استيلاد النصر من أحشاء معركة ميئوس منها
صــــقـــــر (قريــــش)

في اللحظة التي انهارت فيها كل المتاريس داخل أحياء تعز وسقطت في أيدي دواعش الاحتلال؛ صمدت حارة صغيرة جنوب تعز - حي الجحملية بعدد محدود من المقاتلين
جاءت الأوامر بأن المعركة ميئوس منها لكن 14 شاباً يقودهم بطل رياضي قديم قرروا أن يصمدوا وحيدين بوجه العاصفة..
دشن الدواعش ولائم السحل على بريق الألعاب النارية التي أطلقت احتفاءً بـ(انتصارهم) فأفسدت الجحملية وأبطالها انتشاءهم النازي..
قاتل شباب الجحملية بذخيرة وعدد محدودين وأوهموا العدو بأن كل ثقل الجيش واللجان يتمركز في هذه الحارة الصغيرة على الأطراف الجنوبية للمدينة..
سقط مئات القتلى من المرتزقة على أسوار الحارة ولم تستطع الغارات الكثيفة للطيران والمدفعية استنقاذهم من مخالب الليوث..
كان وراء هذا الصمود الأسطوري بطل لمع اسمه وبات شبيهاً بقناص ستالينجراد .. فلا ريب أن بين فاسيليف الفولجا وأكرم عبدالغني صلة حميمة


