جوهر وخلفية التصعيد العدواني الجديد على نهم صنعاء 
في الأسابيع الثلاثة الماضية ارتدت المعارك أمام نهم صنعاء شراسة متزايدة وزخماً شديداً، وكأنها أصبحت للعدو المعركة الفاصلة النهائية، التي بعدها يُفتح الطريق إلى مطار العاصمة اليمنية، ثم ينتهي كل شيء وفق رؤية العدو.
هذا ما حاولت الدعاية الإيحاء به مكرراً، بذات الأساليب الدعائية الهتلرية، وهي على مشارف موسكو ولينين جراد وستالين جراد، في الحرب العالمية الثانية، حين تعرضت العواصم السوفيتية الكبرى للحصار الباطش لعدة سنوات. ولإكمال المشهد، فإن الحصار على المدن الروسية، انكسر، وتحطم الغازي الى أشلاء وقطع صغيرة على صخرة صمود الشعب السوفيتي أمام جحافل أقوى جيوش العالم الرأسمالي الهمجية وأكثرها توحشاً وتنظيماً ومعدات وعدداً.
ركزت الدعاية النفسية الجبارة على أساس أن أياماً قليلة باقية على دخول العاصمة موسكو؛ لكن الشعب السوفييتي الواثق بقيادته، الملتف حولها، استطاع أن يكسر الحصار، وأن ينتصر في أعظم ملحمة إنسانية وطنية.
وتكتسب الزحوفات الأخيرة المتوالية على نهم، أهمية خاصة. وشاركت فيها معظم قوات المحور الشمالي الشرقي: مأرب - نهم - الجوف، التي تربو على 30 ألف مرتزق -كان رأس حربتها 5 آلاف ـ وأكثر من 500 دبابة وعربة ومدرعة وطقم ومدفع، وعشرات الطائرات الحربية والأباتشيات.
وبعد انكسار الهجمات العدوانية المضادة في حرض وميدي والمندب وكرش والطوال، وتكبيد العدو خسائر فادحة في العتاد والأرواح، وانهيارات العدو أمام الجيش اليمني واللجان في جيزان وعسير ونجران؛ لجأ العدو لإشعال جبهة نهم مجدداً، بهدف إيقاف الاندفاع المتواصل نحو نجران، والخوف من سقوطها الكامل بيد أبطالنا المغاوير.
ولا يخفى أن تشديد الهجوم على نهم صنعاء الآن، يرجو منه العدو سحب اهتمام الجيش اليمني نحو الدفاع عن العاصمة، وتركيز قواته عليه، بدلاً من التحشيد اليماني على محاور الأقاليم الشمالية المحتلة.

 حرب التحرير الوطنية للشمال اليمني المحتل
فلسفة السقوط
من اللحظة التي أعلن فيها قيام الشرعية الوطنية الثورية الدستورية الموحدة، بدأ -بالمعنى الموضوعي- التحرير الوطني للأراضي وللأقاليم اليمنية المحتلة، الشمالية والجنوبية، باعتبارها المسألة الرئيسية التي تقف أمام الشعب والقيادة الوطنية والثورية، وهي النهضة الوطنية الشاملة التي عبرت عنها المليونيات المتكررة، آخرها لتأييد المجلس السياسي الأعلى.
ووقف العدوان في هذه اللحظة -التي تجاوز فيها عدونا الحد السياسي العقلاني أو الواقعي من حيث معرفته أنه هزم استراتيجياً- يتطلب بالضرورة ضرب مركزه المتقدم الميداني في المرحلة الأولى المرتكز بنجران وجيزان وعسير، ثم مركزه العميق، أي الرياض.
فالعدو ذو طبيعة استئصالية فاشستية، يعتمد أراضينا المحتلة قاعدة انطلاقه في حربه التوسعية التاريخية ضد بلادنا وشعبنا، ولذا، فمن الضرورة استرجاع أراضينا المحتلة التي تعد جزءاً أساسياً هاماً من أمننا الوطني اليمني.
إن طبيعة تركيبة النظام، أي نظام، تحدد الطبيعة القانونية أو المنطقية، لسقوطه، إذ إن تركيبة النظام السعودي، قائمة على بنية شوفينية عشائرية محيطها الجغرافيا (نجد وأرستقراطيتها)، ثم تليها أرستقراطية تجارية حجازية، تلعب دور الشريحة الوسطى، التي يلحم بها سيطرته على الأقاليم المقهورة، وهي المناطق المحتلة الجنوبية والشرقية، والتي هي مكمن الثورة والعمل والإنتاج والزراعة.
هذه العلاقة، هي علاقة كولونيالية جغرافية داخلية، وهي ما تبقي على النظام، لأنها تدير عجلة الصراع الذاتي، وتمنع التوحد لافتراق المصالح والأهداف، الناتجة عن اختلاف المواقع السياسية القائمة على الجغرافيا، أي جعل الصراع والعلاقات جغرافية. ويتم تأجيج هذا الصراع بالتعصب الوهابي والإرهاب الفكري، والتي هي غطاء للترسمل القبلي الأرستقراطي والطفيلي في عصر الإمبريالية، وكإمبريالية تابعة للمركز الصانع لها (المتروبول الأنجلوسكسوني الصهيوني).
هذا الوضع، يميع الصراعات الداخلية والتناقضات الطبيعية في المجتمع، بخلقه اصطفافات وانقسامات عامودية (جغرافية) وليست أفقية (طبقية وفئوية). وهذا شرط لبقاء النظام، حيث تشوهه هو شرط وجوده واستمراره. وما يحميه هو عامل الإرهاب الفاشي والقمع الشديد.
وبالتالي، فإن تحرير المناطق المحتلة اليمنية، شرط أساسي لاستقلال وتحرر اليمن في المقدمة، ثم الجزيرة كلها، انطلاقاً من قواها الإقليمية وخصوصياتها التاريخية التي فرضها الاحتلال وظروف التاريخ والجغرافيا والمجتمع، وتماسك وتقادم بنياته العشائرية الجغرافية والثقافية.

