حاوره: عبدالكريم الرازي / لا ميديا -
بطل العراق والعرب السابق للمصارعة الكابتن ثابت نعمان الأعظمي، تم تكريمه كأفضل مدرب عربي في الدورة التقييمية التي أقامها الاتحاد الآسيوي للمصارعة بالتعاون مع الاتحاد العربي على هامش بطولة غرب آسيا لناشئي المصارعة التي احتضنتها مدينة الحسين في العاصمة الأردنية خلال أيلول/ سبتمبر 2003.
جاء إلى اليمن ليحفر في الصخر ويؤسس لمصارعة يمنية تنافس بجدارة عربياً وآسيوياً وعالمياً، فكان عام 2006 عام بداية الظهور القوي للمصارعة اليمنية.
حقق أكثر من 250 ميدالية ملونة و36 مركزاً في الصدارة للمصارعة اليمنية، وهو ما لم يتحقق في السابق، ليكون المدرب الأعظمي عنوانا لتألق المصارعة اليمنية في المحافل العربية والآسيوية والدولية.
اليوم نحاوره على بساط رياضة المصارعة، ضيفاً عزيزاً علينا في صحيفة "لا"، وصافرة البداية يطلقها الحكم.
بدأت المصارعة على ضفاف دجلة في الستينيات
حفرت في الصخر لاكتشاف المواهب وحققت للمصارعة اليمنية أكثر من 250 ميدالية ملونة و36 مركزا في الصدارة

أسرة مصارعين
 بطاقة تعريفية وحكاية البداية...؟
- ثابت نعمان الأعظمي من مواليد منطقة الأعظمية ـ بغداد. نشأت وسط عائلة رياضية، وكل أسرتي رياضية، والدي كان لاعباً في المصارعة لكنه لم ينل الشهرة، واثنان من أبناء عمي كانا بطلين في المصارعة العربية وهما فتاح وأوس الأعظمي.
والبداية كنا نمارس رياضة المصارعة في منطقتنا الأعظمية من خلال المشاركة في المسابقات التي ينظمها أهالي المنطقة كل أسبوع على ضفاف نهر دجلة خلال فترة الستينيات من القرن الماضي، واختارني مدربي الكابتن كريم رشيد الملقب بـ"كريم الأسود" وتم ضمي لنادي الأعظمية عام 1968، ثم انتقلت لشباب الأعظمية بمديرية الشرطة ولعبت معهم وبرزت بمستوى جيد ثم انتقلت إلى نادي الشرطة في شارع عمر بن عبدالعزيز، ثم في شارع فلسطين واستمررت في لعب المصارعة منذ 1968 حتى 1976 وتألقت في تمثيل النادي رفقة زملائي وحققنا نتائج مميزة، وكانت أول بطولة لنا في نادي الأعظمية عام 1973 وحققنا المركز الأول بتوفيق الله في عهد الدكتور نوري إسماعيل حقي.
ثم بعدها شاركنا في بطولة استقلال ليبيا ولعبت في وزن 75كم وحصلت على الوسام الذهبي وكان مدربنا المرحوم كريم غشيم. وبعدها شاركنا في أفغانستان ضمن 15 دولة وحصلت على الوسام البرونزي مع المدرب رحومي جاسم يرحمه الله.
وكنت أكثر لاعب مع المنتخب الوطني للمصارعة والفضل بعد الله سبحانه وتعالى ووالدي لمدربنا الكابتن كريم رشيد الذي كان لنا مدرباً ومعلماً وقدوة وأباً زرع فينا أسس ومبادئ رياضة المصارعة، ولعبنا نحن ونجوم المصارعة العراقية في حينها وحظينا باهتمام المدربين وقيادات الاتحاد واللجنة الأولمبية العراقية ووزارة الشباب والرياضة وشرفنا بلادنا في مشاركتنا الخارجية، وكان الدكتور نوري إسماعيل حقي قد اختارني لتولي مهام تدريب الأشبال، وخلال عامين كونا أكبر قاعدة من ممارسي رياضة المصارعة وأكبر مدرسة رياضية في نادي الرشيد الرياضي وشاركنا في بطولة العرب في المغرب وحققنا 8 ميداليات ذهبية وواحدة فضية وواحدة برونزية، ثم اختارني الدكتور حمدان القبيسي للمشاركة مع الشباب وشاركنا في البطولة وحققنا 6 ميداليات ذهبية وميداليتين فضيتين وميداليتين برونزيتين.

