غازي المفلحي / لا ميديا -
تعد ثانوية جمال عبدالناصر مدرسة المتفوقين الأولى في اليمن، والتي أنشئت لتقدم تعليماً نوعياً وقوياً للطلاب المتميزين والموهوبين في البلاد.
في هذا التقرير وقفة للنظر إلى حال هذه المؤسسة التي بنيت لتحوي وترعى واحدة من أهم ثروات اليمن البشرية الثمينة. فأين هي المدرسة اليوم بالنسبة للخطط والأهداف التي أنشئت من أجلها؟ وما هي معاناة المدرسة وطلابها ومعلميها بفعل العدوان والحصار؟ وما دور الجهات المعنية في التخفيف من هذه المعاناة ودعم جوهرة الثروة البشرية هذه والحيلولة دون أفول بريقها؟!

المدرسة مستمرة في أداء رسالتها
أنشئت ثانوية جمال عبدالناصر عقب نجاح ثورة 26 سبتمبر 1962، في وقت كانت فيه المدارس بأعداد قليلة في البلاد آنذاك. وفي 2013 أعيد بناء المدرسة بشكل حديث وتحولت إلى ثانوية نموذجية للطلاب المتفوقين فقط.
اليوم، لاتزال ثانوية جمال عبدالناصر تقوم بمهمتها في احتواء وتخريج المتفوقين، رغم أن الـ7 سنوات الماضية من زمن العدوان كانت سبباً في انهيار كثير من مؤسسات الدولة، خصوصاً في قطاع التعليم.
ورغم الوضع الصعب للبلد بفعل العدوان والحصار والمنعكس على المدرسة، إلا أنها تضم حالياً 700 طالب من ألمع طلاب البلاد. وكل سنة يكون للمدرسة نصيب وافر من مقاعد أوائل الجمهورية، فضلا عن أن الطالب الأول على مستوى الجمهورية في كل سنة هو من مدرسة جمال عبدالناصر. وبحسب إدارة المدرسة فإن 10 من طلابها كانوا ضمن أوائل الجمهورية العام الماضي، و7 طلاب أوائل في العام الذي قبله، و15 طالباً أوائل في العام الذي قبله، وهكذا في كل سنة لا تخلو قائمة أوائل الثانوية في الجمهورية من طلاب المدرسة.

تفوق بلا رعاية
من الوهلة الأولى تبدو المدرسة لمن لا يعرفها من قبل، أشبه بوزارة أو مبنى حكومي مهم، فبناؤها ليس على طراز المعهود للمدارس الحكومية اليمنية، غير أن هذا المبنى المتميز لم يعد كافيا لتبدو المدرسة كلها متميزة في شكلها، فالساحة المخصصة لتكون ملعب كرة قدم مغبرة ومليئة بالحصى والتراب ولا تليق بالمدرسة الأولى في اليمن، وفناء المدرسة ينقصه المقاعد والمظلات لجلوس الطلاب أوقات الاستراحة، والذين يلتصقون بسور المدرسة بحثا عن الظل عندما يخرجون في استراحة منتصف اليوم الدراسي، كما ينقص الفناء الكثير من التشجير، لكن هذه ليست أكبر مشاكل المدرسة بالطبع.
منذ البداية أنشئت مدرسة جمال عبدالناصر لتكون مدرسة تقدم تعليماً نوعياً، ويحظى طلابها بكافة الرعاية التعليمية وجزء كبير من الرعاية المعيشية، وكان الطالب يتحصل فيها على تعليم موسع يتضمن برامج إضافية لمواد المنهج مثل برنامج «التوفل» وبرنامج «الروبوت» وبرنامج الرخصة الدولية لقيادة الحاسوب، وكثير من البرامج الإثرائية، وذلك لتعزيز مستويات الطلاب، خصوصاً وأنهم نخبة من المجتهدين والموهوبين الذين لديهم الشغف لتعلم المزيد والتوسع المعرفي. كما كانت المدرسة تغطي جزءاً من احتياجات الطلاب المعيشية بهدف الحفاظ على تفرغ الطلاب للدراسة دون القلق من مصاريف العيش والمواصلات والسكن. حيث كان يمنح الطلاب فيها مبالغ مالية كبدل مواصلات بالنسبة للذين يسكنون في العاصمة صنعاء، فيما يتم توفير سكن ووجبات أكل وشرب لمن يفدون من باقي المحافظات، وكانت مع الطالب بطاقة لصرف وجبتي الصبوح والغداء من مطابخ المدرسة، على اعتبار أن التدريس بالنظام الأكاديمي، يأخذ فيه الطالب 30 ساعة أكاديمية طوال الأسبوع، فكان الطلاب يدرسون حتى الساعة الثالثة عصرا ويوم الخميس إجازة، غير أن كل هذا توقف بانقطاع الموازنة التشغيلية نتيجة الظروف الاقتصادية الخانقة التي تسبب بها تحالف العدوان القذر وحصاره للبلاد.
الآن تحول التدريس في جمال عبدالناصر من الثامنة صباحا وحتى الساعة الواحدة ونصف ظهرا، كما أصبح الخميس يوم دراسة، بهدف الحفاظ على استيفاء الطلاب كامل الحصة الأسبوعية التعليمية (30 ساعة)، وكل ذلك بسبب عدم قدرة المدرسة على توفير وجبات الغداء للطلاب والمعلمين في حال بقائهم إلى الساعة الثالثة والنصف عصراً.
لكن، وبحسب إدارة المدرسة، فإنها تقوم حاليا بمساعٍ لإعادة البرامج الإثرائية بقدر الإمكان.

