كانوا نجوماً في ملاعب المتعة وأصبحوا أكثـر وجوه الرعب والموت شهرة.. فمن الروح الرياضية إلى جنون خطف الأرواح ومن مجاهدين في سبيل (الراب) إلى مجاهدين في سبيل (الربّ) 
مقاتلون ملثمون يقتلون ويقطعون الرؤوس بدم بارد أمام عدسات الكاميرا وخلفها من كل الأصقاع ومن تحت الأضواء.. أتوا من داخل الأرض وأتوا من خارجها..


في 4 فبراير الماضي، أعلن عن مقتل جلال بلعيدي، قائد المذبحة التي ارتكبها تنظيم القاعدة بحق 14 جندياً يمنياً في محافظة حضرموت، عام 2014م.. والرجل الذي أعطى الأوامر لرجاله بذبح جنود عُزّل ورمي جثثهم على قارعة الطريق.. فاق جلال بلعيدي، كافة قيادات التنظيم السابقة في الوحشية والعدوان، وقدم نموذجاً يمنياً لتنظيم الدولة الإسلامية المشهور بـ(داعش)، والمعروف باستخدام أساليب وحشية في قتل خصومه، منها قطع الرؤوس.. ومن رياضي مغمور إلى مجرم بشع تبدأ قصة بلعيدي.. في حي (فرحان) وسط مدينة زنجبار بدأ جلال يمارس طقوس الرياضة وتتبع أخبارها والسير في فلكها، وهو ما دفعه إلى الالتحاق بنادي حسان الرياضي، ثم اللعب لمختلف فرقه السنية حتى وصل للفريق الأول لكرة القدم عام 2000/2001م تقريباً.. ونظراً لصغر سنه (17 عاماً)، ووجود اثنين من أفضل حراس المرمى في النادي حينها (سالم عبدالله عوض وجاعم ناصر) في صفوف حسان، قد كان سبباً في عدم بروزه وظهوره بشكل كبير رغم خوضه عدداً من المباريات مع الفريق.
 يتحدث عنه زملاؤه في الفريق حينها: كان (جلال) شغوفاً بكرة القدم ومولعاً بحراسة المرمى, تم استدعاؤه لمنتخب مدارس أبين، وفاز معه في بإحدى بطولات الجمهورية على مستوى المحافظات، ومن ثم تم تصعيده للفريق الأول بنادي حسان، إلا أنه لم ينل فرصته لوجود حراس متميزين في الفريق حينها.
بدأت اهتماماته بالكرة تتقلص، وممارسته لها تتلاشى، تزامناً مع التحاقه بالدراسة في كلية التربية بزنجبار قسم (الكيمياء)، مطلع عام 2003.
بعد تخرجه عمل جلال إماماً لأحد المساجد في زنجبار، وعند دخول الجماعات الإرهابية (أنصار الشريعة) مدينة جعار، منتصف شهر مارس من العام 2011م، توارى جلال عن الأنظار في زنجبار، وكان البعض يتناقل خبر (انضمامه) للجماعة الجهادية، ليتيقن الخبر بعدها بشهرين بتنصيب جلال أميراً لولاية أبين، في خطوة فاجأت حتى القريبين منه، فضلاً عن البعيدين.
ومن يومها (وجلال بلعيدي) يمارس مهامه كأمير للجماعة، وقد أصبح ذا شهرة ومكانة كبيرة عند (أنصار الشريعة)، ومحاطاً بحراسة أمنية كبيرة من أفراد القاعدة.
ليرحل هذا الحارس البشع في ضربة أمريكية مخلفاً وراءه قصة ألم رسمها على أعناق اليمنيين, ومخلفاً قصة حارس مرمى كرة قدم مغمور كان يطمح لإرعاب المهاجمين بمهاراته في الذود عن عرينه، لكن الشاب الثلاثيني، تحوّل إلى مهاجم في صفوف تنظيم القاعدة باليمن، وبدلاً من بث الرعب في فريق مكوّن من 11 لاعباً، بات يشكل رعباً للدولة والمجتمع بأكمله.
وفي قصة أخرى لحارس مرمى واعد مع التنظيمات الإرهابية, تبرز حكاية عبدالله نجل الحارس الشهير لنادي الشعلة والمنتخب اليمني الأول، عارف عبدربه، الذي توفي إثر حادث سير مع فريقه في طريق صنعاء - عدن، عام 2000م.