نتائج متقدمة
 تحقيق كل هذه الميداليات هل كان نتاج الكفاءات الفنية التي امتلكها العراق في لعبة المصارعة منذ زمن طويل؟
- حقيقة رياضة المصارعة في العراق تمتلك نجوماً مميزين ومدربين أكفاء كباراً يستحقون التقدير، كالمدرب كريم خضير مدرب الجيش، والمدرب نصير في الكاظمية، والمدربين رضا رشيد وجواد رشيد في الشرطة. ولاعبونا حققوا نتائج متقدمة عربياً وآسيوياً وعالمياً في الناشئين والشباب.
ونتمنى من اللجنة الأولمبية والاتحاد ووزارة الشباب مضاعفة الاهتمام. وجميعنا، المدربين العراقيين، نتفاءل بوجود النجم العراقي الكبير الكابتن عدنان درجال نجم المنتخب العراقي على رأس هرم وزارة الشباب والرياضة وأن الرياضة العراقية معه ستواصل التألق في المصارعة وفي جميع الألعاب الرياضية بتعاون الجميع.
الأستاذ عدنان درجال أخ وصديق ورفيق درب الرياضة, كنا نعمل معاً في نادي الرشيد والمنتخب الوطني العراقي كل حسب لعبته.
فضلت التدريب في اليمن
 حدثنا عن تدريب المنتخب اليمني للمصارعة، بداية الفكرة، وكيفية توليكم مهام المنتخب كمدير فني!
- الحقيقة تلقيت عروضاً تدريبية كثيرة ومنها خليجية وعربية وأجنبية، وكان أكثر العروض الذي أسعدتني من تونس واليمن، وتشاورت مع أصدقائي الذين كنت حينها معهم في سورية وهم الدكتوران رعد حمودي وحمدان وعموري، ونصحاني بالذهاب لليمن لأن اليمن لم يكن معروفا في رياضة المصارعة بعكس تونس، وأخبراني أنني سأجد الفرصة لإيجاد قاعدة رياضية حقيقية في المصارعة، واكتشاف المواهب وتقديم نجوم بمهارات فنية عالية، وعملت بنصيحتهما، خاصة وأنها كانت تحاكي قناعتي، ووصلت اليمن منتصف العام 2006 والتقيت بأخي الكابتن عبدالله المغربي رئيس الاتحاد اليمني للمصارعة وكنت قد التقيته في العديد من المشاركات الخارجية، وبصراحة "المغربي" ابن اللعبة ويعتبره الرياضيون الأب الروحي للمصارعة اليمنية، ووجدت منه وقيادة الاتحاد واللجنة الأولمبية ممثلة بالأستاذ محمد الأهجري ووزارة الشباب في عهد الوزير عبدالرحمن الأكوع، وكان في قطاع الرياضة الأستاذ عبدالحميد السعيدي، والوكيل خالد صالح حسين يرحمه الله والمهندس عبدالله الدهبلي يرحمه الله، وجميعهم رحبوا بي وكانوا متعاونين معي هم وقيادات الوزارة ومعهم الكابتن عبدالله العزاني والكابتن يحيى شيبان وبقية أعضاء الاتحاد. وعندما تسلمت المنتخب واجهتني بعض الإشكالات، منها اتجاه اللاعبين السابقين لمجالات التدريب والتحكيم بتأهيل أنفسهم، وبدأنا رحلة الحفر في الصخر لاكتشاف المواهب من صغار السن لنبني قاعدة صحيحة وسليمة من سن 10-15 سنة الذين كانت منازلهم قريبة من مقر تدريب المصارعة، ووجدت إقبالاً كبيراً وتشجيعاً من أولياء الأمور والآباء والأمهات على حد سواء، بل إنهم كانوا يتواجدون مع أبنائهم في أوقات التدريب، وكثفنا التداريب صباحاً وعصراً بشكل يومي في العطلة الصيفية لنحببهم في اللعبة. وأعجبني كثيراً تشجيع أولياء الأمور لأبنائهم على ممارسة الرياضة في اليمن، حالة فريدة. وجدت في اليمن خامات من صغار السن والواعدين. وبتوفيق الله، وإصراري لتطوير رياضة المصارعة صنعنا أبطالاً ونجوماً متميزين أمثال النجوم بشير اليمني وميثاق العقبي ومحمد القهالي ومحمد الصهباني وعبدالفتاح الورد ورسام محمد المغربي، وغيرهم من زملائهم.
