تقرير / لا ميديا -
مع شروق شمس صباح يوم الثلاثاء 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يكون طوفان المقاومة الفلسطينية قد دخل يومه الرابع، مواصلاً فيضانه المُرعب، بثبات الأبطال وقتالهم المستمر في «مستوطنات غلاف غزة»، حيث فشل الكيان الغاصب، حتى ليل اليوم، في استرجاع السيطرة على عدد من «المستوطنات»، رغم قدراته العسكرية الضخمة، واكتفى بما يجيد القيام به، وهو استهداف المدنيين وارتكاب المجازر.
60 ساعة من عُمر العملية البطولية «طوفان الأقصى»، حتى كتابة هذا التقرير مساء اليوم، حفلت بالكثير من المُفاجآت التي لم تخطر على بال العدو الصهيوني، براً وبحراً وجواً، كرّاً وفراً. ذاكرة جيلٍ بأكمله ستحفظ وتحتفظ بكل مشهد وتوثق بطولات أذهلت العالم، بدءاً بخيبة أمل القائد «الإسرائيلي» نمرود ألوني، الذي هدد بإزالة قطاع غزة من الوجود، والسير في شوارع دمشق بدبابته إن هي دعمت فلسطين، وصولاً للحظة وقوعه أسيراً بيد المقاومة، مع العشرات من المُجندين والمستوطنين، وتقديرات باحتمال ارتفاع حصيلة قتلى الكيان إلى 1000 صريع، والجرحى إلى 3 آلاف، حسبما أكدت «يديعوت أحرونوت» الصهيونية. كما نقلت الإذاعة «الإسرائيلية» عن مصدر رسمي «كبير» قوله إن عدد من وصفهم بـ»الضحايا الإسرائيليين» لا يمكن استيعابه وأكبر بكثير مما تم إعلانه.
فاضت فلسطين أبطالاً، وفي بضع ساعات غمر الطوفان أراضي مُغتصَبة، متجاوزاً أقوى التقنيات الدفاعية في العالم، شعاره: لن نَذر على الأرض من المُحتلين دياراً. ووصلت آثار الطوفان إلى قطاعات اقتصادية صهيونية، مُكبداً إياها خسائر فادحة، وأجبرت التقنيات العسكرية للمقاومة الفلسطينية خُبراء ومحللين عسكريين لدراستها.

أفادت وسائل إعلام مختلفة، اليوم، بأن من وصفتها بمصادر عسكريّة وأمنيّة «إسرائيليّة»، وُصِفَت بأنّها رفيعة المُستوى، كشفت النقاب، بعد 48 ساعة من عملية «طوفان الأقصى»، عن أنّ أجهزة اللاسلكي التي استخدمتها المقاومة الفلسطينية كانت مختلفةً عمّا كانت المخابرات الصهيونية تعرف عنها وتعلم عن حيثياتها وطرق عملها، بل استعملت شبكة بثٍّ غير معروفةٍ لسلطات الاحتلال وجهاز أمنه العام (الشاباك). وفي نهاية المطاف فإنّ التحضيرات للعملية من قبل «حماس» مرّت تحت الرادار «الإسرائيليّ» الذي لم يتمكّن من معرفة أيّ شيءٍ عن تجهيزات المقاومة للهجوم المُباغِت.
ووفقاً للمصادر عينها، فإنّ الضربة الأولى تمّت عن طريق القناصة والطائرات المُسيّرة، إذْ هاجم مقاتلو المقاومة القاعدة العسكريّة التي تتخذها فرقة غزّة مقراً لها، حيث تمكّن المقاومون من قتل الجنود الذين كانوا يراقبون، ثمّ قاموا بتخريب شبكة اللاسلكي «الإسرائيلية» وإخراج شبكة الانترنت عن الخدمة، الأمر الذي قطع الاتصال بين مقر القيادة وباقي الوحدات الصهيونية الفاعلة في المنطقة. وشدّدت المصادر ذاتها على أن الوسائل التي استخدمتها المقاومة رخيصة، ومع ذلك نجحت في إخراج الشبكات الصهيونية، التي تقدر قيمتها بمئات ملايين الدولارات، عن الخدمة.
وأفاد المراسل العسكري لـ»القناة 12» بالتلفزيون العبريّ، نير دفوري، بأنه بعد العملية والسيطرة على مقر القيادة، اندفع مئات المقاتلين الفلسطينيين إلى «المستوطنات» في محيط غزة، وسيطروا عليها عملياً وأخذوا الرهائن وعادوا بهم إلى قطاع غزّة، دون أنْ يشعر «الإسرائيليون» بذلك.
إطلاق جميع الأسرى
على صلةٍ بما سبق، ونظراً للأعداد الكبيرة من «الإسرائيليين»، الذين تمّ أسرهم من قبل مقاتلي المقاومة واقتيادهم إلى قطاع غزّة، فجّر قائد المنطقة الجنوبية السابق في جيش الاحتلال، الجنرال المتقاعد طال روسو، مفاجأة من العيار الثقيل، باقتراحه على الحكومة «الإسرائيليّة» إطلاق سراح جميع الأسرى السياسيين الفلسطينيين المسجونين في باستيلات الاحتلال، مُقابِل موافقة المقاومة على إعادة الأسرى من جنودٍ وضبّاطٍ ومُستوطنين إلى كيان الاحتلال. وأوضح في لقاء مع «القناة 12» العبرية أنه لا يُمكن بأي حالٍ من الأحوال استعادة هذا الكمّ الكبير من الأسرى عبر مفاوضاتٍ عن طريق طرفٍ ثالثٍ، مُشدّداً على أنّ إطلاق سراح جميع الأسرى من كافة التنظيمات الفلسطينية هو الحل الوحيد لإخراج كيان الاحتلال من هذه الأزمة.