لا تخلو يوميات الجحملية من قصص المعاناة.. والحكايات البطولية.. هذه المنطقة الوارفة بأحيائها الجميلة وأزقتها الجامعة لكل ألوان الطيف اليمنية. إنها اليمن االصغرى كما يصفها الكثير.. وتاج المدينة والمكون الأساسي لنسيجها.. يعرفون أنفسهم ، قبل كل شيء ، كحاملين لقيم أصيلة هي مبعث فخر لكل يمني، ويرون أنه من واجبهم الحفاظ على هذا الإرث الوطني العريق، ونقله إلى الأجيال المقبلة.. خلف جدرانها تختزل ألف صورة للبطولة، وتسرد ألف حكاية عن قصة مكان يغفو على معاناة ومآسٍ.. ويصحو على انتصارات كثيرة.. يتشبثون بمسقط رؤوسهم وإقامتهم.. ويمارسونه كطقس ينتقل من جيل إلى جيل، ومن الصعب إقناعهم، بل مجرد الحديث معهم في موضوع مغادرة «كيانهم» لأي سبب وبأي ثمن.
هنا لا مكان لأية مخاوف من تداعيات الاجتياح. فبالرغم من أن الظاهرة قد تبدو في أماكن أخرى قدراً لا مفر منه، يواصلون، ما وسعهم الأمر، مقاومة التحولات التي يحاول فرضها الأعداء.
إنهم يعتمدون نمط عيش يتيح لهم التحرر من الزمن، بدل البحث عن مراكمة الأحقاد، واعتادوا على التعايش والتسامح واحترام التعدد الثقافي.
جعلت الأزقة المغلقة الحارة العتيقة تحتمي بالفضاءات.. يسودها الانسجام التام في النوم بأحضان الوطن، ورفض الظلم والتسلط بجميع أشكاله.
هناك فتيان أشداء ومقاتلون شرفاء يأخذون المبادرة بالوقت المناسب.. ويخوضون المعركة دفاعاً عن نفسهم وعن وطنهم.. (استطعنا تقريب الصورة للعالم بأننا نحب الحياة، ولكن في ذات الوقت عندنا النَّفَس الوطني وبذرة المقاومة)، (قد يأخذون حياتنا، لكن لن يسلبونا حريتنا وكرامتنا)، (الأبطال والشُّهداء لا يموتون.. نحنُ لا نعرف الخوف، نعشقُ الشهادة، والأرض ولّادة، خُلقنا لنكون وسنكون)! (هُنا ‏الجحملية هُنا تعز، هُنا باقون).. هذا هو شعار، ومفهوم وأسلوب الفرسان. هكذا يوقظون حماسة المقاتل في أنفسهم إلى الحد الأعلى, مرابطين في خطوط النار.. متمترسين خلف جدار الصمود المنيع؛ ينظمون عمليات العبور السريعة إلى قلب العدو. باختصار كانوا يدافعون عن مدماك وجودهم الأخير وشرف اللحظة. 
إنهم فرسان ومحاربون نبلاء في مواجهة غول لايمكن وصف سفالته.. غول بشع يذبح أسراه وهم أحياء.
في الجحملية.. هناك روح ثائر ومقاتل شجاع.. لقد أطلقت معارك تعز شرارة البداية لأسطورة البطل.
في كل مكان يتحرك هذا البطل هو وفرسانه. يخوضون معارك ضارية تشعرك بالفخر والاعتزاز.
لم تظهر مقاومة صناديد الجحملية بشكل جلي إلا بعد تأجج المواجهات ميدانياً مع محاولة الأعداء التغلغل في أحيائها الشامخة لتطويق أبطالها الذين عرفوا بشراسة المعارك وقوة الشكيمة و الرغبة العارمة في الاستشهاد والدفاع عن الحرمات والأعراض.
يوماً بعد يوم تتكرر الأساطير والرموز في كل الوطن، ويزداد إعجابنا بها.
لكن في الجحملية.. هناك روح ثائر ومقاتل شجاع.. لقد أطلقت معارك تعز شرارة البداية لأسطورة البطل.
أظهر بسالة وشجاعة قل نظيرها في العديد من الحروب الحامية الوطيس والمعارك المظفرة التي سحق فيها الأعداء وأذاقهم فيها هزائم نكراء. وقد اشتهر  بنضاله المستميت في المعركة الشهيرة التي أباد فيها الكثير من جيوش المرتزقة، بعد أن هاجموا الجحملية من جميع النواحي قصد القضاء عليه وعليها بصفة نهائية. 
ألحق فيهم خسائر فادحة في العتاد والأرواح لمدة أشهر طويلة من المعارك والحروب التي أبلى فيها الجحملاويون وأبطال الجيش اليمني واللجان الشعبية البلاء الحسن بفضل حنكة وخبرة البطل المجاهد.
بطل مقاوم شهم يدافع عن حرمات منطقته باستماتة ونبل منقطع النظير. 
يعمل جاهداً على تكوين جيش مدرب على القتال والتحدي والصمود والوقوف في وجه الأعداء العتاة المدججين بالمرتزقة الأجانب، ويقف بقوة في وجه عدوان أراد استنزاف وإخضاع المنطقة وتطويقها لفرض استكمال مسلسل الاحتلال وتدمير باقي المناطق التي لم يتم احتلالها بعد. 
اشتهر بمعركة أغسطس الشهيرة التي أذاق فيها الأعداء شر هزيمة، وسحق فيها مع بعض فرسانه معظم جحافلهم المجرمة.
لقد أصبح دائماً من أهم أبطال الدفاع عن حالمته الأبدية، ومن أهم الرجال الشجعان والمجاهدين البواسل الذين سيفتخر بهم التاريخ اليمني الحديث والمعاصر، وسيبقى علماً منتصباً في صفحات البطولة. إنها قصة بطل يعشق تراب أرضه، ويحتفظ بطلقة نارية للدفاع عن كرامتنا باستماتة.
فإلى نص الحوار مع البطل أكرم الجنيد..
 كيف هو المشهد اليوم في الجحملية؟
الأمور مستقرة والحمد لله خلال هذه الأيام، لأن العدو مهزوم نفسياً بعد تلقيه ضربات مؤخراً. كان الضغط علينا من قبل كبيراً جداً, وما إن فتحت للعدو جبهات في أماكن عدة من المدينة، خف الضغط علينا في الجحملية.. وبفضل الله وبفضل صمود أبناء الجحملية، الأمور عندنا مستقرة جداً.

