هوليوود كسيطرة على الإدراك
(قواعد الاشتباك) أنموذجاً

يبدأ فيلم (قواعد الاشتباك) الذي أنتجته هوليوود عام 2000م، من إخراج وليم فريد كين، بصورة بصرية للبيت الأبيض، ومنها  يخرج نور ينتشر من مركز القوة (البيت الأبيض) ليعم الكون، برمزية رسالية يمتزج فيها الإنساني بالديني !
تستخدم في الفيلم الصورة القريبة، والتي تعكس ملامح البطل السوبر مان، للتأثير على المشاهد، لذلك تقترب الكاميرا لتعكس الملامح المتأثرة والمؤثرة، بغرض الإيحاء برسالة أمريكا، كامبراطورية رسالية إنسانية، تخفي حقيقتها كاستعمار وتمدد وهيمنة تسيطر بأقل التكاليف، وبوافتير تدفعها كيانات محطات البنزين في الخليج العربي. تلك هي أمريكا استعمار بمزاعم رسالية وإنسانية !
بعد كل حرب تأتي صورة البطل من خلال الكاميرا، لتعبر عن البعد الحضاري والإنساني المزعوم للمستعمر، ضد الإنسان المستضعف في فيتنام أو العراق أو فلسطين، أو ليبيا وسوريا ومصر واليمن إلخ!
تستثمر هوليوود الخوف والعاطفة، وتوجههما في السياق الذي يخدم ديمومة هيمنتها، واستغلال ثروات الآخرين !
في هوليوود كل توجه ثوري ـ أكان يساريا ماركسيا أو يساريا إسلاميا، أو توجها وطنيا- يتم وصمه باللاإنسانية والبربرية والهمجية والبدائية، والتوحش، من خلال الصورة التي تعمل على إعادة برمجة الإدراك، وتحويل الضحية إلى البربري !
تصبح فيها زجاجات الكيروسين المقاومة في فلسطين هي التوحش، وأدوات الموت الأمريكية هي الحياة !
حين تقترب الكاميرا في فيلم (قواعد الاشتباك) من (تومي جونيس) الذي يمثل دور المحامي، والمدافع عن حقوق الإنسان، و(جاكسون) الذي يمثل دور المقاتل في الجيش الأمريكي (قوات التدخل السريع)، و(جوي بيرس) الذي يمثل دور السفير، فهي تتحيز له كحقوقي يتألم لمآسي الإنسانية، وكمقاتل أمريكي من جذور أفريقية، وكسفير تتهدده (الوحشية اليمنية) هو وابنه وزوجه! ويتم توظيف المعتقدات والخرافات والأساطير بما يخدم تضخم القوة الأمريكية ونفوذها، لهذا يمكنك كمشاهد أن تجد بطلهم السوبرمان يقبل قلادة على عنقه، ثم يلتقطون صورة لليمني وهو يرمي طائرة الأباتشي، المضادة للرصاص والقذائف، بشكل يذكرنا بما حدث في العراق، هم يريدون أن يجعلوا تفوق أمريكا تفوقا قدريا وحضاريا، لهذا تأتي صورة اليمني وهو يطلق رصاصا من بندقيته بطريقة عبثية وعاجزة، لتعكس هذا التفوق الأسطوري لنظامها الكوني الأوحد!
الصورة شبيهة بما حدث في حرب الخليج الثانية ضد العراق، وهي تتكرر هوليوودياً في اليمن، ومنها حشد الجماهير وتقديمها في حالة هياج متوحش، وفي المقابل صورة الخوف عند الأم والطفل الأمريكيين والأب، وهم محاصرون ومحاط بهم بهذا (الهياج الوحشي(!.
 تأتي أمريكا من أقاصي المحيط الهادي لتقول إنها ضحية في اليمن! هوليوود تقول ذلك، وتوجه الحواس لتصديق ذلك، إنها تصنع عقولا بعد أن تستولي على الإدراك، وهو ما يتجاوز الأيديولوجيات التي كانت تستهدف تنوير أو تزييف العقل أو توجيهه، أمريكا هنا تسيطر على الإدراك، وتجعل الإنسان مجرد كائن مبرمج وفق ضبط المُصَنِّع! إنها تصور الجنود الأمريكيين وهم يواجهون الرصاص من أجل إنقاذ أب أمريكي وزوجته وابنه، يصورون سحقهم وقتلهم لجمع من الجماهير الغاضبة: نساء وأطفالا وطاعنين في السن، كضرورة لا بد منها دفاعاً عن أنفسهم! جاؤوا لإنقاذ زوج وطفل وزوجة، وبعد إنقاذهم عادوا ليقتلوا الجمع المحتشد، كل ذلك دفاع عن النفس في أقصى جنوب غرب آسيا !