استراتيجية العدوان وتكتيكه الحالي
مصيدة نهم
يركز العدوان، الآن، جهوده الهجومية على المحور الشرقي الشمالي - إزاء العاصمة- بهدف إحداث ضغط نفسي شديد على اليمني لإجباره على العودة إلى المفاوضات العبثية في الكويت أو الجزائر أو عُمان، والمهم منحه الوقت الكافي لإعادة بناء قواته المتكسرة، وأضاف إلى هذا التكتيك، آخر، هو الورقة الاقتصادية واستهداف البنك المركزي اليمني. 
إن العدو يفكر على نحو يعتقد أنه من خلال الضغط النفسي العسكري على العاصمة، يمكنه أن يجبرنا على العودة للمفاوضات العبثية، ووقف التقدم الجريء أمام نجران.
وهو يجلب الكثير من القوات إلى المحور الشرقي، حيث تدور من أسابيع عدة معارك كبيرة وضارية، تتكسر كل يوم أمام قواتنا الوطنية، وفي ظل غطاء الطيران الكثيف.
كانت نهم استحوذت على الاهتمام العدواني من بداية شهر ديسمبر الماضي، ودارت فيها معارك ضارية خلال الفترة من ديسمبر حتى مارس الماضي، وشهدت أكبر الزحوف، وخسر العدو فيها آلاف القتلى والجرحى والمعدات.

ما يجهله العدو عن ثغرة نهم التكتيكية والاستراتيجية
 سوف يكتب التاريخ أن نهم وثغراتها التكتيكية المعدة بعناية من قبل الجيش اليمني واللجان، ومن الطبيعة اليمنية في آن، أنها كانت كما كانت موسكو وستالين جراد ولينين جراد بالنسبة للغزاة.
وما يجهله العدو، أنهم وما بعدها باتجاه العاصمة، هي ثغرة طبيعية وبشرية هائلة معززة بكمائن قواتنا. والمعادلة، هي أن العدو كلما اقترب أكثر، وقع في هذه الثغرة أكثر، والتي تشابه الثقوب في الفضاء، حين تقترب أكثر نحوها، تقوم هي بابتلاعك أكثر. فكلما حاول العدو التقدم، ابتلعته هذه الثغرة وحطمته، وهكذا كلما تعمق أكثر.

تنظيم المعركة الوطنية - نهم حدوة الفرس
أقام الجيش اليمني المدافع عن العاصمة المنتشر من صرواح ومأرب ونهم ومفرق الجوف، خططه الدفاعية والهجومية على أساس نظرية الدفاع الإيجابي والهجوم السلبي أمام العدو المتفوق جوياً، في مناطق شبه مكشوفة.
وصمم دفاعاته المتحركة على شكل حدوة الفرس أو فكي الكماشة -أو آلة طحن الجوز- وقد وجدت المنطقة طبيعياً على هذا النحو. وهي المربع الممتد من فرضة نهم - صرواح، ونهم يام - مفرق الجوف، ونهم الجدعان - مأرب.
وإذا وضعنا نهم مركزاً للمستطيل المرسوم، فإن الضلع الممتد من مأرب إلى الجوف والضلع الممتد من الجوف إلى نهم والضلع الممتد من صرواح إلى مأرب، هي أضلاع المثلث التي أعدت في حدوده المحارق اليمنية الكبرى لتقدم الجيوش العدوانية.
أي أن استراتيجية الجيش اليمني قامت على كسب المعارك من وضع الدفاع الإيجابي - من المواقع والحفر والكمائن المتحركة، أي من الدفاع الثابت والمتحرك والمرن مع استخدام الأرض، التي تقاتل مع أهلها دائماً.

