تحقيق: مارش الحسام / لا ميديا -
يعد مصنع الغزل والنسيج بصنعاء أول مصنع تأسس في الجزيرة العربية، تم تشييده وبناؤه عام 1961، بمساعدة من الحكومة الصينية؛ وكانت قبل هذا التاريخ بحوالى أربع سنوات، أي عام 1958، حيث اتفق الإمام أحمد حميد الدين مع جمهورية الصين الشعبية على إنشاء المصنع.

بدية الإنتاج
بدأت المراحل الإنتاجية للمصنع في عام 1967 بإنتاج الخيوط الملونة والأقمشة القطنية، بمتوسط إنتاج يتراوح بين 37 و44 ألف ياردة يوميا، 10 و11 مليون ياردة سنوياً.
كان المصنع وقتذاك يحتوي على 10 آلاف و800 مغزل، و27 ماكينة غزل رفيع، و347 نول نسيج متكاملاً، وقسم للتبييض والصباغة والطباعة.

أول تطوير
خلال الفترة 1975 - 1985 خضع المصنع لأول عملية تطوير، تم خلالها اقتناء 115 نول نسيج روسياً حديثاً، منها 95 نولاً طاقتها الإنتاجية مضاعفة، لتغطية احتياجات السوق ومواكبة العصر آنذاك. ولأن العصر متجدد وغير ثابت، وباعتباره دائم التقدم إلى الأمام، فإن متطلباته ومسؤوليات مواكبته تتزايد، وهو ما لم يحصل مع خط الإنتاج الصناعي الأول في اليمن، الذي أصبح اليوم مجرد أطلال شاهدة على فشل الحكومات السابقة، وجرائم العدوان السعودي الراهنة، في آن، وهذا ما لمسناه في زيارتنا للمصنع.

منتجات المصنع
قبل أن نشرع في الحديث عن الوضع الحالي وزيارتنا لمصنع صار في خبر كان، ربما علينا العودة سنوات إلى الوراء لمعرفة ما كان ينتجه ويصنعه أول مصنع في الجزيرة العربية.
يفيد عدد من العاملين المحسوبين على المصنع، الذين صاروا عاطلين ومُسرَّحين قسرا من أعمالهم فيه، بأن المصنع كان ينتج جميع الأقمشة القطنية والمخلوطة (القطن والبوليستر)، وجميع البدلات المدرسية والزي العمالي والزي العسكري بجميع أنواعه وكذلك الزي الطبي وملايات المستشفيات وبدلات العمليات وصوارم النساء والشيلان الرجالية.

“تشرنوبل اليمن”
حين زيارتنا إلى مصنع الغزل والنسيج المتوقف تماما عن العمل، وجدنا الواقع يفوق الكوابيس شؤماً وبشاعة. داخل أسوار المصنع مشاهد يوقن مَن يراها أنه يعيش في أحد أفلام الزومبي أو أنه في حضرة تشرنوبل المهجورة.
جدران محشورة بلون الصمت، هدوء برائحة الوحشة، أقسام مغلقة ومتهالكة قادرة على إعطاء أسرارها لكل متأمل، أطلال مبانٍ تكالبت عليها عوامل التعرية وطالها دمار العدوان السعودي، مدخنة صدِئة منتصبة في وجه الشمس ومعترك الرياح، هناجر على الطراز الصيني بعضها فقد جزءاً من جدرانه، وأخرى مازالت تقاوم صدمات الدهر وهجمات الزمان، هياكل سيارات ومركبات نقل، أكوام من الخردة، آلات صناعية عرضة للأمطار والرياح والأتربة، بعضها خرج عن الخدمة لأسباب عديدة، وأخرى عادت لحالتها الساكنة بعد فشل عملية إعادة التشغيل الأخيرة.
حجم الخراب والدمار الذي لم يُسمح لنا بتصويره ليس مجرد كسوف قمري أو خسوف شمسي عابر، وإنما كارثة قومية.
ويقفز السؤال: ما الذي حصل لفخر الصناعة اليمنية وحوّله إلى أطلال؟! وهو ما سنحاول في هذا التقرير تسليط الضوء عليه ما أمكن.

