طلال سفيان / لا ميديا -
منذ منتصف فبراير الفائت الذي شهد خروج مرتزقة العدوان من بعض مناطق الحديدة، كانت المدينة تشهد طوفان من الزائرين للمدينة، وأصبحت الحديدة في شتاء 2021 القبلة الأولى للسياحة الداخلية في اليمن.
في لحظة انسحاب العدو من كيلو 16 وإعلان السلطات عن تأمين المدخل الرئيسي للحديدة، خرج الكثير من سكان المدينة لزيارة هذا المنطقة للتعبير عن الفرحة، تقابلها المئات من السيارات القادمة إلى المدينة، لتكتسي المدينة بأفواج الزائرين إليها ومشاكل الشكوى من الغلاء الذي داهم فجأة فنادق وموتيلات الحديدة.

كرنفال البحر
تمتلئ شواطئ الحديدة بالناس القادمين للمدينة للاستمتاع بالأجواء الرائعة وبأمواج البحر، في شاطئ كثيب الشاطئ الأجمل للسباحة، يكتظ البشر هناك وينتشر الكثير من أبناء الحديدة لبيع الأدوات البحرية والمثلجات للزائرين، قوارب تنتشر لاصطحاب من يريد أن يتوغل للبحر وعروض بالدراجات النارية ومباريات للكرة الشاطئية.. هذا الشاطئ الخلاب الذي عادت الحياة إليه وتنفس من المخاطر التي واجهها من قوى العدوان فيما بقي منطقتين فيه يمنع الدخول إليها نتيجة وجود ألغام لا زالت فرق الهندسة تعمل على إزالتها بحسب ما أخبر به أحد المجاهدين المسئولين عن هذا الأمر لمسئولي بعثة طواف صنعاء\الحديدة عند زيارتهم للشاطئ.
وفي كورنيش الحديدة كل الأماكن مزدحمة، الاستراحات الخاصة للعوائل، وشباب يكتظون على طول الرصيف للسمر والرقص على الزوامل الحماسية ولعب الكرة والصيد، وتبدء ساعات الذروة للكورنيش من العصر حتى شروق الشمس.. بينما تبقى حديقة الشعب صباحا ومساء ساحة رئيسية لإقامة البطولات الرياضية التي يعشقها سكان الحديدة (ألعاب قتالية وملاكمة ومصارعة وعروض بناة الأجسام، ومتنفس وحيد للعوائل للهو والمرح في العشب بعد أن تدمرت الحديقة العامة من استهداف طيران العدوان ومرتزقته لها.  

أسعار نار
بعد انسحاب مرتزقة العدوان من منطقة كيلو 16 وأطراف مدينة الحديدة الجنوبية والشرقية وإعلان الجيش واللجان الشعبية والسلطة المحلية بالمحافظة تأمين وفتح خط كيلو 16 أمام المسافرين، توافد الزائرون من الكثير من المحافظات كصنعاء وذمار والمحويت وعمران وحجة وإب والبيضاء وغيرها، على مدينة الحديدة للاستمتاع بالأجواء الساحرة التي تكتنف المدينة خلال فصل الشتاء.
وأمام هذا التدفق الهائل الذي لم تشهده المدينة منذ بدء العدوان على اليمن العام 2015، وسيطرة مرتزقة العدوان على المدخل الشرقي (بوابة المدينة) منذ منتصف 2018 وإغلاق هذا الخط أمام القادمين والمغادرين للمدينة، ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، وبالذات في المرافق السياحية (فنادق ومطاعم وخدمات المتنزهات البحرية)، ففي يوم وليلة وصل سعر الغرفة بالفنادق المتوسطة إلى 20 أو 25 ألف ريال، وضعف هذا المبلغ في الفنادق السياحية، كما ارتفعت الأسعار في المطاعم والاستراحات إلى جانب السلع الغذائية وأسعار كروت الشحن لإحدى شركات الاتصالات المستثمرة في اليمن منذ زمن.
