كما تذرعت بريطانيا بـ(دولت) تتذرع السعودية بـ(هادي)
عدن.. الزمام في (خشم البكرة)


بعد وقوع عدن تحت سيطرة القوات الخليجية في تموز الفائت، شرعت قوات الاحتلال الجديد بتسليم السلطة المحلية وإدارة شؤون المواطنين للعناصر الإجرامية من داعش وأنصار الشرعية، ومحاربة أبناء الجنوب بهدف إفراغ الجغرافيا الجنوبية من أي قوى وطنية تستطيع الوقوف ضد المستعمر، تارة بقصف مواقع تابعة لمكون الحراك الجنوبي واغتيال عناصره عبر الإرهابيين، وأخرى بالتضييق على الناس بإخضاعهم لسلطة الإرهابيين، الأمر الذي دفع بأسر كثيرة للنزوح من عدن وجعلها مسرحاً لعبث الإرهابيين الذين توفر لهم القوات الخليجية حماية من قوات الجيش واللجان الشعبية القادمة من الشمال، حتى صار (خشم البكرة) في شواطئ عدن ساحة لإبراز جُرم وبشاعة هذه العناصر، حسبما ظهر في فيديو تنفيذ الإعدام الذي بثه داعش بحق أسرى الجيش واللجان الشعبية.  
ترى بسمة، وهي ابنة عدن تدرس في صنعاء ولم تستطع أن تكرر ما تفعله كل عام بأن تزور عدن عندما تتوقف الدراسة، لأن أهلها نزحوا إليها بعد سيطرة داعش والقاعدة، أن الجنوب يسير نحو طريق مظلم بعد أن سيطرت الجماعات المتمردة ومرتزقة ما يُسمى التحالف العربي، وانتشرت المجاميع الإرهابية في أغلب مناطق الجنوب.
وتقول ـ متحسرةً على مآل الجنوب ـ (إن بعض الجنوبيين لازالوا يعولون على دعم دول الخليج لهم، وتلك كذبة يخدعون بها أنفسهم)، وتبين أن من وقف في صف تحالف العدوان ضد قوات الجيش واللجان الشعبية، هم عناصر القاعدة وبعض الشباب الذين تمَّ إغراؤهم بالفلوس. 
وبحسب مصادر محلية فإن الجهاديين سيطروا على مبانٍ رسمية وأكشاك بيع صحف لتوزيع منشوراتهم، ويُحكم عناصر داعش سيطرتهم على مديرية (التواهي) التي كانت مسرحاً لتصفية المحافظ الذي عينه هادي، جعفر سعد، وحيث يقع القصر الجمهوري ومباني المخابرات والتلفزيون ومركز قيادة المنطقة العسكرية الرابعة (التي تشمل محافظات عدن ولحج والضالع وأبين وتعز)، ويتجولون فيها بحرية تامة.
ورغم اتساع رقعة سيطرة العناصر الإجرامية فإن بروباجندا (تحويل عدن كإحدى العواصم الخليجية) لم تغادر ذهنيات بعض المواطنين، في وقتٍ تُظهر دول العدوان تنصلها عن أي التزامات مالية، بدليل التمردات الدائمة والاحتجاجات والاعتصامات التي نفذها أفراد المليشيات الموالية للعدوان للمطالبة برواتبهم ومستحقاتهم، حتى وصل الأمر إلى محاصرة قصر المعاشيق والاشتباك مع حراسته.
وبحسب مراقبين فإن النزوح من عدن لم يبلغ ذروته حتى اللحظة، وربما اذا فشل جنيف سنشهد تصعيداً ونزوحاً أكبر, موضحين أن الانفلات الأمني إجراء متعمد ضمن ما يسمى (الفوضى الخلاقة) التي تسعى السعودية لإيجادها في اليمن عموما وفي الجنوب تحديداً، بالإضافة إلى الخلافات الخارجية بين دول تحالف العدوان، فكل دولة تعتمد دعم فصيل معين، وخلافات المكونات المحلية كلها تنعكس سلباً على السكان المدنيين.
إلى ذلك، يعيش تحالف العدوان حالة ارتباك وعجز عن بسط سيطرته في الجنوب؛ إذ لم يعد لديه تصور واضح عما أراده من الجنوب وعدن، بعد فشل توقعاتهم بأنها ستكون حرباً خاطفة سيعيدون بها أزلامهم ليديروا الأمور عن بُعد.
