المركز الإعلامي لذوي الإعاقة.. منبر خاص لهذه الشريحة المهملة

تفرير : بشرى الغيلي / لا ميديا -
من هذه الفئةِ العظيمة «ذوي الإعاقة» خرجت أعظم دواوين الشعر العربي ونموذجها يمنياً الشاعر الراحل عبدالله البردّوني، وعربياً أبو العلاء المعري، ويُدرس في الجامعاتِ اليمنية من أرقى الأكاديميين، ويوجد منهم الكثير في مختلف المجالات، إبداعاتهم تخطت كل الإعاقات وأثبتوا جدارتهم باقتدار وعزيمة، وعلى المستوى الإعلامي لمعت أسماء إعلامية كبيرة، فكان لزاما وجود مؤسسة خاصة بقضاياهم، وإبداعاتهم، وتحتويهم تحت جناحها، من هنا تأسس المركز الإعلامي لذوي الإعاقة، ورغم حداثة تأسيسه حسب دارس البعداني ـ رئيس المركز، إلا أن الأنشطة والجهود كبيرة تحدث عنها لـ«لا» في لقاءٍ خاص ضمن السياق التالي.

فكرة إنشاء المركز
المركز الإعلامي لذوي الإعاقة صوت جديد وناشئ، ويمثل أهم شريحة في المجتمع أنشئ في  مارس «آذار» 2020، وهو كفكرة موجود منذ زمن، أوضح ذلك دارس البعداني ـ رئيس المركز بالقول: «غصة كبيرة أن الأشخاص ذوي الإعاقة لا يحصلون على حقوقهم المنتهكة، وفي نفس الوقت النظرة إليهم قاصرة وينظر إليهم المجتمع بأنهم فئة مستهلِكة وليست مثل غيرها في الحقوق والواجبات، فمن خلال اشتغالي بالوسائل الإعلامية لاحظت قصوراً تجاه هذه الفئة ويجب أن يصحح، ويتم تغيير هذه النظرة». 
يضيف البعداني: «الأشخاص ذوو الإعاقة لديهم إبداعات ومواهب، وطاقات، ولكن للأسف الناس ينظرون للإعاقات ويتجاهلون الإبداعات بالذات في بلدنا، كذلك جهل المجتمع بكيفية التعامل معهم يسبب دفن كثير من المواهب والإبداعات لدى هذه الفئة، من هنا جاءت فكرة إنشاء مؤسسة إعلامية وكيان إعلامي يعنى بمناصرة قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، وانتزاع حقوقهم من الجانب الحكومي أولاً، وثانياً من الجهات المحلية والدولية والمؤسسات الخاصة والمنظمات وغيرها، وثالثاً إيصال أصواتهم إلى صنّاع القرار، وإلى العالم، فأكثر من أربعة ملايين معاق يعيشون في اليمن، أي بنسبة 15٪ تقريباً، وهذا عدد ليس بالقليل».

نظرة قاصرة
قصص معاناة كثيرة أثرت في مؤسس المركز دارس البعداني لمبدعين كانوا يتأثرون بنظرةِ المجتمع، وسببت لهم أذى فلزموا بيوتهم، وإنشاء مركز إعلامي، أو مؤسسة خاصة تعنى بذوي الإعاقة، كانت فكرة موجودة منذ زمن، يضيف: «في 2019 بدأت التحرك فعلياً مع مجموعة من الشباب ذوي الإعاقة من أجل إنشاء هذه المؤسسة، ومن بداية 2020 فترة الجائحة العالمية «كوفيد19» كانت باكورة أعمال المركز عن هذه الجائحة، وكان المركز أول مؤسسة تعمل على توعية الأشخاص ذوي الإعاقة في اليمن بمخاطرها من خلال الفلاشات الصوتية التي بُثت في أكثر من 13 إذاعة محلية على مستوى الجمهورية اليمنية، وفيديوهات توعوية، وكيفية التعامل مع هذا الوباء».

