خاص - دمشق أحمد رفعت / لا ميديا -
سلسلة تحركات واتصالات أمنية وسياسية جرت بين دمشق وطهران وبغداد جرت على وقع أصوات القنابل والمدافع التي تدوي في أوكرانيا، وهي بالتأكيد غير بعيدة عنها وعن تداعياتها وتطوراتها المتوقعة، لكنها تؤشر إلى تطورات هامة جداً لها علاقة بأوضاع المنطقة في شرق المتوسط المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بما يجري في أوكرانيا.
رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، اللواء علي مملوك، زار العاصمة الإيرانية طهران والتقى الرئيس إبراهيم رئيسي، وعلى شمخاني، أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
وإلى دمشق حضر علي أصغر خاجي، كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة، والتقى الرئيس السوري بشار الأسد. 
تحرك آخر على خط دمشق بغداد، حيث زار دمشق فالح الفياض، قائد الحشد الشعبي العراقي، والتقى الرئيس السوري بشار الأسد. تلا ذلك اتصال بين رئيس الوزراء السوري المهندس حسين عرنوس، ونظيره العراقي مصطفى الكاظمي.
هذه التحركات الأمنية والسياسية جاءت في أعقاب التحرك النشط على خط دمشق- موسكو بعد زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لدمشق، ولقائه الرئيس الأسد عند بداية التطورات الأوكرانية، ثم زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى موسكو عشية إعلان العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والتي قرأها المراقبون بأن القيادة السورية كانت على اطلاع وثيق بكل ما يجري من تطورات.
عادة، الزيارات الأمنية المشابهة لزيارة المملوك لطهران، وزيارة الفياض لدمشق، كانت تتم معظمها بدون إعلان، لكن هذه المرة تم الإعلان عنها وبشكل مقصود بالتأكيد، بهدف توصيل رسائل لمن يهمه الأمر من هذه التحركات.
المشترك بين هذه الزيارات بحسب البيانات الرسمية حولها كان "التطورات الأخيرة على الساحة الدولية وانعكاساتها على المنطقة".
أما الموضوع الأهم على جدول الأعمال كان "مكافحة الإرهاب" و"مواجهة المساعي الأمريكية التي تهدف لإعادة تصنيع وإحياء التنظيمات الإرهابية في سورية".
وقالت مصادر إيرانية إن زيارة مملوك "تمثل حاجة سوريةعاجلة في إطار تحالف البلدين"، من دون الكشف عن تفاصيل
أما وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" فقالت إن إيران، التي دعمت الحكومة والشعب السوريين في أصعب الظروف وذروة تحركات الجماعات الإرهابية، عازمة على مواصلة دعمها لسوريةحكومة وشعباً. الوطنية السورية: "الأمر بدأ منذ زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى موسكو، واتضح وجود تنسيق مع السوريين كحلفاء. والآن ما حصل هو التحول السريع في الأحداث، مما أوجد احتمالين بسبب انشغال روسيا في الموضوع الأوكراني، الأول: ربما ترتكب "إسرائيل" حماقة بحق سورية، وبالتالي يجب الاستعداد من أجل ذلك، والثاني: ربما أمريكا ترتكب حماقة في سورية".
والمعنيون في الموضوع -بحسب د. خلاصي: "هناك طرفان: الأول أمني وعادة يكون محملاً برسائل وطلبات، وأعتقد أن اللواء مملوك ينقلها ويتم التنسيق والتفاهم عليها، أيضاً الحشد الشعبي معني بهذا الأمر، لأنه على تماس مباشر مع الخصم المشترك وهو الأمريكي، وزيارة من هذا النوع تعطي انطباعا للأمريكيين بأنه لا يمكن بحال من الأحوال إلا أن يكون هناك رد، والرد سيكون عن طريق المقاومة والضرب الموجع للأمريكيين".
