لأكثر من 7 أشهر تتواصل هجمات العدو بلا توقف من البر والبحر والجو على مناطق موزع ومعسكر خالد وقرية الهاملي والمنطقة المحيطة بالمعسكر، في حالة من الانتحار الهستيري. لكن ومع ذلك فبقاء الحال على ما هو عليه يقول بتوازن سلبي يجب كسره، إلى جانب استقراء الخطوات التالية للعدو التي تعدها غرف العمليات الدولية بداية من البيت الأبيض.
مقاربة لتوزع القوى الراهن
لماذا هذا الإصرار على إرسال آلاف جديدة إلى محارق مؤكدة؟ ولماذا تتواصل المذبحة البشعة على هذا النحو دون أن تحقق شيئاً من أهدافها؟
موزع وحدها ولخمسة أشهر من المعارك الدامية وحتى اللحظة صارت ما يشبه حدود الفناء، ويستمر العدو بمحاولة التقدم باستغلال تفوقه البحري والجوي، ودوماً تتحطم آماله على جدران الصمود الوطني. ودوماً كانت النتائج وخيمة ومخيبة. صحيح أن العدو تقدم عدة كيلومترات على الشاطئ الرملي المكشوف، مستنداً للتفوق الجوي البحري، ولم يستطع التوغل بعمق نحو معسكر خالد وجبل النار الخط الدفاعي الأول عن الهضبة الداخلية الجبلية لتعز التي يدافع عنها الجيش واللجان بحمية وقوة، وهذه المواقع هي الحامية للطريق الرئيسي بين تعز والمخا والحديدة، ويفصل المناطق الجنوبية والوسطى للعمري الوازعية عن المناطق الشمالية الغربية، وكلها مواقع تمركز قوي لقواتنا الباسلة. 

إيقاعات المعركة الدموية الصاخبة 
تعتمد استراتيجية الجيش واللجان على استنزاف قوات العدو المادية والبشرية والمعنوية، خلال تقدمه في المنطقة المكشوفة، وحول معسكر خالد وموزع، ما إن تبتعد عن الساحل قليلاً فيقل تأثير الطيران المعادي وسلاح البحر، ويمكن تحييده خلال الاشتباكات القريبة.. وحتى اللحظة لم يكتفِ العدو بعد من المفارم التي تُحشر بها قواته في كل مرة تحاول التقدم.
بعد فشل العدو في تحقيق تقدمات على جبال العمري وكهبوب وحوزان، تراجع هناك ليوجه أغلب قواته الرئيسية نحو موزع ومعسكر خالد والهاملي شرق المخا، لإنجاز محاولة التفاف وحصار من بعد، لكن العكس هو ما حدث لهم! فقد تمكن الجيش واللجان من التقدم محطمين فلول العدو في مناطق الكدحة والمعافر وجبل حبشي، وقسموا قوات العدو في الداخل وقطعوها عن العدو في الخارج، وأفشلوا مخطط العدو الكبير، الذي تحول إلى أزمة ونكسة دامية ومذابح لا تتوقف.

المعركة المزدوجة
 لتحطيم مشاريع العدوان
تكتيك التراجع إلى الداخل قليلاً، وعدم الالتحام من قرب بالعدو على الساحل المكشوف المفتوح، كان ضرورة، وخاصة حين اكتشفت قوات الجيش واللجان على الساحل خطر خيانات داخلية في جبهة المخا، تمثلت في تسرب مرتزقة من الإخوان والوهابية، وممارسة حملة من التخريب والتجسس وكشف المواقع وشبكات الألغام البحرية التي كانت تحمي الميناء من اقتراب البوارج والسفن المعادية. وبفعل تلك الخيانة البشعة لصالح الصهيونية والسلولية، تمكن العدو من اقتحام الميناء، وهو ما لم يستطع إنجازه طيلة عامين، فعدونا جبان لا يتقدم إلا بالخيانة والعمالة.. ولولا التنبه العالي لأبطالنا والتصرف سريعاً لكانوا قد حوصروا وتلقوا خسائر كبيرة.
من هُنا كانت ضرورة الإقدام على خطوات تكتيكية ضرورية لإبطال أثر الخيانة، وأهمها التراجع إلى التلال القريبة لاجتناب آثار الضربات الجوية، وعن مراكز كمائن العصابات الخيانية من عملاء العدوان ومرتزقته.
وهذه الثغرة والخيانة تشبه الواقعة في نهم العام الماضي بقيادة الشيخ الخائن الأقرع، ومثلها أيضاً في تعز بحي الجمهوري وصينا والضباب بقيادة الشيخ المرتزق عارف جامل وغيره من الخونة والعملاء. 