بعد أن يسحق السوبرمان الأمريكي مئات اليمنيين من نساء وشيوخ وشباب وأطفال، تقترب الكاميرا من وجهه لتعكس حالة الألم والأسى التي يعانيها هذا الأمريكي! ألم يكن في قدرته بعد إنقاذهم لحياة الطفل وأمه وأبيه، الانسحاب؟ هذه هي ماكينة القتل الناعمة، تسوِّق قبح أمريكا بملامح إنسانية !
أمريكا ببرغماتيتها ونفعيتها وفلسفتها للحياة على أنها مكسب وخسارة، تذهب إلى فيتنام وإلى أمريكا اللاتينية والعراق وليبيا وسوريا واليمن، كي تجعلنا نصدق عبر هوليوود أنها في كل ذلك التمدد والهيمنة كانت إنسانية !
تقدم هوليوود أمريكا بصورة متخيلة على أنها أفق لا ينتهي من التضحيات والشهداء الذين ضحوا من أجل الإنسانية، ولو كانت الصورة الحقيقية تاريخا متواصلا في سحق الأمم والثقافات، ابتداء بمئات الثقافات والحضارات للهنود الحمر، ووصولا إلى فيتنام وأمريكا اللاتينية والعراق وسوريا، واليمن، وليبيا إلخ .
يتم تقديم أمريكا بمتخيل إنساني على أنها ضمير جمعي رافض للأعمال الإرهابية، والسؤال هو لماذا تنمو الأعمال الإرهابية كلما أصبح لأمريكا والغرب موضع السيطرة على الجغرافيات والمصالح؟ 
إنها سوبر مان رقمي يختلف عن سوبر مان أوروبا الحديثة! جرائم أمريكا تصورها هوليوود على أنها مجرد اجتهادات فردية ناتجة عن ضغط اللحظة!
في الطائرة نجد لقطة معبرة في دلالتها عن الواقع، تجمع بين القائد العسكري وصاحب العقال السعودي الخليجي: الأمريكي يتأمل ويقرأ الوثائق والصور، والخليجي صاحب العقال نائم بطريقة بلهاء !
من الواضح أن صورة الخليجي في الأفلام الغربية عموما وهوليوود خصوصا، صورة الأبله؛ كثير المال والشبق! الصورة الأمريكية شغوفة بتصوير الآخر المستلَب باعتباره بدائياً، وينتمي في وعيه ومدركاته لقرون موغلة في القدم، لهذا يتم تصوير اليمني في هذا الفيلم، وهو في الأسواق (يزمِّر) ويرقص بـ(الجنبية) برقصات حرب جماعية، واختزاله بهذه الصورة، مزمار بدائي، ولعب بالجنابي! وصورة أخرى وهم في (حلقة ذكر) وملامحهم تشي بإرهاب ورعب ينعكس على وجه الممثل الأمريكي، الذي جاء كمحامٍ ليتقصى حقيقة الجريمة التي نتجت عن عملية تحرير السفير وزوجته وابنه من داخل مبنى السفارة الأمريكية بصنعاء! وصورة طفلة مقطوعة الساق، تسير على عكازين، كضحية من ضحايا مجزرة السفارة! وهو يتأثر ليربط بين بؤس الطفلة كضحية وبين حلقة الذكر (الإرهابية)! يتم من خلالها تحويل اليمني إلى غرائبية إرهابية !
تعود صورة الطفلة مقطوعة الساق مرة أخرى، بعد ملاحقة جمع من اليمنيين للأمريكي الذي يتجول في صنعاء القديمة ليتقصى الحقائق عن مجزرة السفارة! يدخل إلى مستشفى للأطفال للتعرف على الطفلة، ويسألها عن اسمها، بعد ذلك يشاهد في المستشفى مجموعة أطفال ونساء وشيوخ من ضحايا المارينز، ويجد في أسفل سرير أحد الضحايا شريط (كاسيت) مكتوباً على غلافه (إعلان الجهاد الإسلامي ضد الولايات المتحدة الأمريكية)، هكذا تستخدم هوليوود في تبرير جرائم الإدارة الأمريكية، وامتصاصها لثروات الشعوب !
الإدارة الأمريكية تختار من ممثلي هوليوود من هو أكثر قدرة تعبيرية في ملامحه وأدائه وقدراته، لخد مة مشروعها وقوتها! شريط (كاسيت) (الجهاد الإسلامي ضد الولايات المتحدة الأمريكية)، يعطي سندا لضمير المحكمة العسكرية في أمريكا لفهم المجزرة التي حدثت في محيط السفارة، وراح ضحيتها جمع من الناس، على أنها دفاع عن النفس!
هناك تراتبية بين الأمريكي من أصول بريطانية وفرنسية وألمانية، ثم أيرلندية، يأتي فيها الأمريكي من أصول أفريقية في أدنى التراتبية، والأمريكي الآسيوي في درجة أكثر دونية.