لعبة أطفال
في السياق كشفت صحيفة «هآرتس» العبرية أن حزب الله اللبناني يملك عتاداً عسكرياً أكثر تقدماً من حركة حماس. ونقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية صهيونية أن طوفان غزة بما حمله من خسائر مهينة للجيش الصهيوني، هو مجرد «لعبة أطفالٍ» إزاء ما سيقوم به حزب الله، في حال دخوله الحرب، محذّرةً من أن المعركة ستكون قاسيةً جداً في الشمال ضد حزب الله.

سور من ورق
من ناحيتها سلطت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية الضوء على أوجه القصور التي كشفتها عملية «طوفان الأقصى» في سياج الفصل العنصري. وذكرت الصحيفة أن «3.5 مليار شيكل»، هي تكلفة السياج الفاصل مع غزة، من فوق الأرض وتحتها؛ حساسات، وكاميرات، وفي يوم نشوب الحرب، انهار وأصبح «سورا من ورق».
وأوضحت أنّ سلاح الجو الصهيوني استخدم 40 طائرة لسد الثغرة في السياج، ومنع الدخول من غزة إلى الأراضي المحتلة والعكس. وأضافت: «لو نجح الجيش الإسرائيلي في تطهير جيوب المسلحين في مستوطنات غلاف غزة، فإنّ المهام التي سيتصدى لها في الأيام القادمة معقدة وكثيرة المتطلبات، وأولاً وقبل كل شيء مشكلة الأسرى في غزة، ومشكلة الردع تجاه الساحات الأخرى».
ولفتت إلى أن ملايين «الإسرائيليين» دُهشوا وتخوفوا من الحرب التي لم يُعدّ لها أحد، واصفة ما حدث بأنه «إهانة عظمى، إهانة لم يشهد لها الجيش الإسرائيلي مثيلا في كلّ سنواته»، موضحة أن «الإهانة الأولى كانت استخبارية، مرة أخرى، مثلما في 1973، رأت المنظومة كل المؤشرات الدالة، لكنها استنتجت بغرورها أن هذه مجرد مناورة، وتدريبات عابثة»، حدّ تعبير الصحيفة الصهيونية.

«طوفان المقاومة» يُغرق الاقتصاد الصهيوني
شلّت عملية «طوفان الأقصى» العديد من القطاعات داخل الكيان الصهيوني، حيث ألغت عدة شركات طيران دولية رحلاتها إلى «تل أبيب»، بالإضافة إلى إلغاء حجوزات الفنادق وهروب السياح؛ إذ نقل موقع «أيه بي سي نيوز» الأمريكي عن منظمة (ALPA)، وهي أكبر اتحاد للطيارين في العالم، إعلانها إلغاء عشرات الرحلات إلى «إسرائيل»، من بينها 42 شركة طيران أمريكية وكندية.
كما سجلت بورصة «تل أبيب» انخفاضاً حاداً في قيمة أسهم كبرى الشركات الصهيونية والمؤشرات الرئيسية، بأكثر من 8%، بعد يوم واحد فقط من عملية «طوفان الأقصى»، فضلاً عن إغلاق الشركات والمحال التجارية، بما في ذلك الصيدليات.
وانخفض مؤشر الغاز والنفط في البورصة، بنسبة 9.2%، بفعل مخاوف من تصعيد أيضا على الجبهة الشمالية مع لبنان.
وقرر كيان الاحتلال ضخ 45 مليار دولار سيولةً نقدية في الأسواق لحماية الشيكل من الانهيار، على خلفية تطورات عملية «طوفان الأقصى»، وذلك بعدما تراجع لأدنى مستوى في 8 سنوات.
وتنذر عملية «طوفان الأقصى» بمراجعة وكالات التصنيف العالمية للتقييم الائتماني لسندات الدين في كيان الاحتلال وجميع الأصول المالية الأخرى.

