في الـ18 من آذار العام المنصرم، غادر الأستاذ عبدالكريم الخيواني الحياة، لكنه نسي أن يموت؛ إذ لم يبارح مكانته، ولايزال قلبه الكبير يُنعش المنزل دفئاً وحناناً، لم يتخلَّ أيضاً عن علاقاته الاجتماعية والسياسية، فأصدقاؤه وزملاؤه من كتّاب وسياسيين وحقوقيين، يحيون الذكرى السنوية الأولى لاستشهاده باستحضاره بينهم، هكذا عاش المناضل، الثائر، الصحفي، السياسي، الحقوقي، والشاعر عبدالكريم الخيواني، واضعاً بصماته المتميزة في شتى المجالات التي خاض غمارها، وتأبى حالياً أن يغادرها، تعرض للاعتقال والتعذيب والمطاردة والملاحقة والاعتقال، ورُوّعَ مع أسرته مراتٍ عدة، وقضى سنوات في السجون التابعة لنظام صالح. 
لقد مرَّ عام على استشهاد شهيد الكرامة وسيد الكلمة، ويُشرف العدوان على إكمال جرائمه ومجازره للعام الأول بحق الشعب اليمني، التقينا مع ابنة الشهيد آلاء عبدالكريم الخيواني، التي أوضحت جانباً من النضال والكفاح الذي عاشه الشهيد بمعية أسرته. فإلى الحوار:
 عام على استشهاد الأستاذ عبدالكريم الخيواني. كيف مرّ هذا العام على أسرته؟
مر عام لكن جرح رحيله مازال يتجدد كأنه بالأمس، ويلازمنا كل يوم، بأوقات الفرح والحزن، بسبب عدم وجوده ومشاركته لنا، وبالأحزان يزداد حزننا لعدم وجوده بجانبنا وغياب مواساته لنا، لقد ترك فراغاً كبيراً حتى تغيرت كل ملامح الحياة من بعد رحيله.

 كيف كان وقع خبر استشهاد (كريم) عليكِ وعلى العائلة؟
كان صدمة قوية بالنسبة لي، ولم أصدق ذلك الخبر إلا حين رأيته بالثلاجة، وقتها اتهمت الجميع بالكذب، وأنه لازال بخير ولم يمت، وأبي وعدني أنه سيأتي إليَّ في الجامعة، وسأراه، أو أنه سيأتي بعد قليل يدق الباب، حتى ساءت حالتي ولم أفق إلا في المستشفى، فقت وأنا أنكر أنه مات، وعلى أمل أن يتصل بي في أي وقت، ظللتُ على تلك الحالة لمدة شهر كامل، لم أستوعب ما حدث، ولا أستوعب شيئاً آخر.
أما إخوتي لؤي البالغ من العمر أربع سنوات، لم يستوعب ما حدث، غير أنه ذهب إلى الجنة، وهو يعتبر الجنة دولة سافر لها والده وسيعود، بينما إباء صرخت وبكت حتى وصلت حد الانهيار، فكانت تلعب وتهتم بشكلها بدون وعي، ولم تستوعب إلا يوم التشييع عندما صرخت في باب المقبرة (لااااا)، وأمي لم تعرف ماذا تفعل، كانت مشتتة تصرخ حيناً وتسكت حيناً لكي تهدئنا، أما بالنسبة لأخي الأكبر محمد فقد اضطر أن يتجلد ويُظهر قوته ليؤازرنا ويهتم بنا ويواسينا.

 يعرف الجميع تضحيات الخيواني في مسيرة نضاله، فما هي الكلفة التي دفعتها عائلته - أثناء حياته - ولا يعرفها الآخرون؟
تمثلت تضحياتنا في القلق والخوف الذي عشناه بسبب الاعتقالات والاعتداءات والاختطافات التي تعرض لها والدي، وقد مرت علينا أيام صعبة للغاية في أوقات اعتقاله، أيضاً المراقبة الدائمة لنا، والخوف على الأطفال، فقد وصل تماديهم إلى إيذائنا كأطفال، وذات مرة حاولوا اختطاف أخي محمد، كذلك إباء تعرضت للضرب من قوات علي صالح عندما قاموا بمداهمة منزلنا واعتقال أبي بعد ضربه، ويومها رفعوا فوقي السلاح والتهديد بالقتل، بالإضافة إلى أربع مرات أخرى تعرضتُ فيها للتهديد بالقتل، وآخرها حادث الموتور المُدبَّر الذي تعرضت له في جامعة صنعاء. 