في 18 يونيو العام الماضي، لقي حارس مرمى فريق (الشعلة عدن)، والمنتخب اليمني للشباب، عبدالله عارف عبدربه، مصرعه إثر اشتباكات مسلحة بين الجيش وتنظيم القاعدة في منطقة بئر أحمد بمحافظة عدن.
ومثل عبدالله عارف فريق الشعلة للمواسم الأربعة الماضية، كما مثل المنتخب اليمني للشباب في عدد من المشاركات، وحاز على عدد من الألقاب، منها لقب أفضل حارس مرمى في دوري الدرجة الثانية عام 2013، واعتبره رجال الرياضة من أفضل حراس المرمى الواعدين للكرة اليمنية.
وعلى خط عبدالله عارف عبدربه, فقد نادي الشعلة اللاعبين عبد الله التوتي ومحمد الكازمي، اللذين قتلا أثناء اشتراكهما بالقتال مع أحد الفصائل السلفية ضد الجيش، في يونيو الماضي, بالإضافة إلى كابتن فريق وحدة عدن السابق ولاعب شعب صنعاء علي حسين غرابة، الملقب بعلي السعودي، الذي قتل في شهر أغسطس الماضي، بعد أن تعرض لإصابة بليغة خلال معارك مع الجيش، نقل إثرها الى العناية المركزة بأحد المشافي، قبل أن تصعد روحه بعد يومين من إصابته خلال مشاركته في إحدى معارك منطقة الوهط بمحافظة لحج.
 ولا يتوقف قطار الموت لرياضيين انضموا لفريق الإرهاب عند اللاعب علي غرابة فحسب، فهناك أسماء لامعة أخرى، من أبرزها مدافع التلال والمنتخب اليمني علوي فدعق الذي أصيب هو الآخر في معارك عدن, وبنفس الحالة أصيب المدرب الوطني المعروف محمد حسين البعداني خلال اشتباكات التواهي في شهر يوليو الماضي, كما لقي لاعب فريق الوضيع جمال الجعدني مصرعه في 8 أغسطس العام الماضي، بأحد مستشفيات العاصمة الإماراتية أبوظبي، بعد إصابته خلال المعارك مع الجيش في نقطة العلم المدخل الشرقي لعدن.
 ومن العاملين في الأندية الرياضية لقي سائق باص نادي التلال محمد سيف البكري، مصرعه بعد خوضه معارك ضد الجيش، وتوليه قيادة إحدى الدبابات التي تم اغتنامها في المعارك، ففي أبريل العام الماضي نفدت من البكري الذخيرة في مواجهات مطار عدن، فلجأ لاستخدام سلاحه الشخصي الذي لم يسعفه في البقاء حياً، فأصيب برصاصتين في فخذه، ولم يتمكن من إسعافه أحد.
لم تكن هذه القصص المؤسفة لنجوم تركوا الروح الرياضية وانتقلوا لقنص الأرواح، مقتصرة على الجزء الجنوبي من الوطن, ففي مدينة تعز تشتهر قصص كثيرة عن بعض رياضيين التحقوا بالعصابات الإرهابية, ومنهم جميل الصبيحي كابتن الفريق الكروي الأول للرشيد (نادي الإخوان المسلمين)، وكذلك لاعبو نادي أهلي تعز حكيم سيف ورضوان ياسين وجهاد الدحيدح, كما تشتهر قصة اللاعب السلفي رضوان كواتي الذي أصبح أحد أمراء القاعدة في المدينة. 
بلال رجب أردوغان.. صندوق داعش الاسود
حلبة الموت
الدولة الإسلامية أو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، والذي يُعرف بـ(داعش)، هو تنظيم ينتشر بشكل رئيسي في العراق وسوريا، وله فروع في جنوب اليمن وليبيا وسيناء والصومال ونيجيريا وباكستان، وشهد هذا التنظيم مؤخرًا انضمام عدد من الرياضين الأجانب والعرب. 
منتصف العام الماضي، شهد ضجة كبيرة بسبب الأخبار التي تم تداولها عن مقتل لاعبين بارزين بعد انضمامهما لتنظيم (داعش), الأول بطل العالم السابق في رياضة (الكيك بوكسينج)، والثاني بطل العالم السابق في رياضة (الكونغ فو). والملاحظ أن انضمام مشاهير اللاعبين إلى التنظيم ليس جديداً، ولم تكن هذه هي الأولى من نوعها.
عبد الباسط الساروت، لاعب كرة قدم سوري، وناشط معارض, حيث نشرت حسابات تابعة للتنظيم على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، تغريدات أعلنت فيها عن مبايعة (الساروت) للتنظيم.
