حاورته في دمشق: حنان علي / لا ميديا -
شخصية فنية مثيرة للجدل، لا يهاب إطلاق أفكاره، فكاهيّ الأسلوب والعبارات، حازم الموقف قويّ النبرة.. من المناهضين نال بغضاً ومن الجماهير محبة وابتسامةً.. الوطنيّ المحارب، لا يسعى فنياً لجني الامتيازات مروّضاً العقبات مؤثراً خوض الدروب الوعرة انتصاراً لقضايا الوطن ولفنه الهادف.
شاليش بن مرة، صطيف الأعمى، علاء وأدهم والكثير من الشخصيات التي رسمت الابتسامة على وجوهنا لسنوات، معن عبدالحق، يطوف بين أروقة «لا» كاشفاً عما بجعبته من تجربة فنية ثرية، مواقف وآراء.

وحدة المصير
هلا حدثت الجمهور العربي واليمني خاصة عن رحلتك في عالم التمثيل والفن، منذ البدايات حتى الشهرة؟
أول ما أود استهلاله هو التعبير عن امتناني وسروري بالتحدث إلى وسيلة إعلامية من اليمن العزيز، وأود توجيه التحية للإعلام اليمني عموماً ولجريدة «لا» التي بادرتني باللقاء، وللإعلام الحربي اليمني على وجه الخصوص، فمن التشريف والتكريم لأي فنان عربي الحضور عبر منبر إعلامي يمني مقاوم ما برح رفيقاً مناصراً طوال سنوات العدوان على سورية بالتزامن مع العدوان الواقع على أرضه، بدورنا كمواطنين عرب نؤمن بأن هذه المعركة هي معركة واحدة، فالمسائل ليست مجرد عناوين حين نتحدث عن وحدة المصير.

محطات متعددة
ما هي المحطات الرئيسية في مسيرتك الفنية؟
تيمناً بقناة «المسيرة» اليمنية، سأتحدث عن مسيرتي الفنية؛ فقد بدأت الدراسة بالمعهد العالي للفنون المسرحية عام 1997 وتخرجت منه عام 2001. إلا أنني شاركت ببعض الأعمال قبل التخرج أبرزها: «بطل من هذا الزمان»، بطولة الفنان الكبير أيمن زيدان، وإخراج الأستاذ المرحوم هشام شربتجي، «الخوالي»، إخراج المرحوم بسام الملا، دعيني أذكر مشاركة متواضعة أثبتت حضوراً عند الأحبة من الجمهور اليمني في مسلسل «الزير سالم»، من إخراج الراحل المرحوم حاتم علي، أديت فيه دور «شاليش بن مرة». حتى إنني كلما التقيت بأصدقاء يمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي، بادروا بتذكيري بهذا الدور رغم صغر مساحته، مخاطبين إياي باسم شاليش.
في الحقيقة حظي المسلسل بحضور ناجح جداً، وأفهم اهتمام اليمنيين أكثر من غيرهم بالسير العربية التي تخص مهد العروبة اليمن، فالبطولات العربية والحكايات الشعبية الخاصة بالشعب اليمني من حقها أن تحظى بالتقدير والمتابعة.
بعد التخرج تابعت المشاركة في سلسلة أعمال درامية شتى، أذكر منها «بقعة ضوء»، و«عشتار»، و«مبروك»، وصولاً للدور المفصلي في مسلسل «باب الحارة»، والذي شكل نقلة نوعية في الانتشار والشهرة الشعبية على المستوى العربي. أذكر أيضاً «أهل الراية»، و«تخت شرقي». المشاركات استمرت بعد ذلك وماتزال متواصلة إلى اليوم لكن بوتيرة مختلفة.

مهنة ممتعة رغم التحديات
كيف تتعامل مع الضغوط والتحديات التي قد تواجهك خلال عملك الفني؟
ما فتئت مهنة التمثيل مترافقة بصعوبات وضغوط ذات خصوصية تحتاج إلى لياقة بدنية ونفسية للفنان، كما تستلزم الصبر والاجتهاد والمثابرة الدائمة للحفاظ على الهاجس المتمثل بالتطور بين مشهد وآخر، دورٍ أو عملٍ فني وآخر سواء أكان درامياً أو مسرحياً أو سينمائياً. إنّ مهنة التمثيل مهنة ممتعة رغم تحدياتها، لكن هذا كله يخضع لخصوصية الظروف التابعة لأماكن تواجد الممثل.