 بعد الأحداث التي شهدتها بير باشا وقع أكثر من زحف عليكم.
الذي حصل في منطقتي بير باشا والحصب لم يكن زحفاً أو هجوماً قام به الدواعش، أو تحقيق انتصار لهم كما صوروه. حقيقة الأمر أن الجيش واللجان الشعبية انسحبوا من تلكما المنطقتين نتيجة بعض الإشكالات في الخطوط والمنافذ التي كانوا يعانون منها هناك, بعد دخول هذه العصابات الإجرامية لبير باشا، وارتكابهم جرائم بشعة بحق سكان هذه المناطق, اعتقدوا أن الأمور أصبحت مواتية لهم، وأن الجبهة الشرقية هي الأخرى منهارة, طلعوا بنفس اليوم للهجوم على الجحملية، لكننا تصدينا لهم بقوة، وألحقنا بهم هزيمة لن ينسوها أبداً.

 لكنهم زحفوا بعدها أكثر من مرة.. أليس كذلك؟
كسرنا أكثر من زحف للعدو على الجحملية, منها سبع محاولات، وألحقنا بهم خسائر فادحة بالأرواح والعتاد, كانوا يهجمون علينا من عدة اتجاهات كـ: ثعبات والقصر الجمهوري وجامع الخير.

 كيف هي الحالة المعنوية حالياً لدى مقاتليكم؟
معنوياتنا في الجحملية مرتفعة, لايوجد معنا أي مجال للانسحاب أو الهزيمة, الأرض أرضنا، ونحن ندافع عن منطقتنا.. وليس أمامنا إلا الانتصار.

 ما الذي حصل في الجحملية خلال أغسطس الماضي..؟ لازال الأمر غامضاً.
الكل يعرف أنه كان هناك اتفاق بين الجيش واللجان الشعبية من جهة مع بقية المليشيات المسلحة من جهة أخرى، لتسليم المحافظة للمجالس المحلية، بهدف عودة الاستقرار لتعز, كان الوضع آمناً بالنسبة للجهة الشرقية للمدينة, لكنهم وكعادتهم خرقت هذه المليشيات الداعشية الاتفاق, وبسبب حقدهم على الجحملية، زحفوا عليها بشكل مفاجئ من كل حدب وصوب, لكننا تصدينا لهم بقوة، وأفشلنا عليهم تحقيق مآربهم الخبيثة, كمقاتلين ومدافعين عن الجحملية، لن نترك منطقتنا لقمة سائغة لهؤلاء المرتزقة.

 هل كنتم موافقين على هذا الاتفاق وهذه الترتيبات؟
نعم كنا على علم بهذا الاتفاق.. وكنا موافقين ومرحبين به كوننا من أبناء تعز وجزءاً رئيسياً منها، ولا نرضى أن تكون مدينتنا بهذه الصورة التي عليها اليوم.

 كيف صمدتم بعد هذا الأمر؟
بفضل الله وبفضل أبناء الجحملية الشجعان ثبتنا في مواقعنا بشكل لا يمكن أن يخطر على بال أحد ممن يعرفون كيف سارت الأمور حينها.. كنا يومها حوالي 14 مقاتلاً فقط في مواجهة هذه الجحافل الإجرامية التي كانت تزحف علينا بالمئات، وبمختلف أنواع الأسلحة (دبابات ومدافع وقناصة), حقق أبناء الجحملية بطولات مذهلة.. صمدنا خلال هذا الظرف الصعب القاسي, وكسرنا هجومهم في مدة قياسية لم تتجاوز 10 أيام.

 كمقاتلين كنتم قادرين على الانسحاب ولن يلومكم أحد؟
نحن لم نكن مسيطرين على منطقة عسكرية حتى ننسحب.. نحن مرابطون في منطقتنا، ونحمي بيوتنا، وندافع عن أرضنا وعرضنا.

 هل عرض الجيش واللجان الشعبية عليكم كمقاتلين أو سكان أن تغادروا مناطقكم؟
لا .. لم يعرضوا علينا أمراً كهذا.

 ما هو العامل الرئيسي لصمودكم؟
كان هناك عدة عوامل لصمودنا أمام الهجمة الشرسة لعصابات داعش والإخوان:
أولاً.. ثقتنا بالله, وثانياً.. نحن أصحاب حق ندافع من خلاله عن مناطقنا ومدينتنا، وهم معتدون (إن الله لايحب المعتدين), وثالثاً.. لم يكن لدينا أي خيار سوى الدفاع عن كرامتنا وكياننا.