يضيف الدكتور خلاصي: "إيران بصورة عامة مع حلفائها تعرف أن الموقف الذي اتخذته سورية مع روسيا هو موقف صعب، لأننا كنا من أوائل الدول التي وافقت رسمياً على ما حصل، وأعلنا انضمامنا للخطوة، والدكتور بشار الجعفري، نائب وزير الخارجية السوري شرح الأسباب والموجبات، وبالتالي الدور الإيراني هو في تطمين الجانب السوري، وتعزيز الثقة، وإعطاء رسائل للخارج بأنه إذا انشغل الروس قليلاً وتوهم البعض أن المعركة تصبح مستساغة في سورية فإيران تعلن وقوفها في ساحة المعركة ضد أمريكا، وتضرب عصفورين بحجر، من جهة تواجه الأمريكان بشكل غير مباشر عن طريق دعم سورية، ومن جهة ثانية تعزز الموقف السوري، لأن إيران لم تأخذ موقفاً مباشراً مع روسيا لأسباب تخصها، ولذلك يمكن أن تواجه أمريكا في سورية بمزيد من الدعم والتطمينات، ونحن بحاجة لكل أنواع الدعم من الاقتصادي إلى العسكري، وهذه يؤمنها الحليفان الروسي والإيراني، فانشغال الروسي لا يعني غياب الإيراني، وهذا يتم التنسيق حوله حالياً بين الأطراف الثلاثة، سورية وروسيا وإيران. إن سورية هي أحد أهم مواقع الصراع الأمريكي الروسي ومنها بدأت تتظهّر الصورة".
ويختم خلاصي بالقول: "برأيي الوضع مطمئن، وهذه الزيارات أعطتنا انطباعاً بأنه مهما حصل هناك تنسيق عالي المستوى من أجل الحفاظ على المكتسبات التي تمكنا من تحصيلها خلال السنوات العشر من العدوان على سورية".
أما الخبير العسكري العميد المتقاعد هيثم حسون فيرى أن "زيارة اللواء علي مملوك إلى طهران جاءت في توقيت حساس جداً، مرتبط بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وذلك من أجل محاولة تنسيق المواقف السياسية والدبلوماسية بين البلدين فيما يتعلق بالحرب".
وحول الأسباب الموجبة لهذه التحركات يرى العميد حسون أنها "تؤكد تقدير موقف مشترك يتعلق بالأخطار التي يمكن أن تنتج عن التطورات، وطبيعة الإجراءات التي يجب القيام بها من أطراف محور المقاومة، وتنسيق الإجراءات الواجب القيام بها للتعامل مع قوات الاحتلال الأمريكي في الأراضي السورية، واحتمالات الانعكاس لآثار التطورات بين روسيا والولايات المتحدة سلباً أو إيجاباً، كذلك تنسيق ردود الأفعال على ما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة في الأراضي السورية رداً على المواقف السورية المؤيدة بقوة للعملية العسكرية الروسية، كتحريك المليشيات الانفصالية (قسد) لتنفيذ أعمال استفزازية تتعلق بتوسيع مناطق سيطرتها، واتخاذ إجراءات تتعلق بالانفصال جزئياً أو كلياً، أو نشر مجموعات داعش بشكل كبير للاستفادة من انشغال روسيا عسكرياً وسياسياً، وأيضاً إطلاع الجانب السوري على مسار مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني ومآلاتها وتأثير نتائجها على كل أطراف محور المقاومة".
ويضيف العميد حسون: "في الوقت ذاته وبعد انتهاء المباحثات السورية الإيرانية كانت زيارة الفياض إلى دمشق، ويبدو أنها تهدف لتنسيق الخطوات العملية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في طهران، خاصةً أن انتشار الحشد الشعبي على الحدود السورية العراقية يعطيها قدرة كبيرة للعمل ضد قوات الاحتلال الأمريكي أو مجموعات داعش بالتنسيق مع الجيش العربي السوري".
يبدو واضحاً من مجريات الأحداث، وقراءات هذه الحركة النشطة من دمشق وإليها وصولاً إلى موسكو وطهران وبغداد يؤكد عمق التنسيق أمنياً وسياسياً، وأن التواجد الأمريكي غير المشروع في سورية والعراق يحتل الاولوية، وهو المحور الأساس لهذه الزيارات، خاصة وأن المنطقة والعالم مقبلان على أزمات عالمية، وخاصة في موضوع الطاقة والغذاء، في ضوء تطورات الوضع في أوكرانيا، وهذا يستلزم التحرك ضد الاحتلال الأمريكي. إضافة إلى أن ذلك يساعد الحليف الروسي في حربه الوجودية ضد تحالف العدوان الأمريكي الغربي ومخططات الناتو... ولننتظر.