حراسة التخلف
الوضع الحالي للمصنع ليس وليد اللحظة، وإنما نتيجة تراكمات وعوامل سابقة تمتد لعقود من الزمن أفضت إلى كارثة قومية حلت بمصنع الغزل والنسيج، فالظروف الحالية تتمخض عن أحداث ووقائع سابقة يوفر التحرك الزمني إمكانها.
في الوقت نفسه تعمدت الحكومات السابقة حراسة التخلف في كل المناحي، فتخلفت عجلة المصنع تدريجياً عن الدوران مع عجلة العصر.
وفي ظل الإبقاء على سياسة التخلف، حافظت إدارة المؤسسة العامة للغزل والنسيج على تخلف المصنع، ولم يطَّرد في تصاعد تطوري مع العصر، وبدأ إنتاجه في التدهور، لعدم مواكبة العصرنة بإحلال الآلات الجديدة وعدم كفاية تدريب العمالة.
وهنا يقفز سؤال آخر: هل تعمدت إدارة المؤسسة آنذاك اختيار الموت البطيء للمصنع؟ أم أنها افتقدت البعد الزمني لصنع التطورات ومواجهاتها، فتجمدت مسيرة المصنع على البداية حتى تخثرت واندثرت؟!

مسار التعثر
طوال الثمانينيات، استمرت مسيرة المصنع تراوح بين التعثر والنهوض، تتعثر بالتغيرات التي تفرضها المنافسة في السوق، وتحاول اللحاق بركب التطور، بالتكنولوجيا المستخدمة في صناعة القطن عالمياً، عبر استيراد آلات وأدوات جديدة من دول مختلفة.
في التسعينيات استمرت مسيرة المصنع في التذبذب على وقائع الفشل والنجاح النسبيين. آنذاك لم تتوقف عجلة المصنع عن الدوران، وإن أبطأت لسد الضرورة في هذه الفترة، بجهود لم تكن تستند إلى رؤية علمية مدروسة، وكأنّ هناك من يتعمد الإبقاء على سياسة تخلف المصنع عن اللحاق بركب التطور التكنولوجي لمواكبة العصر.

مؤامرة رسمية
نتيجة لعدم استبدال آلات حديثة بالآلات القديمة، لتواكب تطورات العصر، وفي ظل السوق المفتوحة، تراجع حضور منتجات المصنع في السوق في ظل كثافة حضور المنتجات المستوردة ذات الجودة والتكلفة الأقل. بدأ المصنع يصارع لدرجة أنه كان يجد صعوبة في تسويق منتجاته، وتراجَعَ إنتاجه من أربعة أطنان إلى أقل من طنين يومياً. وفي الفترة التي سبقت إعلان المؤسسة رسمياً أنها غير قادرة على توفير نفقاتها التشغيلية عام 2000، وبدلاً من أن تقوم الحكومة آنذاك بالمبادرة لحل المشكلة وتحصين هذه المؤسسة في هذا المنعطف وحمايتها من التشظي والسقوط، ذهبت الحكومة وعبر مؤسستيها الأمنية والعسكرية، اللتين كانتا تستهلكان 80% من منتجات المصنع، إلى الاستيراد الخارجي عام 2001. هذه الخطوة بتوقيتها تحمل كثيرا من الشبهة، نظرا لحدوثها في ذلك الحين الذي كان فيه المصنع أحوج لمساعدته على النهوض، وهو الأمر الذي جعل كثيرين يذهبون إلى فرضية تعرُّض المصنع لمؤامرة.

تدهور الإنتاج
بعد تخلي حلفاء الميري عن المصنع في أحلك الظروف، تدهور الإنتاج أكثر، وسط إغراق الأسواق بالمنتجات المنافسة المستوردة، في ظل معاناة المصنع من نقص المادة الخام بشكل حاد، سواء كانت داخلية أو خارجية، من صبغات ومواد كيماوية أخرى، حسب وصف أحد العاملين.

