حاورها: المحرر الثقافي / لا ميديا -

ترى نفسها غير منتمية لأي من مدارس الفن التشكيلي، لكنها تحب العمل على المدرستين الواقعية والتعبيرية أكثر من غيرهما. وترى أن الفارق بين الرسام والفنان هو أن الأول يلتقط الجمال بعينه، فيما الثاني يلتقطه بروحه.الفنانة حنان عبدالسلام محمد العبيدي، من مواليد صنعاء 1988 حاصلة على دبلوم إدارة أعمال من المعهد الوطني للعلوم الإدارية، ونائب سابق لمدير بيت الفن. تعمل حالياً نائب المدير العام للحرف والمشغولات اليدوية بوزارة الثقافة. عضو في العديد من المنتديات الفنية الداخلية والخارجية، وشاركت بأكثر من 70 معرضا مشتركا، أبرزها مشروع «أنا اليمني» و»مأساة وصمود» لمؤسسة الشعب، وفيلم «حكاية وصورة».
«مرافئ لا» التقى الفنانة حنان العبيدي في حوار حول تجربتها في مجال الفن التشكيلي، فإلى الحوار:

حضور فني للمرأة رغم الصعوبات
 التجربة النسوية اليمنية في الفن التشكيلي.. كيف تقيمينها؟
 التجربة النسائية في مجال الفن التشكيلي في اليمن، شهدت تقدما ملحوظا، رغم أن المجتمع عموما لا يشجع هذا الفن بالمستوى المطلوب، أو لا يمنح هذا الفن الشعبية أو الجمهور المشجع على تطوره، ولعل الدور الكبير في تطور التجربة النسائية، يعود في المقام الأول إلى الأسرة التي تتفهم ميول ومواهب وإبداعات المرأة، حيث تكون الفرصة ملائمة في حال وجود سند من داخل العائلة، بالذات إذا كان هذا السند صاحب الكلمة الأولى والأخيرة بين أفراد الأسرة مثل الأب أو الزوج. هنا تكون المرأة قوية وتستطيع ممارسة نشاطها بكل حرية وإبداع، وتبذل كل طاقتها لتكون عند مستوى الثقة التي منحت لها، خصوصاً في مجتمعنا المحافظ والحريص على أن تكون المرأة لؤلؤة مكنونة، ولا يسمح لها أن تكون كيانا مستقلا خوفا عليها من أن تتأثر بنماذج سيئة في محيطها، ومع ذلك فإن المرأة استطاعت أن تكرس حضورها في الوسط الفني، ليصبح عدد الفنانات أكبر من عدد الفنانين.

الفن التشكيلي اليمني يفتقد حلقة مهمة
  هل هناك ثقافة فن تشكيلي في أوساط الفنانين اليمنيين، وخصوصا الشباب، أم أن المسألة تعتمد على موهبة الرسم؟
الثقافة في ما يخص الفن التشكيلي في بلادنا ليست بالمستوى المطلوب، وكل ما توفر للفنان من الثقافة في مجاله يكون بمجهود ذاتي، ويختلف الأمر بين فنان وآخر، وذلك يرجع لانعدام وجود جامعات ومعاهد فنية متخصصة ومعتمدة ومتقدمة، وهنا يمكن القول إن حركة الفن التشكيلي في بلادنا تفتقد حلقة مهمة، من شأنها أن تؤسس لتجارب فنية رائدة.

عين الرسام وروح الفنان
  ما الفرق بين الرسام والفنان التشكيلي، وبين الاحتراف والموهبة؟ 
الفرق بين الرسام والفنان يكمن في الزاوية التي ينظر منها إلى الفن التشكيلي من حيث التفكير والابتكار والإبداع والإحساس، فالرسام يرسم اللوحة ويحاول نقلها للمتلقي كما هي في الحقيقة، بينما الفنان يتعاطى مع اللوحة من زاوية مختلفة، فهو يقرأها وفق فلسفة وفكر معين، ثم يضفي عليها روحه وفكره ونظرته للحياة، فالأول يلتقط الجمال بعينه ويرسمه، بينما يلتقطه الثاني بروحه ويضيف له من مخيلته.
الاحتراف خبرة سنوات تراكمية من الجهد والعمل وخبرة مكتسبة يحصل عليها الفنان بالتدريب والتعليم والممارسة، فكسب المهارة والمقدرة تحتاج إلى الوقت والتطوير، بينما الموهبة صفة فطرية يولد بها الفرد وملكة خاصة على القيام ببذل مجهود أكبر ليصل إلى الاحترافية، والموهبة وحدها لا تكفي، بل يجب أن يبذل الموهوب المزيد من الجهد لتنميتها، لأنها هبة إلهية لا يد للإنسان سوى تنميتها كي تكتمل.

دعم وتشجيع أسرتي
  حدثينا عن تجربتك في الفن التشكيلي.. ما الذي أحدثته الدراسة المنهجية في تلك التجربة؟ 
بالنسبة لتجربتي في الفن التشكيلي، كنت محظوظة جدا لوجودي في عائلة متفهمة وعلى درجة من الوعي، وبالذات أبي وأمي وأخواتي، حيث إني لم أواجه أية صعوبات أسرية، وتلقيت جميع أنواع التشجيع من أسرتي لأمارس هوايتي وأطور موهبتي بكل حرية، فأسرتي لعبت دورا جبارا في حياتي لأكون ما أنا فيه الآن.. ومن حيث إني كنت أمارس الرسم من طفولتي كهواية، بعد الثانوية التحقت ببيت الفن في صنعاء، وهنا كانت هذه الخطوة أول الطريق بالنسبة لي في مشواري بالمجال الفني، حيث تعرفت على الخامات وأنواع الرسم المختلفة، بعدها زرت باقي بيوت الفن بمحافظات تعز وإب وذمار وعدن والحديدة، حيث كانت أسرتي تذهب لقضاء الإجازات، وكان أبي يبحث لي عن بيوت الفن، لكي أتعرف عليها عن قرب، واستطعت تكوين صداقات فنية واسعة، وتعرفت على الكثير من الفنانين، وبدأت في اكتشاف مراكز الضعف والقصور في تجربتي والعمل على تجاوزها.