ومن بين التغريدات التي انتشرت محادثة يتحدث فيها الساروت لأحد الأشخاص عن مبايعته، وأنه مدجج بالسلاح مع 100 آخرين انضموا للتنظيم.
لم يكن الساروت الوحيد الذي أقدم على هذه الخطوة من بين لاعبي الكرة, ففي أكتوبر العام الماضي قُتل نضال السالمي اللاعب السابق في نادي النجم الساحلي التونسي لكرة القدم، بعد مشاركته في القتال إلى جانب التنظيم في سوريا.
وقتل أحمد دياب اللاعب السابق في نادي الإخاء، وابن مدينة طرابلس، في مدينة حلب السورية، بعد تنفيذه هجوماً انتحارياً عقب انضمامه إلى (داعش).
وفي يوليو الماضي، أعلن تنظيم داعش عن مقتل هشام أحمد عبد الحميد, بطل العالم السابق في (الكونغ فو), في سوريا.
فيما لايزال مصير محمود الغندور (24 سنة), ابن شقيق الحكم الدولي السابق جمال الغندور, والذي سبق له العمل كحكم لكرة القدم بدوري الدرجة الثانية, مجهولاً، بعد أن انضم للقتال مع داعش في سوريا منذ التحاقه بهذا التنظيم الإرهابي عام 2012م، مع صديقه إسلام يكن الشهير بأبو سلمة.
وعلى مستوى الرياضيين الأجانب, سافر كل من نيرو سارايفا وسيلسو رودريجيز ودا كوستا رودريجيز وساندرو وفابيو بوكاس، وهم خمسة لاعبين برتغاليين، إلى بريطانيا التي كانوا يلعبون في أحد أنديتها، من أجل الدراسة والعمل، وبالتحديد في شرق لندن التي تعج بالمسلمين القادمين من آسيا، وبخاصة من ذوي الأصول الباكستانية والهندية، حيث اعتنق اللاعبون الخمسة الفكر المتطرف في لندن، قبل أن يقرروا الانضمام في يناير 2012 إلى داعش.
كان فابيو بوكاس أصغرهم سناً، ويبلغ من العمر 22 عاماً، وهو الذي سبق أن زامل رونالدو في أكاديمية سبورتينج في البرتغال.
في يوليو 2014، أي قبل 39 يوماً من إعدام التنظيم للرهينة الأمريكي، جيمس فولي، غرد سرايفا، 28 عاماً، على موقع (تويتر)، قائلاً: (ستصور الدولة الإسلامية فيلماً جديداً، فشكراً لكل الممثلين)، مؤكداً بهذه الرسالة التي وجهها للولايات المتحدة الأمريكية، علاقته بتصوير أفلام (داعش).
كما ظهر نيرو سارايفا في أحد مقاطع الفيديو الأخيرة لتنظيم الدولة الإسلامية، والتي هدد فيها الجهادي جون من خلال مقطع الفيديو بذبح الرهينتين اليابانيين في غضون 72 ساعة في حال لم يتم دفع فدية مقدارها 200 مليون دولار أمريكي للإفراج عنهما.
ونشرت أيضاً صحيفة (الدايلي ميل) البريطانية تقريراً في يونيو العام الماضي، عن أحد أعضاء تنظيم الدولة، وهو بريطاني يدعى عبد الرقيب أمين، كان قد تم التعرف عليه، حيث تحدث أصدقاؤه عن صدمتهم لرؤية لاعب كرة القدم المفعم بالحيوية يتباهى بشن حرب مقدسة في سوريا.
ولمع (أبو عيسى الأندلسي) , اللاعب البرتغالي في صفوف أرسنال الإنجليزي قبل أن ينضم لداعش، ويطلق على نفسه هذا الاسم, وظهر في فيديو يدعو المسلمين إلى الانضمام إلى التنظيم لنصرة الإسلام، ويظهر مقنّعاً في مقاطع مصورة، داعياً المسلمين إلى الجهاد في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.
وكان داعش أعلن في نوفمبر العام قبل الماضي، عن انضمام لاعب من نادي فينورد روتردام الهولندي لصفوفه يدعى عماد مغربي، حيث نشر منتدى إعلامي جهادي تابع للتنظيم صوراً للاعب يرتدي قميصاً عليه صورة أبو بكر البغدادي قائد التنظيم.
