محمد عبدالرحمن الوجيه

محمد عبدالرحمن الوجيه / لا ميديا -
تروِّج الرواية الغربية و«الإسرائيلية» لـ«الخطر النووي الإيراني» كذريعة لاستمرار الضغوط؛ لكن جوهر الصراع أبعد بكثير من مجرد مخاوف تتعلق بسلاح افتراضي؛ فالمعطيات الاستراتيجية تؤكد أن استخدام إيران لأي قنبلة نووية ضد «إسرائيل» سيكون عملاً انتحارياً يُلحق دماراً لا يُحتمل بفلسطين وشعبها وبالدول العربية المجاورة وحتى بإيران نفسها، وهو سيناريو مستحيل من منظور العقلانية السياسية والعسكرية، خاصة مع وجود رادع نووي «إسرائيلي» قوي في المنطقة.
الحقيقة الأكثر إيلاماً للغرب تكمن في الهدف الحقيقي، المتمثل في منع إيران من امتلاك الطاقة النووية السلمية المتقدمة، لما تمثله من قفزة تنموية كبرى؛ فهي ليست مجرد مصدر للكهرباء، بل قاطرة حقيقية لنهضة صناعية شاملة عبر توفير طاقة رخيصة وموثوقة، ووقود للتقدم التكنولوجي في مجالات حيوية مثل الطب النووي (وعلاج السرطان تحديداً) والزراعة المتطورة وإدارة الموارد وإنتاج المواد المتقدمة، ناهيك عن تعزيز الاستقلال الاقتصادي عبر خفض الاعتماد المحلي على النفط والغاز وتحرير الفائض منهما للتصدير.
نجاح إيران في بناء برنامج نووي سلمي متكامل رغم العقوبات يشكل خطراً وجودياً على منظومة الهيمنة الغربية، لأنه يقدم نموذجاً ملهماً للاستقلال التكنولوجي والطاقي والتنموي خارج الإطار الغربي المسيطر، ويثبت إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي.
هذا النجاح، إذا تحقق، سيشعل شرارة محتملة عبر «الجنوب العالمي»، وخاصة في أمريكا اللاتينية، حيث تتطلع دول عديدة للتحرر من التبعية، ما يشجعها على محاكاة النموذج الإيراني والسعي لامتلاك تكنولوجيا نووية سلمية خاصة بها. هذا التحول يقوض الاحتكار الغربي للمعارف الفائقة وأدوات القوة الناعمة، ويفتح الباب أمام ظهور مراكز قوى اقتصادية وتكنولوجية جديدة ومستقلة قادرة على تشكيل سياساتها بعيداً عن الهيمنة الأمريكية - الأوروبية، وبالتالي إعادة رسم خريطة النفوذ العالمي لصالح تعددية أقطاب حقيقية.
يُدرك المعتدون اليوم أن منع إيران من امتلاك الطاقة النووية السلمية -بوصفها قاطرة للثورة الصناعية والتكنولوجية والطبية والزراعية، ومحركاً لتعزيز الاستقلال الاقتصادي- ليس سوى ضربة استباقية لتحطيم نموذج تنموي مستقل يقف سداً منيعاً في وجه الهيمنة الغربية - «الإسرائيلية».
لذلك توظّف ذريعة السعي الإيراني لامتلاك القنبلة النووية كغطاء سياسي مُلح لتمرير الاعتداء المستمر على إيران؛ لكن الوقائع تكشف أن الهدف الأعمق يتجاوز مجرد شبح السلاح النووي. الحقيقة الأكثر إيلاماً للغرب و«إسرائيل» هي أن الحملة ضد البرنامج النووي الإيراني تستهدف في صميمها إسقاط النظام الإيراني نفسه؛ لكونه يشكل العقبة الأخطر أمام المخططات الإقليمية والدولية، المتمثلة في تصفية القضية الفلسطينية، وفرض التطبيع الشامل، وتكريس الهيمنة «الإسرائيلية» المطلقة على المنطقة.
لذلك فإن الضجة الأمنية والاعتداءات العسكرية الصهيونية اليوم على البرنامج النووي الإيراني ما هي إلا قناع يخفي صراعاً أعمق، هو صراع الهيمنة، ومحاولة يائسة لمنع قيام نموذج تنموي مستقل ناجح يحرر الدول من التبعية ويهدد النظام العالمي القائم على التمركز الغربي.
السؤال المصيري: هل يمكن كبح جماح إرادة الأمم في التقدم والمعرفة والاستقلال عندما تشتعل؟ التاريخ يُعلّمنا أن محاولات إخماد شعلة التنمية المستحقة مصيرها الفشل الذريع، مهما طال أمدها.

أترك تعليقاً

التعليقات