التكتيك اليمني 
كانت قواتنا قد تمكنت من دحر المرتزقة من نهم والجدعان والمفرق، والوصول إلى مشارف مأرب. وأصبحت على بعد عدة كيلومترات من مرماه - عند جبال هيلان المطلة على المدينة ومعسكراتها في تداوين وماس وكوفل وصحن الجن. وكان العدو قد تمترس بالمدنيين، كما أن الأرض مكشوفة أمام الطيران..ولذلك اتبع اليمني تكتيكات جديدة غير متوقعة أربكت العدو وقياداته. كان الأسلوب المتبع خليطاً من أسلوب مفرمة اللحمة الثابت في الخنادق والدشم الذي اتبعه سعد الشاذلي في حرب أكتوبر 73م ضد الكيان الصهيوني، وبين الدفاع المتحرك المرن لـ ليدل هارت وجيكوف، أو أسلوب ما كان يسمي الدفاع القنفذي السوفيتي، القائم على بث آلاف النقاط المخفية خلف خطوط العدو المتقدم، والالتفاف عليه وعلى أجنابه ومؤخراته، ثم توجيه الضربات الصاعقة المفاجئة على نقاطه الضعيفة وخطوط إمداداته.
وبهذا، يمكن الوصف، أن قواتنا تحولت في المعركة بنظر العدو، إلى أشباح مرعبة، لا تعرف حركتها ولا كيفيتها ولا توقيتها ومكانها. إنهم أشباح حقاً.

عن الاستراتيجية والسياسة العدوانية الجديدة
 الرعب يصنع السياسة الآن
بات الرعب سيد الموقف تدريجياً أمام العدو -شمالاً- فالقوات تتكدس في الخطوط التي سرعان ما تتهاوى بدون مقاومة تذكر من أبقار الحرب البشرية التي يجمعها العدو من كل مكان وبلاد وجنس، ولا يعي أحدهم لأجل ماذا يموت أو يقاتل؟! لقاء دراهم معدودة وحياة العبودية!
والمواقع تتساقط تباعاً من حول المدينة - على عمق 120 كيلومتراً من صعدة، وهو توغل كبير وهائل مفاجئ، لم يكن أحد يتصوره بهذه السرعة. ومعنى هذا أن الخطوط الدفاعية الثلاثة للمنطقة المحتلة، قد تنهار الآن تماماً، وانهارت في نجران فعلاً.
بينما رفع العدو أوراقاً تهديدية عديدة ليرد بها على التطورات المتسارعة، من الإرهاب إلى القصف المريع للمدنيين الى التهديد بالورقة الاقتصادية والبنكية والتموينية.

 بعد نجران.. عشية محاولات تفاوضية جديدة
بعد أن أمضى العدو 3 أشهر في العبث السياسي، مستغلاً حرصنا على التوصل إلى حلول تفاوضية توافقية، إلا أنه في نهاية الفصل بعد عجزه عن تحقيق إنجازات عسكرية، حاول التلاعب بالوقت واستثماره لصالح إعادة تجميع قوات جديدة، ومعاودة العدوان والضغط لفرض إملاءات وحلول استسلامية وقحة، تكشف خوفه المزدوج من الحرب ومن السلم معاً، فلا ولا، وكان الرد اليماني عسيراً ومراً أشد من العلقم.
كانت النتيجة هي العودة إلى الميادين والجبهات، بعد فقد جميع الفرص والخيارات السلمية، وقد أحرقها العدو بغروره وعنجهيته. لكن اليوم، الوضع قد تغير تماماً، فلم تعد الحرب قبل نجران مثل الحال بعدها.
ما بين نجران الآن ونجران قبل شهر، مسافة هائلة قطعها المقاتل اليمني مادياً ومعنوياً، من 30 كيلومتراً، وبطول 200 كيلومتر، واليوم بنادق اليمني تصل إلى 120 كيلومتراً عمقاً حول نجران وحدها.
ومعنى هذا أن الزحوف تتوالى باتجاه عسير عبر الظهران جنوباً وغرباً، واتجاه جيزان -الجبل والوادي- ولن تتوقف الزحوف على الأرض المحتلة قبل تحريرها.
نحن جاهزون، ولكن، بشكل مختلف.
نحن لا نرفض السلام المشرف أبداً، ولكن ماذا لدى العدو لتقديمه مقابل السلام المشرف؟ وهل تريد السعودية السلام فعلاً؟
ما هو مؤكد، أنه بعد نجران، ستكون عسير وجيزان حتماً. فنجران أم المعارك، وبداية تاريخ يمني وعربي وإسلامي جديد، ومشرف، كما نريد نحن، لا كما يريد أعداؤنا.