 هل شعرتم في يوم من الأيام بالخذلان من قبل من يساندونكم في معارك الدفاع عن مناطقكم؟
الحمد لله لم نشعر بأننا خذلنا, بالعكس كان الإسناد المعنوي والحربي كبيراً جداً من قبل قيادة الجيش واللجان الشعبية, كما كان ومازال لهم دور كبير في صمودنا.

 وبالنسبة للعامل الاجتماعي؟
هناك بعض من أبناء المنطقة ممن يعملون لصالح الطرف المعتدي, الكل في الجحملية يعرفهم جيداً, لقد قمنا برصدهم، وحددنا من خطرهم بوقت مبكر.

 خلال هجمات المليشيات الإجرامية على مناطقكم.. هل واجهتم مرتزقة أجانب؟
نعم واجهنا الكثير من هؤلاء المرتزقة، ونحتفظ بعدة جثث لهم.. هؤلاء المرتزقة سودانيون وبنغال وأفغان وإندونيسيون, إلى جانب مرتزقة قادمين من مناطق عدة في بلادنا، وكذلك واجهنا بعضاً من أبناء منطقتنا ممن يقاتلون بمعية هذه المليشيات، وهم قلة، وينتمون للتيار السلفي التكفيري وجماعة الإخوان الإرهابية.
لقد كنا نسمع نداءات هؤلاء الأجانب المرتزقة عند كل هجوم يقومون به على الجحملية، وهتافهم لنا عبر مكبرات الصوت بمنادتهم لنا وبلكنة سودانية، قائلين: يا أولاد عبدالملك الحوثي سلموا أنفسكم وإلا سنقوم بذبحكم.

 إلى من ينتمي هؤلاء المرتزقة الأجانب؟
لداعش بشكل رئيسي، ولجبهة النصرة، وشركتي بلاك ووتر وداين جروب الأمريكيتين العاملتين بمجال جلب المرتزقة, الأمر لايخفى على أحد.. فقد أنتجت القاعدة عدة أفلام تصور الهجوم على الجحملية وهم يرفعون أعلام وشعارات القاعدة.. هؤلاء هم من يقتلون أبناء تعز بحجة الدفاع عنها بحسب ما يروجون له.

 ماذا عن شبكات جواسيسهم..؟ وكيف تتعاملون معها؟
بشكل دائم واجهنا الكثير من هذه الحالات، وتعاملنا بهذا الأمر بطريقة حذرة, وتصرفنا مع هؤلاء بعد أن تأكدنا منهم.. البعض ألقي القبض عليه والبعض الآخر فر من الجحملية بعد اكتشاف أمره، وهناك من لجأ إلى صفوف العدو, حاصرناهم في الجبهات الأمامية حتى لانمكنهم من إرسال الإحداثيات لطيران العدوان السعودي الأمريكي، وكذلك إرسال الإحداثيات لمدفعيات وهاونات مرتزقة العدوان.

 ما هي العقيدة التي ترتكزون عليها في معارك الدفاع عن مناطقكم؟
نحن من أبناء هذا الوطن بالمقام الأول.. نلبي واجب النداء بالدفاع عنه, وتعز مسقط رؤوسنا، وغالية علينا، ولن نسمح لأي إنسان أن يعبث بها.. لايمكن أن نقبل على أنفسنا أن تدنس مدينتنا من قبل الإرهابيين والمرتزقة الأجانب.

 ما سر صمودكم البطولي حتى اليوم؟
الجحملية فيها رجال مجاهدون, وكان للمسيرة القرآنية أثر كبير في إعداد نفسيات الشباب, الشباب هنا يحملون روحاً قتالية عالية, فيما العدو يمارس كل طرق الإجرام، من الخطف والإعدام والذبح ونهب الممتلكات, وهذا ما جعلنا ندافع باستماتة عن منطقتنا.
لقد رأينا ماذا عملوا في كل منطقة دخلوها.. نحن نحب منطقتنا ومدينتنا ووطننا, وهذا هو سر صمودنا.