ويبرز اسم (أنتوني سمول), الملاكم الأمريكي السابق, الذى سافر إلى سوريا من أجل الانضمام لتنظيم (داعش).
و(فالديت جاشي ـ 29 عاماً) ألماني الجنسية ألباني الأصل, المتوج بطلاً للعالم في رياضة الكيك بوكسينج, والذي قتل في يوليو الماضي, وذلك بعد أشهر قليلة من انضمامه لتنظيم داعش.

ربيع الدم
إبّان الربيع العربي، حظي مغنّو الراب المصريون والتونسيون والمغربيون الذين تطرّقوا في أغانيهم إلى مواضيع كالظلم وطغيان الأنظمة الحاكمة، باهتمامٍ على صعيد العالم، وأغنية (ريّس البلاد)للـ(جنرال) أصبحت بمنزلة النشيد غير الرسمي للثورة التونسية. لكن في المقلب الآخر، انضم العديد من مغني الراب البارزين إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وحاول بعضهم جاهداً أن ينسف مسيرته في الغناء، ويميل إلى أداء الأناشيد الإسلامية. أصبح الراب، الأوروبي على وجه الخصوص، محطّ اهتمام خبراء مكافحة الإرهاب ومسؤولي الأمن القومي في العالم. فأعضاء حركة الشباب المجاهدين الصومالية يلجؤون إلى (الراب الجهادي) من أجل استقطاب الشباب وتجنيدهم.
وتحتل أخبار انضمام الفنانين والنجوم إلى صفوف تنظيم (داعش) الإرهابي، عناوين الصحف والمواقع الإلكترونية من عام 2012 حتى اليوم، إذ تعددت جنسيات الفنانين والبلدان، وغدت الأخبار التي تروي قصص تحولات جذرية من الفن إلى التطرف بأنواعه، المشهد الجامع بين العرب والغرب.
في فبراير الماضي حكمت المحكمة العسكرية في لبنان غيابياً على فضل شاكر بـالسجن 5 سنوات وغرامة مالية قدرها 500 ألف ليرة لبنانية وتجريده من حقوقه المدنية، بتهمة التهجم على دولة شقيقة خلال مقابلة صحافية أجراها في 2014 بمخيم عين الحلوة، أدلى فيها بأقوال تهدف وتؤدي إلى تعكير صلات لبنان بدولة عربية، وإثارة النعرات والمس بسمعة المؤسسة العسكرية, كما سبق أن أصدر قاضي التحقيق العسكري الأول في ملف أحداث عبرا (في جنوب لبنان)، قراراً مطلع 2014، طلب فيه عقوبة الإعدام لـ54 شخصاً، بينهم أحمد الأسير وفضل عبد الرحمن شمندر المعروف بفضل شاكر.
واتهم القرار هؤلاء بالإقدام (على تأليف مجموعات عسكرية تعرضت لمؤسسة الدولة المتمثلة بالجيش، وقتل ضباط وأفراد منه، واقتناء مواد متفجرة وأسلحة خفيفة وثقيلة استعملت ضد الجيش).
هرب شاكر إلى مخيم عين الحلوة لتورّطه في ما عُرف عام 2013 بأحداث عبرا، التي وقعت فيها اشتباكات بين الجيش اللبناني من جهة، والشيخ أحمد الأسير صاحب الفكر المتشدد، وهو صهر شاكر الذي يعد أحد أنصاره المشاركين في تلك الأحداث التي قتل فيها 18 عسكرياً و11 مسلحاً.
ووقعت في 23 يونيو اشتباكات استغرقت ساعات بين أنصار الأسير والجيش اللبناني في بلدة عبرا قرب صيدا، كبرى مدن جنوب لبنان، إثر هجوم لجماعة الأسير على حاجز للجيش.
وأدت المعارك إلى مقتل 18 عسكرياً، و11 مسلحاً، إلا أن الأسير وعدداً من مرافقيه أبرزهم فضل شاكر، تمكنوا من الفرار، وتواروا عن الأنظار منذ ذلك الحين.
وكان شاكر فناناً لبنانياً عرف نجاحاً عربياً واسعاً نظراً الى صوته الدافئ وأغنياته الرومنسية, إلا أنه اعتزل الغناء عام 2012م، وقال إن الفن حرام وكذلك ماله، معلناً تطرفه, كما افتتح المطرب اللبناني المعتزل (47 سنة)، مطعماً للوجبات السريعة في المربع الأمني للشيخ أحمد الأسير الحُسيني في قرية عبرا قرب صيدا (جنوب لبنان)، معظم رواده من السلفيين. مختتماً بذلك قصة نجاح فنية حققت شهرة لبنانية وعالمية واسعة.