شهرة عربية وعالمية للمدرسة وطلابها
المدرسة اليوم قائمة وتحافظ على مسارها المبهر في التفوق التعليمي بفضل مستويات الطلاب المتميزة والجهود الإدارية والمجتمعية المسؤولة، التي لولاها لتراجعت المدرسة لتصبح في عداد المدارس الحكومية التقليدية بعد أن خسرت كل امتيازاتها المؤسسية.
وبحسب مدير ثانوية جمال عبدالناصر الدكتور محمد القاسمي الذي التقته «لا»، فإن المدرسة ورغم الضائقة المالية وفقدان موازنتها بنسبة تزيد عن 96% إلا أنها كافحت لتحافظ على تقديم مستوى تعليم عالٍ للطلاب المتواجدين فيها، بخاصة وأن المدرسة معروف عنها أنها تضم وتخرج أفضل الطلاب على مستوى الجمهورية.
كما أن المدرسة وطلابها يحظون بشهرة عربية وعالمية نظرا للمستوى التعليمي العالي للمدرسة وطلابها، بحسب الدكتور القاسمي، الذي يؤكد ذلك بالقول: «حتى إن بعض الجامعات الألمانية تقوم بإعفاء طلاب جمال عبدالناصر من امتحانات المفاضلة لديها، كونهم متفوقين ويجتازون الامتحانات بتفوق كلما تقدموا لها».
«المفاضلة» هي الطريقة الوحيدة لقبول الطلاب الراغبين بالالتحاق بالمدرسة، على أن يكون الطلاب المتقدمون للمفاضلة هم الذين حصلوا على 80٪ فما فوق في الصف التاسع، ويتقدم من 900 إلى 100 طالب سنوياً، ويتم اختيار أفضل 200 طالب عن طريق اختبار القبول والمفاضلة، في مواد الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية واللغة العربية، واختبار ذكاء يسمى الـ»آي كيو (IQ)».
وليس ذلك فقط، بل إنه في حال جاء طالب بمعدل أقل من 80% في نهاية الصف الأول الثانوي، فإنه يتم نقله من المدرسة بأمر وزاري إلى مدرسة أخرى، لضمان بقاء المتفوقين فقط في المدرسة.
كما أن خلف الطلاب اللامعين في جمال عبدالناصر، كادراً تربوياً وتعليمياً متميزاً ولامعاً، تم اختياره بعناية، هم، بحسب تعبير الدكتور القاسمي، بمثابة صائغي الذهب الذي يظهر للعالم بأجمل الأشكال، ولذلك فإن عملية اختيار من يلتحقون بالكادر التدريسي في المدرسة تتم عبر المفاضلة.
«المدرسة تحوي أفضل طلاب وأفضل كادر تدريسي، وبالنسبة لرواتب المدرسين فإنهم يتقاضون 1000 ريال عن كل ساعة تدريس، ولكن وفقنا الله بمدرسين وإدارة مجاهدين يعرفون أنهم في جبهة تعليمية كبيرة ومهمة، ونحن مستمرون»، هكذا يتحدث القاسمي عن مدرسي وإدارة المدرسة بعد أن أوضح الظروف المالية الصعبة التي أصبحت المدرسة تعانيها، بينما كان المدرسون قبل العدوان يتقاضون رواتب توازي أساتذة جامعة صنعاء.

