خالد العراسي / لا ميديا -

تحت وطأة تفاقم الوضع المزري لشركة التبغ والكبريت وانقطاع رواتبهم، بدأ موظفون يعرضون ممتلكاتهم الخاصة للبيع، في وقت لاتزال قيادة الشركة وحاشيتها تنعم بمكافآت تنتمي لزمن الوفرة، غير آبهة بما تمر به الشركة من أزمة عاصفة تهدد بزوالها.
مهندسون وفنيون في الشركة التحقوا بأعمال خارجية، ومنهم من تعاقد مع مصنع سهمان للسجائر (علماً أن شكل باكت سهمان مطابق تماما لشكل باكت كمران الأزرق الذي كان يسمى ملك السجائر اليمنية كمحاولة للتقليد والتزوير، وبحسب مصادر، فإن المصنع مفتوح بدون ترخيص، ولا يلتزم بأي معايير للجودة والمواصفات، ولا يدفع الضرائب والرسوم المستحقة للدولة، وهو مجرد معمل موجود في أحد البدرومات أو الهناجر بأمانة العاصمة، ولم تحرك الدولة ساكنا إزاء هذه المخالفات).

لا مبرر لصمت حكومة الإنقاذ عما حدث ويحدث في شركة كمران، وكأن ما تتعرض له الشركة من تدمير يتم بموافقتها، رغم فقدان خزينة الدولة أكثر من 60 مليار ريال، وهو مبلغ الرسوم الضريبية التي كان يمكن تحصيلها منذ 2018 إلى 2020، بالإضافة إلى حصص الصناديق.
فهل يعقل أن حكومة الإنقاذ غافلة عن هذا الجانب لدرجة أنها لم تشكل أية لجنة لتقييم الشركة، ولم تحاول التدخل لمعالجة مشاكلها واختلالاتها؟!
بالتوازي، هناك تغافل وإهمال من مجلس إدارة الشركة، ويبدو تغافلا وإهمالا متعمدا، وهذا يجعله شريكا أساسيا في الدمار الذي حل بالشركة، ويحمله جزءاً كبيراً من المسؤولية، وبالتالي يجب تحميل أعضاء المجلس الخسارة التي لحقت بالشركة منذ بدء العد التنازلي حتى اللحظة (كلا بحسب نسبته)، فالشركاء والمساهمون داخلون في الخسارة مثلما دخلوا في الربح.
أما عن تدهور الشركة، فالأرجح أن إدخال بيت هائل كشريك فيها كان خطوة مدمرة، كون هذا الشريك منافساً، ولا يمكن للمنافس أن يعمل بإخلاص، والموضوع هنا يشبه ما تم عند تأجير المنطقة الحرة في عدن لشركة موانئ دبي، أي للإمارات، التي سعت بدورها إلى تجميد وتدمير موانئنا لتنتعش موانئها، وهذا بالضبط ما فعله بيت هائل بشركة كمران.

وأعتقد أن الفترة التي بدأت فيها الشركة بالانهيار كانت فترة نبيل الفقيه، وهذا لا يعني عدم وجود فساد قبل تلك الفترة، إلا أنه كان فساد مصحوب بالحفاظ على قوام الشركة باعتبارها كياناً تجارياً يوفر للنظام السابق سيولة نقدية ضخمة تمكنه من شراء الذمم والولاءات، وتساعده على البقاء، إلا أن فترة الفقيه شملت إجراءات تدميرية بشكل ممنهج ومدروس، أبرزها جملة التعديلات التي تبناها الفقيه على النظام الأساسي للشركة، وأدت إلى إفراغ الشركة من دورها ومهامها الأساسية التي أُنشئت لأجلها، وذلك من خلال تغيير اسمها، وبالتالي تغيير مهامها بما يتوافق مع الاسم الجديد، وأجرى الفقيه تعديلات أخرى أدت إلى تقليص الدور الحكومي بالشركة، وتعزيز دور القطاع الخاص (بيت هائل والشريك البريطاني)، فبعد أن كان يمثل الحكومة في الشركة 3 أعضاء، أصبحوا بعد التعديلات عضوين فقط، وبعد أن كان يمثل القطاع الخاص والأهالي 3 أعضاء، أصبحوا 4 أعضاء، وبعد أن كانت الدولة تعين رئيس مجلس الإدارة بشكل مباشر، أصبح التعيين مشروطاً بترشيح من مجلس الإدارة.

