خاص - دمشق أحمد رفعت / لا ميديا -
أن يكون الصراخ والتسخين وقعقعة السلاح في أوكرانيا، ويأتي وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى دمشق للقاء الرئيس بشار الأسد، مسبوقاً بحشد بحري وجوي روسي في شرق المتوسط، فهذا يؤكد أن بين سورية وأوكرانيا ترابطاً وثيقاً وخيطاً يوجد طرفه الأول في دمشق والثاني في كييف، لكنه يتلوى ليس فقط على موسكو وواشنطن وإنما بين خرائط وعوصم عديدة.
فموسكو عندما استعدت للتصدي للتصعيد الأمريكي ضدها في أوكرانيا عززت تواجدها في ميناء طرطوس السوري، حيث توجد لها قاعدة بحرية، وأنزلت قبالة الشواطئ السورية سفنها ومدمراتها معززة بصواريخ كينزال الفرط صوتية وبالطائرات المتطورة من طراز (ميج-31 كيه) وقاذفات قنابل طويلة المدى (توبولوف تي.يو-22 إم) الاستراتيجية التي حطت في قاعدة حيميم قرب اللاذقية. لكن جدية هذه الخطوة ظهرت أكثر بمجيء شويغو إلى دمشق للإشراف على مناورات غير مسبوقة شاركت فيها اكثر من 140 سفينة حربيّة، واكثر من 60 طائرة و1000 وحدة عسكرية، ونحو 10 آلاف عسكري وأبرز الفرقاطات والسفن الروسية المضادة للغواصات، ومن دمشق أكد شويغو للرئيس الأسد دعم موسكو لدمشق في حربها ضد الإرهاب وفي الحفاظ على وحدة أراضيها.
وبحسب مصادر سورية مطلعة فإن قاعدة حميميم لم تعد مجرد قاعدة لمحاربة الإرهاب، وان دورها تجاوز بكثير الحدود الجغرافية السورية لتكون رأس حربة عسكرية في حوض المتوسط، بما توفره لروسيا من سيطرة وقدرة على المناورة والاشتباك في قلب حدود الناتو ومحيطه الحيوي.
حملة النفخ والبروبوغندا الأمريكية التي أوهمت العالم بغزو روسي وشيك لأوكرانيا، أنهاها الرئيس بوتين بوخزة جعلت قربة النفخ الأمريكية مثقوبة، عندما أعلن في التوقيت الذي حدده الرئيس الأمريكي للغزو، انتهاء عمليات التدريب الروتينية التي كانت تقوم بها قوات بلاده وعودة هذه القوات إلى قواعدها. لكن القصة لم تنته بالتأكيد، لأن واشنطن لن تستسلم بسهولة وهي ترى مكانتها تتداعى في أوروبا وشرق المتوسط. أما موسكو التي حققت نصراً سياسياً ودبلوماسياً في هذه الجولة، ستتفرغ لتنفيذ سياساتها الاستراتيجية وضمان مصالحها وأمنها القومي في أوكرانيا وأوروبا، والتي حددها بوتين في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع المستشار الألماني أولاف شولتز برفض توسع حلف الناتو إلى الجوار الروسي، وربط التزام موسكو بعدم المضي بالاعتراف بانفصال شرق أوكرانيا، بالتزام حكومة كييف بكامل مندرجات اتفاقات مينسك، مع تعهد روسي باستمرار تزويد أوروبا عموما وألمانيا خصوصا بالغاز، وهو ما يعني أن التوتر لم يغلق وهو مرشح للتصعيد في أكثر من جولة، ما يضع شرق المتوسط تحت الأنظار في المرحلة المقبلة ربما أكثر من أوكرانيا.
فشويغو لم يترك الجبهة الأوكرانية الساخنة ويأتِ إلى طرطوس في هذا التوقيت الحساس لمجرد مشاهدة المناورات العسكرية للأسطول الروسي، ولم يلتقِ الرئيس بشار الأسد ليتحدث عن التعاون الثنائي فقط، وإنما ليؤكد أن حدود حرب الغرب مع روسيا أصبحت أبعد من أن تبقى محصورة في أوكرانيا، وأن هناك ربطاً بين الجبهتين السورية والأوكرانية التي باتت تعني الكثير ليس للقيادة الروسية فقط وإنما للقيادتين السورية والروسية معاً.
وفي تأكيد على ذلك، كشفت صحيفة "البعث" السورية أن "الأمريكيين كانوا يفاوضون الروس خلال الأسابيع الماضية على أن تكون أوكرانيا مقابل سورية".
وتضمن العرض الأمريكي على موسكو "إنهاء التزامها مع سورية ومغادرة الملف السوري نهائياً، مقابل تعهُّد الأمريكيين للروس بأن تكون أوكرانيا تابعة سياسياً بالمطلق لموسكو، والتعهد أيضاً بعدم ضم أوكرانيا إلى حلف الأطلسي، والسماح لموسكو بإعادة تشكيل النظام السياسي في أوكرانيا بما فيه الرئيس وفق ما تراه موسكو مناسباً لمصالحها".