في فنادق العزيزي بشارع شمسان وسط المدينة وجهت سؤالاً لعامل الاستقبال خليل عن هذا الارتفاع الجنوني لأسعار الغرف الفندقية في المدينة، فرد: «لنا ثلاث سنين والفنادق في الحديدة خاوية على عروشها ومعظمها أغلقت بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياحية نتيجة العدوان على المدينة ووصول مليشيا طارق عفاش والعمالقة حق الإمارات لمنطقة كيلو 4 ومنطقة الخمسين وتأثر الفنادق في هذه المناطق وكذلك الفنادق الواقعة في مدينة 7 يوليو».
ويضيف: «والله يا أخي هذا موسم سياحي لنا وبالنادر تحصل غرفة فاضية».
وحول هذا الأمر كان لا بد من أخذ رأي الجهة المختصة والممثلة بدرجة رئيسية بمكتب السياحة في محافظة الحديدة، والتي قال لنا مديرها عبدالإله محمد عبدالله الأهدل: «ما إن انسحب مرتزقة العدوان من الأجزاء التي كان يحتلها في مدينة الحديدة وإعلان السلطات المحلية تأمين وفتح خط كيلو 16 أمام المسافرين، حتى تدفق الآلاف من الزائرين للمدينة لقضاء أوقات ممتعة، وأصبحت الحديدة المدينة الأولى في مجال السياحة الداخلية على مستوى الوطن، ونتمنى من كل المواطنين والمستثمرين أن يعينونا في هذا المجال الذي نبذل فيه كل الجهود».
ويؤكد الأهدل لصحيفة «لا» على متابعة كافة المشاكل الناجمة عن ارتفاع الأسعار في الفنادق والمطاعم والمتنزهات قائلاً: «جهود كبيرة يبذلها الإخوة في مكتبي السياحة والصناعة والتجارة لضبط الأسعار في مدينة الحديدة، حيث يتم هذه الأيام إنزال حملات تفتيش وضبط ورقابة على المحلات التجارية والمطاعم والفنادق وقد تم إغلاق بعضها وتسجيل مخالفات على البعض الآخر وأخذ التزام من البعض، وندعو المواطنين والزائرين لإبلاغ مكتب الصناعة والتجارة أو مكتب السياحة عن أي حالة رفع للأسعار تواجههم». 
ويختتم مدير سياحة الحديدة حديثه: «كما تعلمون الحديدة مرت عليها سنوات عجاف في ظل الحصار والعدوان، ومن ضمن القطاعات التي تأثرت كان قطاع السياحة في المحافظة الذي عانى الكثير من العدوان والحصار، فقد أغلقت معظم الفنادق لوجودها في خط التماس، واليوم نجد انفراجة كبيرة في هذا المجال بعد خروج مرتزقة العدوان من المناطق التي كانوا يتموضعون فيها في مدينة الحديدة وبعض مديريات المحافظة».
هذا ما تحدث به مدير مكتب السياحة بالحديدة منذ أسبوعين، فيما يؤكد العديد من الزائرين أن أسعار الفنادق والمطاعم السياحية مازالت مرتفعة حتى اليوم.

آلام الهنود وذكرى المحوات
لا شيء يفرق بين محوات الحديدة وسوق الهنود، الآلام والذكريات.
في زيارة لحي الهنود في مديرية الحوك، يقول ناصر، وهو رجل يبيع المثلجات (مياه وآيسكريم) في الحي: «كل شيء مازال على ما هو عليه، الخراب الذي خلفه العدوان في سبتمبر 2016، ونتذكر كم من عزيز استشهد في هذا الحي، ونتذكر مأساة الأستاذة نجلاء، ورحيل العديد ممن كانوا في عزاء والدها، لكن الحي اليوم يبدو مكتظاً بالمارة وحركة الموتورات والمحلات التجارية».
وفي محوات الحديدة الواقع نهاية خط الحي التجاري جنوباً (الكورنيش)، الحركة كانت قوية، وخصوصاً قوارب الصيد وتجار الجملة.
في المحوات التقينا الشاب ناصر كليب، وهو يعمل صياداً، ويقول لنا: «كان الصياد منا يخشى من الإبحار بقاربه الخشبي الصغير إلى مسافات بعيدة خوفاً من التعرض لإطلاق نار وضربنا بغارات الطيران أو للتوقيف من قبل بارجات العدوان».
