استطلاع:عمـر  الجـراش / لا ميديا -
تسع سنوات من الجمود والدمار والضياع.. حال الرياضية في اليمن.
ملاعب مدمرة بنيران العدوان، وأخرى ترابية أصبحت حاضنة وملاذا للاعبين داخل الوطن، ومسابقات متوقفة، ومواهب اليمن معها في مهب الريح.
العشوائية تضرب، ومعها المكايدات والوعود الزائفة من قبل اتحاد عام كرة قدم يسترخي في فنادق الخارج، وأندية تنام في سبات عميق، واستسلام عجيب لقرارات كروية لا تعمل على دوران الكرة في ملاعبنا.
ما هي المستجدات والحلول؟ وما هي المعوقات؟ وكيف أصبح الانهيار والإحباط يسود لاعبينا؟!
صحيفة "لا" تجري اليوم استطلاعاً مع محللين ولاعبين حاليين وسابقين عن حال الكرة اليمنية في ظل التوقف.

اجتماع زوووم بي
بعد إعلان الاتحاد العام لكرة القدم، مؤخرا، دعوة الجمعية العمومية (الأندية) لاجتماع يجرى عبر الزوم (الاتصال المرئي) يوم الأحد المقبل، لتحديد موعد انطلاق الدوريات العامة لكرة القدم، هل كان الاتحاد بهذه الدعوة يرمي ورقة مصير الدوري نحو الأندية؟! أم أن الأمر مجرد حلقة من سلسلة الضحك على الذقون.
في البداية يتحدث المعلق الرياضي علي الغرباني عن هذه النقطة قائلا: "اجتماع الاحد القادم (العاشر من أيليول/ سبتمبر) سيكون حاسماً ومفصلياً لتحديد ملامح الدوري العام بدرجاته الأولى والثانية والثالثة. كذلك ينوي الاتحاد لم شمل كرة القدم اليمنية التي تفرقت بسبب ما حصل قبل عامين بانسحاب أندية عدن، وهذا ما سبب حالة من عدم الاتزان وعدم إقامة أي نشاط رياضي لكرة القدم".
ويتابع الغرباني: "الاتحاد يتمسك بلائحة قديمة عفا عليها الدهر، وكتبت في وقت كانت البلاد أفضل حالا من نواحي الاستقرار والأمن وتماسك الدولة، وعلى الاتحاد اليوم أن يغير ويعدل أشياء كثيرة في هذه اللائحة، حتى تتماشى مع الوقت الحالي ومع التقدم الحاصل في الدول الأخرى".
ويؤكد: "نعم هناك عراقيل تمنع إقامة الدوري بشكل منتظم وبالشكل الذي كان عليه في السابق، وذلك بسبب الوضع الأمني والاقتصادي لليمن، فبسبب الحرب تقطعت وأغلقت أغلب الطرق الرئيسية إلى المحافظات والمدن الرئيسية مثل عدن وأبين وتعز، نتيجة فرض قيود السفر والتنقل من مدينة لأخرى. أيضا الوضع السياسي للبلد انعكس بشكل سلبي على الرياضة، إذ إن مسألة أمن وسلامة اللاعبين غير متوفرة وغير مضمونة، فأغلب المحافظات والمدن خاضعة لجماعات خارجة على الدولة والقانون، والضحية طبعا الرياضي اليمني. مثلا من الصعب أن يلعب أهلي صنعاء في ملعب الشهداء بتعز أو ملعب الحبيشي بعدن، بسبب عدم وجود ضمانات أمنية، إضافة إلى طول المسافة وتقطع الطرق. إنها معاناة ما بعدها معاناة".
ويضيف: "أيضا الجانب المالي لأغلب الأندية ضعيف وصعب، بل إن الكثير من الأندية مفلسة ولا يوجد لديها إمكانيات مالية حتى تتحمل تكاليف السفر واللعب و... و... وغيرها من الأمور".