جهود المركز في فترةِ كورونا
أثناء فترة الجائحة وهي الفترة التي بدأ فيها التأسيس كان المركز شعلة من النشاط لتوعية ذوي الإعاقة بمختلف الوسائل حسب الإمكانيات المتاحة، يقول البعداني: «تخيلوا أن الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية كمثال على ذلك لم يكونوا يعرفون شيئاً عن هذا الوباء، ولم يكن هناك فلاشات بلغة الإشارة أو فيديوهات توعوية خاصة بهم من أي وسيلة أخرى، والمركز أول مؤسسة في اليمن عمل على إنتاج فيديوهات تراعي إمكانية الوصول لكل ذوي الإعاقات بما فيها الإعاقة السمعية، فعمل على تضمين لغة الإشارة في هذه الفيديوهات حتى يتعرفوا على هذا الفيروس، فالناس جنبهم حجر وعزل، وكمامات، وهم لا يعرفون شيئاً عن ذلك، بل بعض الصُم لم يعرفوا حتى الكتابة فكان لزاماً على المركز أن يبدأ بهذا النشاط، وكانت فعلاً بداية موفقة بحمد الله».
يختم البعداني هذه الجزئية أن جهود المركز أثمرت وأثرت بشكل كبير: «هذا ليس رأينا وإنما رأي المتابعين والمستهدفين، سواء في مواقع التواصل الاجتماعي، أو الناس المتابعين أونلاين، وهي كلها جهود ذاتية وحسب الإمكانيات، وللآن ماتزال ذاتية، هذا مختصر قصة إنشاء المركز الإعلامي لذوي الإعاقة وتمكينهم من الوصول لحقوقهم، ومناصرتهم، والتنسيق مع وسائل الإعلام المختلفة والإعلاميين والصحفيين من أجل تناول محترم وغير مشوّه لقضايا الإعاقة، التدريب والتأهيل للمعاقين وإيصالهم إلى سوق العمل، وما يميز المركز الإعلامي لذوي الإعاقة أن جميع الفريق العامل فيه من الإعلاميين ذوي الإعاقة المبدعين والمتميزين، وهم يناقشون القضايا، فنحن من المجتمع والمجتمع منا، ولدي قناعة أننا نحن ذوي الإعاقة الأقدر على مناقشة قضايانا وطرحها بطريقة مناسبة، والمؤهلون من غير ذوي الإعاقة قادرون على مساعدتنا في هذا المجال».

التشبيك مع الوسائل الأخرى
التشبيك بين المركز الإعلامي لذوي الإعاقة، ووسائل الإعلام الأخرى يتم بطرق مختلفة وهناك وسائل تعاونت مع المركز، بينما البعض منها لا تولي ذوي الإعاقة أي اهتمام.. ويتابع البعداني: «في الحقيقة أن المركز يرصد الكثير من الانتهاكات التي تحصل لقضايا الإعاقة في وسائل الإعلام، تخيلوا أن بعض الوسائل يتعاملون مع ذوي الإعاقة أنهم مثار للسخرية، أو أنهم فقط للضحكة أو متسولون، فيسيء للأستاذ والدكتور والمهندس والمخترع من ذوي الإعاقة، فنحن نقوم برصد هذه الانتهاكات، وبنفس الوقت نشبك مع هذه الوسائل من أجل تصحيح النظرة ومن أجل تناول قضايا الإعاقة بطريقة تحترم هذه الفئة، صحيح يوجد فيهم المتسول، والدكتور، والمهندس... إلخ.. وللأسف لدينا تعميم النظرة النمطية، ونحن نشبك من أجل إنتاج المواد الإعلامية المتخصصة بذوي الإعاقة وإرسالها لكثير من وسائل الإعلام المتعاونة التي تنشر وتساعدنا في النشر، إضافة إلى ذلك أننا أطلقنا مسابقة لوسائل الإعلام للإنتاج الصحفي المكتوب عن قضايا الإعاقة، وكان هناك تفاعل كبير للكثير من الصحفيين في وسائل الإعلام، وكثير من وسائل الإعلام عقدنا معهم اتفاقيات شراكة من أجل استشارتنا في قضايا الإعاقة كمتخصصين في هذا المجال، ومن أجل التناول الصحيح لقضايا الإعاقة، واستشارتنا أيضا في ما ينتجونه من مضامين، إضافة للكثير من الإذاعات، والقنوات، والمواقع الإلكترونية، للإعلام الجديد تنشر كل ما نرسله لها في ما يخص قضايا الإعاقة، وهناك تعاون كبير من بعض الوسائل الإعلامية، وبعض وسائل الإعلام الأخرى لا نقول إنها لا تتعاون معنا وإنما لا تعي واجبها تجاه ذوي الإعاقة فقط، وسواءً تعاونت معنا أو لم تتعاون، والأهم رسالتنا التي نطلقها اليوم يجب أن يتم تصحيح التناول الإعلامي لقضايا ذوي الإعاقة، فذوو الإعاقة هم بناة أوطان وليسوا فقط مستهلكين، هم منتجون ومبدعون في كل المجالات، هذا ما نريد أن نوصله لوسائل الإعلام».