تسريح العمال
بعد تفاقُم تدهوُر الإنتاج وانخفاضه من طنين ونصف إلى طن ونصف فقط في اليوم، قررت وزارة الصناعة والتجارة في العام 2004 تشكيل لجنة لدراسة أوضاع المصنع وتقييم إنتاجيته.
وتوصلت اللجنة إلى أن المصنع أصبح يعمل بشكل غير مُجدٍ اقتصادياً، وأوصت بضرورة تطويره وتحديثه.
وبناء عليه حصلت المؤسسة العامة لصناعة الغزل والنسيج في حينه على قرض مقدم من الحكومة الصينية بقيمة 7 ملايين و500 ألف دولار، لتنفيذ عملية إحلال آلات ومعدات جديدة، وإدخال تقنية أوروبية وصينية حديثة إلى المصنع، بحيث تغطي طاقته الإنتاجية 30 - 40 بالمائة من احتياجات السوق المحلية من المغزولات المصنعة من القطن اليمني.
وفي حينه أعلنت المؤسسة أنه سيتم افتتاح مشروع تحديثات المصنع في تموز/ يوليو 2005، وتم منح العاملين إجازة مفتوحة إلى حين الانتهاء من عملية التجديد، وهو ما لم يحدث إلى الآن.

توقف المصنع
توقف المصنع في 1 حزيران/ يونيو 2005 بغرض تجديد وإحلال آلات جديدة، ومن المفترض أن تستمر أعمال الإنشاءات ثلاثة أشهر وثلاثة أشهر أخرى ليتم فيها تركيب الآلات الموجودة في ساحة المصنع منذ أكثر من سنة على أعمال الإنشاءات، أي منذ عام 2004. غير أن الأمور لم تمضِ وفقاً لما تم إعلانه، والفترة طالت وتجاوزت كل الوعود المقطوعة. حينها كان يتم في السر التحضير لمؤامرة كبرى تستهدف المصنع، حيث إن الإيقاف كان هدفه الظاهري تحديث المصنع، فيما كان الهدف الحقيقي والخفي هو استكمال تقاسم تركة المصنع وأراضيه وإغراقه بالديون حتى لا تقوم له قائمة.

عفاش يوزع لأتباعه أكثر من 500 ماكينة
تفيد مصادر بأنه أثناء توقف مصنع الغزل والنسيج في العام 2005، قام الرئيس السابق علي عبد الله صالح بتكليف وزارتي المالية والشؤون الاجتماعية بمهمة توزيع أكثر من 500 ماكينة صينية لأكثر من 15 جمعية حرفية موالية له في العاصمة وفي محافظات الجمهورية، في حين كان المصنع يتولى تزويد هذه الجمعيات بالغزول الملونة. وقد تم توزيع هذ الآلات بحجة أنها قديمة وأن المصنع لم يعد بحاجة إليها، نظراً لما كان المصنع سيشهده من تحديثات بإحلال الآلات الحديثة محل تلك القديمة.

تركة المصنع
تعرضت أراضي مصنع الغزل والنسيج للاستقطاع الممنهج من نافذي الحكومات السابقة، الذين كانوا أحيانا يستعيرون أسماء جهات حكومة للاستيلاء على أراضي المصنع المريض.
فالأرضية التي أوقفها لمصلحة عمال المصنع الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي بتاريخ 12 حزيران/ يونيو 1976، وحينها تم تمليكهم شكليا الأرض مجانا من قبل وزارة شؤون البلديات، والتي تقدر مساحتها بمئتين وخمسة وأربعين ألفاً وسبعمائة وتسعة وخمسيون متراً وثلاثة وثلاثين سنتيمتر مربعاً، أي ما يوازي 5585 لبنة، والكائنة في “ظهر حِمْيَر”، لم يحصل عليها عمال المصنع حتى اليوم، وما حصل هو السطو على أجزاء كبيرة.
وفي عهد الرئيس السابق صالح تم اقتطاع نصفها من قِبَل أمانة العاصمة وهيئة أراضي وعقارات الدولة، بحجة إنشاء حديقة عامة. إلا أنه وبعد مضي عدة سنوات لم تظهر حتى الآن تلك الحديقة، بل ظهرت مبانٍ استثمارية، مثل: فندق موفنبيك، والمعهد التركي، والمحكمة التجارية، وصندوق الرعاية... وغيرها.