لكن موسكو، التي كانت تحلم طوال تاريخها بالوصول إلى المياه الدافئة في المتوسط وبعدما أمنت هذا الوصول في أهم موقعين في سواحل شرق المتوسط حيث القاعدة البحرية في طرطوس والجوية في حميميم قرب اللاذقية، لم تقع في المطب الأمريكي، وأعلنت رفضت هذا العرض وأبلغت واشنطن أنها متمسكة بأوكرانيا ومتمسكة بالتحالف مع سورية والنظام السياسي الذي يقوده الرئيس بشار الأسد".
هذه التطورات تؤكد أن التمكين الروسي في شرق المتوسط يسهل على موسكو التعامل مع الملف الأوكراني، وهذا يفتح الباب على تساؤلات حول ملفات وأزمات المنطقة، وخصوصاً ما يتعلق منها بالملف السوري.
التطورات المتسارعة في أوروبا وشرق المتوسط أثارت أكثر من مجرد القلق في الكيان الصهيوني، وأشعلت أكثر من ضوء أحمر هناك، وكان لا بد من رسائل اختبارية تمت من خلال العدوان على موقع في ريف دمشق بعد ساعات من لقاء الأسد مع شويغو وبعد خطاب السيد حسن نصر الله، في رسالة قرأها المراقبون في دمشق بأنها موجهة إلى روسيا قبل سورية.
فـ"إسرائيل"، التي تنظر بعين القلق إلى المزاج العام غير المريح لها في الكرملين، ألغت بشكل كلي صفقة ضخمة لتزويد أوكرانيا بمنظومة القبة الحديدية. وهذا يعني بشكل واضح أن "إسرائيل" باتت تخشى على أمنها من نوعية وحجم الأسلحة الروسية المتطورة جداً التي أصبحت في قلب الأراضي السورية.
ومع غياب أي موقف "إسرائيلي" رسمي من هذه التطورات، إلا أن الإعلام "الإسرائيلي" تكفل بنقل المزاح العام في الكيان الصهيوني، حيث نقلت وسائل إعلام عبرية مدى الحنق الرّوسي من الاستفزازات "الإسرائيلية" ومن الدعم "الإسرائيلي" لأوكرانيا، وعمليات التنسيق بين "تل أبيب" وأنقرة حيال أوكرانيا.
مراسلة الشؤون السياسية في قناة "كان" العبرية، غيلي كوهين، رأت أنّ شويغو قد يكون أودع الرئيس الأسد "كلمة سرّ" روسية لربما تتعلّق بـ"إسرائيل"، وكشفت أنها حصلت على معلومات "دقيقة" من مصدرَين روسيَّين أحدهما صحيفة (Rusvesna) تشي بـ"أمر ما" ليس عاديّاً تمّ التجهيز له في سورية ربطاً بالتأزُّم والكباش الهائل الحاصل على ضفّة أوكرانيا.
ولفتت القناة الأنظار إلى أن إجراء دوريّات روسية - سوريّة مشتركة قرب الجولان، كان من أبرز الرسائل اللافتة التي مرّرتها موسكو لـ"إسرائيل" والولايات المتحدة، عبر التلميح بأن لديها ساحة تحرّك أخرى في "الشرق الأوسط" بعيداً عن أوكرانيا.
أما الصحافي المتخصّص في الشأن العسكري لدى القناة، إيتاي بلومنتال، فقد توقّف عندما سماه" الحنق الروسي غير المسبوق على إسرائيل"، لاسيما بعد رفض موسكو الاستجابة للطلب "الإسرائيلي" بوقف التشويش في الأجواء "الإسرائيلية" الذي أربك حركة الطيران إلى مطار بنغوريون، والذي أدرج "العدوان الإسرائيلي" على جنوب دمشق في إطار "جسّ نبض القوات الروسية".
وكشفت القناة أن المعنيّين في "تل أبيب" أُبلغوا، عبر قنوات روسية، بأن أي رد سوري مؤلم على الاستفزازات العدائية "الإسرائيلية" سيتمّ بتوقيت دمشق وليس "تل أبيب".
أما تركيا، التي تبدي صمتاً لافتاً حيال هذه التطورات، فتبدو اليوم في مرحلة ترقب يؤكد تخوفها من التعزيز الروسي في شرق المتوسط، مع إدراكها أن كل ما يجري يضعها في قلب الأحداث، خصوصاً بعد كل ما راكمته من مواقف عدائية نحو روسيا، في سورية وأوكرانيا وفي أكثر من مكان في محيطها الحيوي، وهذا يؤكد أن هناك ما يتم إعداده وراء الكواليس يتعلق بملفات الوضع في سورية، وخاصة حول التواجد الأمريكي ـ التركي غير المشروع، وبالاعتداءات "الإسرائيلية" المتكررة، ما يجعل المرحلة المقبلة تقول: لننتظر ما يحدث في سورية حتى نعرف ما سيحدث في أوكرانيا.