الأهداف الحيوية للعدو
 في هذا الهجوم
1-يحلم العدو بالتوغل نحو الهضبة وصولاً عبر موزع المعافر جبل حبشي الضباب إلى غرب تعز المدينة، حيث يسيطر الدواعش والقاعدة والمرتزقة، وبهذا يحقق أهم أهداف العدوان الرئيسية الكبرى من حربه على الساحل الغربي.
2-يقطع تموين الجيش واللجان في جبال العمري كهبوب الوازعية من الشمال الغربي، بعد أن فشل في الاقتراب منها عبر الجنوب.
3-تقسيم الجيش واللجان إلى قسمين يفصل بينهما العدوان.
4-زحزحة الجيش واللجان عن الساحل مسافة كافية لاتقاء نيرانهم وصواريخهم القصيرة المدى.
5-التقدم للسيطرة على مناطق شمال غرب تعز الجبلية المطلة على الساحل الغربي لتأمين مواقع تمركزه الساحلية.
6- إقامة منطقة دفاعية حصينة قابلة للدفاع عنها، وجعلها رأس جسر للإنزالات البحرية الحربية العدوانية التي تترقب الفرصة للانقضاض على الساحل بقوات دولية كثيفة للتمدد شمالاً وشرقاً.
7-تأمين خط إمداد المرتزقة في غرب تعز المدينة عبر منفذ الضباب.
8-دخول تعز الغربية والاستعداد لاقتحام تعز الشرقية ومواصلة الزحف شرقاً وتطويق الجيش واللجان في محور الحوبان - الراهدة - كرش، من الخلف ومن الشمال.

كيف يفكر العدو؟ 
وإذا حقق غايته في الوصول إلى تعز الشرقية يكون قد حقق مرحلة حاسمة في شن الهجوم الكبير -على الحوبان- من غرب المنطقة، وقطع الجيش واللجان في الراهدة كرش - المفاليس من الغرب والشمال، وتهديد قاعدة الجيش الجوية والبرية في الحوبان -الجند، مما يهيئ إمكانية السيطرة على تعز المدينة ككل.
9- التمدد شمالاً على الساحل الجنوبي للحديدة باتجاه حيس والخوخة وزبيد.
يدرك العدو أن هذه المعركة مصيرية، وأمامه السيناريوهات المحتملة الآتية:
الأول: أن ينجح في اختراق الهضبة ويتقدم حولها إلى الداخل قليلاً، فيخلق ويفرض سلاماً مؤقتاً متوازناً ميدانياً، يخنق الاستراتيجية اليمنية في التقدم جنوباً قبل المفاوضات القادمة، وهذه أسوأ الاحتمالات بالنسبة لقواتنا، وأفضلها للعدو.
وفي هذه الحالة سيحقق أهم الممكنات من الأهداف، أهمها على مستوى الاستراتيجية العليا للحرب: بقاء الاحتلال للجنوب استناداً للسيطرة على الساحل الغربي لتعز أو المساومة عليه -أي الساحل- مقابل بقاء الاحتلال في الجنوب تحت يافطات مموهة أهمها الانفصال و(حق تقرير المصير).
لكن هذا بات صعباً تحقيقه، واستمرار المحاولات الفاشلة كل يوم سيصل بالعدو إلى نفس وضع المرتزقة في معارك أبين مكيراس وعقبة ثرة التي كانت مقبرة العدوان الكبرى والأولى بعد اختراق عدن، وفيها طُحنت نخبة مرتزقة أبين والقاعدة وهادي والسلفيين لأكثر من 200 يوم تيقن بعدها العدو من عجز الأعداد في تلك الجبال وفقدان قيمة العتاد من الطائرة إلى المدرعة. 
 السيناريو الثاني: أن يخسر معركة التقدم على الهضبة في موزع - البرح، ويضطر إلى التوقف شرق المخا في حدود المواجهة الراهنة على خط محيط غرب معسكر خالد - جبل النار شرق المخا، مع استمرار الاستنزافات والمقامرة والتراجعات والخسائر اليومية في الحدود الفاصلة بين القوتين، ويصبح مصيره معلقاً بالإنزالات البحرية والجوية الدولية لإعادة توازنه على الساحل، بعد أن يقارب على الانهيار أو البحث عن مصادر ارتزاقية كبيرة تعوض النزيف الذي يكابده.
السيناريو الثالث: الخطة الخفية للعدو على مسرح المنطقة الرابعة.. يعرف العدو وقيادته الاستراتيجية أن هدفه الكبير في إسقاط تعز بطريق غير مباشرة أو مباشرة، لا يمكن تحقيقها، إلا إذا وسع مساحه الهجوم عبر الضالع - العود - بعدان - السياني القاعدة من جهة، والأخرى عبر الضالع الحشا وردفان - ماوية - القاعدة.
حيث الضالع - إب- القاعدة، هي الحلقة الرئيسية التي يستهدفها العدو للسيطرة عليها وإحكام حصار قوات الجيش واللجان وقطعها عن قواعدها وقواتها من الاتجاهات الأربعة، وأول هذه التحركات قد بدأ بالنشوب الأيام الماضية بشكل طفيف.

