تحقيق: مارش الحسام / لا ميديا -
الحصار الخانق الذي يفرضه العدوان على اليمن مشروع موت يستهدف كل كائن حي في بلادنا، ولا يقتصر على إزهاق أرواح الأبرياء من أطفال ونساء،  فهو يدمر النبات أيضا.

وقود بديل
حصار العدوان على اليمنيين ومنع مشتقات النفط عنهم دفعهم للبحث عن مصادر بديلة للطاقة، بالاعتماد على الحطب، نتيجة جريمة العدوان المستمرة باحتجاز وقرصنة سفن الوقود ومنعها من الوصول إلى اليمن.

أسواق الحطب
أزمة المشتقات النفطية المفتعلة من العدوان أججت موجة الاحتطاب الجائر للأشجار واقتلاعها لتسويقها كوقود (حطب).
فقد شهدت تجارة الحطب انتعاشا كبيرا، واتخذها كثيرون مهنة أو فرصة عمل، وصار لها أسواق خاصة بها، كسوق نقم وسوق شملان وسوق الحتارش وغيرها.

مشكلة وحل
انعدام الغاز المنزلي جعل الكثير من المواطنين يلجؤون إلى الحطب، فيما دفع انعدام ماده الديزل أغلب أصحاب الأفران إلى الاعتماد على الطاقة الخضراء (الحطب).
ويمثل اللجوء لهذه الطاقة البديلة سلاحا ذا حدين، فهو حل ومشكلة معاً، لكونه يقلل من الاعتماد على المشتقات النفطية باستنزاف الغطاء النباتي في اليمن.

مهنة جديدة
في سوق شملان، التقينا بائع الحطب عبدالله بيرو، النازح من محافظة الحديدة إلى صنعاء منذ أربع سنوات حين صعد العدوان على محافظته. ولكونه غير متعلم وجد في تجارة الحطب المهنة الأنسب له.
«بيرو» بدا حذرا في الحديث معنا، ورفض أن نلتقط له صورة، كما تحاشى الخوض في تفاصيل مهنته. هو اعتقد أننا جهة رقابية حكومية ونقوم بحصر أرباحه ومخزونه من الحطب تمهيدا لفرض الضرائب عليها.
وكثيرا ما قال لنا: «خلوا لنا حالنا، خلوا احنا نطلب الله على جهالنا بالحلال. لا تقطعوا أرزاقنا ولا تمنعوا تجارة الحطب».
كان علينا إقناعه ببعض التطمينات، أننا صحفيون، وأننا نعتز به وبمهنته، وأننا معهم وإلى جوارهم، وأن أسئلتنا ستقتصر على أنواع الحطب ومصادره.
بيرو يجلب الحطب من مديرية باجل محافظة الحديدة، على سيارات هيلوكس و»دينات». أغلب زبائنه من أصحاب الأفران، وبعض المنازل. أكثر الأنواع تفضيلا لدى الزبائن هو السدر و»العسق» والقرض؛ كونها تحترق أطول زمنا من غيرها. هو قال إن هذه الأنواع مرغوبة حتى في السعودية، من أجل «الشيشة»، إذ يتم تصدير كميات كبيرة من فحم شجرة السدر إلى المملكة، لكونها شجرة غير موجوده هناك، حسب بيرو.