 هل تجرون دورات قتالية لعناصر الدفاع عن الجحملية؟
الميدان ينتج أفضل من التدريب, فالميدان عندنا هو للمواجهات والتدريب معاً على أسلوب حرب المدن.
الكثير من الشباب المرابطين حاصلون على دورات عسكرية من قبل, كما أننا نجري على الدوام دورات ما بين كل 7 إلى 10 أيام، نؤهل فيها ما يقارب 30 شخصاً على القتال.

 منذ وقت مبكر كانت هناك حملة ضد الجحملية من قبل الأطراف التي تعتدي عليكم اليوم..
هم حاقدون على الجحملية منذ عام 2011, وبالذات لأن الجحملية اختارت الموقف المحايد، ولم تنضم لساحتهم، ولم تخضع لتسلطهم.. هكذا هي طبيعة أبناء الجحملية, لقد أدركنا وقتها أطماعهم ومؤامراتهم على الوطن.. ومنذ ذلك الحين وهم يحقدون على الجحملية، حتى جاءت الفرصة لهم, فمنذ بداية العدوان السعودي الأمريكي وهم يقومون بخطف وقتل كل من ينتمي للجحملية, ومنطقتنا تضرب بشكل وحشي وجبان ليل نهار من قبل طيران العدوان الذي لم يترك أي بيت أو متراس.

 خلال هجومهم كل مرة على الجحملية.. ما هي الرسائل التي كانوا يوجهونها لكم؟
السب والشتم والوعيد بالذبح.. هذه هي طباعهم ومنهجهم.

 هل شاركتم في جبهات أخرى غير الجحملية؟
نحن نخوض معارك الدفاع عن الوطن في أية جبهة كانت.. تعز هي ساحتنا, ومن واجبنا أن نشارك إخواننا في الجيش واللجان الشعبية هذا الواجب الوطني..وكوننا من أبناء المدينة ونعرف مداخلها  ومخارجها، فقد شاركنا مع هؤلاء الأبطال في عدة جبهات, وشاركنا بشكل أساسي في عمليات الهجوم على أوكار قيادات القاعدة, وكان أبناء الجحملية في طليعة الهجمات التي استهدفت المجاميع التي تقوم بالذبح والسحل، وتمكنا من قتل عدد منهم وأسر عدد آخر.. وأي مكان تتواجد فيه القاعدة نتواجد نحن فيه لمواجهتهم والتصدي لهم.

 حدثنا عن دور الجيش واللجان الشعبية في معارك الدفاع عن الجحملية وتعز.
أولاً سأتحدث عن الدور الشعبي.. لقد كان للعامل الاجتماعي الممثل لسكان الجحملية دور أساسي في عدم سقوط الجحملية في يد هذه الجماعات الإجرامية الحاقدة, كان الرجال والنساء والأطفال لهم دور إيجابي كبير في دعمنا معنوياً وميدانياً, وكانوا مصدراً أساسياً لثباتنا. أما عن دور الجيش واللجان الشعبية فكان له الأثر البالغ في معارك الدفاع عن الجحملية, اختلطت دماؤهم معنا، وقدموا تضحيات كبيرة فداءً لتعز والوطن, الجيش واللجان لم يقوموا حتى اليوم بمهاجمة الأحياء والمناطق داخل المدينة, بل كان دورهم الأقوى هو الحد من انتشار الدواعش للسيطرة على تعز, كما كان دور الجيش واللجان الشعبية يمثل لنا ومازال الإسناد والتعزيز الأساسي في معارك الدفاع عن تعز.