ثم توجه الفقيه إلى الاستثمار بعد أن جعل الاستثمار مهمة أساسية للشركة، وكانت النقدية المتوفرة في الشركة آنذاك تقدر بـ13 مليار ريال تقريبا، وليته نجح في استثمار واحد، بل أغرق الشركة بمجموعة استثمارات فاشلة تقدر بـ120 مليون دولار، بدأها بـ»ميون» لتصنيع المياه المعدنية، وليته على الأقل سماها «كمران» للمياه المعدنية، وجميعها تمت بموافقة مجلس الإدارة الذي فصّله الفقيه بشكل دقيق ليوافقه على كل توجهاته وخطواته الكارثية.
وفي لحظة الصفر قدم الفقيه استقالته بعد أن أنجز المهمة التي كلف بإنجازها، وهي: سحب البساط من تحت الحكومة وتقليص دورها، ثم إغراق الشركة بالالتزامات بسبب فساده وتعمده إقامة مشاريع فاشلة، ومن فساده المهول على سبيل المثال لا الحصر بناء هنجر بتكلفة 5 ملايين دولار ليتم تشغيل تلك المشاريع بداخله، بينما تكلفة الهنجر لا تتعدى 500 ألف دولار فقط.

ورغم أن مجلس الإدارة هو الذي وافق في وقته وحينه على كل المشاريع، وعند تعثرها رفض إدخال شريك لمد الشركة بالسيولة اللازمة لتشغيلها، ورفض أيضا بيع خطوط ومكائن التصنيع للمياه والعصائر والخطوط الأخرى بربح 25٪ (للمشتري الوهمي الذي لم يكن موجودا إلا في مخيلة الفقيه وكانت خديعة لا أكثر)، إلا أن هذا المجلس نفسه وافق بعد تغيير الفقيه على بيعها بخسارة 40٪ من قيمتها، ومن هذا المنطلق نطالب بضرورة تحمل أعضاء مجلس الإدارة كل الخسائر التي لحقت بالشركة، وإحالة ممثلي الحكومة في مجلس الإدارة إلى المحاكمة، بمن فيهم رؤساء مجلس الإدارة، ليحاكموا على ما اقترفوه بحق هذا الصرح العملاق. 

فأي مجلس هذا يمكن أن يوافق على مشاريع باطلة وخاسرة ثم يقر توسيعها من «ميون» للمياه إلى «ميون» للمياه والعصائر والزبادي والمشروبات الغازية و... و... و... ثم يرفض إدخال شريك لتشغيلها ويرفض أيضا بيعها بربح 25٪ وبعد تغيير قيادة الشركة يوافق على بيعها بخسارة 40٪ من قيمتها؟! وكل ذلك مثبت بمحاضر، فكيف امتلكتم كل تلك الجرأة؟! وما مبرر صمتكم اليوم إزاء ما تتعرض له الشركة؟! وما سبب موقفكم السلبي وعدم تدخلكم وعدم اتخاذكم قراراً واحداً يكفل استمرار نشاط الشركة وبقاءها قائمة؟! بل وتهربكم من وضع آلية ملزمة تضمن استمرار نشاط الشركة وحفظ حقوق المساهمين والدولة والعاملين؟!

مصالح من تحمون ومن تخدمون بالضبط؟! ومن المستفيد؟! ومن دفعكم إلى هذه السلبية والصمت المخزي والمشبوه؟!
الأنكى أن كل قيادات الشركة السابقة واللاحقة دأبت على صرف مبالغ لبعض أعضاء مجلس النواب (أعضاء اللجان المكلفة بدراسة مشروع معين، مثل موضوع إنشاء صندوق مكافحة السرطان وصندوق تنمية الحديدة، أو أي مشروع آخر مزمع إنشاؤه وسيترتب عليه استقطاع بضعة ريالات من كل باكت سيجارة)، حيث تصرف الشركة مبالغ مالية ضخمة لبعض الأعضاء المعنيين والمكلفين بدراسة مشروع معين، لينتهي الأمر بإعدامه، وفق التقارير المرفوعة، وعدم الموافقة عليه، لأن ذلك سيزيد من أعباء الشركة ماليا (حسب وجهة نظر قيادة الشركة التي تنفق مبالغ كبيرة بصرفيات عبثية، وتحبط مشروعاً إنسانياً لكي لا تتحمل بضعة ريالات على كل باكت)، الأمر الذي يوجب قانوناً سحب الثقة عن كل عضو برلماني استلم أي مبالغ مالية من شركة كمران أو أية جهة مقابل إفشال مشاريع إنسانية وتنموية.

