حاوره:طلال سفـيان / لا ميديا -
لاعب كرة قدم فذ اشتهر بمشاكسته الودودة، وكان من أبرز الوجوه الذهبية التي ارتدت ألوان النادي الأهلي العاصمي، ومثلت المنتخبات الوطنية منذ منتصف السبعينيات حتى أوائل التسعينيات.
اللاعب الذي امتلك محركاً فولاذياً في منطقة الوسط، وكان جناحا طائرا وصيادا ماهرا للأهداف، والثعلب الذي استطاع أن يفلت من قبضة نجم منتخب العراق ويسجل هدفا في مرمى العملاق رعد حمودي في لقاء عربي رسمي لا ينسى بين أهلي صنعاء والرشيد العراقي بطل آسيا العام 1987.
يحيى جعرة في حديث الماضي والحاضر، وذكريات الفرح والألم، مع "لا الرياضي".

 مــــن النقطــــة الأولـــى، بـدايتـــك مع كرة القدم وأهلي صنعاء...؟
- مثل أي لاعب كرة قدم، بدأت من الحارة، وفي العام 1974 التحقت بالنادي الأهلي بصنعاء وتدرجت ضمن فئاته العمرية حتى وصلت للفريق الأول، وكان لي الشرف أن أكون أحد لاعبيه. طبعا في فترة الثمانينات حققنا بطولات كثيرة: الدوري 4 مرات مع كأس الجمهورية، ومع الوحدة اليمنية المباركة جئنا ثانيا بعد التلال في الدوري التصنيفي، ثم تصدرنا وأحرزنا العديد من الألقاب.

 أنت من أسرة رياضية عُرفت بولائها لأهلي صنعاء. ما سبب هذا العشق؟
- أولاً: حبنا وحب أبناء منطقتنا وزملائنا لأهلي صنعاء، وثانياً: قرب منزلنا من النادي. هذان هما السببان اللذان أديا إلى التحاقنا بهذا النادي العملاق العريق.

 اشتهرت خلال مسيرتك الكروية كلاعب مشاكس...؟
- طبعا المشاكسة أو المشاغبة تعتبر من الذكاء الميداني. وكانت مشاكستي حتى ألفت انتباه المدافعين وأشتت تركيزهم، لأتمكن من تسجيل الأهداف أو أتيح لزملائي التسجيل. مشاكستي بالطبع كانت ودودة، ولم يكن فيها أي خشونة قد تؤدي إلى إصابة زملائي اللاعبين في الأندية الأخرى. كما كانت مشاكستي تهدف لاستفزاز اللاعب الخصم وإضحاك الجمهور.

 تميز فريق أهلي صنعاء خلال الثمانينيات بخط وسط ذهبي، وكنت أحد أبرز نجوم هذا الخط...؟
- نعم، كان لدينا في هذا الخط الشقيقان أحمد وعبدالله الصنعاني وخالد دريبان، أيضا كل المراكز كانت تمثل نخباً من النجوم، إضافة إلى وجود لاعبين سودانيين كـ حسين عابدين والسد المنيع السر بدوي.
خلال الثمانينيات أحرزنا بهذه التوليفة من النجوم العديد من البطولات، والسبب هو التفاهم، لقد صعدنا من الفريق الثاني الذي كان يدربه النجم الرهيب سعيد العرشي، إلى الفريق الأول، وكنا مجموعة متجانسة، وهذا ما ساعد في سيطرتنا على البطولات.

 من هم اللاعبون الذين كنت تنسجم في اللعب معهم؟
- كل مَن رافقتهم في الأهلي كنت أنسجم معهم، وبالذات عبدالله الصنعاني وخالد دريبان، اللذين شكلت معهما ثلاثياً متفاهماً. وفي المنتخب كنا ننسجم مع أنور عديني رحمة الله عليه، وأحمد غالب وجمال حمدي وصلاح العزاني ومحمد الآنسي وعبدالناصر عباس، والكثير من اللاعبين.

 كم شاركت دولياً مع المنتخبات؟
- شاركت كثيرا وفي مناسبات عدة. مطلع الثمانينيات شاركت مع المنتخب الوطني للناشئين، ثم لعبت مع منتخب الشباب، وصولا للمنتخب الوطني الأول، إضافة لتمثيلي لأول منتخب يمني موحد. طبعا المنتخب الأول الذي كان يدربنا فيه المدرب التشيكي ميروسلاف ثم كان الكابتن علي محسن المريسي والذي اعتذر مع منتخب الشباب واعتذر أثناء استعدادهم للمشاركة في كأس فلسطين بالمملكة المغربية. وأيضا تدربنا في المنتخب الأول على يد الكباتن علي صالح عباد والبرازيلي أحمد لوسيانو والألماني بيتر كلاوس.