ومن المشاهير الذين انضموا لهذه التنظيمات الإرهابية، مغني الراب التونسي مروان الدويري (25 سنة) المعروف بـ(إيمينو)، وظهر مغني الراب التونسي في شوارع الموصل بالعراق وشوارع الرقة بسوريا.
وقد كتب (إيمينو) تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، قال فيها: (أعلن بيعتي لأمير المؤمنين أبي بكر البغدادي الشيخ عبد الله إبراهيم بن عواد بن إبراهيم بن علي القرشي الهاشمي الحسيني، على السمع والطاعة في المنشط والمكره وفي العسر واليسر، وألا أنازع الأمر أهله إلا أن أرى كفرًا بواحًا عندي من الله فيه برهان).
ينتمي (إيمينو) إلى الطبقة التونسية المتوسطة، وقبل انضمامه لداعش كان يرتاد مجموعة من المساجد التي تنشر الفكر التكفيري في تونس، ودفعوه بفكرة الجهاد للسفر إلى سوريا والانضمام لداعش.
كان الدويري دائماً ينشر صوراً له وبجانبه العديد من الفتيات، وهو أحد المغنين الذين وردت أسماؤهم في مذكرة بحث أمنية أصدرتها الشرطة التونسية عام 2014م، بسبب إحدى أغنياته التي أثارت غضب المسؤولين الأمنيين في تونس, كما قضى الدويري ثمانية أشهر في السجن بتهمة استهلاك المخدرات.
أيضاً، أعلن المنشد السعودي ماهر مشعل الشويب، انضمامه ومبايعته لتنظيم (داعش)، وتفرّغه للعمل لإنتاج الأناشيد الجهادية, وظهر في مقاطع فيديو تهدف إلى تلميع صورة داعش أمام الأطفال، وإقناعهم بالانضمام إلى التنظيم، بعد أن قضى خمسة أعوام في المجال الإنشادي الفني، تنقل خلالها من قناة إسلامية إلى أخرى.
بعد أن التحق رائد فهد سابقاً بقطار المنشدين الذين غادروا إلى سوريا، عاد مطلع العام 2014م، بحسب الأخبار المتداولة، عن قراره، وخرج من داعش، بعد أن اتضحت له الصورة الحقيقية للتنظيم المنضم إليه.
هكذا هم.. فنانون لطخوا مشوارهم بدماء (داعش)، ذلك الاسم الذي بات مقرونًا بكافة عمليات الوحشية والقتل وسفك الدماء، وامتدت أذرعه في كافة أرجاء العالم، وخاصة في الوطن العربي.. ذلك التنظيم الغريب الذي سعى الآلاف للانضمام إليه.. ليسوا من أبناء الوطن الفقراء أو الجهلة، بل بات يضم المشاهير في كافة المجلات، وخاصة الرياضة والفن.
ولعل ما يثير التساؤل، ويملك العقل دهشة، هو لماذا ينضم هؤلاء الفنانون لمثل هذا التنظيم؟ إنهم يحاربون بفنهم كل ما هو غير مألوف، ويبثون الرسائل للنهوض بالبشرية، وذم السلوكيات الخاطئة، أو على أقل تقدير الإشارة لها، وتوجيه الرأي العام نحوها, لماذا يتجهون من الراب إلى صفوف داعش، ومن الغناء للمريجوانا إلى قطع الرؤوس؟
واللافت في الأمر، أن الفنانين الذين انضموا لـ(داعش) يحملون جنسيات مختلفة، فمنهم (التونسي)، (البريطاني)، (الألماني).
الارهابي جون .. مغني هيب هوب بريطاني ورث قطع الرؤوس عن والده المصري
ولعل من أبرزهم مغني راب ألماني سابق يدعى (ديسو دوغ)، واسمه الحقيقي (دنيس مامادو غاسبيرت)، وأطلق على نفسه اسم أبو طلحة الألماني لدى وصوله إلى سوريا قبل أشهر.
وينتمي أبو طلحة الألماني إلى تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) المتشدد، ولقي مصرعه في تفجير انتحاري مزدوج نفذه مقاتلان من جبهة النصرة.