معياد يستولي على 3000 لبنة
ووفق المخطط ذاته للاستيلاء على أراضي المصنع، تم إغراق المؤسسة بالقروض التي قدمتها البنوك الحكومية والأهلية للمؤسسة، لترتفع مديونيتها إلى 8 مليارات ريال، بهدف ابتزاز المؤسسة لمصادرة أراضيها بحجة تسديد مديونتها للغير من بنوك وغيرها.
وتفيد مصادر بأن بنك التسليف الزراعي (كاك بنك)، وعبر رئيسه آنذاك، حافظ معياد، حاول تأميم أراضي المصنع بعد أن قدم عرضا لدخول البنك شريكا للمصنع في كل أملاكه وأراضيه، مقابل تشغيله وإسقاط مديونيته، فيما عرضت عليه المؤسسة أن يكون شريكا في المنتج، فرفض العرض، في محاولة لمصادرة ما أمكن من أراضي المصنع.
حينها قام حافظ معياد بابتزاز المؤسسة عبر مديونيتها للبنك وبرفعها لتصل إلى مليارين و196 مليون ريال. 
معظم المبلغ الذي يدعيه “كاك بنك” على المصنع هو أرباح وفوائد البنك، وكل ما قدمه هو مبلغ 300 مليون ريال، تضاعفت أرباحه ونسبة فوائده بشكل كبير ومريب لتصل إلى أكثر من مليارَي ريال، فصلت الحكومة فيها عام 2009، بتشكيل لجنة لبيع الأرضية الشمالية للمصنع، التي تبلغ مساحتها ما يقارب 3000 لبنة لصالح البنك، في خطوة وصفها كثيرون بـ”المجحفة جداً، والضربة القاصمة للمؤسسة”.

العدوان يدمّر المدمَّر
استمر مسلسل نهب وتدمير المصنع من كل حدب وصوب، وعلى مدى سنوات، بعد توقفه، ولم تمر أحداث 2011 بسلام على المصنع؛ إذ طالته أضرار كثيرة إبان ما يعرف بـ”حرب الحصبة”، ليأتي الدور التدميري على طيران العدوان السعودي، الذي تسببت غاراته في دمار كلي لقسم النسيج، و40 من إجمالي 90 آلة انتهى مصيرها بالإتلاف.

“خسائر” توقف المصنع
لا توجد أرقام ولا إحصائية حديثة بحجم الخسائر الناتجة عن توقف مصنع الغزل والنسيج. آخر إحصائية كانت قبل عشر سنوات، حيث أفاد تقرير صادر عن وزارة المالية في عام 2013 بأن توقف المصنع كلف خزينة الدولة 6 مليارات و716 مليون ريال خسائر مباشرة. هذا التقرير خص الخسائر المباشرة لـ8 أعوام فقط من توقف المصنع، ولكم أن تتخيلوا الرقم الذي سيسجله حجم الخسائر المباشرة بعد 18 عاماً من التوقف!
أما الخسائر غير المباشرة فأفدح ومهولة جدا؛ إذ أضر توقف المصنع كثيراً بعملية إنتاج الذهب الأبيض (القطن) في اليمن، الذي غطت عائداته في منتصف السبعينيات 36% من الموازنة العاملة للدولة.
وبسبب توقف المصنع تراجعت مساحة الأراضي المزروعة بالقطن في تهامة، بنسبة تفوق 80% عما كانت عليه قبل توقف المصنع، الذي كان يستهلك 12 طناً من إنتاجهم، بحسب بيانات الإحصاء الزراعي لوزارة الزراعة والري في العام 2019.
واكتمل الأمر ببيع مؤسسة القطن في الحُديدة، المناط بها تقديم العون للمزارعين، من بذور وقروض ووقود، قبل بدء الموسم، مقابل التزامهم بسدادها بعد الحصاد. وكان المصنع يمثل نافذة الأمل لمزارعي القطن في تهامة، وتوقفه أضر كثيرا بمصالحهم، وهو ما دفعهم للتوجه نحو إحلال زراعة التبغ بديلاً للقطن.