التزام ثقافي بمقاومة المشروع الصهيوني
كيف ترى دور الفنان في تعزيز الســلام والتسامح بيـن الشعوب؟
شخصياً؛ أعتبر أن الفنان العربي الأساسي في منطقتنا منوط بتعزيز مفاهيم المقاومة. صحيح أن شعوبنا لم تفقد مفاهيم السلام وتكريسها بين بعضها البعض، لكن يتوجب عليها الكشف عمن يغزو أرضها ويفرق شعوبها ويصطنع حدودها. معركة «طوفان الأقصى» على سبيل المثال، وإن كانت ساحتها ممتدة مختلفة الجبهات، إذ نراها في سوريا تارة وتارة في لبنان أو في اليمن أو العراق.. لتصب كلها في المعركة الأساسية والصراع المركزي مع الصهيونية في قلب فلسطين. لذلك لا يمكنني التحدث عن أي دورٍ لفنان خارج سياق هذه المعركة.
يُفترض من العاملين في مجال الثقافة والفن أن يلتزموا بثقافةِ مقاومةِ المشروع الصهيوني في المنطقة وأن يعبروا عن ذلك مخاطبين الناس عبر الوسائل المتاحة خاصة وسائل التواصل الاجتماعي. عموماً لستُ راضياً عن حضور الوسط الفني العربي سواء في معركة «طوفان الأقصى» أو ما قبلها تجاه الصراع المستمر مع الصهيونية، مستثنياً حالات وأمثلة ونماذج مضيئة، إنما نتحدث عن نتاجٍ وعن ثقافةٍ مهيمنةٍ تستعبد معظم أفراد هذا المجال بالمعنى التام، مكبلة إياهم بقيود الامتيازات ومتطلبات الرفاهية. أراهم ينظرون للعمل الفني ككيان منفصل مستقل ذي وظيفة ذاتية لا تسهم بالانتصار للقضية العامة لشعبنا العربي، لذلك أعتقد أنّ الثقافة الفردانية نأت بالفن والثقافة العربية عن دورهما ومسؤوليتهما تجاه هذا الصراع.
هل من المعقول أن تحتدم معركة كـ«طوفان الأقصى»؛ أشرس وأعز وأكرم معارك الصراع مع الصهيونية، وقبلها معركة «سيف القدس»، ونجد عدداً من الفنانين يعتكفون عن التعبير عن أي موقف يتسبب لهم بالضرر، مقتصرين على إطلاق العناوين العامة دونما الجرأة على التصريح بمناصرة المقاومة المسلحة، حالهم حال مسؤولين في جامعة الدول العربية يريدون إرضاء الشعوب العربية بالكلام المنمق والمجاملات.
أكرر وأقول بأن دور الفنان كامن بمناصرة المقاومة المسلحة بشكل علني ومناهضة مشاريع التطبيع عبر أشكال كثيرة في مواجهة السرديات المسيئة للمقاومة التي تحرّف ماهية الصراع. لا ريب أن الكلمة مؤثرة في تنبيه الوعي العربي إن نطقها فنان لديه آلاف أو ملايين المتابعين العرب.
هل يشعر أحد هؤلاء بأن فلسطين بلده ومصيرها مصيره، أم أنها منطقة نائية ترتب لها عبارات التضامن العامة؟ بأي معنى سأسمي المثقف مثقفاً أو الفنان فناناً إذا كانت جلّ غايته الترقي الطبقي والثروة والشهرة والطموح الفني بمعزل عن قضايا الشعوب؟ من واجب كل فنان أو مثقف الالتحاق بكل قوى المقاومة في منطقتنا بمختلف أسمائها التي نزهو بها ونلتحق بمشروعها التحريري. أما من أراد اعتزال هذه الثقافة فهو يلتزم بثقافة المشروع المضاد حتى ولو لم يعلن ذلك.