أما عن القيادة الحالية للشركة فلا مجال لإنكار دورها التدميري الذي أوضحناه في الأعداد السابقة، بالإضافة إلى أنها لم تتخذ إجراءً واحداً في إطار محاربة التهريب رغم أنه بلغ أوجه وذروته باستثناء قرار (يتيم) بتشكيل لجنة لمكافحة التهريب والسجائر المقلدة، لكنها لجنة صورية لم تنجز شيئاً، بل إنها لم تكن أكثر من عبء ووسيلة لصرف مكافآت نظير أعمال قام بها غيرهم، فمثلا عندما تقوم أية جهة أمنية بالقبض على شحنة سجائر مقلدة أو مهربة ترفع اللجنة تقريراً بذلك وتطلب مكافأة مالية، ولم يعد لهذه اللجنة أي داعٍ بعد أن قررت مصلحة الضرائب فرض 30 ألف ريال على كل كرتون من السجائر المهربة مقابل السماح لها بدخول السوق، بدلاً من إتلافها وتغريم وسجن مالكها (علماً أن أكثر من 90٪ من الكميات مازالت تهرب ولا تخضع للضريبة، ومنها ما بات يصنع داخلياً، والضريبة المأخوذة من السجائر المهربة لا تساوي 10٪ من قيمتها الفعلية، بينما يجب أن تكون 90٪ من قيمتها، وذلك بحسب القانون، ويجب أن يكون عليها لاصق ضريبي يسمى «البندرول» لضمان تضريب كل الكمية، كما يجب أن يستقطع من كل باكت حصة الصناديق كما هو معمول به في ما يخص التصنيع المحلي)، وهذا لغز استعصى على الحل، فكيف يمكن لدولة أن تصمت بل تشرعن تدمير اقتصادها الوطني الذي أساسا يتعرض لأبشع حرب اقتصادية، وتقتل شعبها بالسماح ببيع سجائر مضروبة ومغشوشة، بل وإمداد عدونا بالعملة الصعبة، كون جميع هذه السجائر تصنع في جبل علي بالإمارات، وبعضها تحمل أسماء وطنية لإيهام المواطن بأنها صناعة وطنية مثل سجائر شملان وغيرها؟!
تبرير هذه الفوضى رسمياً بتوفير سجائر بأسعار مناسبة يبدو مضحكاً، فقد كانت شركة كمران تنتج عدة أنواع وفق المواصفات العالمية، وبأسعار مناسبة تبدأ بـ150 ريالاً وتنتهي بـ350 ريالاً، وهي (مأرب، سبأ، كريتر، كمران)، مع العلم أن أسعار السجائر المهربة ارتفعت بنسبة 100٪ منذ توقف مصنع كمران، وأكثر ما يثير الدهشة هو اجتماع بعض أعضاء حكومة الإنقاذ مع أحد كبار المهربين ورئيس مجلس إدارة الشركة في 2017 للتنسيق بين المهرب والشركة!

ومن ناحية أخرى، قامت القيادة الحالية للشركة برفع سعر السجائر التي تنتجها، حيث رفعت السعر 3 مرات خلال 3 أعوام بنسبة 75٪ وهذا إجراء كارثي يصب في مصلحة شركة «روثمان» وتجار السجائر المهربة بدرجة أساسية، حيث يتسبب في ضعف القدرة الشرائية لـ«كمران» وينسحب زبائنها لصالح «روثمان» والسجائر المهربة، علما أن السعر استمر ثابتاً طوال الأعوام السابقة حتى في ظل الارتفاع المهول للدولار باستثناء مرة واحدة فقط اضطرت الشركة إلى زيادة 10 ريالات فقط فوق سعر المنتج بحيث يظل الفارق السعري بين «كمران» و»روثمان» ثابتاً (50 ريالاً) بحسب السياسة السعرية المتبعة والضرورية.

