خرجوا من تحت أنقاض منازلهم التي طالها قصف طيران العدوان الأمريكي السعودي, وبلا متاع شدوا رحالهم بعد أن قتلت صواريخ ذلك القصف كل مقومات الحياة في مدنهم وقراهم, ليستقر أغلبيتهم في عدد من المخيمات التي أنشئت لإيوائهم. .
ومنذ عامين ونصف وهم يقطنون الخيام, التي لم تقهم حرّ الصيف المغادر، ولن تفعل ذلك مع برد الشتاء الزاحف نحوهم ببطء مفزع، مكشراً عن أنيابه ليخدش جلودهم ويلحق الأذى بأجسامهم. بينما كتل الإسمنت الخاصة بمن كانوا سبباً في تلك المعاناة تنتصب على أراضي المدن والقرى اليمنية بخجل من جرائم ملاكها أمام أعين ضحاياهم, والذين يتساءلون: أوليس من العدالة أن نسكن في بيوت من شردونا من بلادنا، وجعلونا نبيت في الخلاء كالبدو، ونصبح فريسة سهلة لتقلبات الطقس المتوحش, بدلاً من هذه الخيام الواهنة؟
تطرقت أسبوعية (لا) إلى هذا الموضوع المهم الذي لم يلتفت له أحد من قبل، وناقشته مع مسؤولين في اللجنة الثورية العليا والوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، لمعرفة أسباب عدم تسكين النازحين في منازل عملاء الرياض.
العدوان يجبر أكثر من مليوني
مواطن على النزوح
لم يعد يخفى على أحد أن التحالف الأمريكي السعودي الذي دشن عدوانه في 26 مارس 2015م، استهدف بغارات طيرانه كل ما على أرض اليمن من أحياء وجماد, وبما أنه دمر وألحق ضرراً كبيراً خلال 900 يوم بـ406 آلاف و289 منزلاً، فإن عدد أفراد الأسر الذين خرجوا من تحت الأنقاض والذين غادروا منازلهم بعد أن تضررت من القصف، تجاوز المليوني نازح، أكثر من 380 ألفاً منهم في العاصمة ومحافظة صنعاء.
وبسبب الأوضاع المتدهورة للبلد بفعل العدوان والحصار وتواطؤ الأمم المتحدة في ذلك، ساءت الظروف الاقتصادية كثيراً, ما اضطر جزءاً كبيراً من أولئك النازحين إلى اتخاذ المخيمات سكناً لهم, لكن هذا لم يكفِ العدو الذي هرول إلى استهدافهم في مخيماتهم، مخلفاً مئات الشهداء، وسط صمت مستفز من المجتمع الدولي ومنظماته، الذين اكتفوا بالتنديد رغم علمهم بأن أهداف الطيران كانت مخيمات تؤوي نازحين دُمرت منازلهم قبل ذلك بفعل ذات الغارات في ظل ذات الصمت.

استهداف مخيمات النازحين 
لم يكفه قتل ذويهم وتدمير منازلهم وإرغامهم على الخروج والسكن في مخيمات, فقد ذهب تحالف العدوان الأمريكي السعودي إلى قصف مخيماتهم بالصواريخ التي ترسلها طائراته، وارتكب مجازر بشعة، كمجزرة مخيم المزرق بمحافظة حجة. وتكرر ذلك كثيراً أمام مرأى مشرفي الأمم المتحدة.
ففي اليوم الخامس على بداية العدوان الأمريكي السعودي استهدف طيرانه مخيماً للنازحين بمنطقة المزرق بمحافظة حجة، استشهد على إثرها 40 نازحاً وجرح 200 آخرون ممن لجأوا إلى المخيم, بعدها في يونيو 2015 استشهد أكثر من 18 مواطناً وأصيب 50 آخرون جراء قصف الطيران لمخيم النازحين بمديرية حيران في نفس المحافظة.
استمر المعتدون في قصف مخيمات النازحين في مناطق مختلفة من الوطن، حيث شن غاراته في أبريل 2016 على مخيم بمنطقة المرور محافظة حجة, بعدها استهدف المخيمات في منطقة صرواح بمحافظة مأرب, ومنطقة المخا بمحافظة تعز، ليرتكب مجزرة بشعة راح ضحيتها العشرات من أبناء المنطقة الساحلية.
وفي سبتمبر 2016 قصف طيران العدوان الأمريكي السعودي مخيماً للنازحين في حديقة الصمود بمحافظة صنعاء، مخلفاً العشرات بين شهداء وجرحى.
وعلى هذا اتخذ تحالف العدوان استهداف النازحين الذين تدعي الأمم المتحدة رعايتهم، ولا تحرك ساكناً عندما يتعرضون للقصف، منهجاً لتصعيد عدوانه, وعملاؤه ينكرون قيامه بذلك، ويزيفون الحقائق، ويبررون لجرائمه تلك بدعاوى واهية، في الوقت الذي تظل فيه منازلهم داخل اليمن آمنة، ما شكل موجة من الاستياء والتساؤلات مفادها: لماذا لا يتم تسكين النازحين فيها طالما والعدوان يستهدفهم داخل المخيمات؟