أسعار الحطب تستعر
في السوق ذاته، إلى جوار عبدالله بيرو، تاجر حطب آخر أكد ارتفاع أسعار الحطب كثيرا خلال سنوات العدوان.
ويضيف: «حمولة السيارة الهيلوكس من الحطب كنا قبل العدوان نشتريها بـ5 ألف ريال. وقبل عام أصبحت بـ10 ألف ريال، ومع الأزمة اليوم بـ14 ألف ريال. وحمولة الدينة كانت بـ40 ألف ريال صارت اليوم بـ120 ألف ريال»، موضحا أن الطلب يزداد على الحطب عند اشتداد أزمة الغاز.
وتابع: «هذه الحزمة الصغيرة سعرها 450 ريالا، وكنا نبيعها بـ200 ريال. وهذه الحزمة التي نبيعها بـ1000 ريال كان سعرها لا يتجاوز 500 ريال... وهكذا».
وعزا ارتفاع أسعار الحطب إلى عدة أسباب، منها  زيادة الطلب وقلة العرض، وارتفاع أسعار الوقود وتكلفة نقله إلى صنعاء.
أحد المواطنين كان في السوق لشراء الحطب، قال لنا إنه لم يكن يتوقع أن يأتي يوم يلجأ فيه لاستخدام الحطب، وأن العدوان والحصار قد حققا ما لم يكن يتوقع.
وأكد أن استخدامه للحطب يقتصر فقط على تحضير الخبز، وأنه استبدل تنور الغاز بآخر من الفخار، كون الأول يستنزف أسطوانة الغاز خلال أيام، فيما حصته الشهرية من الغاز أسطوانة واحدة يحصل عليها من عاقل الحارة، لا تكفي لإعداد خبر عشرة أيام.
ويضيف: «لم يكن أمامي سوى خيارين: إما أن أشتريها من السوق السوداء بعشرين ألف ريال قابلة للزيادة، وإما اللجوء للحطب لتخفيف الضغط على أسطوانة الغاز من جنون التنور»، لافتاً إلى أن أسعار الحطب ارتفعت أربعة أضعاف، وأن الحزمة التي كان يشتريها بـ200 ريال صار يشتريها بـ1000 ريال.

أحن إلى خبز أمي
مواطن آخر كان بصدد شراء الحطب، يؤكد أن الطعام المعد بالحطب له مذاق أفضل من المحضر بالغاز. وأبدى شغفه بالطعام المطهو بالحطب.
وتابع: «أنا أقيم في صنعاء منذ أكثر من 20 عاما، وخلاها كنت دائما أحن إلى طعام القرية، الذى تعده أمي باستخدام الحطب، والآن بسبب الأزمة التي يصطنعها العدوان حفزتني للعودة إلى الحطب للاستمتاع بنكهة الطعام المعد بالحطب».
وأكد أن استهلاكه الشهري من الحطب يبلغ 7 - 8 آلاف ريال، بسبب ارتفاع أسعاره مؤخرا.
ودعا الجميع إلى العودة للحطب لمواجهة الحصار. كما دعا الجهات المعنية ووزارة الزراعة إلى دعم هذا الأمر، لتقليل الاعتماد على الغاز، وحتى لا يكون الاحتطاب عشوائيا ومهددا بالتصحر.

وقودها غطاء اليمن النباتي
تعد المخابز والأفران الأكثر استهلاكا للحطب. يقول صاحب مخبز الشميري: «مع انعدام الديزل لجأنا إلى استخدام الغاز. ولكن الفرن بحاجة إلى حرارة شديدة، وأسطوانة الغاز لا تفي بالغرض، وكنا نستهلك أسطوانتين أو أكثر في اليوم،  وأحيانا لا نجدها، وسعرها يتجاوز أحيانا عشرين ألف ريال. في السنة الثالثة أو الرابعة من العدوان، لجأنا للحطب، وهو الآخر ارتفع؛ ولكنه متوفر، ولو سعره مرتفع. فالدينة التي كنت أشتريها بـ70 ألف ريال ارتفعت إلى 150 ألف ريال، ثم إلى 200 ألف ريال، واليوم مع الأزمة الأخيرة ارتفعت إلى 250 ألف ريال».
ولفت إلى أن الخبز المعد بالحطب صار مرغوبا أكثر لدى الزبائن، الذين باتوا يفضلون شراء الخبز من الأفران التي تستخدم الحطب.

وقودها الحطب
انتعاش تجارة الحطب كان سببا في ازدهار بعض الحرف اليدوية، ومنها صناعة التناوير الفخارية، والتي تشهد رواجا وإقبالا وارتفاعا في أسعارها.
محمد النزاري تاجر تناوير فخارية، يؤكد أن زبائنه كانوا يقتصرون على سكان قرى محافظة صنعاء قبل أن ينضم إليهم الكثير من قاطني المدن، بسبب أزمة الغاز.
ولفت إلى أن أسعارها ارتفعت كثيرا، فالتنور الفخاري الصغير الذي كان سعره 3 آلاف أو 3500 ريال صار بـ9 آلاف ريال، فيما التنور المتوسط الحجم الذي كان سعره 5000 ريال صار سعره حاليا 12,000 ريال.