وحتى لا نطيل في الحديث عن الإجراءات الكارثية التي قامت بها قيادة الشركة، يكفي أن تعرفوا أنها حين استلمت القيادة كانت الالتزامات حينها تقدر بمبلغ 7 مليارات و200 مليون ريال تقريباً، وحاليا تبلغ الالتزامات 7 مليارات و300 مليون ريال تقريبا.
قد يتصور البعض أنه لا يوجد أي تدهور ما دامت الالتزامات لم تزد إلا 100 مليون ريال فقط، لكن الفاجعة تكمن في ضياع أكثر من 60 مليار ريال، وهي عائدات أكثر من 200 حاوية استلمتها الشركة من 2018 إلى 2020، ولا يُعرف كيف يمكن أن يتم إهدار مبالغ ضخمة بهذا الحجم رغم عدم سداد الشركة كثيراً من الالتزامات كالضرائب وحصص الصناديق، ودون حتى أن توفر الشركة قيمة المواد الخام التي كان يجب ألا تمس بأية حال من الأحوال.
ويرى البعض أن مسألة إنقاذ الشركة باتت مستحيلة، لكن الإرادة تقهر المستحيل والإخلاص يصنع المعجزات، ومن يريد انتشال الشركة من الغرق والسقوط الوشيك عليه أولا تغيير قيادة الشركة ومحاسبتها على كل الأخطاء والتجاوزات والانتهاكات الإدارية والمالية وكل ما أدى إلى الفشل، ثم اتخاذ مجموعة من الإجراءات تكون عبارة عن برنامج ومصفوفة إنقاذ متكاملة وفق الخطوات التالية القابلة للتعديل والحذف والإضافة:
1 ـ إلغاء جميع التعديلات التي قام بها نبيل الفقيه كونها غير قانونية وتتعارض مع النظام الأساسي الذي نصت الفقرة (ج) من المادة (47) بأنه لا يجوز للجمعية العامة غير العادية إجراء تعديلات في نظام الشركة من شأنها أن تزيد أعباء المساهمين المالية أو تعديل الغرض الأساسي للشركة... الخ.
2 ـ مطالبة شركة «روثمان» بالأرباح الخاصة بشركة «كمران»، حيث تمتلك شركة «كمران» 16٪ من شركة «روثمان» ولم تستلم أرباحها منذ 2015 وحتى اليوم، وهذا سيوفر للشركة مبلغاً ضخماً جداً يحل جزءاً كبيراً من المشكلة.

3 ـ تتمسك الشركة باستثمارها الذي رأى النور وهو مصنع السجائر المقام في الأردن، لاسيما وقد تم الإنشاء والتدشين وسيبدأ الإنتاج قريبا، وهذا سيعوض الشركة عن السوق الذي فقدته في اليمن، وستغطي أرباح المصنع جزءاً من الالتزامات المترتبة على الشركة (مع العلم أن هناك توجهاً خبيثاً لإحباط تشغيل مصنع الأردن، ثم إقرار بيعه بحجة استخدام القيمة في إنقاذ الشركة، وغالبا ستتم الموافقة على بيعه بنصف قيمته وبالتقسيط، وهناك توقعات بأن المشتري سيكون بيت هائل أو الشريك البريطاني، وجزء كبير من المؤامرة يهدف إلى إبطال هذا المشروع لأنه سيؤثر على سوق بيت هائل والشركة البريطانية في الشام).
4 ـ التزام الشركة بخطة تسويقية للمبيعات بعيدا عن المزاجية والعشوائية والقرارات الفردية.
5 ـ جدولة الالتزامات بحسب أهميتها وتوفير الضمانات اللازمة لسدادها عند دخول المواد الخام وبدء التصنيع.
6 ـ وقف كل الصرفيات العبثية والمساعدات والمعونات وكل ما يصرف عبثا بمسمياته المختلفة والالتزام بتجنيب نسبة من قيمة المبيعات لشراء المواد الخام وتسديد الالتزامات الحتمية بحسب الجدولة.
7 ـ تكليف مكتب محاسب قانوني لدراسة الوضع المالي للشركة والرفع بكافة الاختلالات والتجاوزات المالية منذ 2015 إلى 2020، وإغلاق حسابات الأعوام 2017 و2018 و2019.
8 ـ إلغاء جميع القرارات الباطلة والمخالفة للقانون والتي أضرت ولاتزال تضر بالشركة.
9 ـ تشكيل لجنة حكومية تشترك فيها كل من وزارة الصناعة والتجارة والأجهزة الرقابية، لدراسة أوجه الخلل وتقييم وضع الشركة ووضع الحلول والمعالجات الممكنة.


- صورة مع التحية 
لقائد الثورة.