 كيف تقييم تجربتك في اليمن؟
-  كانت صعبة وشاقة جدا, لقد بذلت مجهوداً كبيراً بنهوض المصارعة اليمنية، لأن هذه الرياضة كانت في اليمن بسيطة وتلعب بأسلوب قديم. في البداية قمت بتأسيس مدرسة للمصارعة لصغار السن لقيت المدرسة نجاحاً كبيراً. أما الشباب فقد تم اختيارهم من محافظات الحديدة وتعز والمحويت, ووضعت جدولاً للتدريب المكثف صباحا ومساء, وكنا نفتقر لأدوات وأجهزه التمارين ولا يوجد لدينا بساط أو تغذية, لكن بشجاعة المصارع اليمني وحبه للعبة ورفع راية اليمن, تجاوزنا كل الصعوبات وحققنا نتائج مذهلة في زمن قياسي وحصلنا على مراكز متقدمة وميداليات ذهبية وفضية وبرونزية في البطولات والدورات العربية والغرب آسيوية, كما حققنا ٨ ميداليات في بطولة الجيوش العربية, وحاز لاعبو اليمن على لقب أفضل مصارع وحزت أنا معهم على لقب أفضل مدرب أكثر من مرة. وهذه النتائج وتقدم وتطور المصارعة في اليمن أذهلت الدول العربية وأذهلت بالوقت نفسه وزارة الشباب والرياضة في اليمن. والحمد لله جهودي أثمرت مصارعين رفعوا اسم اللعبة ورايات اليمن عاليا في المحافل الدولية.
غياب الإدارة المحترفة
 وعند وصولك لليمن، كيف وجدت المصارعة؟
- المصارعة في اليمن كانت متوقفة منذ العام 2002 حتى العام 2007، وعند تسلمي مهام تدريب المنتخب كانت مهمتنا شاقة، أشبه بمن يحفر في الصخر لإعادة بناء هذه الرياضة التي وجدت أنها تحظى بشعبية كبيرة في اليمن.
ورياضة المصارعة نفسها طويل وتحتاج إلى التدرج والإعداد المبكر من الطفولة، ذهنياً وبدنياً ومهارياً، للوصول إلى صناعة البطل الأولمبي.
الرياضة اليوم أصبحت علماً وتحتاج توفير العديد من الظروف والإمكانيات إذا أردنا تحقيق شيء يذكر في تاريخ الرياضة.
أولاً: لا بد من وجود قيادة في رأس هرم الدولة تؤمن بأهمية الرياضة وتوليها الاهتمام والدعم.
ثانياً: العمل الرياضي أصبح احترافاً وينبغي أن يسند العمل للخبرات الوطنية والكفاءات المختصة وألا يظل حكراً على شخوص بأعينهم.
ثالثاً: لا بد من وجود استراتيجية طموحة متضمنة لكافة الجوانب التي تضمن تهيئة الأجواء لإيجاد مناخ رياضي سليم.
رابعاً: الاهتمام بالرياضة المؤسسية والجامعية لاكتشاف المواهب.
خامساً: اعتماد موازنة مالية تراعي كافة الاحتياجات للاهتمام والمنتخبات وبناء اللاعبين.
سادساً: إيجاد صالات وملاعب رياضية وفق المواصفات القانونية.
وهناك عوامل أخرى لكن الأهم فيها وجود إدارة رياضية محترفة.
اليمن في معظم الهيئات والاتحادات، إن لم نقل جميعها، يفتقر لوجود إدارة محترفة تراعي التطور والمستجدات في القوانين واللوائح الرياضية.
وجدت في اليمن غياب الكثير من الأسس المطلوبة، رغم حماسة من عملت معهم حينها، وزير الشباب والرياضة عبدالرحمن الأكوع، وحمود عباد، ونائب وزير الشباب والرياضة، الذين كانوا داعمين لأبطال ونجوم المصارعة.
عندما عملت في اليمن وجدت غياب الاستراتيجية وغياب التخطيط قصير وطويل الأمد وغياب الفكر الذي يساعد اللاعب لمواصلة إبداعه وتطوير نفسه مع التقدم بالعمر وزيادة مسؤولياته، الرياضية وغير الرياضية، فنجد الكثير من اللاعبين والنجوم يبدؤون بالتسرب أو الانسحاب من المشهد الرياضي تدريجياً لانشغالهم عن مهام التدرب والاستعداد للبطولات من أجل القيام بواجباتهم الأسرية وتوفير لقمة العيش لمن يعولونهم، وهذا يؤثر على الأداء العام للرياضة اليمنية عموماً، فالممارس لأي لعبة ليس لديه ضمانات مثلاً راتب أو حافز أو أي عائد مادي يكفل لأسرته حياة كريمة ويخلق حالة من الاستقرار النفسي والبدني والعقلي، فالتفرغ هنا غير موجود، وهنا الخلل يكون في الإدارة وغياب التخطيط السليم. صحيح هناك مبالغ بسيطة تصرف لبعض اللاعبين وعددهم لا يتجاوز أصابع اليدين، إلا أنها قليلة.