إثبات وجود
رغم توقفه لسنوات، شهد المصنع عدة محاولات لتشغيله كإثبات وجود ودليل على قدرته على العودة للعمل، وربما تفنيدا للعجز. ومن المؤسف أن تلك المحاولات فشلت في بواكيرها، بل إن فشلها كان متوقعاً؛ لأنها لم تكن سوى مجرد أقنعة للأزمة المزمنة التي يعانيها المصنع.

تصريحات آخر محاولة
تعد أكثر المحاولات إصرارا على تشغيل المصنع تلك التي جاءت بعد 15 سنة من توقفه، أي في العالم 2020، وبالتزامن مع تفشي وباء كورونا.
وقتها تم تشغيل قسم الخياطة، والذي قام بدور كبير في تلبية احتياجات السوق المحلية والمستشفيات من الكمامات والملابس الطبية في ظل الجائحة. كما تم تأهيل أقسام المصنع للعمل بمبادرة من طلاب من قسم الميكاترونيكس بكلية الهندسة في جامعة صنعاء، ومهندسي المصنع وكوادره، الذين حددوا احتياجاته، وبدأت المؤسسة باستيرادها.
وقتها خرج مدير المؤسسة، عبد الإله شيبان، بتصريحات مفادها أن قسم الغزل حالياً قادر على استئناف العمل في ظرف شهر، والبدء بتشغيلٍ يومي بمقدار تسعة أطنان في اليوم الواحد، وبحسب تصريحاته فالكفاءات بآلات القسم متوفرة، وهو قادر على إنتاج أنواعٍ معينة من الغزول التي تنتجها دول كالهند وغيرها، فيما أعيد تشغيل 75 آلة متضررة جراء غارات العدوان في قسم النسيج، وما يزال محتاجاً للمزيد من التحديث لينتج 14 ألف ياردة.
وحينها أشار وزير الصناعة والتجارة السابق، عبد الوهاب الدرة، إلى توجه الوزارة لدعم إعادة تشغيل مصنع الغزل والنسيج بكافة قطاعاته وأقسامه، وتطويره وفقا لرؤية وخطة اقتصادية حديثة، ليكون قادراً على المنافسة وتلبية احتياجات السوق المحلية المتزايدة من المنسوجات، باعتبار أن صناعة الغزل والنسيج في اليمن واعدة في ظل توفر المواد الخام المتمثلة بالقطن وبنوعيات ممتازة.
وأوضح الدرة أن الوزارة عملت بالتنسيق مع وزارة الزراعة والري على دعم وتشجيع المزارعين للتوسع في زراعة القطن وإعادة تشغيل محلج القطن بالحديدة لتوفير المواد الخام لمصنع الغزل والنسيج.
تلا ذلك سيل عرم من التصريحات الوردية التي تناوب على التبشير فيها الدرة وشيبان.
وبالفعل عاد بعض الأقسام للإنتاجية، وكان من المتوقع أن يأتي الدور على الأقسام الأخرى، ولكن ما حدث كان عكس التوقعات، وبدلا من استكمال إعادة تأهيل وفتح أبواب الأقسام المغلقة، تم إغلاق أبواب الأقسام المفتوحة وإيقاف المصنع نهائيا.

“لا” تستكشف الكواليس
كشف مصدر خاص في المؤسسة العامة للغزل والنسيج لصحيفة “لا” كواليس فشل عملية التشغيل الأخيرة ومن يقف وراء الإغلاق الأخير للمصنع.
وأفاد المصدر بأن فشل عملية التشغيل الأخيرة للمصنع جاءت عقب قيام المؤسسة بخصخصة المصنع وإشراك أحد المستثمرين في تمويل تأهيله وإعادة تشغيل أقسامه؛ ولكن سرعان ما دب خلاف المصالح بين المؤسسة والشريك، ليقوم الأخير بإغلاق المصنع بالاستعانة بنافذين.