في الفم ماء
الكابتن علي النونو، لاعب المنتخبات الوطنية سابقاً، يقول: "في البداية أعلم أنه سيتم تأويل كلامي وكل سيؤوله حسب هواه وموقفه الشخصي مني. هذا واحد من أخطائنا ومشاكلنا المتفاقمة؛ أن المعنيين برياضتنا، مسؤولين وصحافة، يختارون مواقفهم لحسابات المصالح الشخصية الضيقة، لا لحسابات المصالح الوطنية، ويقيمون الأشخاص لا التجارب والكلام الموضوعي".
ويضيف: "ورغم هذا كله لا بد أن نقول آراءنا في الوقت الذي يجب أن نقولها، كما يفعل العالم كله، ونقيم حصيلة ما قدمته منتخباتنا في الاستحقاقات التي مرت، وهذا أمر طبيعي، لا يجير في خانة الاستهداف إلا عند الذين لا يعرفون ألف باء العمل المسؤول والرياضي والإداري. بالأمس انتهى استحقاق منتخب الناشئين، وكان ختام مشاركته في نهائيات آسيا المؤهلة لكأس العالم بخروج نقدره لناشئينا الصغار؛ لكني أؤكد أنه كان بالإمكان أفضل مما كان، فقد خرجوا من الباب الكبير أمام فريق يفوقهم إعدادا وإمكانات وأعمارا أيضا؛ لكنهم لا يفوقون ناشئينا مهارة وإمكانيات فردية".
ويستدرك: "لكن ما يؤلمني ويقض منامي أن هذه المواهب في ظل العمل اللامسؤول ذاته ممن يديرون كرتنا ستنتهي كما انتهت تلك المواهب الزاخرة والفاخرة التي أفرحتنا وأسعدتنا في المراحل السنية الأولى، مع أنها تعرضت لعملية تدمير ممنهج حتى أصبح الفارق بينها وبين المنتخبات الأخرى مسافة تقاس بسنين ضوئية بعيدة. ولعل مواهب منتخبنا الأولمبي ليست عنا ببعيد، وهي مواهب كانت من أفضل المواهب وجيلا من أفضل الأجيال التي قدمتها كرتنا؛ لكن المنتخبات حتى في دولة مثل لاوس يجري بناؤها وفق أسس علمية، رغم قلة مواهبهم؛ لكننا سنراهم بعد سنوات يفوزون على منتخبنا بنتائج تؤلمنا".
ويضيف النونو: "قدم منتخب الناشئين مواهب تابعها شعبنا من أقصاه الى أقصاه بكل حب وإيمان بموهبتهم؛ لكننا سنتحسر بعد سنوات وأيام قليلة على ضياعهم وذبولهم؛ لجملة من الأسباب، أهمها :
- الإدارة أولا وأخيرا: وعندما تكون الرياضة أولوية ربما نبدأ في أولى خطوات الطريق الصحيح، وهذا ما هو غائب حتى اللحظة يقينا.
- إعادة دوران عجلة الرياضة في البلاد على مستوى دوري حقيقي وتنافسي وليس على طريقة تجمعات كما يحصل مؤخرا ويراد لها اليوم بهدف ذر الرماد على العيون، فالرياضة تجمع ولا تفرق، وربما بدوران عجلتها تدور عجلة البلاد في نواحٍ كثيرة.
- الاهتمام بالمنتخبات وإقامة دوريات للفئات السنية وإيجاد عمل منهجي لبناء اللاعب فنيا وجسمانيا وثقافة رياضية أيضا، وتصعيد لاعبي المنتخبات بشكل متدرج والاهتمام بهم طوال فترة وجودهم في المنتخب وتأمينهم ماديا ومعنويا وصحيا.
- تأهيل كوادر إدارية ووظيفية على مستوى الأندية والمنتخبات .
