بشـرى الغيلي / لا ميديا -
فتاة تقود بمفردها عملية تأسيس مشروع مجتمعي، وتكسب قضيتها المحفوفة بالصعوبات، وفي منطقة نائية، وبيئة لا تؤهلها للقيام بعملٍ من الأعمال التي يحتكرها الرجال. هذا واحد من أهمِّ الإنجازات التي تحققها الفتيات في القرى النائية المفتقرة لأهم المشاريع المرتبطة بحياةِ المواطنين.
سمر عبدالخالق هزاع البنا واحدة من عشراتِ الفتيات اللواتي يثبتن جدارتهن في خوض غمار التجربة. 
تقول سمر لــ«لا»: «بعد تخرجي في جامعة إب - تخصص رياض أطفال ـ تربية، تأهلت للخدمةِ المجتمعية مع الصندوق الاجتماعي للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وغيرها من البرامج التي شاركتُ فيها، وزادني ذلك إصرارا على أن أكونَ مفيدة لمجتمعي وبيئتي».

أنشطة سمر
تستطرد البنا: «قمتُ بكل ما أمكنني من أعمال لخدمة مجتمعي داخل القرية، وكلها أعمال تطوعية دون أي مقابل. من تلك الأعمال تأسيس روضة للأطفال بهدف بناء جيل متسلح بالعلم والمعرفة، من سن الخامسة حتى الثامنة. كما وما أزال أناضل في تعليم الأطفال الحروف والقراءة والكتابة، وأشارك مع منظمة أطباء بلا حدود بالنزول الميداني لكل بيت للتوعية بالتعقيم المستمر من مرض الكوليرا، وتوزيع محلول الكلور، وأدوات التنظيف لكل منزل، وتدريب أعضاء مجالس القرى في ثلاث مديريات، وغيرها الكثير من الأنشطة...».

مشروع مياه المرفدين
ولسمر البنا في قريتها، «دمنة نخلان» - مديرية السياني - إب، أنشطة بارزة، كتنفيذ المبادراتِ الذاتية. مشروع مياه المرفدين الأهلي أحد تلك المبادرات المهمة، والذي جعلها تعمل ليل نهار كالنحلة، لتخدم أهالي منطقتها، من خلال عقد الاجتماعات مع أعيان القرية، وعضو المجلس المحلي، وأعضاء الهيئة الإدارية، لمناقشة الصعوبات معهم وكيف يمكن تذليلها من خلال خطط مدروسة. كما أنها تقود حملات توعية للأفراد في القرية وتحثهم على المشاركة في المشروع من خلال المساهمة بدفع عشرة آلاف ريال يمني من كل مستفيد. ولم تكتفِ بذلك، بل قامت بتشكيل لجان مجتمعية من القطاع النسائي مندوبات في كل قرية.

الحفاظ على الحقوق
تقول البنا: «النجاح في عملي من خلال المناصرة التنموية والكفاح، والنضال وتفعيل المشروع وخدمة المجتمع، كل ذلك جعل استجابة وتفاعل الأهالي كبيرة، نساء ورجالا. جمعنا حوالى مليوني ريال يمني». وتضيف: «هذا يجعلني أتحمل مسؤولية ذلك تجاه المجتمع، رغم كل ضغوطات العمل، والحفاظ على أموال الأهالي لصالح دعم المشروع، لأنها أموال فقراء ومساكين يحتاجون لمياه الشرب. بعض النساء بعن من مواشيهن ومجوهراتهن... كل ذلك لكي يحصلن على مياه للشرب، وليرتحن من متاعب جلب المياه من أماكن بعيدة».