لا صوت يعلو فوق صوت المعركة
ماذا عن الامتيازات التي خسرها الفنان معن عبدالحق؟
لا تعنيني امتيازات العمل على منصات أو مهرجانات عربية قد توظف الممثل وشهرته في سياقات سياسات التطبيع وخدمتها. هذا استدعاني لاتخاذ موقف حاسم بألا أقبل بالسعي لمنصات أو محطات مماثلة، فثمة هوية سياسية للأعمال التي تنتجها ضمن معادلة واضحة؛ الفنان يخدم هذه السياسات التطبيعية بشهرته حاصلاً بالمقابل على امتيازاتها.
كيف نشهد إقامة مهرجان ترفيهي بينما نخوض صراعا مصيريا غير مسبوق في التاريخ، راح ضحيته عشرات آلاف الضحايا؟ أستغرب منك كفنان أو مثقف أن تقبل بالعمل مع هذه المنظومة الثقافية ورموزها بعد الآن! في أي موقع تضع نفسك؟ كيف أتعامل معك أو أطلق عليك اسم المثقف بينما أنت موظف في هذه المنظومة؟ فلا تخاطبني كمثقف حين تعجز عن التصدي للقضايا التي تخصني كأحد أبناء هذه الشعوب التي تخوض أشد معاركها. أي استفزاز يخلقه فنان ينفصل عن شعبه ومنطقته، حين يقوده مردود العمل المادي وطموحه الفني! لا يكفي أن تضع علم فلسطين أو تتهم «إسرائيل» بالإجرام، فالقضية جوهرها أن تناصر المقاومة وتدافع عنها وتحميها، أن تحسم خياراتك بعد قراءة الصراع بشكله الصحيح. موقفي كمعن عبدالحق يؤثر بكل تأكيد على العروض العملية، لكنني سأقبل بالخيارات المحلية المتاحة أو تلك المتواضعة التي تكفي للعيش، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة على حد قول الزعيم الخالد جمال عبدالناصر.

الكوميديا الأقرب إلى قلبي
 شاركت في أدوار أكثرها كوميدي في «بقعة ضوء» خاصة، كما اشتهرت بـ»صطيف الأعمى» حول العالم العربي، فأي الأدوار أحب لقلبك؟ وهل من دور خاص تتمنى القيام به ولم تتح الفرصة بعد؟
أفضل الأدوار الكوميدية حتى «صطيف» الأعمى كان له حصة وفيرة من الطرافة والشهرة جنباً إلى جنب مع الأدوار التي لاقت رواجاً قبله وبعده من حيث ردود الفعل الجماهيرية. لن أسمي دوراً محدداً بالأقرب إلى قلبي رغم ما أضمره من محبة لدوري الأول في مسلسل «بطل من هذا الزمان». عموماً الأدوار الكوميدية الأشد قرباً لقلبي.

تجريم التعامل مع العدو
«فشرت أن تغني في دمشق».. عبارة وجهتها للممثل محمد رمضان وغيرها من المواقف والفيديوهات الساخرة التي أثارت السخط، فهل يتعمد معن عبدالحق إثارة الجدل؟
حين وجهت كلامي لمحمد رمضان، كان بغية إطلاق صوتٍ فني، ليس صوتي على التحديد، بل صوت يبادر إلى التجريم والإدانة والمقاطعة له ولكل فنان أو مغن أو مثقف عربي يرتكب جريمة التعامل مع العدو «الإسرائيلي»، خاصة ذلك النموذج المتبجح بذلك. مع استشعارنا لمخاطر امتداد تسويق ثقافة التطبيع عبر الفنانين، لا بد من أن يُستفز كل ممثل وفنان ليلتزم بالموقف الشعبي من هذا الصراع مع الصهيونية ويقطع عليهم الطريق. الثقافة هذه أصيلة في دمشق شعبياً ورسمياً فنحن أولى بتصدر نداء ومقاطعة هذه النماذج.
بعد معركة «طوفان الأقصى» باتت المسألة أكثر جلاء، ومن بركات هذه العملية البطولية إعادة إحياء وبث هذه المفاهيم والخطاب بصورتها النموذجية. إننا نصر على تجريم فعلة مماثلة لأي فنان وإدانته ومقاطعته، خاصة مع إدراكنا حجم المغريات التي يحملها الخصوم من دعاة التطبيع، ودأبهم على تخريب الوعي العربي. كان هذا موقف العديد من المثقفين والإعلاميين السورين أيضاً.
لا أعتقد أن الأمر عائد لإثارة الجدل، فالمعايير واضحة سابقاً وفي ظل ما يجري الآن من بطولات تسحق جنود العدو جنباً إلى جنب مع ثقافة التطبيع معه. يجب علينا الالتزام بالجهوزية التامة وهذه مسؤوليتنا لحماية المفاهيم الأصيلة للوعي العربي، تقديساً لدماء الشهداء الأبطال.