- الاهتمام بالمدرب المحلي وتأهيله وتقديم الفرص له، بعيدا عن حسابات العلاقات والمجاملات. وكونوا على يقين أن إنجازاتنا لن تتحقق إلا بكادر يمني محلي، ولا مانع من وجود خبرة أجنبية نوعية تحترمنا وتحترم كرتنا وتتواجد في عمق الوطن ولا تتعامل مع القوائم الجاهزة.
- نحتاج إعلاما رياضيا أيضا مواكبا ومتطورا وناقدا وسلطة حقيقية تكشف وتكاشف ولا تهتم لبعثات الاتحاد أو تركض خلف فرصة سفر".
ويستطرد: "صدقوني، أحس بانزعاج شديد وأنا أتخيل ضياع مواهب كالطريقي وردمان وعباس والخضر وبقية الكوكبة، كما بدأت تضيع مواهب كالكوماني والشامي ومحروس وبقية جيلهم، إذا لم تدر حركة الدوري وتفتح أمامهم أبواب الاحتراف، سيضيعون كما ضاعت أجيال كثيرة قبلهم. صرخة أسجلها هنا وكلي أسى؛ لكن الأحلام لن تغادرنا بغد أجمل وأفضل بإذن الله تعالى".

بين سندان الأمن ومطرقة الاتحاد
يسلم عشة، اللاعب السابق في نادي اتحاد إب والحكم الكروي، يقول: "الرياضة اليمنية للأسف بين السندان والمطرقة، بين سندان الحرب والأوضاع الأمنية الداخلية غير المستتبة من جهة، وبين مطرقة الاتحاد الذي كان يعمل بعشوائية دون خطط تذكر من جهة أخرى".
ويستدرك: "لكن أعتقد أن الاتحاد الآن بدأ بالتصحيح من خلال إشراك القيادات الرياضية التي تستحق في الأماكن المناسبة لها. ونتمنى أن تعود عجلة الدوري كما كانت بنظام الذهاب والإياب، وليس بنظام التجمعات، فاللاعب اليمني لن يتطور أبدا دون منشآت رياضية وبغياب الدوري والفعاليات الرياضية داخل الأندية نفسها".
بدوره يقول محمد العماري (المسحور) لاعب المنتخبات الوطنية سابقاً: "في اليمن السعيد الذي صارت فيه الأخبار السعيدة نادرة بسبب الحرب، نتمنى أن تكون كرة القدم هي المتنفس لكل الشعب اليمني. حال الرياضيين صعبة جداً، بسبب هذا التوقف، وكثير من اللاعبين والمدربين كانوا يعتمدون قوت يومهم من الرياضة، ولكن بعد هذا التوقف أصبح وضعهم صعباً جدا. نتمنى عودة الرياضة لإسعاد الجماهير الرياضية والاهتمام بالرياضيين، لأن الرياضة هي مصدر سعادة لكل أبناء الوطن".

أندية تحت جلباب الاتحاد.. وبحفنة دولارات
جميل السريحي، لاعب نادي التلال سابقاً، يتحدث بحسرة: "الكرة اليمنية في تدهور مستمر. ويعود هذا التدهور لعدة أسباب: أولا: إلى إدارات الأندية التي تعيش تحت جلباب الاتحاد وبحفنة دولارات؛ السبب الثاني: ماذا تتوقع من اتحاد لا يفهم شيئا عن كرة القدم، أعضاؤه لم يمارسوا كرة القدم، فقط يشتغلون بالمحسوبية والعلاقات والصداقات؟! لذلك لن تتطور الكرة اليمنية في ظل حسن باشنفر وشلته، إذا أردنا أن تسير الأمور نحو الصحيح علينا كما يقول المثل ترك الخبز لخبازه، أي أن نترك الفرصة لأبناء اللعبة الذين خدموا في الملاعب لسنين طويلة، وليس لمن يسكن الفنادق ويكتب التشكيلة كما يريد".

