أنس القاضي / مرافئ لا -

يأكل ويؤكل، من ضمن أكثر المقولات اليومية خطورة على الوعي الاجتماعي، والتي تؤدي به إلى ممانعة التغيير وتمني عودة القديم وتبخس نضاله في مواجهة الصِّعاب وآماله في حرية الوطن وسعادة الشعب وتقدمه الاجتماعي، تقدم تفسيرات عقيمة وغير علمية للماضي والحاضر لا يترتب عليها موقف عملي يغير ما ينكرونه من الأحوال والأوضاع الراهنة. 
إن أخطر ما في هذه المقولة هو أنها تكرس في وعي الشعب أن التغيير عملية مُجرمة، وبأن الواقع يُفترض أن يبقى كما هو، وأن قيم الحق والعدل لا ضرورة لها ولا إمكانية لتجسيدها، وأن على الشعب الاكتفاء بالفضلات التي تُرمى له من قبل كبار الذين يستأثرون بالمال العام والثروات الوطنية، فهي تطمح للعودة إلى ما قبل بدء الحراك الثوري (2011-2014)، فهي تنفي أن الأوضاع القديمة كانت تمضي نحو الأسوأ، وأن مشاكل اليوم جذورها في الأمس. 
المقولة قائمة على المقارنة ما بين الوضع الاقتصادي في زمن حكم علي عبدالله صالح وأسرته وبيت الأحمر، وواقع اليوم في ظل الحرب العدوانية التدميرية والحصار الاقتصادي، وهي تجد أن الواقع الاقتصادي اليوم سيئ، وبناء عليه فإن الأمس كان جيداً لأن اللص كان يرمي بالفضلات لبقية الشعب وللمقربين أسرياً وحزبياً ومناطقياً. 
المقولة ليست علمية في تحليل أسباب سوء الوضع الاقتصادي الراهن تحليلاً يحدد الأسباب التي أدت إلى التراجع الاقتصادي اليمني بشكل عام، فلو أن من يرددون هذه المقولة يفكرون بطريقة منطقية لعرفوا أسباب سوء واقع اليوم، ولتوصلوا لإمكانيات تغييره نحو تحرر المواطن من نمط العيش على فضلات أية أسرة أو حزب أو جماعة تسيطر على البلد. 
إن ما يجعل قطاعاً من الجماهير تفكر بهذه الطريقة هو قصور الوعي لديها، فهي لا ترى في رواتب الموظفين الحكوميين ولا في الخدمات العامة كالنفط والغاز والماء والكهرباء، حقوقاً دستورية للمواطن، بل تراها منحة وهبة كان يحصل عليها المواطن تفضلاً في زمن علي صالح، فيجب أن يُحفظ الامتنان للحاكم السابق أو يعود أبناؤه وأولاد عمومته للحكم البلاد، وكذلك عودة حكم السفارات الأجنبية وقروض المانحين، وهي سياسات فاسدة طفيلية استعمارية لو أمكن لها العودة لأنتجت النتائج نفسها من حروب في صعدة وعدن وصناعة إرهاب وارتفاع نسب الفقر والدين العام وأزمة في الانتخابات وتوريث وتقاسم السلطة والثروات بين أسرتين وحزبين!