قــــــراءة فـــــي خطـــــاب عاشـــــوراء
دقَّــت ساعــة العمــل


تضمَّنَ خطاب سيد الثورة المتلفز في مناسبة عاشوراء، الأربعاء الفائت، مفاصل رئيسة على مستوى تشخيص واستشراف مسار المجابهة مع العدوان السعودي الأمريكي، يمكن إيجازها في الآتي:
ـ أمد المجابهة سيطول، ومجزرة الصالة الكبرى ليست خاتمة مطاف مجازر العدوان بحق اليمنيين.
ـ المعطيات المادية التي ترشح يومياً عن واقع المجابهة ومواقف العدو التصعيدية خلالها، لا تبرهن على جديته لجهة إحلال السلم عبر مشاورات سياسية تنهي العدوان وترفع الحصار والحظر الجوي، وتؤيد تسوية يمنية قائمة على الشراكة والتوافق والحل الشامل، والأمم المتحدة أعجز من أن تضغط على التحالف السعودي الأمريكي للمضي في هذا الاتجاه، وأخلت بالتزامها وتعهداتها تجاه تأمين عودة وفدنا الوطني إلى صنعاء.
ـ الهدف الجوهري للعدوان تقويض مبادئ وقيم وهوية الشعب اليمني المناهضة للتعبيد والهيمنة والاستكبار، والملتزمة بالقضايا المركزية للأمتين العربية والإسلامية، وفي صدارتها قضية فلسطين والموقف الثابت من الكيان الصهيوني بوصفه العدو المركزي للعرب والمسلمين.
ـ يهدف تحالف العدوان من خلال العمليات العسكرية، إلى احتلال كامل التراب اليمني شمالاً وجنوباً.
وإزاء هذا التشخيص المستشرف لحوافز وأبعاد المجابهة على جانب العدوان، استقرأ خطاب السيد عبدالملك الحوثي مسار المجابهة ميدانياً، ووجهة تطوره على المدى المنظور زمنياً، والأعباء والتحديات والمهام التي يمليها هذا التطور على ضفة القوى الوطنية المناهضة للعدوان، وعلى عموم شرائح وفئات الشعب وجيشه ولجانه المرابطين بامتداد جبهات ملحمة الدفاع والتحرير.
في هذا السياق، أكد سيد الثورة من موقع الإدارة الفعلية لدفة الصراع، أن العدو يعكف على فتح محاور أخرى لعملياته العسكرية؛ وتأسيساً على هذه الرؤية المستبصرة للسيد القائد، فإن من السذاجة الركون إلى فرضية أن العدو يوشك أن ينكفئ منسحباً من مضمار المنازلة، على خلفية انتكاساته المتلاحقة ميدانياً أمام بسالة أبطالنا وصمود شعبنا، فالصراع من جانبنا هو صراع (أن نكون أو لا نكون)، وهو كذلك من جانب العدو، الأمر الذي يوجب على الطرف المظلوم والمستضعف وصاحب الحق، عدم التهاون والتفريط، لأن ثمن ذلك سيكون خسارة وجوده، وإذن، فإن أعلى درجات الاستنفار والتعبئة ورفد الجبهات، هي الواجبات الملحة والمنوطة بشعبنا دون تباطؤ أو ركون، تثميناً لوجوده الحر الشريف المستقل والمستهدف من أعتى قوى الاستكبار والوصاية الكونية.
خطاب سيد الثورة في يوم عاشوراء، قَرَع أجراس الخطر بقوة وبصورة استثنائية، في وقت يسود شعور شعبي شبه عام بأننا نكسب المعركة، فعلى الجبهة الشرقية بانت اليد الطولى للجيش واللجان، وانهارت معنويات العدو وقيادته العسكرية، وعلى جبهة الحدود يتقدم أبطالنا، ويسيطرون على المزيد من المواقع والنقاط الاستراتيجية في العمق السعودي، والأمر ذاته في الجبهة الجنوبية والجنوبية الغربية والهضبة الوسطى، فما الحاجة لقرع أجراس الخطر بهذه الوتيرة؟!