تأثير سلبي 
  كونك موظفة في وزارة الثقافة وعضواً في البيت اليمني للفنون التشكيلية.. أي أثر تركه ذلك على أعمالك؟
عملي في بيت الفن كان حملا ثقيلا عليَّ، وأثر بشكل سلبي على نتاجي الفني من اللوحات، حيث انشغلت بالتنسيق والتجهيز والبحث عن دورات تدريبية للموهوبين والفنانين، وتنظيم مهرجانات فنية مجانية، حيث اشتغلت لمدة 7 سنوات كنائب لمدير بيت الفن بصنعاء.  
وبالنسبة للأثر الذي تركته من خلال عملي كنائب لمدير بيت الفن، فربما حاولت أن أقدم شيئا مختلفا بإقامة معارض شهرية، شخصية ومشتركة، وأيضا إقامة دورات تدريبية بالفحم والزيتي والرصاص والزجاج والخامات المختلفة، وكذا دورات في الخط العربي، وأستطيع أن أقول إنني اهتممت بغيري، وحاولت أن أقدم أقصى ما في الإمكان تقديمه بحسب المتاح لدى الوزارة من إمكانيات.

تجربة «وحشية» فريدة
  إلى أية مدرسة فنية تنتمي الفنانة حنان العبيدي؟
ليس لدي مدرسة معينة أنتمي لها، ولكني أجد أن المدرسة الكلاسيكية أو الواقعية والتعبيرية هي أكثر المدارس التي أحب العمل عليها، لأني أجد ارتياحا كبيرا حين أشتغل فيها، ومع ذلك فقد حاولت أن أخوض تجربة مع المدرسة التجريدية والمدرسة الوحشية بلوحة واحدة لم أقتنع بها، وكانت آخر تجربة لي ضمن هذه المدرسة، ولكن هناك شيئاً بداخلي يحثني على الاستمرار، وقد أحاول مرة أخرى حين أصل إلى الاحترافية في المدارس الثلاث السابقة التي أعمل عليها.

مشروع وحيد يوفر لقمة عيش
  لماذا يكاد الفن التشكيلي ينحصر في رسم معالم أو وجوه؟ وإلى أي حد يتأثر الفنان التشكيلي بشيوع ثقافة المسابقاتية والجوائزية في توجيه نتاجه الفني؟ وهل أصبح همه أن يصوغ فنه بما يوائم توجهات القائمين على تلك المسابقات؟ 
لا أحس بأني محصورة ضمن نطاق محدد، وإنما المعارض والمسابقات هي المحصورة، حيث يتم تحديد موضوعات المسابقة ضمن مواضيع معينة، أو حسب ما تطرحه الجهات الممولة للمعرض، بالذات خلال الفترة السابقة، فمثلا وزارة السياحة، أطلقت مسابقة أجمل منظر سياحي في اليمن، ووزارة الثقافة أطلقت جائزة الشباب لـ5 أعوام في مواجهة العدوان، أيضا مؤسسة الشعب أطلقت مشروعين، الأول كان بعنوان «أنا اليمني» وينحصر بلوحتين (شخصية اجتماعية والأخرى معالم يمنية)، والثاني «مأساة وصمود».. فالسبب في حصر التجارب المعروضة يعود للمعارض التي تقيمها الجهات المسؤولة. وبالنسبة لرسم الوجوه، للأمانة هو المشروع الوحيد الذي يوفر للفنان لقمة عيش مهما كانت ضئيلة، وخصوصاً في ظل الظروف التي تمر بها البلاد.

الحقيقة بشكل جميل ولطيف
  هل استطاع الفن التشكيلي أن يفرض نفسه في المجتمع؟
الفن التشكيلي هو الوحيد الذي استطاع أن يقدم نفسه للمجتمع بكل ثقة، ويخاطب جميع الفئات العمرية والمركزية، فهو الفن الوحيد الذي ينقل الحقيقة بشكل جميل ولطيف، حيث يتسنى للجميع أن يرى المشكلة بلطف وجمال وحماس، لأن الفن يخاطب المشاعر الداخلية بروح أي إنسان، أيا كان انتماؤه أو مركزه أو مستواه الاجتماعي.

الفنان الحقيقي يقف مع الوطن
  ما هي الزاوية التي تتناولين فيها موضوعاتك؟ وما مدى إيمانك بحيادية الفن؟ 
في أعمالي الفنية تناولت الكثير من القضايا الإنسانية، ومن بينها قضايا المرأة والطفولة، والأسرة، والحقوق والحريات، ومرض السرطان... وغيرها، وشاركت في معارض فنية مناهضة لما تتعرض له اليمن من حرب منذ سنوات، وذلك لا يعني بأية حال من الأحوال أن لي علاقة بالسياسة، فأنا فنانة، والفنان انتماؤه أكبر من أن يُختزل في حزب سياسي أو جماعة، وقد حرصت على ألَّا أعبر في أعمالي إلا عما أنا مؤمنة بأنه صحيح. وحين يقف الفنان في صف الوطن، وضد العدو لهذا الوطن أيا كان، فإنه بذلك يؤدي دوره، بعيداً عن أي حسابات، ويؤدي الرسالة المنوطة بالفن، والتي يجب أن تكون رسالة إنسانية هادفة.