حين يغفو بعضُ اليسار في حُضْنِ اليمين
 

فيصل بدير

فيصل بُدير / لا ميديا -

يا لها من مفارقة! بعض الأمميين تفوقوا على غلاة الانعزاليين الكيانيين، وبرخص الهباء المنثور.
لم يبق منهم ومن ماضيهم إلا تاريخ مقاومة بدأتها نُخبهم، ثم استقالوا منها، أو ربما تنازلوا حتى عن تراثها، وتحول -بفعل تحولهم- إلى لغويات تجترّها ألسنتهم.
عيونهم على الماضي حين كانت بصيرتهم هي الغالبة. قزّموا فكرهم إلى حدود الاصطفافات الداخلية المجبولة بالعهر. كرهوا الطائفية والشمولية والقمعية كما يدّعون، لكنهم مارسوا حقداً جماعياً، وقمعاً لفظياًّ بحق البيئة التي احتضنتهم حين كان فعلهم لا التنظير هو الغالب، وبحق كل من يعتقدُ خلافَ ما يعتقدون.
والسؤال الرئيس الذي يطرح نفسه بشدة وبإلحاح: إذا كانوا يبكون ماضياً تليداً ومجداً أضاعوه من بين أيديهم، ثم حَمّلوا أوزارَ ما أضاعوه لمن "أكمل مسيرتهم"، نسوا أو تناسوا أن عجلة التاريخ لا تنتظر المتسكعين على قارعته، هم توقفوا والعجلة تدور...؟! 
والسؤال التالي والأكثر إلحاحا: ما هو الأكثرُ أهمية: أهي الرايةُ المرفوعةُ وألوانها الزاهية البراقة؟ أهو التنظير اللغوي واللفظي العقيم الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع وطني أو قومي أو تحريري؟!
إذا كان الغلُّ المُعتمل في قلوبهم على الدين وأهل الإيمان هو دافعهم للتموضع في حضن الرجعية، فهذا انفصام وحالة إنكار لا تُعالج بالسياسة والحوار، بل في مراكز تأهيلية تعيد إنتاج عقولهم واتجاهاتها.
وإذا كان انتقالاً إلى الضفة الأخرى المعادية، فلماذا لا يعلنون هويتهم الجديدة أو المستجدة، وليعلنوا علناً وبالصوت العالي طلاقهم من اللون الأحمر، وليغيروا شعاراتهم إلى ما يتلاءم مع "فكرهم الليبرالي" ذي الرائحة النفطية؟!
أما الاستمرار بالاجترار اللفظي، فهذا حتما سوف يضعهم في خانة الإبل، جِمالاً ونوقاً، حتى يكاد أن يكون التشابه جينياً.
هذا مفترق ومنعطف. ومن يهوى القارعة فلن يتلقى إلا القارعة. فالتموضع في خانة الأعداء يحول المتحولين إلى رجال بلا ملامح. عندها لن تفرّقُ القارعةُ بين مُستقيلٍ من ماضيه، وخصمٍ لدود.
* كاتب لبناني.

أترك تعليقاً

التعليقات