أنشطتنا كثيرة ومنها مسلسل «بديع وأمل»
أنشطة المركز كثيرة جداً، ومن أهم أنشطتنا مسلسل «بديع وأمل» باللهجة العامية البسيطة، ثلاثين حلقة تم بثها من 12 إذاعة في صنعاء وعدن وحضرموت ومأرب وتعز والمهرة، معظم المحافظات اليمنية وصلها هذا المسلسل، وكان أول مسلسل يمني يتحدث عن قضايا الإعاقة بشكل صريح وواضح، من أهمها قضايا العنف ضد المرأة، قضايا العنف ضد الأطفال، قضايا الزواج، والصحة، والتعليم بطريقة مشوقة وبإمكان المتابع العودة إلى ذلك من خلال القناة الخاصة التابعة للمركز الإعلامي الخاص بذوي الإعاقة على اليوتيوب. بعد ذلك أنتجنا عشرات، بل مئات الفيديوهات المزودة بكافة الوسائط وإمكانيات التواصل من لغة الإشارة وغيرها، وهي أيضا متوفرة بصفحة المركز، وقناتنا على اليوتيوب».
مثلما للمركز أنشطة متنوعة له أيضا أنشطة حقوقية كالتقارير الحقوقية، والتقارير الصحفية، والقصص، والأخبار، والمتابعات المحلية والعربية والعالمية، يقول البعداني: «هذه أعمال يومية يقوم بها المركز، وهناك تقارير أثرت تأثيراً كبيراً وعملت صدى واسعاً، كل تلك الأعمال أنتجها المركز الإعلامي وفريقه الرائع، كذلك قام المركز بأكثر من 12 فعالية افتراضية عبر الزوم عن الإعلام وقضايا الإعاقة، كذلك ندوات على الواقع، وحلقات نقاشية على الأرض في مقر المركز، والكثير من حملات المناصرة التي قادها المركز وصلت لحلول بحمد الله، والبعض منها نتابع حلها مع الجهات المختصة، ونحن نؤمن أن واجبنا ليس فقط نشر هذه المواد، بل متابعتها والحلول، وواجبنا أيضا حقوقي ليس فقط الإعلام والنشر».