أسباب عدم تسكين النازحين في منازل المرتزقة
ناقشت أسبوعية (لا) هذا الموضوع مع اللجنة الثورية والوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين, واتضح أن قيادات المجلس السياسي الأعلى ووزراء حكومة الإنقاذ لم تخض في الحديث حول الموضوع, غير أن اللجنة الثورية العليا ناقشته إبان إدارتها مؤسسات الدولة قبل الاتفاق السياسي.
وخرجت اللجنة الثورية بعد نقاشات عدة منذ بداية الحرب برؤية تضمنت محاذير من تعرض تلك المباني والمنشآت التابعة لعملاء العدوان لقصف الطيران, حيث قال عضو اللجنة الثورية العليا الأستاذ محمد القيرعي، في حديثه لصحيفة (لا): (كان العائق الرئيسي أمامنا يكمن في مخاوفنا المحقة جداً من أن أية محاولة لإسكان النازحين في منازل المرتزقة، قد تسفر بالتأكيد عن تعرض تلك المباني والمنشآت لقصف طيران العدو، على أساس تصوراتهم أنها محتلة من قبل لجاننا الشعبية، وهذا أمر ظل حاصلاً على الدوام ومنذ بداية العدوان، حيث إن العديد من تلك المباني العائدة لأعوان ومرتزقة العدوان استهدفت على هذا الأساس). مضيفاً أن هذه الرؤية هي حصيلة نقاشات عدة منذ بداية العدوان.
أما الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين فقد رأت أن طرح هذا الموضوع سيكون له تداعيات سلبية, من ضمنها أن شائعات العملاء والمرتزقة حول قيام أنصار الله بنهب المنازل والمنشآت التابعة لأذناب العدوان قد تضفى عليها مصداقية رغم أنها غير صحيحة وكاذبة، كون إجراء اللجان الشعبية تجاه ممتلكات تلك الفئة كانت تحريزية, وهذا يمهد تعرضها للقصف، كون المعتدين اتخذوا من دعاواهم الواهية بوجود جماعات مسلحة تابعة لمن يسمونهم الانقلابيين، مبرراً لقصف منازل المدنيين.
وأفاد بعض المسؤولين في الوحدة التنفيذية أن من ضمن العوائق التي تحول دون تسكين النازحين في بيوت قيادات فنادق الرياض، هو عدم وجود مسوغ قانوني, مفيدين أنه بالإماكن اتخاذ هذه الخطوة في حال صدر قرار من المجلس السياسي الأعلى يجيز ذلك, بعدها سيقومون بإبلاغ الأمم المتحدة بأن النازحين يسكنون في هذه المباني، وتحميلها مسؤولية قصفها.

الأمم المتحدة توقف نشاطها الإنساني في اليمن
بات تواطؤ منظمة الأمم المتحدة المعنية بحماية الحقوق في العدوان على اليمن واضحاً للجميع, وذلك من خلال ما تقوم به من إشراف على قرصنة المياه الإقليمية اليمنية, واكتفائها بإصدار التنديدات على المجازر التي يرتكبها التحالف بقيادة السعودية، دون أن تحرك ساكناً لإيقافها, وعلاوة على ذلك عينتها على رأس مجلس حقوق الإنسان، ورفضت عدة مقترحات من منظمات دولية ودول تطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية في الجرائم المرتكبة في اليمن.
وعلى ذلك فإن إبلاغها بأن النازحين هم من يسكنون المباني الخاصة بأعضاء حكومة فنادق الرياض وبقية أذناب العدوان الدافعين بقوة لاستمرار الحرب والحصار على اليمنيين، لن يحول دون قصفها, فقد وصلت صواريخ الطيران المعادي إلى مخيماتهم المشرفة عليها هذه المنظمة.
وفي هذا أشار عضو (الثورية العليا) محمد القيرعي إلى أنهم طلبوا في وقت مبكر من منسق الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، العمل على رصد وتوثيق جرائم الحرب المرتكبة من قبل تحالف العدوان ضد المدنيين, كجزء من واجباتهم ومسؤولياتهم الأخلاقية، فكان رده لهم حرفياً أن الأمين العام اتصل به شخصياً، وطلب منه وقف أي نشاط إنساني للمنظمة في اليمن, لأن السعودية مستاءة من ذلك.
وبين محمد القيرعي أن موقفها هذا ليس عجزاً منها بهيئاتها المختلفة عن تحمل مسؤولياتها, بقدر ما يشير الى التواطؤ المخزي الذي اتسمت ولا تزال تتسم به مواقف هذه المؤسسة الدولية إزاء محنة اليمنيين.
لقد أفقدت هذه المواقف منذ بداية العدوان المنظمة الدولية أبسط شروط الفاعلية والمصداقية في أوساط الشعب اليمني والأحرار حول العالم, ويرى عضو اللجنة الثورية أنها فقدت ما هو أكثر من ذلك، والمتمثل في أبرز خصائص التفوق الأخلاقي الذي نشأت عليه بوصفها منظمة أممية تمنع نشوب الحروب وما إلى ذلك عقب الحربين العالميتين.
مع كل هذه المحاذير من تسكين النازحين في منازل من تسببوا في نزوحهم, إلا أن ذلك يبقى خياراً قائماً تتخذه القيادة الوطنية لتحقيق ولو الشيء اليسير من العدالة لمن يرون منازل ومباني وشركات من تعاونوا مع العدو ضد الوطن وقاموا بتدمير قراهم وشردوهم منها بعيداً عن المسوغ القانوني.