استطلاع  غازي المفلحي / لا ميديا -
يُعَدُّ كثير من أحياء منطقة شملان في العاصمة صنعاء من أكثر الأحياء افتقاراً إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية المتعلقة بالنظافة ورفع المخلفات وتصريف مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي.

مركز متقدم في تردي الأوضاع
ورغم أن هناك الكثير من الشوارع والأحياء والحارات في أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء، والتي تعاني بشدة من مشاكل مياه الأمطار والشوارع المدمرة والمجاري الطافحة والقمامة والمخلفات المكدسة، إلا أن كثيراً من أحياء منطقة شملان قد تصنف في مركز متقدم بمستوى تردي الأوضاع، فما إن تهطل الأمطار على المنطقة حتى تصبح أحياؤها نصف صالحة للعيش.
منذ أعوام نشأت وتكاثرت بسرعة الأحياء الجديدة في منطقة شملان، التابعة لمديرية همدان، على مساحات مستوية كانت أراضي زراعية خلال سنوات خلت؛ لكن وبسبب ظروف البلاد الحالية، نتيجة العدوان المستمر، لم يواكب هذا التوسع في البناء إيجاد بنية تحتية للشوارع والأحياء وخدمات البلدية الأساسية، من سفلتة الشوارع أو رصفها وتخطيط تصريف مياه الأمطار فيها، ورفع القمامة المتراكمة فيها بمعدل أكبر منه في الأحياء المكتظة بالسكان.

الأمطار نعمة تصبح نقمة
من أكثر المشاكل التي تعاني منها تلك الأحياء تجمع مياه الأمطار وركودها على شكل برك، مسببة سلسلة من المشاكل، منها المشاكل البيئية والصحية التي تهدد صحة السكان، بسبب طفح مجاري الصرف الصحي واختلاطها بسيول الأمطار والقمامة، وكذلك صعوبة الحركة في الأسواق والشوارع والأحياء، التي تصبح شبه مغلقة بعد تحولها إلى مستنقعات.
يضـاف إلـــى ذلك دخول المياه إلى المنازل، وإلى أساسات المباني، وكذلك تعطل السيارات التي تعلق في تلك المستنقعات، وحتى سقوط بعض السيارات في حفر المجاري التي تنهار بعد تجمع المياه الراكدة حولها.

الاحتياج أكبر
لم ينكر بعض عقال الأحياء في منطقة شملان، الذين تحدثت إليهم «لا»، جهود وتجاوب الجهات المعنية والسلطة المحلية، شاكرين لها ذلك؛ إلا أنهم أشاروا إلى أن تلك الجهود أقل من مستوى احتياج المنطقة، وطالبوا بإيجاد حلول دائمة لا مؤقتة، لتصريف مياه الأمطار في الحارات التي تحاصرها المستنقعات في موسم الأمطار. كما طالبوا برصف أحيائها وشوارعها الضيقة، التي تغمرها المياه تماما عند هطول المطر، ما يسبب معاناة بالغة لسكان المنطقة.

طفح المجاري وتكدس القمامة
ويشتكي سكان تلك منطقة شملان من حياة مرهقة يعيشونها كلما جاء موسم الأمطار، فهم يواجهون مشكلة طفح المجاري مع هطول الأمطار وتدفق السيول، وامتلاء الممرات والشوارع والأزقة بمياه الأمطار، ما يصعب الحركة على الناس وعلى السيارات، بالإضافة إلى مشكلة تكدس القمامة.
وأكدوا أن موسم الأمطار، التي يمُنُّ الله بها على بلادنا صيفاً، يفاقم مشاكلهم، خاصة مع انهيار شبكة الصرف الصحي، بل وانعدامها من الأساس، في كثير من أحياء منطقة شملان.

مستنقعات للأوبئة
وأوضحوا أن هذا الوضع يسبب لهم كذلك قلقاً كبيراً، لأنه يساعد في انتشار سريع للعديد من الأمراض والأوبئة، كالإسهالات والكوليرا والملاريا والدفتيريا والتيفوئيد، وغيرها من الحميات والأمراض.
عمل الجهات المعنية في مكاتب الأشغال والسلطة المحلية، في كثير من مناطق العاصمة التي تتضرر بشدة، ومنها شملان، يقتصر حاليا على أعمال صيانة طارئة ومؤقتة لبعض الشوارع والأحياء لتصريف مياه الأمطار منها.
وعلى سبيل المثال فإن فرق الطوارئ التابعة لمكتب الأشغال العامة والطرق بمديرية همدان محافظة صنعاء، تقوم سنوياً برفع المخلفات وفتح الطرق وتصريف المياه التي خلفتها السيول، وتنفيذ بعض المعالجات المؤقتة لمساعدة المواطنين في التنقل والدخول والخروج من تلك الأحياء، وكذلك للحفاظ على المباني من تداعيات وأضرار السيول؛ لكن كل ذلك لا يتضمن أي حلول مستدامة.