الاصطفافات واضحة
 «باب المصالحة مفتوح وكان الخيار الأول بالنسبة للدولة السورية»، هذا ما صرحت به بالنسبة لعودة الفنانين المعارضين، هل يفرق الفن بين الزملاء كما فعلت المواقف الوطنية؟ وهل باعتقادك ستصفو القلوب يوما بين الفنانين من هذ الناحية؟
أمام هذه المعركة الكبيرة بات المشهد والاصطفافات واضحة. فما معنى أن تطالب بإسقاط الدولة السورية إلا أن تكون في الخندق «الإسرائيلي». ألم تتعرض سورية لما تعرضت له إلا من جراء اتخاذها موقف المقاومة؟ ثمة محور يقاوم ويقاتل المشروع الصهيوني وهو من سيهزم ذلك المشروع ويزيله من الوجود، فأنت كممثل إما أن تكون كأي مواطن عربي في هذا الخندق أو أنك في خندق قوى مضادة لقوى المقاومة حيث تلتقي مع الأمريكي و«الإسرائيلي» والبريطاني والألماني والفرنسي. لا مجال لخيارات أخرى. على كل فنان أن يستدرك بعد هذه السنوات الحقيقة الفضلى للصراع والاصطفاف. انظر من تعادي «إسرائيل» في سورية؟ إنها تعادي الجيش العربي السوري وحلفاءه من حزب الله وقوى المقاومة الفلسطينية. لم يعد من المقبول لأحد أن يخرج للحديث بهوية الخطاب الأسبق لإسقاط الدولة السورية.
أعتقد أن أي فنان سوري، عليه الاصطفاف بصف مشروع المقاومة. فإذا لم يلتزم بهذا المشروع ويحمل من الإنتاج ما يدعم ثقافة هذا المشروع المقاوم فأي معايير لعودته من دونها لا تهمني.

طموحي زيارة صنعاء
هل من علاقة تجمعك بالفنانين اليمنيين؟ وكيف تجد الدراما اليمنية؟ وماذا عن مشاركتك المستقبلية فيها؟
لم أحظ بأي دعوة للمشاركة في أعمال فنية يمنية، لكنني سألبي أي دعوة بكل سرور، بل أوجه نداء للأساتذة والزملاء والأصدقاء في اليمن برغبتي بالمشاركة في أي عمل يمني. في الحقيقة أطمح في المرحلة القادمة لزيارة صنعاء والمدن الأخرى، فاليمن كعبة العروبة ومن واجب كل مواطن عربي زيارتها.

ابتعدوا عن السياق التسويقي للفن
ما هي رسالتك للشباب اليمنيين الذين يرغبون في دخول عالم الفن والتمثيل، في ظل ظروف الحصار المفروضة على بلادهم؟
رسالتي أوجهها لزملائي من الشباب اليمنيين، علينا تحمل المسؤولية والتزام الفن لقضايانا ومعركتنا وتقديم أي أعمال تلفزيونية أو مسرحية خاصة بهذا المعنى بعيداً عن السياق التسويقي الخاص بالمنصات والفضائيات، ذلك عسى الفن يمشي خالداً أكثر اشتباكاً بمعارك الجبهات، كما يصفه أهل اليمن الأحبة. ما برحت المسلسلات المستنسخة عن التركي والمكسيكي الأبعد عنا وعن هويتنا. لذلك أنصح بالتوجه إلى القضايا التي تخصّ المجتمع اليمني والتي تتقاطع مع المجتمعات العربية الخاضعة لعدوان الحصار. عن نفسي اتخذت قراري بالابتعاد عن كل مسار يفصل الممثل عن قضايا شعبه، لأني أعتبر ذلك جريمة بحق الفن.