خاص - دمشق أحمد رفعت / لا ميديا -
كثيراً ما توقف المراقبون عند الحركة السياسية والدبلوماسية بين دمشق وموسكو قبيل التدخل الروسي في أوكرانيا وخلاله وبشكل مختلف عن أي دولة أخرى.
هناك جملة شهيرة للإمبراطورة الروسية كاترينا تقول فيها: "مفاتيح الكرملين موجودة في دمشق". واليوم نرى ترجمة حقيقية لهذا الكلام، بعد أن تلاقت مصلحة البلدين وأمنهما القومي في ذلك.
فوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، ترك الجبهة الساخنة في أوكرانيا وجاء إلى دمشق للقاء الرئيس بشار الأسد، وبعده بأيام قليلة سارع وزير الخراجية السوري، فيصل المقداد، إلى موسكو، ولم يمض سوى أقل من يوم على الدخول الروسي إلى أوكرانيا حتى تحادث الرئيسان بشار الأسد وفلاديمير بوتين هاتفيا وأعلن الرئيس الأسد تأييد سورية للعملية الروسية في أوكرانيا.
البيانات التي صدرت من دمشق وموسكو وإن لم تخرج عن الشكل التقليدي فإنها تؤكد أن دمشق كانت بصورة كل ما تم رسمه في موسكو، وأن شويغو وضع الرئيس الأسد بصورة الموقف الميداني على الجبهة الأوكرانية، وبالقرار النهائي للرئيس بوتين بالذهاب إلى عمل عسكري في أوكرانيا، وأن شويغو وضع الأسد وبالموعد المحتمل للعمل العسكري والأهداف الروسية من هذا العمل على الأرض، مما جعل دمشق والقيادة السورية حاضرة بقوة في مشهد رسم خريطة موازين القوى والقوة الإقليمية والدولية التي ترتسم ملامحها اليوم، والتي بدأت أساسا من صمود الميدان السوري الذي كان نقطة انطلاق هذا المسار من التغيير الدراماتيكي في الخريطة الجيوسياسية في المنطقة والعالم.
هذه التطورات أثارت التساؤلات حول الملف السوري في ضوء التطورات الأوكرانية وما بعدها، لأن الجميع يعرف أن الصورة لا يمكن أن تتوضح ما لم تستكمل ملامحها في شرق المتوسط وفي الميدان السوري. وهنا يصبح التساؤل مشروعاً وتحديداً عن الكيان: ماذا عن الكيان الصهيوني وتركيا حيث أشعلت أوكرانيا أكثر من ضوء أحمر هناك؟
فقد كان لافتاً أن الكيان الصهيوني نفذ عدوانا على محيط دمشق بالتزامن مع بدء العملية الروسية في أوكرانيا، ما فسره المراقبون بأنه محاولة "إسرائيلية" للفت نظر روسيا إلى أنها معنية بما يجري وأن لها مصالح يجب أخذها في الحسبان. لكن الجميع يؤكد أن ما بعد أوكرانيا لن يكون كما قبلها، وهذا ما أكدته دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ التابِع لجامعة "تل أبيب"، أشارت إلى احتمال أن تستخدم روسيا ساحة العمل في سوريّة لتوضح لواشنطن أنّ لديها النفوذ لتحويل الساحات الأخرى في أوروبا الشرقية إلى متفجرات. 
كما أن الأوساط "الإسرائيلية" باتت تدرس بجديّة وبقلق فكرة الاعتماد على الولايات المتحدة كـ"حليفة" حقيقية، بعد تطورات أوكرانيا، حيث يشير محلل صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، رون بن إيشاي، إلى أن "خطاب بايدن يجب أن يُقلق إسرائيل حول ما ستقدمه أمريكا لها في حال اندلاع حرب بين إسرائيل وإيران".
وفي قراءة لهذه التطورات يقول المحلل الاستراتيجي محمود عبدالسلام لـ"لا": "العدوان الصهيوني على أهداف في محيط مدينة دمشق جاء متزامناً مع انطلاق العملية العسكرية الروسية في محاولة منها لاستغلال انشغال العالم بالحدث الروسي الأوكراني. هذا يعني أن زمن تصفية الحسابات بات وشيكاً، خاصة وأن الكيان الصهيوني أعلن موقفه الداعم للأمريكي وحلف الناتو وندد بالعملية وتنكر لكل ما قدمته له روسيا من خدمات جليلة خاصة في الملفين الاقتصادي والعسكري".
وأشار عبد السلام إلى أن الرئيس بوتين أطلق إشارات بهذا الخصوص من خلال تأكيد مندوب روسيا في الأمم المتحدة رفض بلاده الاعتراف بضم الكيان الصهيوني للجولان السوري المحتل بصفتها أراضي سورية محتلة.
وعن توقعاته حول تركيا في أعقاب التطورات الأوكرانية يقول عبدالسلام: "لا أعتقد بأن تركيا أحسن حالاً من الكيان الصهيوني، حيث أبدى أردوغان استياءه من هذه العملية وندد بها وأعلن تأييده واصطفافه للجانب الأمريكي وحلف الناتو، مما يعني أن قادم الأيام سيكشف لنا كيف سيتعامل سيد الكرملين مع ثلة المنافقين الذين كانوا يلعبون على الحبال".