أبو طلحة الألماني (دينيس غاسبيرت أو Deso Dogg سابقاً)، أدرجت وزارة الخارجية الأميركية اسمه، عام 2012م، ضمن التصنيف الخاص للإرهاب العالمي، وذلك بسبب انضمامه إلى تنظيم (داعش)، وإعلانه الولاء للبغدادي زعيم التنظيم الإرهابي، وقد أطلق غاسبرت على نفسه اسم (أبي طلحة الألماني)، ويتولى مسؤولية تجنيد عناصر جديدة للتنظيم، خاصة من الناطقين باللغة الألمانية.
قبل انضمامه إلى صفوف الدولة الإسلامية وتحوله إلى أحد رموزها، أصدر غاسبيرت ثلاثة ألبومات غنائية، وشارك في حفلات غنائية مع أسماء عالمية في موسيقى الراب, مع ذلك لم يحظ بنجاحٍ كبير، ولم تتعدَّ شهرته الصعيد المحلّي, وبعد أن اهتم قليلاً بالفنون القتالية وفشل فيها أيضاً، اختفى تدريجيًا عن الساحة.
عاد ديسو دوج للظهور مجددًا على صفحات الجهاديين على مواقع التواصل الاجتماعي، حاملًا اسم (أبو مالك) ثم اسم (أبو طلحة الألماني). في العام 2010 وضع حدًا لمسيرته الغنائية، وأعلن اعتناقه الإسلام في فيديو نشر على مواقع التواصل. تحوّل إلى أداء الأناشيد بدلًا من أغاني الراب، وراح ينشرها على مواقع الجهاديين ومؤيدي القاعدة, في أناشيده باللغة الألمانية ينوه ديسو دوج بأسامة بن لادن وزعيم حركة طالبان الملا محمد عمر، ويقول: (اِسماكما يجريان في عروقنا). ويضيف: (أعلن ولائي للملا محمد عمر، أمير طالبان).
 بعد إنهاء مسيرته كمغني راب واعتناقه الإسلام، انضم إلى مقاتلي مجموعة الملّا إبراهيم في ألمانيا، مما جعله هدفًا تتعقبه سلطات مكافحة الإرهاب، اعتقادًا منها أنّه عنصر ناشط في توظيف الشباب. انتقل دوس دوج إلى مصر ومن ثم إلى سوريا، حيث شاع خبر مقتله إلى أن ظهر في أحد مقاطع الفيديو الموجهة إلى المسلمين في ألمانيا، يطلب منهم الهجرة، ويقنعهم بأهمية الجهاد في سوريا ومغادرة أرض الكفّار.
ظهر دوس دوج إلى العلن في مقطع فيديو لمقاتلي داعش وهم يقطعون رأس أحدهم, وكان يحمل رأساً في يده، ليبعث بها رسالة تقول: هذا مصير كل من يعارض مفاهيم الدولة الإسلامية.
كما انضم مغني الراب البريطاني من أصل مصري، عبد الماجد عبد الباري (جيني)، إلى تنظيم (داعش)، وتحول إلى الفكر المتطرف بعد أن تعرف على أحد أئمة المراكز الدينية (الوهابية) الداعية للكراهية، والتي تجند الشباب لصالح داعش، فغادر بريطانيا إلى سوريا في أوائل العام 2014، وهو ابن القيادي عادل عبد المجيد عبد الباري، المتهم بتفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام، عام 1998م. كما اتهم بذبح الصحافي الأميركي جيمس فولي.
ظهر عبد الماجد عبدالباري المعروف بالارهابي جون في صورةٍ نشرها على موقع (تويتر) يحمل فيهل رأسًا مقطوعًا في سوريا، وقد كتب تعليقًا عليها يقول: (أسترخي مع صديقي، أو ما تبقى منه). يشتبه أنّ عبد الماجد عبدالباري هو منفذ عملية إعدام الصحافيين الأميركيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف..
في يوليو الماضي، نشرت صحيفة (التلغراف) تقريراً عن قيامه مع مجموعة من البريطانيين المنضمين إلى داعش، بالهروب إلى تركيا. بحسب الصحيفة، تمكن جيني من الهروب من قبضة داعش، ولكنه لم يستطع العودة إلى وطنه لأنه مطلوب بصفته إرهابياً.
كذلك، انضمت عازفة الغيتار السابقة وربّة المنزل سالي جونز إلى تنظيم (داعش)، بعد زواجها من الهاكر البريطاني (جنيد حسين) المتهم الثاني بتنفيذ إعدام الصحافي جيمس فولي، في شهر آب 2014. وكانت سالي التي باتت معروفة باسم (أم حسين البريطاني) مغنية في فرقة روك نسائية، وقد اعتنقت الإسلام قبل أشهر من مبايعتها التنظيم.