تعثر المشروع
كل مبادرة قوية تجابه الكثير من العثرات. فسمر البنا تعمل في المشروع بمفردها منذ 2013 حسبما ذكرت، إلا أن المشروع يحتاج إلى وقفة جادة من الجميع لتصل ثماره إلى جميع الأهالي المشتركين. أما عن كيف جاءتها الفكرة فتقول: «مشاركتي مع فرق الصندوق الاجتماعي للتنمية، والتدرب معهم على أن نكون أعضاء فاعلين في المجتمع، أوجدت لدي حماسا كبيرا للمبادرة وأن أقوم بدوري كعضو فاعل وإيجابي في المجتمع، كون الناس هنا تعاني ويذهبون لجلب الماء من الآبار البعيدة والمخيفة والتي تعرض حياتهم للخطر». وتضيف سمر: «كان مصدر ماء المشروع يستخدم في سقي مزارع القات، لحساب فئة مستفيدة من ذلك، وتحرم الأهالي من الاستفادة... ويبلغ سعر الوايت لديهم بين 16ـ20 ألف ريال... من الظلم أن يستمر هذا الحال».

وعود في الهواء
رغم أن المبلغ الذي تم جمعه -حسب البنا- مر عليه ثلاثة أعوام وتسملته الهيئة الإدارية للمشروع من الأهالي، والمساهمة أيضا بمبلغ 5000 ريال لكل مشترك؛ تقول البنا: «إلا أن الهيئة عجزت عن إكمال المشروع، وتم إهمال مكوناته وترك خزاناته عرضة للتلف، والشبكة الرئيسية الموصلة من المشروع للخزانات صدئت، كما نحتاج إلى تغيير الأنابيب التالفة، وأيضا الشبكة الفرعية داخل القرية أهملت، وتم تقطيعها وتكسيرها، ولدى الهيئة أنابيب محتفظة بها، والبعض تمت سرقتها، هذا فيما يخص الشبكة الفرعية، مما جعل الهيئة تتحجج بعدم قدرتها على إصلاح المشروع، رغم أن الهيئة هي من المستفيدين من المشروع».
وتختم البنا: «المشروع حاليا يحتاج إلى تفعيل ليستفيد منه الأهالي، حيث إن الهيئة الإدارية عندما رأت ثقة الأهالي بي من خلال جمع المبالغ إلى عندي، وبلغت مليوني ريال كما ذكرت سابقا، أثار ذلك حفيظة وغضب بعض أعضاء الهيئة الإدارية، وأنا رفضت تسليم المبالغ لهم إلا بمحضر رسمي، حتى يتم إصلاح المشروع، وشكلت لجنة مجتمعية لدعم مشروع مياه المرفدين، وصممت ختما خاصا بي، فقاموا بمطالبتي بتسليم الفلوس وأرسلوا سبعة عسكر، فأخذوا والدي وحبسوه أربع مرات، ظلما، وخسّروني 300 ألف نثريات، فتواصلت مع مدير المديرية لحل المشكلة وإخراج والدي من السجن، ففوجئت بمدير المديرية يأمرني بتسليم المبالغ التي بحوزتي، فرفضت؛ لأن هذه أموال المساكين والفقراء. وبعد ذلك استدعوني لعقد اجتماع، وفي الاجتماع وعدنا مدير المديرية بأن يساعدنا في المشروع وأن يقف معنا من خلال إحضار الحفار لتنظيف البئر، ووعد أيضا بمحاسبةِ الهيئة الإدارية، لأنه هو من أشركهم في المشروع».

ومضة أمل
معركة شرسة تقودها هذه الفتاة القوية، سمر البنا، بمفردها، وتعرض أقرب الناس لها للأذى (حبس والدها)، وتعرضها هي أيضا للضغوطات الكبيرة التي تواجهها في مجتمعٍ لا يقدر دور المرأة ولا يعترف بذلك، رغم أنها إنما تفعل ذلك إلا في سبيل خدمة هذا المجتمع. مع هذا كله، فإن سمر كسبت الرهان، من خلال توعية المجتمع المحلي والمستفيدين من المشروع فوضعوا فيها ثقتهم، ويترقبون من خلالها قطرة الماء التي ستخفف معاناتهم بمشروع مياه المرفدين.
هذا المشروع يحتاج اليوم إلى لفتة جادة من الجهات الرسمية ومن المنظمات الخيرية.