تأثيرات الحرب على ذوي الإعاقة
أثرت الحرب على ذوي الإعاقة في اليمن تأثيراً كبيراً، يقول البعداني: «قصفت مراكزهم وأغلقت مؤسساتهم، تعرضوا للانتهاكات في مختلف المناطق، وصلت لحد القتل، وهذه موثقة، والمركز قام بنشر عدة تقارير عن هذا الموضوع، وتتحدث الإحصائيات الصادرة عن اتحاد المعاقين أنه هناك أكثر من 90 ألف إعاقة أضيفت جراء الحرب والحصار، لكن تظل مجرد اجتهاد أكثر من أن تكون رسمية، ومؤكد أن العدد أكبر من ذلك بكثير، فالأشخاص ذوو الإعاقة دفعوا الثمن غالياً في الحرب، وكانوا أكثر الفئات تضررا، صحيح الناس جميعهم تضرروا، لكن ذوي الإعاقة أكثر، الصحة، التعليم، أدوية الأمراض المزمنة توقفت، كذلك صندوق المعاقين تأثرت خدماته بسبب الحرب».

الإشكاليات كثيرة
عادة أي عملٍ مستجد يواجه الكثير من الإشكاليات، أوضحها البعداني: «معوقات المركز كثيرة من ضمنها عدم توفر الدعم المادي الكافي من أجل استمرار العمل على ما هو عليه، ومن أجل تطويره، إضافة إلى جهل المجتمع بالجانب الإعلامي المتخصص بذوي الإعاقة، وعدم الإلمام بهذا الأمر، كذلك عدم تفهم الكثير من وسائل الإعلام لخصوصية الإعلام المتخصص بذوي الإعاقة، المقصود عدم تفهمهم للتنوع، يجب أن يكون هناك مواضيع في كل وسيلة إعلامية، ليس فقط على المركز أن يحاول أن يشجع كل وسائل النشر على تناول قضايا ذوي الإعاقة في هذه الوسائل من أجل أن يكون هناك تناول بناء، لكل قضايا الإعاقة وتوحيد المصطلحات لهذه الفئة وغيرها، فهناك إشكالية متعلقة بالوعي، والجانب المادي، ورغم كل الصعوبات نحاول أن نستمر بأكبر قدر من المتابعين سواء من ذوي الإعاقة أو غيرهم من المجتمع المحيط».

نأمل تعاون الجانب الحكومي
عن الجانب الحكومي تمنى البعداني أن يكون هناك تعاون، وأن يكون هناك إيمان بقضايا الإعاقة، وإيمان بعدالة قضيتهم، وحقوقهم، وقال: «المسألة للأسف الشديد في الجانب الحكومي ينظر بها إلى ذوي الإعاقة من خلال السلة الغذائية التي يعطونهم، وأحياناً لا تصل، والبعض الآخر ينظر إليها أنها مسألة رعاية، بينما هي مسألة حقوقية، قبل أن تكون مجرد رعاية، مثلهم مثل بقية أبناء المجتمع لا يشعرون بالفرق والتمييز، وهذا دورنا مع الجانب الحكومي، ونتمنى أن يتم تسهيل مهام المركز سواء في النزولات الميدانية في التوثيق، ويفترض أن يتعاون معنا الجميع. وإذا كان هناك تعاون فهو للجميع لأنه لا تخلو حارة، أو حي سكني من معاق، يجب أن يعرف الناس ما هي حقوق هذه الفئة، وواجباتها، وليس تعامل شفقة ورحمة وتمييز ودونية، وهذا كله نرفضه، ونشكر بعض الجهات الحكومية التي تتعاون معنا، ونتمنى من بعض الجهات الأخرى أن تحذو حذوها وتبدي تعاوناً وصدق نية تجاه ذوي الإعاقة وإعلام ذوي الإعاقة. فإبداعات ذوي الإعاقة كبيرة جدا، تخيلي أن يكون هناك مهندس تلفونات، نجار كبير ومنهم من يعمل في مجال الخياطة، ولديهم إبداعات ربما لا تكون موجودة عند سواهم، لأن المعاق يركز على إبداع معين ويبدع فيه كثيرا، وكل إبداعات ذوي الإعاقة تحتاج تشجيعاً ومن يأخذ بيدها، شكرا لـ»لا» على هذه الاستضافة.