دوغلاس ماكاين - دوالي خالد.. مغني راب أميركي انخرط في صفوف جبهة النصرة، في بداية عام 2014، بعدما أبلغ أسرته أنه سيسافر إلى تركيا، ثم ظهر بعدها وهو يحارب تحت راية تنظيم داعش. وفي آب 2014 أعلنت وزارة الخارجية الأميركية مقتل ماكاين أثناء معارك بين تنظيم داعش وجبهة النصرة.
في أغسطس 2014 عثر مقاتلو الجيش السوري الحرّ على جثّة دوغلاس ماكاين. الشاب الأميركي الأصل, وعلى الرغم من أن قناة CNN صرّحت بأن دوغلاس هو واحد من الأمريكيين الذين انضموا إلى الدولة الإسلامية، وبالتالي لا مفر من أن يتم توقيفه وتفتيشه لدى محاولته السفر، تمكن ماكين من الانتقال إلى تركيا وعبور الحدود متجهًا إلى سوريا.. هو من بين الأمريكيين الـ100 الذين انضموا إلى داعش، ويعتقد أنه كان أول أمريكي يُقتل خلال عمله مع التنظيم.
أبو القعقاع البريطاني أفرو.. مع أنه لم يكن مغني راب مشهوراً ولا قدم حفلات عالمية، فلا يزال يمارس هذا الفن على حسابه على (تويتر) للتعبير عن أفكاره المتطرفة، وإن كان بطريقةٍ بسيطة وصبيانية, نشرت تغريدات له يطلب في إحداها من متتبعي صفحته التوقف عن الاهتمام بألعاب الفيديو، وإعلان بيعتهم للخليفة البغدادي.
يزعم أفرو أنه شاعر، وقد ألف أبيات شعر يمتدح فيها فيديو قطع رؤوس 16 جنديًا سورياً، ونشرها على حسابه على (تويتر), أفرو من الجنسية البريطانية ويعيش في مدينة الرقّة في سوريا، حيث (يقترب الموت)، لذلك عليه أن يؤلف الشعر حتى (لا ينتابه الخوف) (من أبياته).
ولا تقتصر قائمة الانضمام لداعش على نجوم الرياضة والفن, بل ضمت أيضاً أبناء رؤساء ودبلوماسيين ونجوم مجتمع.
فقد نشرت وسائل الإعلام الروسية، في نوفمبر الماضي، صورة لـ(نجل أردوغان) وهو يقف مع قادة تنظيم داعش الإرهابي، مشيرة إلى أن عائلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لديها علاقات وثيقة مع تنظيم (داعش) الإرهابي. وأوضحت وسائل الإعلام الروسية أن تركيا تشتري النفط من تنظيم داعش الإرهابي، مما يساعد الإرهابيين، وأن هذا ما يدل عليه ظهور صور نجل الرئيس التركي بلال أردوغان، يحتضن قادة التنظيم الإرهابي, وعلى خط والده يتورط نجل الرئيس مباشرة مع إرهابيي داعش, كما أن ابنة الرئيس التركي سمية أردوغان تسير على نفس خط والدها وشقيقها, حيث قامت بتجهيز مستشفى بالقرب من الحدود السورية لعلاج الجرحى التابعين لتنظيم داعش. 
كما انضمت ابنة مدير إدارة الشؤون العربية في الخارجية السودانية، والناطق الرسمي باسم الوزارة علي الصادق، إلى تنظيم (داعش)، مع مجموعة من الأطباء السودانيين.
وسافرت (صافنات) ابنة الدبلوماسي السوداني في مارس 2015م، مع مجموعة من الأطباء، إلى سوريا، عن طريق تركيا، بهدف الالتحاق بتنظيم (داعش).
وتبلغ ابنة المتحدث من العمر 19 عاماً، وقد غادرت السودان للالتحاق بداعش بعد أن أنهت سنتها الثالثة في جامعة العلوم الطبية بالخرطوم.

محفزات رقعة سوداء
استطاع تنظيم (داعش) خلال فترة وجيزة جذب وتجنيد بعض العناصر الشبابية للانضمام إليه في كلٍّ من العراق وسوريا، ليس فقط من بعض الدول العربية، وإنما أيضًا من بعض الدول الآسيوية والأوروبية، وهو ما أثار تساؤلات عديدة حول أسباب انجذاب بعض الشباب إلى (داعش).