 خلال لعبكم دولياً، هل كانت تحصل مشاكل بينكم وبين لاعبي المنتخبات الأخرى؟
- كان يوجد احتقار واستفزاز من قبل بعض المنتخبات الخليجية. كانوا يقولون: أنتم اليمن لا مستوى ولا إمكانيات وتشتوا تصفوا وتتأهلوا لكأس العالم؟! وهذا ما كان يثير غضبنا. طبعا رغم فقر إمكانياتنا كنا نعسكر في دول خارجية لا يتصور أن يسمح لك أن تعسكر فيها.

 نتذكر هدف الفوز الذي سجلته لأهلي صنعاء في بطولة الأندية العربية عام 1987 على فريق الرشيد العراقي المدجج بنجوم منتخب أسود الرافدين المشارك في نهائيات مونديال المكسيك 1986؟ كيف كان شعورك لحظتها؟
- في البداية كانت لحظة الصدفة أن دخل فريق الرشيد العراقي إلى بهو فندق "حياة ريجنسي" بمدينة جدة السعودية، ورأينا لاعبين عراقيين عمالقة: عدنان درجال وكريم وخليل علاوي وأحمد راضي وعماد عيد... والكثير من لاعبي الرشيد ذوو بنية جسمانية ضخمة. كنا نقول: معقول سنلاعب هذا الفريق؟! مستحيل أن نفوز عليه! وإذا فازوا علينا بستة صفر فنحن سنكون أحسن فريق... وفي المواجهة بيننا وبينهم تمكنا من الفوز عليهم. بصراحة كان للتكتيك الذي لعبنا به والمتمثل بخطة (4 – 4 – 2)، إضافة لجمهورنا اليمني المتواجد في الملعب والداعم والمساند لنا، الدور الكبير في أن نقدم مباراة جميلة جدا. وبصراحة لم أكن أتخيل أن أسجل هذا الهدف؛ لكن بفضل الله استطعت تسجيل هذا الهدف على فريق كبير وعريق، وكان حينها بطل آسيا، وجل لاعبيه هم لاعبو منتخب العراق، ويترأس هذا النادي عدي صدام حسين.

 هل صحيح أن أهلي صنعاء كان يحتكر ويفرض لاعبيه على المنتخبات الوطنية؟
- مستوى لاعبي أهلي صنعاء هو ما كان يؤهلهم لتمثيل المنتخبات الوطنية. في إحدى المرات لعب منتخبنا الأول في المملكة المغربية، وكان منتخبنا يضم خمسة لاعبين من أهلي صنعاء، لاعبو أهلي صنعاء مميزون ويمتلكون المهارة، كان معك في قلب الدفاع محمد اليريمي، وفي خط الوسط عبدالله الصنعاني وفؤاد الفقيه وحميد الكميم وعادل الأشول وأنا وخالد دريبان، ومجموعة كبيرة من أهلي صنعاء، ورغم أنه كان رئيس الاتحاد العام لكرة القدم وقتها هو علي الأشول رحمة الله عليه، إلا أن مجموعة كبيرة من لاعبي الأهلي تذهب للمنتخبات بسبب مستواهم الفني.

 ماذا يعمل يحيى جعرة بعد ترجله من على صهوة كرة القدم؟
- بعـد اعتزالي اللــعــــــب، أو بالأصـــح دعنـي أقول إنني تركت اللعب وعمري 27 سنة وكنت ما أزال قادرا على العطاء، لكن كان هناك مشاكل مع الهيئة الإدارية للنادي الأهلي، بعدها اتجهت للعمل في مجال التدريب، وأخذت دورات تدريبية في الفئات العمرية (براعم وناشئين وشباب) وأيضا أخذت الدورة (C)، وبدأت أدرب براعم أهلي صنعاء، والحمد لله لديّ لاعبون كثر وصلوا للمنتخبين الأول والأولمبي، على سبيل المثال اللاعب يوسف الحيمي.
حاليا أنا مشرف على الفئات العمرية في النادي الأهلي ومندوب مكتب الشباب والرياضة بأمانة العاصمة في النادي الأهلي، كما أعمل مدربا رياضيا في مدرسة سبأ الأهلية.