 تعرضت منذ فترة لكمين خارج الجحملية.. كيف حدث ذلك؟
تعرضت لعدة كمائن، وأصبت عشرات المرات بفعل رصاصات القناصة وشظايا مدافع الهاون والصواريخ المنهالة علينا كالمطر, كما كنت اشاهد اخبار تتحدث عن مصرعي في قنوات العدوان, وفي يوم الأربعاء الموافق 8 يوليو الماضي، تعرضت لكمين نصبه لنا الدواعش في جولة الشيباني الواقعة بين السواني والمجلية، أثناء مروري بالطقم مع اثنين من زملائي المقاتلين, كانت مجموعة من الدواعش تختبئ في إحدى العمارات هناك، وقاموا بقنصي في الرأس, لكن وبعون ورعاية الله وزملائي المجاهدين الذين قاموا سريعاً بعملية إنقاذي من قبضة الدواعش، وإسعافي على الفور إلى المستشفى العسكري بتعز, لم تمر أيام قليلة على العملية الطبية التي أجريت لي حتى كنت مع زملائي المجاهدين في الميدان لخوض شرف معارك الدفاع عن الجحملية.

 فقدت الكثير من أقاربك وأصدقائك في هذه المعارك.. هل أثر الأمر عليك؟
بالعكس لم يؤثر عليَّ هذا الأمر, فكل شهيد يسقط علينا نزداد قوة وإصراراً.. الموضوع ليس موضوع ابن أو أخ أو أب أو أم أو خال أو عم يسقط شهيداً, الموضوع هو الوطن وقضيته, نفتخر ونعتز بكل شهيد من أجل قضية الوطن, كل شهيد هو أخي.

 ماذا عن أسرتك واستهدافها بشكل رئيسي؟
استشهد شقيقي بسام قبل العدوان بفترة بسيطة, تم اختطافه وتصفيته في منطقة سائلة كلابة من قبل حمود سعيد المخلافي وعارف جامل, وأثناء العدوان قامت نفس الشخوص باختطاف خالي أحمد حسن عبدالوهاب، من عقبة شارع 26 سبتمبر، أثناء عودته من السوق المركزي، وقاموا بإعدامه في عصيفرة, كما اختطفوا شقيقي الأكبر نبيل، لكننا وبعون الله أستطعنا أن نحرره من قبضة هذه المجاميع التي لاتملك أي أخلاق.

 كم فقدت من أسرتك؟
فقدت من الأصدقاء المجاهدين أكثر مما فقدت من أسرتي.. في الجحملية لايوجد بيت إلا وفيه شهيد.

 اسم أكرم أشبه بالأسطورة.. ما هو السر؟
الفضل لله والرجال, أكرم هو مواطن وإنسان عادي جداً, ومن يقومون بتسجيل الأدوار البطولية في المواجهات حتى اليوم, هم كل الشباب المجاهدين حول أكرم, أنا واحد منهم, الفخر والعزة لله.
أبناء الجحملية بشكل عام قدموا الكثير من التضحيات والدماء فداءً للوطن.

 كيف ترى حجم الدمار في الجحملية؟
الجحملية استهدفت بشكل وحشي وممنهج.. وحجم الدمار والأضرار كبير.

 هل مازال في الجحملية سكان؟
أكيد.. وخلال الفترة الأخيرة عادت الكثير من العائلات النازحة إلى بيوتها في الجحملية.

 ماذا تعني تعز لأكرم؟
تعني لي الكثير والكثير, ولدت وترعرعت فيها, ولا يمكن أن أتخيل أن أعيش خارجها, المجاهدون الموجودون في نطاق الجحملية كلهم هكذا, سنعيش فيها في السلم والحرب, إما أن نحيا فيها بكرامة منتصرين, أو نستشهد وندفن في ترابها.

 هل شاركت في جبهات أخرى؟
نعم شاركت في جبهات عديدة داخل محافظة تعز مع الجيش واللجان الشعبية.

 ما أكـثـر مشهد أثر فيك؟
أكثر مشهد آلمني هو ذلك اليوم الذي دمر فيه طيران العدوان السعودي الأمريكي قلعة القاهرة بتعز, كانت هذه القلعة التاريخية تمثل لي معلماً ومعبداً روحياً, كما أنها تمثل رمز الانتماء لكل أبناء تعز.