فبعض الشباب يشعرون بالاستفزاز بسبب ما يعتقدونه من هيمنة قوى (الكفر) على دول الإسلام، من ناحية أخرى فإنَّه يوجد بين هؤلاء الشباب مَن هو ناقمٌ على المهجر الذي يعيش فيه، ويشعر بالغضب من جرَّاء تتالي الأخبار المفزعة والبائسة من بلاده الأصلية.
غير أنَّ هناك قسماً من هؤلاء اليافعين أو الشباب (كحالة بعض مشاهير الرياضة والفن) تستهويه روح المغامرة (وكأنه سيذهب لتسلق جبال الهمالايا)، وفكرة حمل السلاح وممارسة الجنس والذبح للتعبير عن ساديته وحقده، أو تجذبه دعايات الجماعات العنيفة عن دولة الخلافة الإسلامية التي تتحدى ـ بشكل كاذب ومخادع - الهيمنة الغربية وتقاتل ضد جبروتها.
كما أنَّ البعض الآخر من الذين يترعرعون في أوروبا وأمريكا، يتشرَّب من تلقاء نفسه بالفكر العنيف، وذلك لشعوره بنوعٍ من الغربة الروحية في ظلِّ تراجُع أهمية الدين بصفةٍ عامة في المجتمعات الغربية.
ومع اتساع دور مواقع التواصل الاجتماعي كإحدى أبرز أدوات الحشد الشعبي في ظل مرحلة الثورات العربية؛ استغل تنظيم (داعش) تلك المواقع خاصة (فيسبوك) و(تويتر) و(يوتيوب) و(سكايب) وتطبيقات أجهزة المحمول التي تعمل بنظام (أندرويد), بهدف جذب وتجنيد الشباب في أعمار مبكرة للانضمام إليه.
وإلى جانب ذلك، فقد استغل التنظيم البطالة والأوضاع المادية والمعيشية المتردية، ليس فقط في بعض الدول العربية، وإنما أيضًا في قارتي أوروبا وآسيا، التي شهدت تراجعًا ملحوظًا بعد الأزمة المالية العالمية التي اجتاحت العالم في الربع الأخير من عام 2008، في جذب المقاتلين الشباب.
فمثلاً يوفر هذا التنظيم الإرهابي المدعوم من أجهزة المخابرات الغربية والخليجية, راتبًا قدره 400 دولار للمقاتل السوري أو العراقي الأعزب، فيما يحصل المتزوج على حوافز إضافية تتضمن 100 دولار عن كل زوجة و50 دولارًا عن كل طفل, بينما يحصل المقاتلون الأجانب في صفوف (داعش)، على الرواتب نفسها بالإضافة إلى 400 دولار أخرى بدل هجرة شهريًّا, وبالإضافة إلى ذلك، يتمتع المقاتلون بمزايا أخرى مثل السكن والوقود من المحطات التي يسيطر عليها التنظيم, كما يقوم التنظيم بإعطاء منح لمن يريد الزواج وبالذات من النساء اللواتي يتم سبيهن، تتمثل في منزل مؤثث بالكامل، ومنحة مالية قدرها 1200 دولار, وقد ساعدت الموارد المالية الضخمة التي استولى عليها التنظيم من جراء سيطرته على العديد من المواقع النفطية في سوريا والعراق، بالإضافة إلى أموال البنوك التي قام بالاستيلاء عليها، لا سيما في العراق؛ في توفير الأموال اللازمة لرواتب المقاتلين.
والخلاصة، يمكن القول إن تنظيم (داعش) الإرهابي، تمكن في فترة زمنية وجيزة من السيطرة على ثلثي الأراضي السورية، وثلث أرض العراق، إضافة لانتشاره الجغرافي الكبير، حيث أصبح يتواجد في سيناء وليبيا وجنوب اليمن، كما ضمنت لها مبايعة (أبوبكر شيكاو) زعيم حركة (بوكو حرام) النيجيرية وجوداً حقيقياً في عددٍ كبير من دول غرب أفريقيا، فالتمدُّد السريع للحركة، والانتصارات السهلة التي حققتها (كما وقع في مدينة الموصل)، لم تكن بمنأى عن المصالح المتشابكة للقوى الكبرى وأجهزة المخابرات الإقليمية والعالمية، والتي لعبت الدور الرئيسي في نشأة هذا التنظيم الإرهابي، وجندت كل إمكانياتها له.