قبل يوم تقريباً من خطاب عاشوراء، أشاعت البحرية الأمريكية خبراً تدعي فيه أن إحدى مدمراتها تعرضت لاستهداف صاروخي في المياه الدولية قبالة باب المندب، من الأراضي اليمني، وصبيحة الخميس الفائت، أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بياناً تتهم فيه (أنصار الله) بالوقوف خلف هذا الاستهداف، فـ(الأراضي التي انطلق منها الصاروخ تسيطر عليها حركة أنصار الله) وفقاً للبيان، رغم أن الناطق باسم القوات المسلحة اليمنية كان نفى، الاثنين الفائت، عقب إذاعة الخبر، أن تكون وحداتنا العسكرية استهدفت أية سفينة في التوقيت المذكور، ونوه إلى أن الغرض الأمريكي من خبر مفبرك كهذا، توفير غطاء من التعتيم على مجزرة العدوان الأخيرة في العاصمة صنعاء، واستدراج الصراع إلى منعطف خطير لا يحتمله عبر الافتراءات الأمريكية، مؤكداً أن البحرية اليمنية معنية فقط بالدفاع عن مياهنا الإقليمية، وملتزمة بحرمة المياه الدولية والملاحة فيها.
إلى ذلك، أورد بيان البنتاغون أن البوارج الأمريكية ردت على (الاستهداف) بضرب ما سمته (رادارات تابعة للجيش اليمني)، ولم تصدر عن هذا الأخير تأكيدات حول حصول هذه الضربة.
قراءة ما وراء هذا الخبر تشير بجلاء إلى المحور الذي يزمع تحالف العدوان السعودي الأمريكي فتحه، ونوه إليه السيد في خطاب عاشوراء.
تمهد (واشنطن)، عبر هذه الفبركة الفاضحة، لتيسير انتقالها من حيث أخفقت إلى حيث تعتقد أنه يمكن لها أن تربح... بصورة أوضح، تحاول الولايات المتحدة الذهاب مباشرة إلى ما تريده بالفعل، وعجزت عن تحقيقه تحت يافطة (الشرعية) وبذراع (التحالف)، متمثلاً في بسط السيطرة على المثلث المائي اليمني الرابط بين البحرين العربي والأحمر، حيث يقع أخطر وأهم مضيق ملاحي وسيط على مصاف العالم، أما ذريعتها التي تراهن عليها في إخراس الشريك اللدود الصيني الروسي + إيران، فهي (حماية مصالحها الحيوية من خطر فعلي مباشر يتهددها).
عند هذه النقطة من الصراع لا تعود المواجهة حكراً على نطاق إقليمي عربي يهدف لدحر (انقلاب) وتثبيت (شرعية) في قطر اسمه (اليمن)؛ بل نطاق دولي تسعى أمريكا لأن تحوز قصب السيطرة فيه على شرفة مائية حساسة تتيح لها خنق عنق التنين الصيني الناهض وحليفه الروسي، ومزاولة قرصنة مقنعة على (إيران)، وضمان أمن ربيبها الصهيوني المستوطن، وتطويق الظهير الشرقي المصري، وفي غضون ذلك سحق القيادة الثورية الطليعة في اليمن المناهضة للصهيوأمريكية كلياً، بعد قولبتها في خناق جغرافي معزول ومقطوع الصلة بالمحيط الوطني الرحب.
إن تدويل المجابهة من قبل معسكر العدوان، يستدعي تدويل الاصطفاف المقاوم لمشروع العدوان، كحق لا حرج على اليمن في مزاولته، لا سيما وأن المعركة لا تخص قطراً بعينه لينوء أحراره بتبعاتها.
بالاتكاء على هذا البسط، يمكن قراءة عبارة السيد عبدالملك الحوثي لدى تقديم الشكر لمن تضامن مع المظلومية اليمنية، وعلى رأسهم (حزب الله وأمينه العام سماحة السيد نصر الله)، حيث أكد سيد الثورة (أننا جزء من قوى المقاومة في المنطقة)..
لعاشوراء (الحسين) هذا العام زخم مغاير في اليمن التي باتت بفعل منسوب الدم المسفوك ظلماً وعدواناً على ترابها، جديرة بأن تسمَّى (كربلاء العصر)، إيذاناً بمعركة فاصلة ضد (يزيد العصر)، على كل تراب تستعبده أقدام ذراريه وعلوجه وجلاوزته.