 من وجهة نظرك.. لماذا يدمر العدوان هذه المعالم التاريخية؟
لأننا شعب عريق, فمن ليس له ماضٍ ليس له حاضر, نحن نستمد عراقتنا من ماضينا, هم يريدون طمس تاريخنا وتغيير هويتنا, ولهذا الاستهداف أبعاد كثيرة منها محو تاريخنا، لم تكن هذه المعالم الحضارية مركزاً لتجمع المقاتلين أو مواقع عسكرية حتى يقوموا باستهدافها وتدميرها.. لدينا تاريخ يمتد لآلاف السنوات.. هم ماذا يوجد لديهم, تاريخهم محصور بالإبل وقبعة الكاوبوي والهيكل المزعوم.

 لو كان الدواعش تمكنوا واستطاعوا الوصول إلى حارة قريش.. هل كنا سنشهد نفس السيناريو الذي حصل مع آل الرميمة في مشرعة وحدنان؟
هذا منهجهم وديدنهم منذ قديم الزمان, هم ينفذون أساليبهم القذرة في كل مكان تطأه أقدامهم.

 كيف تتعاملون مع أسراهم؟ وبالمقابل كيف هم يتعاملون مع أسراكم؟
نحن لدينا قيادة حكيمة توجهنا، ولدينا منهجية معروفة في المسيرة القرآنية كما قال الله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا), معاملة الأسرى معروفة عندنا.. نعاملهم بكرامة، ولا يمكن أن نسيء أو نهين أحداً, هم معرفون كيف يتعاملون مع الأسرى.. يذبحونهم ويسحلونهم ويمثلون بجثثهم, نحن لا نقتل الأسرى، ولا يوجد هذا في عقيدتنا.

 لو وقع أسرى من مقاتليكم في أيديهم، هل سيكون مصيرهم الذبح؟
لا يوجد لديهم أسرى من أبناء الجحملية المقاتلين.. هم يعرفون ذلك.
فقط كانوا يختطفون مواطنين من أبناء الجحملية لايحملون أي أسلحة، ومن ثم يقتلونهم، بسبب الانتماء القبلي واللقب. أسراهم لدينا، ونتحداهم أن يثبتوا أنهم أمسكوا بأي أسير من المقاتلين في الجحملية.

 ما هي حكاية حمود سعيد المخلافي عندما أتى للجحملية منذ سنوات؟
حمود سعيد المخلافي متخصص منذ زمن بنهب الأراضي, عام 2013 حضر إلى الجحملية مع عدد من مسلحيه ومرافقيه، بحجة تحكيم في مسألة أرض لأحد السكان هنا, أتى إلى منطقتنا، ومنطقتنا معروفة أنها لم تعرف يوماً هذه الإشكاليات, في ذلك اليوم قام شباب الجحملية بتطويقه مع مرافقيه, اتصل بي لحظتها، وطلب مني التدخل والطلب من الشباب أن يدعوه وشأنه, كنت أشاهد ما يجري من قرب, حضرت إليه وكان مرعوباً بشكل كبير, أخبرته بأنه تجاوز حدوده عندما أتى إلى منطقتنا من بوابة الأراضي. هذا الشخص يكن حقداً دفيناً على الجحملية منذ 2011, كان يقبض بشدة وبيدين مرتجفتين على معصمي, وقتها جاءت لنا توجيهات من مكتب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بإطلاق سراحه, طمأنته بأننا سندعه يعود إلى منزله, مازال مذعوراً، وكان يقول لي أنت ستأتي معي وتكون ضيفي, ابتسمت له وقلت له أتمنى أن تكون قد فهمت رسالتنا, نحن لسنا بنهابي أراضٍ أو قتلة، وإياك أن تفكر يوماً ما بالقدوم إلى منطقتنا من هذا المدخل (نهب الأراضي والتحكيم فيها).. لا أظنه فهم.. لكنه غادر مع مرافقيه والذعر يملأ عينيه.

 متى انضممت للمسيرة القرآنية؟
انضممت للمسيرة القرآنية عام 2010, وكان الدافع الرئيسي لانضمامي للمسيرة القرآنية أنها جاءت بشيء جديد لم أعهده من قبل.. جاءت المسيرة القرآنية، ودعت للعدالة والمساواة والدولة المدنية ونصرة المستضعفين.
نحن أبناء الجحملية كنا مضطهدين من كل السلطات، ومن كل جانب، وكنا دائماً ضائعين.. واليوم وجدنا أنفسنا في المسيرة القرآنية لأنصار الله، كما نؤمن ونفتخر بقيم حزب الله في المقاومة.