العاصمة تغرق في فنجان «التحرير»
الجدير بالذكر أن كثيرا من مديريات ومناطق العاصمة صنعاء، حتى المسفلتة منها أو المرصوفة بالحجارة، تغرق بمياه الأمطار الغزيرة والسيول. وغمرت الأمطار الغزيرة والسيول، يوم الجمعة الماضي، الشوارع والسيارات والمحلات في منطقة التحرير. وارتفع منسوب الماء ليكوِّن بحيرة في التحرير، إلى أكثر من متر ونصف، حيث غرقت المحلات وغمرت السيارات بالكامل ووصل الماء إلى المنازل والمؤسسات الحكومية، ومنها دائرة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة، التي تضررت بشدة.
بل إن دائرة التوجيه المعنوي أطلقت نداء استغاثة لأمانة العاصمة والدفاع المدني للمساعدة بإيقاف تدفق السيول إليها، والتي ألحقت أضرارا كبيرة بأقسام مقر الدائرة.
وبسبب ارتفاع منسوب المياه، التي غمرت منطقة التحرير، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صورة لشابين على متن قارب مطاطي استخدماه لاجتياز أحد الشوارع التي أغرقتها السيول.

عيوب بنيوية كبيرة
منذ سنوات تشهد مختلف المحافظات اليمنية أمطاراً موسمية غزيرة، أظهرت عيوبا كبيرة بنيوية في إنشاء وتخطيط الشوارع والأحياء، خصوصاً في العاصمة صنعاء. كما أظهرت عدم وجود بنية تحتية لتصريـــف مياه الأمطار والصرف الصحي إلا بنسبة 10٪
وكانت «لا» كشفت في تحقيق سابق أن البنية التحتية للعاصمة صنعاء غير مستعدة علــــــــى الإطلاق لمواجهة الأمطار الغزيرة كالتي شهدتها خلال الأعوام الأخيرة، وهذا من خلال الواقع المعاش ومن واقع المعلومات التي أوردها مكتب الأشغال العامة بالعاصمة وأوردها في تقرير له تناول هذه المشكلة ورفعه إلى مجلس الوزراء عام 2021، مطالبا بوضع حلول جادة لها، وحصلت «لا» على نسخة من التقرير.
وتبدأ المشكلة مع صنعاء جغرافياً، حيث إن هذه المدينة عبارة عن حوض ووادٍ تصب فيه مياه الأمطار من سلاسل الجبال والوديان المحيطة بالمدينة.
ورغم أن صنعاء هي حاضرة اليمن الأولى، إلا أن شوارعها لا تتوفر لها بنية تحتية قادرة على التعامل مع مياه الأمطار، التي هي جزء من الحياة الطبيعية لهذه المدينة، وهذه مشكلة قديمة جديدة تتحملها أجيال من الحكومات اليمنية المتعاقبة حتى اليوم.

عاصمة بلا شبكة تصريف!
وكشف تحقيق «لا» أيضا أن التصريف في العاصمة صنعاء هو تصريف سطحي بشكل شبه كلي، ولا يمثل تصريف القنوات حتى 10٪ من النسبة المطلوبة لبنية شوارع العاصمة. ويتم تصريف مياه الأمطار حالياً من شارع إلى شارع باتجاه الأسفل حتى يصل إلى شارع فيه قنوات تصريف أو إلى السائلة وإلى بعض السوائل الصغيرة وسط الشوارع، وإن وصلت السيول إلى شارع منخفض وليس فيه قنوات تصريف فإنها تبقى غارقة أياماً وأسابيع.
كما بيّن التحقيق أنه سابقاً وحالياً لا تولي الهيئة العامة للأراضي والمساحة، سواء في مخططاتها القديمة أو الحديثة، اهتماماً حقيقياً لتصريف مياه الأمطار ضمن مخططاتها الحضرية لمدينة صنعاء، فلا توجد سائلة ضمن كل وحدة جوار، بينما كان يجب أن تكون السوائل ضمن المخطط العام لمدينة صنعاء، كونها في الأساس بمثابة وادٍ تصب فيه السيول.
والواضح اليوم أن أحياء وبنايات كبيرة شيدت إما في مجاري السيول أو بجوارها، وتم قطع مجاري السيول الطبيعية بالبناء، بينما كان يجب أن تشق منها السوائل التي تتدفق بعيدا، وتلتقي من واحدة إلى أخرى حتى تخرج من العاصمة، كما في سائلة صنعاء الرئيسية.
وبسبب هذه المشكلة تتحول مياه الأمطار نحو الشوارع والأحياء السكنية، كما يحصل في منطقة شملان وكثير من مناطق العاصمة صنعاء.