برامج توقفت
كانت المدرسة تقدم تعليماً موسعاً يتضمن عدداً من البرامج الإضافية للمنهج الدراسي، مثل برنامج «الروبوت» وبرنامج «التوفل» وبرنامج الرخصة الدولية لقيادة الحاسوب، إلا أنها توقفت في الفترة الأخيرة بسبب شحة الإمكانات المادية للمدرسة، لأن مثل هذه البرامج تحتاج إلى وقت إضافي من بعد الظهر، وهذا يعني بالضرورة أن يتوفر للطالب وجبة إفطار وغداء وبدل مواصلات، بينما المدرسة حالياً لا تستطيع توفير وجبة غداء للمعلم، ناهيك عن توفيرها مع وجبة الإفطار لحوالي 700 طالب.
كما أن برنامج مثل «الروبوت» الذي يعلم الطلاب الموهوبين كيفية صناعة وابتكار الأجهزة الإلكترونية، يحتاج معلمين خاصين، وحقيبة الروبوت الواحدة التي تتضمن أدوات وتعليمات وأجهزة يحتاجها الطالب، تكلف 1800 دولار. يقول الدكتور القاسمي: «لدينا كثير من الطلاب الموهوبين، هناك طلاب يقولون لنا وفروا لنا قطعاً ومعدات معينة ونحن يمكن أن نصنع جهازاً معيناً، لكن إمكانياتنا لا تسمح على الإطلاق للأسف». ويستطرد: «قدم لنا أحد الطلاب فكرة حول ابتكار روبوت يعمل كاسحة ألغام».
برغم ذلك فما زال هناك مشاريع أخرى في المدرسة، منها افتتاح قسم التدريس باللغة الإنجليزية الذي يستوعب كل عام 50 طالباً، وسيشهد العام القادم تخرج أول دفعة من هذا القسم.
وزارة التربية والتعليم نفسها تتعرض للإهمال من قبل وزارة المالية، بحسب ما قاله مصدر فيها، إلا أنها رغم ذلك استطاعت استنساخ مدرسة جمال عبدالناصر وتجربتها المتميزة في ثلاث محافظات، حيث أنشأت قبل ثلاثة أعوام ثانوية الشهيد الصماد للبنين في محافظة إب، كما أنشأت قبل عامين كلاً من ثانوية الشهيد الصماد للبنات في صنعاء، وثانوية الشهيد طه المداني في حجة.

على أكتاف الآباء والأمهات
وبحسب الدكتور القاسمي، فإن «موازنة المدرسة التي كانت تصل إلى 200 مليون ريال يمني، توقفت، وأصبحت المدرسة تعتمد بشكل كامل على دعم مجلس الآباء والأمهات ودعم وزارة التربية والتعليم عبر وزارة المالية، بمبلغ 6 ملايين ريال فقط، كما تعتمد على مساعدات الشركات الوطنية مثل المؤسسة العامة للاتصالات وشركة يمن موبايل، ولكن ذلك لا يغطي نفقات المدرسة التشغيلية».
كما تعاني المدرسة، بحسب القاسمي، من نقص شديد في المواد الكيميائية ومجسمات الأحياء، كون المواد المتوفرة هي تلك التي تم شراؤها لأول مرة في تأسيس المدرسة، وبعضها نفد، والبعض الآخر انتهت صلاحيته.
ويؤكد الحاجة الكبيرة إلى الاهتمام بطلاب المدرسة وتقديم العون المادي لهم وتوفير احتياجاتهم الأساسية من مأكل وملبس ومواصلات ومستلزمات الدراسة ليبقوا متفرغين للتعليم، ويقول: «للأسف الشديد فإنه ينظر إلى الطالب المتفوق في ثانوية جمال عبدالناصر على أنه من أسرة غنية، وهذا ليس صحيحاً بالضرورة، لأن معظم طلاب المدرسة أوضاعهم متدهورة اقتصاديا كبقية أبناء الشعب المتضررين من العدوان وتداعياته».
حسب القاسمي فوزارة المالية لم تتجاوب مع توجيهات رئيس الجمهورية مهدي المشاط، القاضية بأن يتم مراعاة مدرسة جمال عبدالناصر كونها ثانوية تعنى بتعليم المتفوقين.
وقد حاولت «لا» التواصل مع وزارة المالية للاستفسار عن أسباب عدم تجاوبها مع توجيهات الرئيس المشاط بشأن مراعاة وضع المدرسة في الموازنة المعتمدة لها، لكن للأسف لم نتلق أي رد من الوزارة حتى الآن.
يختم القاسمي: «الدول التي تستثمر في العقول هو استثمار في الاتجاه الصحيح، وكما نسعى إلى الاكتفاء الزراعي والاقتصادي، فنحن بحاجة إلى الاكتفاء العلمي وصناعة الكفاءات والعقول وإبقائها في اليمن».
ويناشد الدكتور القاسمي قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي ورئيس الجمهورية الأستاذ مهدي المشاط والحكومة وكل المهتمين بشؤون التعليم، الاهتمام بثانويات جمال عبدالناصر والشهيد الصماد في صنعاء وإب وطه المداني في حجة، كونها تحوي ثروة اليمن البشرية التي يجب ألا يستهان بها وألا تهمل، ومنحها أولوية رغم ظروف البلد الاقتصادية الصعبة.

شر العدوان لا ينتهي
من الأضرار التي تعرضت لها المدرسة بسبب العدوان أيضاً، توقف سفريات الطلاب وإدارة المدرسة في ما كان يسمى التوأمة التي كانت تتمثل في زيارة مدارس مماثلة على المستوى العربي والعالمي، وتبادل الخبرات معها، كما توقفت المشاركات في المسابقات العربية والعالمية، وذلك كله بسبب العدوان والحصار والعزلة والقطيعة المفروضة من الدول العربية والأجنبية على اليمن.