 من أين اكتسبت هذه الصلابة والمهارة القتالية؟
التحقت بالسلك العسكري وعمري 15 عاماً, وحصلت على العديد من الدورات القتالية ضمن القوات الخاصة.

 أبرز الشخصيات التي تأثرت بها..
على المستوى الميداني.. كل الجنود والمجاهدين في سبيل الله والوطن تأثرت بهم، ولا أستطيع أن أفضل أحداً على آخر.
وعلى المستوى القيادي والسياسي.. تأثرت بالسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وسماحة السيد حسن نصر الله.
وعلى المستوى الروحي.. تأثرت بالمعلم والقائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي.

 كيف يبدو الأفق اليوم بعد مرور عام من العدوان السعودي الأمريكي على اليمن؟
أصبح الوضع مألوفاً لدينا كمقاتلين, كل يوم يمر يكون أفضل لنا على المستوى الميداني, بشكل يومي يتطور أداؤنا، وتزداد مهارتنا القتالية, كما أصبحنا أكثر معرفة بالجماعات التي نواجهها من الدواعش والبشمرجة والعصابات والمغرر بهم من أبناء الحارات, ونعرف كيفية التعامل مع هذه الجماعات.

 كيف رأيتم حشود العاصمة بمناسبة مرور عام على العدوان؟
على الرغم من انقطاعنا عن العالم بسبب ظروف المعارك في جبهة الجحملية, إلا أننا في ذلك اليوم تابعنا وشاهدنا احتشاد السبعين والروضة, هذه الحشود الضخمة أعطتنا دفعة معنوية كبيرة وبشكل غير متصور, لقد زادتنا قوة، وجعلتنا أكثر إصراراً في مواجهة العدوان ودحر الدواعش والدفاع عن بلادنا, هذه الحشود كان لها الأثر البالغ فينا.

 ما الذي تتمناه اليوم؟
أتمنى أن يحل السلام والأمان على ربوع الوطن, وأن ترجع تعز كما كانت من قبل, وتعود حالة الإخاء والمحبة بيننا, ونرجع كما كنا سابقاً.. نطلع نخزن في جبل صبر، وننزل حواري مدينتنا لزيارة أهلنا وأصدقائنا وأحبابنا.

 هل أنت متفائل؟
نعم متفائل بشكل كبير, ومتأكد أننا سنعود وبشكل أفضل لحياتنا المعتادة في تعز.

 ما هي الرسالة التي تريد توجيهها في ختام هذا اللقاء؟
أريد أولاً توجيه رسالة لكل من غرر به العملاء والخونة والدواعش من أبناء الجحملية وتعز: نحن نقاتل دفاعاً عن أرضنا وعرضنا، ولا نحقد على أحد. من أراد أن يرجع إلى حضن المجتمع، لن نحقد عليه أو نحاسبه.. وعليهم أن يخرجوا فقط من الجبهات ومن المدينة معززين مكرمين، وسنستقبلهم كإخوة, لهم الحرية والأمان، إلا من كان لديه قضايا جنائية، فهذا شأن القضاء.
كما أتوجه بالشكر لكل المجاهدين والمرابطين في ميادين الشرف من الجيش واللجان الشعبية.
وأشكر القيادة الحكيمة برعاية السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله.
وأشكر كل من ساندنا ووقف معنا عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي, وأشكر كل من ساندنا بالكلمة والدعاء، وأخص هنا أخواتنا وأمهاتنا اليمنيات المخلصات.

سيرة بطل
* أكرم عبدالغني الجنيد.
* مواليد عام 1975 - الجحملية العليا - تعز.
* متزوج وله 6 أبناء.
* حاصل على ليسانس شريعة وقانون - جامعة تعز 2010\2011م.
* التحق بالسلك العسكري عام 1990م.
* عضو مجلس إدارة النادي الأهلي بتعز..
* حائز على العديد من بطولات الجمهورية الرياضية في الجودو والتايكواندو وكمال الأجسام.