تطور المحددات الاستراتيجية الجديدة للتوازنات الإقليمية والدولية
هناك مجموعة من المحددات الاستراتيجية ذات التأثير الحاسم في ميزان القوى العسكري والسياسي في المنطقة المحيطة، والتي تجري فيها الصراع الحالي، ونحن جزء منها سلباً وإيجاباً، وهي:
النهوض السوري القومي ضد عصابات الإرهاب الاحتلالية، والتقدم المحقق في ساحات الصراع.
التراجع التركي، وترهل السياسة الجديدة بعد تكشف المؤامرة الإخوانية الأمريكية السعودية، في الانقلاب الأخير، وما تضمنه من تصدع داخل البنية التحالفية التركية الأمريكية السابقة، وانقلاب السياسة التركية من رأس رمح عدواني مباشر بجانب السعوديين والأمريكيين في المنطقة، إلى سياسة براجماتية تنشد مصالحها المباشرة مع أقرب جيرانها: الروس.
ويدور الموقف من الأسد وسوريا 180 درجة، بشكل لا يصدق، والتعبير عن تقدير واقعي لدور الأسد، والكف عن المطالبة بإسقاطه كشرط مسبق للمفاوضات.
الدور الروسي المتعاظم الذي لم يتوقف بعد، ولم يصل إلى أوج إمكانياته واحتماله وقدراته، في السيطرة الاستراتيجية على المنطقة في سباق الحرب ضد الإرهاب.
وأخيراً، وهو الأهم، تشكيل المجلس السياسي الأعلى، وتوحيد أعمق لجميع القوى الاستراتيجية الوطنية وتفعيلها في الميدان، وأدى إلى حسم تناقضاتها، في الصالح العام. وذلك بدمج قواها الاستراتيجية في قوة واحدة وقيادة واحدة مركزية. وهو ما ضاعف القوى عدة مرات، وحولها من قوى تغلب تكتيكي ميدانياً وفنياً، إلى قوى غلبة استراتيجية محتمة، مما يجعل النصر أمراً في متناول المقاتل اليمني فعلياً، وعلى عكس الماضي، الذي كان أقصى ما يمكن الوصول إليه هو انتصارات تراكمية: أي كسب الجولات بالنقاط وليس بكسر الخصم أو طرحه أرضاً. وكان هذا التراكم أدى بتفاعلاته وتراكماته المستمرة إلى نضوج تحول نوعي شامل استراتيجي وتكتيكي يسمح بكسر أرض الخصم، وليس فقط خدشه، وأصبح استمرار المعركة على هذه الوتيرة يخصم من أجزائه الرئيسية. وهو عدو يعيش الآن تآكلاً شاملاً.
وما يهمنا مباشرة، هو كيف ينعكس هذا التطور الروسي على الصراع الجاري في بلدنا، لتحقيق إنجازات حاسمة على طريق التحرر وامتلاك السيادة وردع الاحتلال وتصفيته.
أهم الآثار، هي ما أشارت إليه المقابلات الأخيرة في الصحافة اليمنية والدولية، حول الدور الروسي وتطور تحركاته على الأرض، وخاصة في خليج عدن وسقطرى ومضيق المندب وبالقرب من الشواطئ اليمنية، بعد ارتفاع التواجد الأمريكي العدواني في الفترة الأخيرة.
إن الإشارات الواضحة من قبل المسؤولين اليمنيين الكبار والروس مؤخراً، حول الاستعداد لتوسيع محاربة الإرهاب لتشمل اليمن والمنطقة، كلام واضح يكشف النوايا اليمنية - الروسية، وما تخفيه من استعدادات للتعاون المستقبلي والفعلي ضد الإرهاب وقواته، وما يتضمن ذلك من تحذير روسي للأمريكيين لقراءتها جدياً وفهمها بسرعة، من الشريك الدولي المضاد، صاحب الباع الأطول في سياسة المنطقة، خاصة اليمن.
كلها تشي لأول مرة بصراحة عن نوايا الروس وبرنامجهم التالي لنقل المعركة ضد الإرهاب، إلى اليمن والجنوب، حيث تتركز الجماعات الإرهابية وبدعم كامل من الأمريكيين والسعوديين وحلفائهم وعملائهم.
وما فتح الطريق لذلك، هو تشكيل المجلس السياسي الأعلى، وعودة المؤسسات الدستورية، فالروس سيتخذون خطوتهم التالية عبر المعاهدات القديمة، وعبر طرق دستورية.