أما المحلل العسكري اللبناني عمر معربوني فقد قال لـ"لا": "بالتأكيد تشكل سورية عقدة مركزية وأساسية بالنسبة للروسي من خلال التموضع الاستراتيجي للقوتين الجوية والبحرية في سورية، وبالتالي أعتقد أن سورية هي جزء لا يتجزأ من المجال الحيوي الروسي لا يمكن للروسي أن يتجاهله بأي شكل من الأشكال، إضافة إلى النمط الذي يستخدمه الروسي في هذه الفترة التي تمتد لسنوات وهي احترام الحلفاء".
وعلى الرغم من أن معربوني لا يرى أن هناك تزامناً دقيقاً ومحدداً في الاعتداء الأخير على سورية مع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لكنه يؤكد أن "المرحلة القادمة ستحمل في مضمونها مؤشرات كبيرة لجهة التعاون الروسي السوري كانت مقدماتها الإدانة الشديدة على لسان وزير الخارجية الروسي خلال لقائه نظيره السوري فيصل المقداد في موسكو حول موضوع الاعتداءات، إضافة إلى الإعلان الروسي قبل يومين حول مسألة عدم اعتراف روسيا بسلطة الكيان الصهيوني على الجولان المحتل".
ويضيف معربوني: "نحن الآن أمام بدايات العملية العسكرية وننتظر تحقيق الأهداف في الجانب السياسي والتي سيكون لها تداعيات إيجابية على روسيا وكل حلفائها ومن ضمنهم سورية".
كما رصدت "لا" الأجواء التركية والآراء والتوجهات التي أجمع عليها الكتاب والسياسيون الأتراك حول الحدث الأوكراني وتداعياته المتوقعة على تركيا.
المحلل السياسي حسني محلي، المتخصص بالشأن التركي، كان له موقف واضح يؤكد أن "الخاسر الأكبر في هذه الحرب سيكون الرئيس التركي، أردوغان".
ويعدد محلي أسباب ما ذهب إليه، بقوله: "هزيمة الرئيس الأوكراني زيلينسكي واحتمالات هروبه واستلام حلفاء روسيا سيخسر أردوغان حليفاً استراتيجياً مهماً في البحر الأسود، كما سيخسر سوقاً مهمة لطائراته المسيَّرة، وساحة للتعاون التكنولوجي في عدد من المجالات العسكرية".
ومع محاولة أردوغان التقرب من "إسرائيل" يرى محلي أن "أردوغان سيخسر مع زيلينسكي ذي الجنسية الإسرائيلية صديقاً وحليفاً مهماً أدّى دوراً مهماً في المصالحة التركية – الإسرائيلية، وعبر اللوبيات اليهودية في أمريكا". 
ويشير محلي إلى وجود رأي بأن "خيبة الأمل التركية ستشجّع الرئيس بوتين على اتخاذ مواقف عملية أكثر ضد الرئيس أردوغان، ليس فقط في أوكرانيا، بل أيضاً في سورية". 
كما يحذّر خبراء اقتصاديون أتراك من تداعيات الأزمة على الاقتصاد التركي، لجهة اعتماد تركيا بنسبة 45% من وارداتها على الغاز الطبيعي الروسي، وبقيمة تقارب 29 مليار دولار، بينما يقوم الروس ببناء مفاعل نووي جنوبي تركيا بقيمة 35 مليار دولار. ويزور أكثر من 6 ملايين روسي سنوياً تركيا، التي تنفّذ شركاتها مشاريع بمليارات الدولارات في روسيا، التي اشترت أنقرة منها ما قيمته 2.5 مليار دولار من صواريخ (إس 400)، ومن دون تفعيلها، بسبب رد الفعل الأمريكي.
أما الباحث في العلوم السياسية مداد تشيليكبالا، فيرى أن "سياسة روسيا في شرق أوروبا والبحر الأسود أتعبت تركيا، التي عليها أن تُحدّد أولوياتها، وتدير الأزمة بدقّة عالية لا تشبه إدارتها لملفّ صواريخ (إس 400)، إذ إن جغرافيتها كبيرة ولا تستطيع حمايتها بسهولة، فيما أوراق الغاز الطبيعي والمفاعل النووي بيد روسيا".
أما السفير التركي السابق في سورية، عمر أونهون، فيشير إلى أن "تركيا دخلت، في الآونة الأخيرة، في علاقات استراتيجية تحالفية مع أوكرانيا"، وينبه إلى أنه "في حال بقائها على موقفها، فإن العلاقات مع موسكو ستشهد تراجعاً وتوتّرات؛ وفي حال تراجعها عنه، فإن الغرب سيرى في ذلك ذريعة يبحث عنها لتشديد الخناق على الرئيس أردوغان. فالأزمة الأوكرانية جاءت في توقيت سيّئ لتركيا، التي تعاني من أزمة اقتصادية كبيرة".