 بالمناسبة، كيف ترى انتشار ظاهرة ما تسمى بالأكاديميات الخاصة لتدريب وتأهيل لاعبي كرة القدم؟
- لا أحد يزعل مني ولا أنتقد أحدا، فكل الذين يمتلكون الأكاديميات هم زملاء لي؛ ولكن المعاناة هي التي تولد الإبداع، فإذا كانت هذه الأكاديميات تأخذ فلوساً من اللاعبين الصغار فماذا عن اللاعبين الفقراء الذين يمتلكون الموهبة؟! أعتقد أنهم لن يستطيعوا اللعب ومواصلة كرة القدم، بسبب هذه الأكاديميات التي تأخذ أموالاً من منتسبيها، خاصة وأن الناس تمر بظروف صعبة نتيجة انقطاع المرتبات والعدوان الغاشم على البلد، لن يستطيع الأهالي تسجيل أبنائهم في الأكاديميات، كما سينتهي شيء اسمه فرق الحواري.
لو تنظر أن الفقراء هم أكثر إبداعا في كرة القدم، وخير مثال مارادونا وكـريستيانــو رونـالـــدو وكـــاكـا... والعديد من اللاعبين المميزين عالميا كانوا من الأحياء الفقيرة.
لا بد أن تكون هناك رقابة وإشراف من وزارة الشباب والرياضة ومكاتب الشباب والرياضة في المحافظات على هذه الأكاديميات، فأنت عندما تعمل أكاديمية، هل تعرف ما هي الأكاديمية؟! الأكاديمية لا بد أن تتضمن ملاعب وصالات طعام وصالات إعداد بدني ومسبحاً وجهازاً تدريبياً وطبياً وتعليمياً وإدارياً... وليس أن تستأجر ملعب 2×3 أمتار وتأتي لتقول لي أكاديمية! مع احترامي للتسمية التي يطلق عليها "أكاديمية"، في بلدنا تسميتها غلط جدا، فهي لا تصلح حتى أن تنمي لاعبين أو تساعد على الإبداع. يا عزيزي قبل سنوات افتتحت أكاديمية رياضية في مدينة أغادير بالمغرب كانت أشبه بالخيال، كذلك أكاديمية إسباير في قطر، وأكاديميات أوروبا مثل الريال وبرشلونة، والتي كان من مخرجاتها اليوم أشهر لاعبي العالم.

  هل تتابع المشكلة الدائرة بين بعض فرق الدرجة الأولى والاتحاد العام حول مسألة إقامة الدوري للموسم 2022/ 2023؟
- لا، لم أتابع هذه المسألة؛ لكن بعد أن عرفت منك أن الأندية تطالب بضمانات أمنية وإلغاء قرارات هبوط الفرق التي لم تشارك في مسابقتي الأولى والثانية المنصرمتين، أقول إن الأندية عندها حق، وبالذات المسألة الأمنية لسلامة لاعبيها في ظل انفلات وانعدام الأمن في بعض المحافظات نتيجة الأوضاع المتدهورة في البلد. أتمنى أن تعاود عجلات البطولات المحلية دورانها من جديد، فنحن بلد عانى طوال السنوات الثماني عدواناً غاشماً وفيه الخونة والعملاء الذين يسعون لتمزيق وتدمير البلد.
دول الخليج لا يوجد بها سوى النفط، ويعيش مواطنوها ببحبوحة، بينما اليمن الذي يمتلك كافة الثروات والمقومات من قوة بشرية وزراعية وسمكية ومعدنية ونفطية وغازية يعيش مواطنوه بشكل بائس، وهذا كله بسبب من يكيدون لهذا الوطن ويضمرون له الشر لإرضاء دول خارجية.

  قبل فترة أصابك عارض صحي. كيف جرى الأمر؟ ومن وقف بجانبك؟
- في الحقيقة أنا عندي السكري وقد ارتفع وتم إسعافي إلى مستشفى الثورة العام، والحمد لله تجاوزت هذه الأزمة. النادي الأهلي لم يقصر معي، وكان أمين عام النادي وقتها، الأستاذ عبدالله جابر، الذي أسأل من الله أن يشفيه، وأيضا لا أنسى وقوف رئيس النادي الأستاذ حسن الكبوس، رجل البر والإحسان ومساعدتي بشكل كبير، وكذلك الحاج أمين الكبوس، ويحيى الحباري، رئيس مجلس الشرف الأعلى للنادي الأهلي، وزملائي الذين وقفوا بجانبي، ومن ضمنهم الدكتور محمد علي قاضي والكباتن فارس السميري وعادل المزنعي وحسن رشدي، الذين دعموني رغم أنهم يعيشون خارج الوطن. كما لا أنسى دور الأستاذ محمد الدولة، رئيس مجلس إدارة الشركة اليمنية للتبغ والكبريت، الكبير معي.
ومن منبر صحيفة "لا" هذا، أوجه الشكر والتقدير والاحترام لكل من وقف معي وساعدني وزارني وسأل عني في هذه المحنة التي مررت بها، وأشكرهم الشكر الجزيل.

  كلمة الختام لهذا الحوار كابتن يحيى...؟
- أشكرك أخي العزيز طلال سفيان على هذا الحوار، وأشكر صحيفتكم الغراء، وأشكر كل من وقف معي في محنتي، وأدعو الله أن يعود اليمن سعيدا كما أطلق عليه.