مقارنة أملتها الوقائع.. ترسانة الكيان وأسلحة المقاومة
لم يكن وارداً المقارنة بين قدرات الكيان الغاصب العسكرية الفائقة وإمكانيات المقاومة المحاصرة في قطاع غزة منذ عام 2007؛ لكن الكفاءة الميدانية العالية لكتائب المقاومة في عملية «طوفان الأقصى» الجارية حاليا، فرضت على وسائل الإعلام، إجراء هذه المقارنة.
فمنذ لحظة قيامها على أرض عربية محتلة عام 1948، حافظت «إسرائيل» على تفوقها العسكري في المنطقة، ونُسجت مقولات أسطورية عن جيشها الذي «لا يُقهر»، إلى أن تكبدت في يومين أكثر من 800 قتيل ونحو 2600 جريح، وعددا كبيرا من الأسرى.
ووفق مؤشر «غلوبال باور» فقد تبوأ الكيان الصهيوني المرتبة (18) بين الدول الأقوى عسكريا في العالم، والمرتبة (12) بين الدول المصدرة للسلاح.
ويبلغ الإنفاق العسكري السنوي في «إسرائيل» 16 مليار دولار، وتلقت دعما عسكريا أمريكيا بلغ 58 مليار دولار في الفترة ما بين 2000 و2021. ويتألف جيش الكيان من 169 ألف جندي في الخدمة الفعلية، وأزيد من 400 ألف جندي احتياط، ويبلغ تعداد المؤهلين للخدمة العسكرية نحو 1.7 مليون شخص.
وتمتلك «إسرائيل» 595 طائرة حربية متعددة المهام، بينها 241 طائرة مقاتلة و23 طائرة هجومية، إلى جانب 128 مروحية عسكرية، وأسراب من طائرات (إف 35) و(إف 16) و(إف 15)، والطائرات المسيرة الهجومية، وعدد هائل من القنابل الذكية وأجهزة الاستشعار عن بعد، وتعد قواتها الجوية من أكثر أسلحة الجو تقدما على مستوى العالم، بفضل التكنولوجيا الفائقة التي تتمتع بها.
وتمتلك 1650 دبابة، بينها 500 من فئة «ميركافا» و7500 مدرعة قتالية، ونحو ألف آلية مدفعية، و65 قطعة حربية بحرية، بينها غواصات وطرادات، وفوق ذلك كله «القُبة الحديدية» التي يتباهى بها الكيان، إلى جانب أنه يُعد القوة النووية الخامسة في العالم.

صواريخ ومسيّرات المقاومة
كل تلك القوة والترسانة العسكرية الصهيونية سقطت في غضون ساعات قليلة، أمام مقاتلين من المقاومة الفلسطينية بأسلحتهم البسيطة.
وبخلاف الأحاديث المتصاعدة بين وقت وآخر عن أن المقاومة في غزة تتلقى الأسلحة من إيران، أكد تقرير حديث لشبكة «بي بي سي» أن «إسرائيل» لم تقدم يوماً دليلاً يُثبت أن المقاومة تتلقى أسلحة من إيران.
ويخلص التقرير إلى أن أسلحة حماس يجري تصنيعها في ورش محلية في قطاع غزة، ومن تلك الأسلحة صواريخ «قسام 1» التي أعلنت عنها حماس عام 2001، وقوبلت بتهكم صهيوني وغربي وحتى عربي واسع. لكن المقاومة تمكنت من تطوير صناعة الصواريخ بشكل مذهل في ظرف زمني وجيز، وبات بإمكانها ضرب مختلف المدن المحتلة.
ومن صواريخ حماس المتطورة «عياش» الذي يبلغ مداه 250 كم، و«جعبري 80» الذي يمكنه تضليل «القبة الحديدية»، وصواريخ «رجوم» قصيرة المدى.
وطورت المقاومة في غزة، وبسرعة كبيرة، تكنولوجيا الطائرات المسيّرة، ففي 2014 أدخلت طائرة «أبابيل» للخدمة، واستخدمتها في مواجهة العدوان الصهيوني على غزة، تلا ذلك الإعلان عن طائرة «شهاب»، القادرة على حمل شحنات متفجرة ويمكنها التحليق فوق الجنود والدبابات وجمع المعلومات مع قدرة فائقة على التخفي. وصبيحة السبت الماضي، أعلنت حماس دخول مسيّرة «الزواري» الانتحارية للخدمة رسميا.
وقالت الحركة في بيان إن «سلاحنا الجوي شارك بـ35 مسيّرة انتحارية من طراز الزواري في جميع محاور القتال في اللحظات الأولى لمعركة طوفان الأقصى».
وبخصوص عدد المقاتلين المقاومين، لا تتوفر أية معلومات حول ذلك؛ لكن المقاومة أعلنت في أول يوم لـ»طوفان الأقصى» أنها أدخلت إلى «المستوطنات» ألف عنصر من نخبة مقاتليها، وأنه يجري إمدادهم بالرجال والذخيرة والسلاح في مواقع القتال مع جيش الاحتلال. كما تمتلك حماس فرقة كوماندوز بحرية، وأعلنت أنها شاركت في اللحظات الأولى لمعركة «طوفان الأقصى». وكشفت المقاومة أيضاً عن وحدة «صقر» العسكرية، التي نفذت العبور الجوي إلى «المستوطنات»، في اليوم الأول من المعركة.