لوبي الخصخصة
وعن كواليس الخصخصة، يفيد المصدر بأن المؤسسة بدأت تروج لمشروع الخصخصة منذ سنوات، بمبررات ظاهرها المصلحة العامة وباطنها مصالح شخصية ضيقة.
ومن المبررات التي كانت تسوقها المؤسسة: غياب دور الحكومة في مساعدتها للنهوض بالمصنع، وعدم تمكنها من الحصول على القرض الاستثماري من وزارة المالية الأمر الذي أدى إلى تعثر الكثير من الأنشطة المناطة بها، وهو ما يعني استحالة إعادة تأهيل المصنع لعجز المؤسسة وانعدام النفقة التشغيلية.
ولفت المصدر إلى أن معارضي الخصخصة اقترحوا على قيادة المؤسسة تكريس جهودها في متابعة القرض الاستثماري، من خلال مطالبة الجهات المعنية بتنفيذ توجيهات رئيس المجلس السياسي الأعلى لصرف القرض، بدلا من تسخيرها في البحث عن مستثمر وخصخصة المصنع، وهو ما عارضه لوبي الخصخصة، باعتبار أن القرض وحده ليس كافياً لسد ثغور العجز التي تنخر كل مفاصل المؤسسة في ظل الضغوط التي تتعرض لها بسبب الديون التي عليها للغير، بحسب تبريراتهم الطامعة في الحصول على شريك استثماري بدلا من القرض الاستثماري، بذريعة أن الأخير لا يلبي طموحها، مقابل مراهنتها على الأول لتخليصها من كافة الصعوبات وبما سيمكنها من زراعة الأرض الصادر بشأنها عقد انتفاع من هيئة الأراضي في محافظة الحديدة في مفرق الضحي بمنطقة خبت البقر لزراعة القطن، إلى جانب تذليل صعوبات توفير التمويل لصيانة وتأهيل محلج القطن في مدينة زبيد، وأن المستثمر سيقوم بدور الحارس لأراضي المؤسسة المعرضة للبسط بسبب عدم قدرتها على تسويرها، وغيرها من المبررات التي تعتبرها المؤسسة كافية للخصخصة وإشراك مستثمر لانتشال المصنع من بين الركام.

الحل ينقلب إلى مشكلة
وبزعم أن الخصخصة (المشبوهة) هي الحل السحري بالنسبة للمؤسسة، والتي تحقق لها مرادها بإدخال شريك مستثمر تراهن عليه كورقة رابحة تضع يدها عليه لتشغيل المصنع، والنهوض به؛ ولكن سرعان ما اختلف الشركاء، وبعد تسويقها بأنها الحل الوحيد، تحولت الشراكة بحد ذاتها إلى مشكلة كبرى تضاف إلى رصيد المؤسسة الغارقة في مشاكلها، وأصبح الشريك الذي كان يعد جزءاً من الحل جزءا من المشكلة.
وأشار المصدر إلى أن المؤسسة عانت كثيرا من ابتزاز الشريك لها، وأنها كانت مرغمة على مسايرة حليفها لاعتبارات عدة، لتجد نفسها في نهاية المطاف أمام خيارات تصادمية معه، وهو ما دفع الشريك للاستعانة بنافذين ساعدوه في إغلاق المصنع والإبقاء عليه مغلقا.
وأوضح المصدر أن إدارة المؤسسة باتت تجتمع بشكل دوري وتتخذ إجراءات لا تخرج عن نطاق قاعة الاجتماع المغلقة، لتعود في اجتماع آخر لتعيد تجميع ما قيل في الاجتماعات السابقة، وتتشبث بجانبيات ولا تقف تحت راية.

إغلاق المصنع والتلفون
حاولنا التواصل مع مدير المؤسسة العامة للغزل والنسيج، عبد الإله شيبان، للاستفسار منه عن أسباب وحيثيات توقف عملية التشغيل الأخيرة وإغلاق المصنع؛ لكن تلفونه كان هو الآخر كالمصنع مغلقا أو لا يرد.