بعض السياسيين، التي كانت من وقت لآخر تمنع أي شخص كان من التقاط حوار ما, في فرنسا يود إيمانويل ماكرون أن يحظر هذه التقنيات، لكنه هو نفسه يستخدمها مراراً للتواصل مع فريقه.
يؤكد سيلفان ميتي: (هذه مناقشة خاطئة، فليس لنا الأحقية أن نمنع التشفير, هذا سيجعل المواطنين أكثر عرضة لخطر العنف الإرهابي، في حين ستبحث الجماعات الإرهابية عن وسائل أخرى للتواصل، وهم أيضاً يتحدثون عن الصوت الحي), يصر ميتي: وهذا سيكون نوعاً ما أشبه بإيقاف الشاحنات بسبب أن البعض منها قد استخدم في الاعتداءات، لكن هذه الأنظمة ليست خالية من نقص، فقد استطاعت الاستخبارات المركزية أن تقرأ بعض الرسائل من دون أن تضطر لفك الشفرات، لكن بالاستيلاء على إدارة الجهاز نفسه، كما كشف ذلك ويكيليكس في مارس الماضي, يقول فيليب أوشسلين بوضوح: (يجب أن نعتاد على فكرة أن بعض أنظمة التشفير صعبة الفك هي اليوم واقع، وفيما إذا كانت ستستخدم بدراية أو بدون دراية).

الكثير من التعاون
وعلى المدى يوجد واتساب (الذي هو تابع لفيسبوك)، نظام الرسائل الإلكترونية لأبل، وتيليجرام، أو مرة أخرى سيجنال، إلا أن الضغط قابل للاستمرار في التصاعد، (بعض المجتمعات لا تتعاون بكل بساطة معنا) كما يدعي روب وينرايت، مدرب اليوروبول، وعلى هذه النقطة يتفق كل الخبراء: إذا كانت الشركات التقنية لا تستطيع مراقبة الجميع على مواقعها، وإذا كانت لا تخطو خطوة إلى الوراء في تقنية التشفير، يجب أن يتعاون اللاعبون الأساسيون، وعندها لن يكون الضغط السياسي غير نافع.

من موقع: Le Temps