الدحرجة الاستراتيجية للعدو في التقرب غير المباشر
ويبدو هذا هو اتجاه العدو الاستراتيجي التالي الذي يخطط له ويركز قواته على أساسه. وخلال الفترة الماضية حرص على تهدئة هذا المحور تماماً، بهدف الاحتفاظ بعنصر المبادرة والمفاجأة إلى اللحظة التي يكون فيها قد اقترب من المفاصل الرئيسية بالتدريج الطويل غير المباشر والاقتراب عن بعد.
هناك من لا يفهم مدى خطورة الاستراتيجية العدوانية العليا غير المعلنة، التي ليست العمليات الظاهرة إلا الممهد لسيرها ولأهدافها.

المعنى الرئيسي للاستراتيجية المخاتلة للعدو 
إن العدو لا يمكنه التفكير بالتقدم نحو الداخل التعزي من الساحل إلا بعد تهيئة المحور الخلفي الجانبي الالتفافي الذي يتحقق خلاله الحصار لقوات الجيش واللجان في الحوبان وشرق تعز، وهذه هي الخطوة الحاسمة في مشروع إسقاط تعز والسيطرة عليها، أي السيطرة على قواتها وخطوط إمداداتها الشمالية الغربية، لأن تعز هي مركز المنطقة الرابعة وقيادتها ومحورها الأكبر، والسيطرة على الساحل الغربي لا تهدف إلا إلى الالتفاف على الجيش واللجان في المنطقة الرابعة ومركزها الرئيسي بداية بعزلها عن المناطق المجاورة الخامسة والسابعة والثالثة الملاصقة لها، ذلك أن جميع المحاور الطرفية الملاصقة للمنطقة الرابعة هي جزء أساسي من المسرح الحربي الحالي. 
فالحرب تدور في وقت واحد على مسارح متجاورة مترابطة عديدة، ومهما بدت في الظاهر هادئة أو جامدة، لكنها تدور بشكل أكثر عنفاً وشراسة في الرئيسي منها.
من هنا مصير الهجوم الساحلي الآن مرهون بمدى التقدم الهادئ الذي يحرزه العدو في تحركاته الحذرة على محاور الطرف الشرقي للمنطقة الرابعة، تلك التي يفكر العدو بالالتفاف على شرق تعز عبرها، خاصة بعد أن عجز العدو طوال العامين في التقدم عبر المحاور الجنوبية الوسطى لتعز، ومعنى هذا، أن قسماً كبيراً من قدرات القوات مازالت في المحور الشرقي من الضالع - إب الحشاء- ومن ردفان ماوية شرق تعز.
إن هذا ما يؤكده الواقع الماثل أمامنا، وفي استراتيجية العدوان، وما تكشفه تحركاته ومناوراته وتكتيكاته ونتائجها على الأرض، وأهدافه المعلنة والخفية، وهو ما يفرض علينا التوجه نحو تطوير استراتيجيتنا الدفاعية والهجومية -بشكل حاسم- لإفشال استراتيجية العدو المباشرة وغير المباشرة -البعيدة والقريبة - عبر استباقها الاستراتيجي، وتغيير معالم المسرح وقلب موازين القوى قبل المعارك الفعلية التالية على الأرض، والتقدم على العدو في كافة النقاط المفصلية التي تقرر مصير تحركاته القادمة والحالية التي تفترض أن تتطابق وأن تتلاقى أجزاؤه الرمزية التي أطلقها العدو، وتلاقي (القوس السحري) مع (السهم الذهبي)، وهو الاسم السر الذي أطلقه العدو على عملية الهجوم في الساحلي الغربي، متضمناً معاني عديدة غامضة تتطلب الكشف عن جميع مراحله وأقسامه المشفرة من خلال الغوص في التفكير والتحليل العميقين، واستقراء المعلومات المتوفرة والوقائع والمعارك السابقة والمخططة في ضوء استراتيجية العدوان وأهدافه ومخططاته وأوضاعه الراهنة.

القوس السحري للعدو
 والسهم الذهبي
 الضالع- مريس - قعطبة - يريم - إب - العود - بعدان - القاعدة - الحوبان.. وجهة مناورة الالتفاف الرئيسية القادمة للعدو - على شمال شرق تعز- عبر جنوب شرق إب.
هذا يعني أن في هذه النقطة الجغراستراتيجية تتركز الاحتياطات الاستراتيجية للعدو، التي سيستخدمها في مناوراته الالتفافية الأخيرة الحاسمة، التي يراهن عليها العدو لأنه يتصور عدم الوعي بها وعدم إدراكها ومراميها.

@ كاتب ومحلل استراتيجي وسياسي - رئيس تحضيرية الحزب الاشتراكي اليمني