95% نسبة التصحر
أكد مدير عام الغابات والمراعي ومكافحة التصحر، المهندس عبده محمد صالح مدار، لصحيفة «لا»، أن الغطاء النباتي في اليمن مهدد بالتلاشي، نتيجة الاحتطاب الجائر للأشجار، نتيجة انعدام المشتقات النفطية بسبب الحصار الذي يفرضه تحالف العدوان على اليمن.
ولفت إلى أن نسبة التصحر في اليمن وصلت إلى 95% من إجمالي مساحة الأراضي الزراعية اليمنية، وهو ما يعني أن المساحة الخضراء لا تتجاوز 5%، وهو رقم ضئيل جدا ومقلق.

استنزاف 500 ألف هكتار
وحسب مدار، تبلغ مساحة الغطاء النباتي في اليمن حوالى ثلاثة ملايين و300 ألف هكتار، إذ تشكل الغابات مليوني هكتار، فيما تشكل المساحة الزراعية مليونا و300 ألف هكتار.
وأكد مدير الغابات أن ما يقارب 16 ألف شجرة يتم اقتلاعها يوميا، وأن ما يقارب 500 ألف هكتار من المساحات الزراعية تم استنزافها خلال السنتين الماضيتين، لانعدام الوقود وحصار اليمن من المشتقات النفطية من قبل تحالف العدوان.
وتابع قائلا: «إذا استمر حصار اليمن من المشتقات النفطية بهذه الوتيرة ستصبح اليمن عارية بلا غطاء نباتي».
ولفت إلى أن المشكلة المقلقة تكمن في الاحتطاب العشوائي واقتلاع الأشجار والشجيرات الصغيرة من جذورها.
وأوضح أن أشجار السدر تتعرض في السنوات الأخيرة لإبادة جماعية، في ظل انعدام المشتقات النفطية.
وأشار إلى أن أشجار الطلح هي الأنسب للاحتطاب، ويفترض تشذيبها وقص الأغصان، فهذا أفضل ويساعد الشجرة على النمو بشكل كبير.
وأضاف: «المصيبة أن هناك اجتثاثا للأشجار من جذورها، فمثلا أصحاب الفحم يفضلون جذور الأشجار أكثر من الجذوع والأغصان، وهو ما يعني قتل الشجرة تماما دونما إتاحة فرصة لنموها مجددا».
وتابع قائلا: «الشجرة هي حياة، ووجودها ضروري لحياة الكثير من الكائنات، وانقراض الغطاء النباتي باقتلاع الأشجار سيعرض التربة للانجراف المائي والريحي، والشجرة جزء من المنظومة البيئية تحافظ على التوازن البيئي وتحافظ على تماسك التربة وتحافظ على المزروعات الأخرى وتمدها بالمواد العضوية اللازمة وتحافظ عليها من الريح، فهي مصد للرياح حتى لو كانت بعيدة. وبانعدام الغطاء النباتي سترتفع درجة الحرارة وستقل إنتاجية الأراضي الزراعية، وذلك سيؤثر على تربية النحل أيضا، وستقل إنتاجية العسل، وخاصة عسل السدر، لأن الشجرة مهددة بالانقراض».
وعن مصادر الحطب والمحافظات المهددة بالتصحر، يقول: «أغلب المحافظات اليمنية تعد مصدرا للحطب، كتعز وإب، والحديدة هي الأكثر إنتاجا للحطب والأكثر عرضة للتصحر»، وحسب تعبيره «قدها صحراوية وتزيد تصحرا».
أما عن دورهم كجهة مختصة، فقال: «نحن كإدارة مختصة ليس بأيدينا شيء. مهمتنا أن نرفع إلى الجهات المختصة، وتعبنا من متابعتها. ولحرصنا على الموارد الطبيعية أصبنا بالإحباط من الجهات المعنية، وكأنها لا تريد التدخل في هذه المشكلة. طرحنا على وزارة الزراعة أكثر من مرة مقترحا بإصدار قانون للغابات أو قرار ينظم الاحتطاب ويمنع اقتلاع الأشجار إلا بترخيص، وللأسف لم نجد تفاعلا».
واختتم مدير الغابات حديثه بتوجيه رسالة إلى الجهات المختصة: «العالم ينفق مليارات من ميزانيته لمكافحة التصحر، ونحن عاجزون عن الحفاظ على ما لدينا من مساحة خضراء! الغطاء النباتي مهدد إن لم يتم تداركه».