 كيف كانت حادثة اقتحام منزلكم، واختطاف والدكِ منه؟
جاؤوا في البداية بحجة أنهم من الكهرباء، ويريدون رؤية العداد، دخلوا إلى حوش المنزل، بعدها صعدوا مباشرة إلى شقتنا، وقاموا بدق الباب، فأجابتهم أختي إباء: من؟!  قالوا: إحنا أصحاب بابا، ففتحت لهم، فباشروا بأخذها ورميها على الجدار، ودخلوا مباشرة إلى غرفة والدي كأنهم يعرفون الطريق، دخلوا إلى غرفته، وكانوا ستة أشخاص تناوبوا على ضرب أبي، فذهبتُ لإحضار الكاميرا لتوثيق ما يحدث، لكنهم أخذوا الكاميرا من يدي، وقاموا بسحب أبي وهو مغمى عليه إلى الطقم، وعادوا للمداهمة مرة أخرى وتفتيش البيت.

 جرع نضالية وتضحيات كبيرة قدمتها أسرة (كريم)، آخرها أن قدمت ربها شهيداً للكرامة والحرية، ما حجم الخسارة التي لحقت بكم باستشهاد (كريم)؟ ومن يتكفل برعايتكم حالياً؟ 
خسارة كبيرة.. خسارة (كريم) الأب، (كريم) العقلية المتفهمة والمنفتحة، (كريم) الكريم، (كريم) الطموح والمشجع والمحفز، (كريم) الحنون والطيب، (كريم) الموجه والناصح، (كريم) المُحب للفن والألوان، أشياء كثيرة خسرناها برحيله.
أما بالنسبة للجزء الثاني من سؤالك، فلم يكن (كريم) يملك مرتباً حكومياً مقرراً ومستمراً، لأنه لم يؤمن بأية حكومة، وكان مقصياً من الحكومات السابقة، فكانت أجوره مقابل عمله الحر، لكن بعد موته تم تقرير معاش شهري لنا يصرف من الرئاسة.
 ماذا ترك لكم (كريم)؟ وأين هو الآن بينكم؟
ترك دروساً كثيرة، وتوصيات نعتمد عليها ونمشي وفقاً لها، وترك أحلاماً لابد أن نواصل السعي لتحقيقها. وهو موجود في كل موقف ولحظة، في كل فرحة وحزن، في أبسط الأشياء التي نقوم بها.

 ما الذي تعرفينه عن والدك؟
كل شيء.. أعرف أنه شخصية لم ولن تتكرر، شجاعته التي لا توجد في أحد، حديثه عن الموت بكل سخرية وضحك، وبالرغم من كل الذي تعرض له لم يتراجع يوماً، ولم تنكسر أحلامه وطموحاته التي كان يحكي لي عنها، ولا تمتلك حدوداً. 
أيضاً حنيته، وعطفه، وإنسانيته، وإحساسه لم أره بأحد، بساطته، تواضعه، تفهمه، طريقة تعامله، وأشياء كثيرة غيرها.

 صاحب القلب الذي يتسع لوطن، ماذا يعني اغتياله بالنسبة لليمن؟
طبعاً أي شخص يعرف (كريم) يشعر بأن (كريم) يحبه أكثر من غيره، وأنه المفضل لديه، والواقع أنه كذلك مع الجميع، لديه قلب صادق يتسع ويحب الجميع، واغتياله يعتبر خسارة كبيرة للوطن، وها هو الواقع المعاش حالياً يشهد على ذلك، فقد كان الوحيد صاحب الصوت المسموع للعالم، فكان يستطيع توصيل جرائم العدوان إلى الخارج، والمساهمة في إيجاد حل لرفع العدوان على الشعب اليمني. 