وكنا نحن في رياضة المصارعة الوحيدين الذين نتدرب بشكل مستمر على مدار العام، بالرغم من القصور في الجانب المادي وميزانية الاتحاد.


المصارعة مظلومة إعلامياً
 كيف تصف علاقتكم بالإعلام الرياضي في اليمن أو العراق؟!
- الإعلام الرياضي يمثل الواقع للرياضة في أي مجتمع. صحيح وجدت في اليمن إعلاماً متطوراً ربما فاق في بعض الأحيان واقع الرياضة اليمنية، لكن بصراحة نحن في رياضة المصارعة مظلومون إعلامياً، برغم الإنجازات والنتائج الباهرة التي نحققها خارجياً، ونرفع فيها العلم اليمني عربياً وآسوياً ودولياً.
لم نكن نجد المواكبة التي تليق بما يحققه الإعلام كشريك أساسي في النجاح، نريده معنا في إنجازاتنا وفي إخفاقاتنا، نريد إعلاماً رياضياً مهنياً لأننا بالطبع نستفيد من ملاحظاتهم، حتى النقد عندما يكون نقداً بنّاء وهادفاً، بعيداً عن لغة الاستقصاد أو التشهير أو الإساءة، فإن النقد البناء يساعدنا لتصويب آليات عملنا وتطويرها.
ونحن مع المكاشفة والوضوح. وهنا أشكركم في صحيفة "لا" لإتاحة هذه الفرصة، والحمد لله أثناء وجودي في اليمن بتوفيق الله خلقت علاقة تواصل واتصال مع الكثير من القامات الإعلامية الرياضية وحتى السياسية في اليمن، وكانت أعمالنا وإنجازاتنا محط تقديرهم ودعمهم المستمر، وأنتم أخي عبدالكريم من الكفاءات الوطنية الإعلامية التي تشرفت بمعرفتهم، وأيضاً الصحفي أنور عون، والصحفي معاذ الخميسي، والصحفي نبيل الترابي، والإعلامي محمد الأموي، والمصورين عبدالعزيز عمر ومحمد حويس وعلي شاهر، وأعتز بكم جميعاً.

نجوم مستقبليون
 وماذا عن أمنيات الكابتن ثابت الأعظمي؟
- الحمد لله رب العالمين في السراء والضراء، وكل ما أرجوه من ربي التوفيق والفلاح والصلاح لأسرتي وأن تواصل الرياضة العراقية تطورها نحو منصات التتويج في المحافل العربية والآسيوية والأولمبية العالمية وتحقيق ميداليات أولمبية، فنحن في العراق لدينا اللاعبون المميزون الذي سيرفعون اسم وعلم العراق عالياً.
كما أتمنى للرياضة اليمنية كل التوفيق والتطور نحو الأفضل، وهناك نجوم سيكون لهم شأن كبير في تاريخ المصارعة اليمنية، أمثال إبراهيم الشبامي، فهذا مصارع مؤهل للدورة الأولمبية القادمة، وأيضاً النجم جمال الصبري، والنجم ميثاق العقبي بعد أن يتعافى من إصابته، وكذلك النجوم محمد القهالي، ومحمد المغربي، ومحمد العزاني، وكثيرون، المهم أن يجدوا الدعم والرعاية الصحيحة من قيادات الاتحاد واللجنة الأولمبية ووزارة الشباب والرياضة.
صدقوني، اليمن مليء بالمواهب والنجوم الذين يستحقون اهتمام الدولة وتوفير معسكرات خارجية ومشاركات في المسابقات، وألا يتم حرمانهم من حقهم في تمثيل وطنهم. الأهم أن يكون التمثيل للأفضل وللأجدر بعيداً عن المجاملات التي تقتل الإبداع.

ذاكرة ألم
مواقف كثيرة في ذاكرة المدرب العراقي ثابت الأعظمي، غير أن اغتيال ولده الأكبر من قبل الجماعات الإرهابية شكل صدمة كبيرة له ولأسرته.
كان نجله من الأبطال في رياضة المصارعة الذين شرفوا العراق في البطولات الدولية.
في العام 2006 وبعد استشهاد نجله من قبل الجماعات الإرهابية التي غزت بقتامتها بلاد الرافدين، تلقى الأب ثابت تهديدا بتصفيته هو وأسرته من هذه الجماعات، ليغادر أبو جمال وطنه الغالي العراق والألم يملأ قلبه على نجله الشهيد البطل.