ويضيف كليب: «أنا تركت العمل في الصيد لسنة ونصف وعدت لقريتي بالصليف وعدت منتصف العام الماضي لأنني كنت مقطوع العمل وما قدرت أوفر لقمة عيش لي ولأسرتي».
ويستذكر: «الصيادون عاشوا مأساة بداية من ضرب المحوات، وحتى وقت تقدم المرتزقة وسيطرتهم على الخط الساحلي المؤدي للمخا، وكان المحوات لا يبعد عنهم كثيراً، كنا نخاف جداً من الخروج إلى البحر، حتى عندما نغادر البيت، كنا نقوم بتوديع أطفالنا لأننا لا نعلم إن كنا سنعود أم لا».

حارسا الربصة
حيدر عبده داوود العوبلي، وأحمد مبروك، شابان اشتهرا بحمايتهما وحراستهما لمساكن حي الربصة الواقع في مديرية الحوك على الطرف الجنوبي لمدينة الحديدة.
أخبرني الصديق عادل الأهدل عن قصة الشابين الشجاعين وطلب مني مرافقته إلى هذا الحي الذي نزح معظم السكان عنه بعد اقتراب مرتزقة العدوان منه، للتحدث مع حارسي الربصة ومعرفة ما يعانيه أبناء الحي من مشاكل، فذهبت رفقة عادل والتقيت حارسي المساكن والممتلكات مبروك والعوبلي.
في البداية، يقول حيدر: قمنا بحراسة منازل حي الربصة منذ نزوح السكان عنها مع اقتراب قوات مرتزقة العدوان الإماراتي عن منطقة الربصة، لقد كان يفرق بيننا وبينهم مسافة 1500 متر (كيلو ونصف)، وكانت قذائفهم وأعيرتهم النارية والشظايا تصل للحي وبعض البيوت تضررت، ولم تواجهنا أي مشاكل من مشاكل النهب أو غيرها لأن الحي كان محمياً من الجيش واللجان الشعبية».
بدوره، يقول أحمد: «كنت أتناوب مع حيدر في حراسة منازل حينا والأحياء المجاورة، معظم سكان الحي نزحوا أول أيام وصول المرتزقة للخط الساحلي، وقمت مع صديقي حيدر بحراسة البيوت، معظم سكان الربصة نزحوا، وتقدر تقول 90 ٪ نزحوا عن الأحياء وذهبوا إلى صنعاء وبيت الفقيه، ومنهم من نزح لقريته، ومنذ عام وحتى اليوم بعد فتح طريق كيلو 16 عاد منهم ما يقارب الـ30 ٪».
في مقهى شعبي وسط أحد أزقة حي الربصة الترابية، يتواجد عدد من أبناء الحي للسمر ولعب الكوتشينة والدمنة، تحدثوا بفخر وزهو وعرفان عن حارسي الحي مبروك والعوبلي، وطلبوا أن تنقل صحيفتنا معاناة سكان الحي قائلين: منطقة الربصة من أفقر أحياء مدينة الحديدة، لا خدمات، ولا دولة تصل إلينا إلَّا في ما ندر، مياه المشروع تصل في رأس الأسبوع، والكهرباء الحكومية تصل إلينا في اليوم 3 ساعات فقط، وخطوط الأسلاك مبعثرة على الأعمدة المهترئة التي قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، ولا توجد كهرباء تجار المولدات لدى سكان الحي، ولماذا ستصل الكهرباء التجارية إلينا، ليس لدينا طاقة على دفع فواتيرها الباهظة، ولن يخطر على بال هؤلاء التجار الجشعين أصحاب الكهرباء التجارية أن يربطوا شبكاتهم لأحياء سكانها لا يقدرون على تحمل تكاليفها.
ويعطي الشباب فكرة عن حيهم: حي الربصة معظم سكانه يعملون في الصيد وعمال بناء وهم من ذوي الدخل الأقل من المحدود، والربصة ليست فقط حياً أو منطقة، بل هي صورة نموذجية للحالة المعيشية في الساحل الغربي وتهامة.