 يرى كثيرون في (آلاء) ميراث الشهيد، خصوصاً أنكِ كنتِ الأكثر قرباً منه، وتشاطرت معه جزءاً كبيراً من مسيرة نضاله. هل أنتِ فعلاً كذلك؟ وما الذي تعملينه للحفاظ على امتداد قبس (كريم)؟
نعم بكل تأكيد وبكل فخر أنا كذلك، وأنا التي كانت صديقة والدها ويتعامل معها بدون رسميات الأبوة، ولم يكن يخفي عنها سراً، وأعمل على ألا أتغير، ولا تتحول مبادئي مع تحول الظروف المحيطة، كذلك الشجاعة وعدم الخوف والتسليم لله، بالإضافة إلى حب العمل والإخلاص للعمل والوطن.

 المناضل (الثائر - السياسي - الحقوقي - الصحفي) أيٌّ من هؤلاء كان (كريم)؟
كل ذلك وغيرها الكثير، الشاعر، والمفكر، والأديب، والمثقف، والمعلم.

 كيف استطاع الجمع بين كل ذلك؟
لأنه محب لعمله ولكل ما يفعله، ومخلص، لذلك لم يجد في ذلك صعوبة، لكنه أهمل جانب الشعر كثيراً بسبب انشغاله بالسياسة.

 (آلاء زينبتي.. دمعتها فضاء الطير.. نبع الحالمين.. وكل أقماري وشمسي) ما قصة هذه القصيدة؟
كتبها وهو في السجن حين اعتُقل من مكتب صحيفة (الشورى).
كان كريم أكثر ما يحزنه هو رؤيته دمعتي، كان يحزن كثيراً ويتأثر لأجلها، فعندما صدر قرار بسجنه دخلت عليه وأنا أبكي وحضنته وقلت له: (بطل كتابة يا أباه، مشتيهمش يشلوك علينا)، فلم يتحمل دمعتي يومها، وقام بالذهاب إلى مقر الصحيفة لكي يأخذوه من هناك، ودائماً ما كان يكتب لي رسائل من السجن بخط يده، ويقول بأنه لم ينسَ دمعتي، وأنه حزين إلى وقتها، وأنه ذهب إلى المكتب لكي يأخذوه من هنالك لا من البيت، لأنه لا يتحمل أن يراني أبكي مجدداً.

 كان يوم 18 مارس ذكرى جمعة الكرامة، وهي ذكرى تقدسونها، فما الذي يعنيه - حالياً -  بالنسبة لأسرة الشهيد الخيواني؟
ذكرى موت الكرامة.. كان 18 مارس مهماً جداً لـ(كريم)، وكان في صفوف المتظاهرين يوم جمعة الكرامة، ومن أكثر المطالبين بكشف قتلة شباب جمعة الكرامة، والآن أصبح مطلبنا مطلبين: الكشف عن قتلة شباب جمعة الكرامة، وقتلة والدي أيضاً.

 تأتي المصائب مرة واحدة، بعد ثمانية أيام من استشهاد والدك بدأت مملكة بني سعود بعدوانها على اليمن، ما تعليقك؟
توقع الكثيرون أنه بعد مقتل عبدالكريم ستشهد اليمن مشاكل وحروباً، ولأنه كان مرتباً لقتله من الداخل والخارج، فكان مرتباً لكل هذا لكي يأتي العدوان وقد تخلصوا من أكثر شخص كان سيعرقلهم ويقف ضدهم، ويوصل القضية إلى الخارج، كما أوصل حقيقة حروب صعدة التي بدأت في 2004.

 ما هي رسالتك في ذكرى استشهاد كريم؟
لا يجب لأحلام وتوصيات وتوجيهات كريم أن تندفن مع جسده، يجب أن نواصل مشواره ومسيرته، وتحقيق أحلامه الوطنية التي سعى إليها.