وتفيد مصادر إعلامية أن عدن تبدو على موعد وشيك مع معركة بين عناصر داعش من جهة وعناصر هادي من جهة أخرى، بعد التخلي الذي أظهرته دول الخليج عن الأخير، وطبقاً لذات المصادر فإن مقاتلي داعش يمتلكون أسلحة متوسطة وخفيفة وراجمات صواريخ، ولديهم مدرعات وعربات عسكرية، من نفس الطراز الذي سلّحت به الإمارات ما يُسمى (المقاومة الجنوبية).
وبعد سيطرتهم على زنجبار وجعار، التي تؤمن لهم خط إمداد مع مدينة المكلا في محافظة حضرموت الواقعة تحت سيطرتهم منذ نيسان، يتخذ عناصر داعش من منطقة (دوفس) الواقعة على الطريق الساحلي بين عدن وأبين مركزاً لتجميع المقاتلين، وقد نصبوا فيها بعض راجمات صواريخ في مناطق متباعدة استعداداً لاقتحام عدن.
غير أن متابعين يرون هادي ضعيفاً وليس له أتباع قادرون على الصمود أمام المنظمات الراديكالية الدينية، ويستدلون بما حصل للجانه في أبين وهزيمتها خلال دقائق وفرار عبداللطيف السيد إلى يافع نافذاً بجلده، ولا يستبعدون وقوع اشتباكات محدودة بين حين وآخر.
ويؤكدون على أن الصدام الأكبر سيكون بين مقاومة الحراك وبين تلك القوى، لكن بعد حين، خاصة في حال نجح جنيف2 في الخروج بهدنة أو إيقاف للحرب، أو إذا لم تتدخل قوات الجيش واللجان الثورية في الجنوب سيحصل هذا الصدام بين المنظمات الإرهابية أو الراديكالية وبين مقاومة الحراك، أو إذا حاول أحد الأطراف بسط نفوذه على حساب الآخر، وحتى اللحظة هناك تنسيق - ولو على مضض ومن تحت الطاولة - بين الحراك والعناصر الإجرامية.
لقد ظلت مدينة عـدن محط أنظار كثير من الدول الطامعة في إرساء قواعد لها على البحر الأحمر والخليج العربي، ومنها السيطرة على المحيط الهندي لما له من فائدة قصوى في السيطرة الاقتصادية والسياسية في تلك المنطقة الحيوية على مستوى العالم.
وتمتلك عدن مقومات مهمة تجعلها عرضة للأطماع الاحتلالية، وقد توالت على عـدن الكثير من القوات المستعمرة، كان أبرزها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. قامت بريطانيا ببعض الإجراءات التمهيدية لاحتلال عدن فأرسلت في بداية الأمر الكابتن هينز أحد ضباط البحرية، إلى منطقة خليج عدن في عام 1835م، وذلك لمعرفة مدى صلاحية المنطقة لتكون قاعدة بحرية ومستودعا للسفن البريطانية.
كان لابد للإنجليز من تبرير احتلالهم لعدن، وقد ساقت لهم الصدف حادثة استغلوها استغلالا جماً، ففي عام 1873م جنحت سفينة (داريا دولت) الهندية إلى السواحل العدنية، وادعى البريطانيون أن سكان عدن هاجموها ونهبوا بعض حمولتها بتحريض من ابن سلطان لحج وعدن.
إلى حدٍّ كبير يُعاد ذات السيناريو عبر الاحتلال الجديد الذي تشكلت نواته الأولية، منذ أن طلب الرئيس الفارّ هادي إلى دول الخليج التدخل العسكري لاستعادة شرعيته، إذ اتخذت المملكة السعودية من شرعية هادي ذريعة للاحتلال، كما بررت المملكة المتحدة احتلالها عدن بالسفينة الهندية.
وكان موقع (ويكيليكس) كشف في وقتٍ سابق وثائق مسربة عن الخارجية السعودية، أن لجنة عليا شكلت برئاسة الأمير سلطان بن عبد العزيز، الذي كان يشغل وزارة الدفاع والمكلف بالإشراف على اليمن، وعضوية وزير الخارجية السابق سعود الفيصل ورئيس المخابرات وآخرين، وكُلفت اللجنة بالعمل على مشروع هدفه شقّ قناة من السعودية إلى بحر العرب من خلال محافظة حضرموت، بغية الاستغناء عن كلّ من مضيق هرمز وباب المندب. ولا يتم ذلك إلا بالسيطرة على عدن.