حلم جيل انتهى في التراب
رياض عشة لاعب نادي الصقر: "ليس لديّ ما أقوله، فالجميع يعرف ما هو حال الرياضيين بعد هذا التوقف المستمر للدوري. بالنسبة لي أصف كرة القدم بالصديق المقرب لي والذي مات فجأة؛ لأن رياضة انتهت تماماً وأصبحت ملاعب الحواري الترابية المتنفس الوحيد للرياضيين".
الكابتن علاء الصاصي لاعب المنتخبات الوطنية سابقاً: "الرياضة اليمنية بين خيارين أحلاهما مر، فقد تأثرت الرياضة اليمنية كثيرا بأوضاع البلد الحالية. لا يوجد عقلاء يستمعون لنصائح الشخصيات والكوادر الرياضية المتعلمة كي تتجنب الرياضة وضع الانتكاسة وتصبح حالة تعاسة للمجتمع الرياضي. وأما كرة القدم، وهي اللعبة الشعبية الأولى في اليمن، فهي تعاني الأمرّين؛ توقف الأنشطة الرسمية جعل إدارات الأندية تتحكم بمزاجية كبيرة دون حسيب أو رقيب، وأنتجوا لنا فراغاً كروياً كبيراً وأصبحت رياضتنا قريبة جدا من التجميد الدولي إذا استمر العناد والتعصب للمصالح الشخصية عن الوطن".

نقطة سوداء على الخارطة الكروية
بدورهم كإعلاميين ونشطاء في مجال الرياضة يدلون بدلوهم عن الحالة الرياضية، يقول وضاح الفقيه: "حال الكرة اليمنية من أسوأ إلى أسوأ، هكذا للأسف تدار كرة القدم في بلادنا في ظل التشتت القائم على أسس سياسية وتأثيرها على الجانب الرياضي، حتى الآن مازال نظام التجمع يشكل نقطة سوداء في خارطة كرة القدم اليمنية، ومازالت العشوائية في القرارات هي السائدة، كما حصل قبل أسابيع أثناء إجراء قرعة دوري الأولى من اعتراض على هبوط أندية عدن، فيما يخص الاحتراف، فحدث ولا حرج، فمعظم الأندية بلا دعم مادي يتطلب منها الخوض في التجارب الاحترافية".
الإعلامي همام الجرادي: "أعتقد أن هناك إهمالاً كبيراً من قيادات الاتحاد اليمني لكرة القدم، ناهيك عن قلة الخبرة وعدم وجود كوادر متخصصة، بالإضافة إلى الفساد المتغلغل داخل الاتحاد. كل هذه العوامل ساهمت بشكل كبير في فشل الرياضة اليمنية بشكل عام وكرة القدم على وجه الخصوص، والمنظومة الرياضية بشكل عام تحتاج إعادة ترتيب من الرأس إلى القدم".
وفي الختام يتحدث الإعلامي الرياضي ماجد ياسين إعلامي: "الرياضة اليمنية للأسف في تراجع مستمر، نتيجة توقف الدوري العام لكرة القدم، وبسبب القرارات العشوائية التي يخوضها اتحاد كرة القدم، قرارات ارتجالية وعشوائية، بالإضافة إلى أنها جعلت الأندية تعيش في تخبط وتوهان مستمر، فإذا عاد الدوري سيعود للرياضة اليمنية جزء من بريقها المفقود، وتعود الأندية لتجهيز اللاعبين بانتظام، خاصة في ظل الهدنة القائمة، لو استغل اتحاد الكرة هذا الأمر وحدد موعدا قريبا للانطلاق، وليس كما هو حاصل في هذا التخبط، بعيدا عن التأجيلات التي تصيب الأندية باليأس وتخسرها مبالغ باهضة".
ويشير ماجد ياسين إلى أن "مشكلتنا إدارية بحتة، والدليل على ذلك تعافي الكرة العراقية والسورية والفلسطينية، رغم الظروف المقاربة لظروف بلدنا؛ لكن حين يكون هنالك إدارة وتخطيط سليم تكون النتائج مثمرة وتتعافى معها المنتخبات والأندية".