تأثرتُ بوالدي وعشقت الآنسي وأبو نصــار
تتفاوت لحون الأغنية الإبية تبعا لأوقات اليوم وأداؤها حر

حاوره/ نشوان دماج - مرافئ -

الفنان نبيل علوي محمد سالم، بلبل اللواء الأخضر وصادحه الشجي. يأخذك صوته إلى مساحات من العشب والاخضرار، تماماً كوديان مدينته قبل أن يغزوها الإسمنت، ويحولها إلى كتل شوهاء. 
هو من مواليد 1967 في مدينة إب القديمة، عشق الغناء منذ الصغر وتأثر بوالده ليس في الغناء فحسب، بل في الحفاظ على ذلك الموروث الغنائي الأصيل لمدينتهما، خوف أن تغزوه هو أيضاً إسمنتيات من نوع آخر، فيتحول إلى مسخ. 
مرافئ «لا» التقى الفنان نبيل علوي في حوار حول خصوصية الأغنية الإبية والمعوقات التي حالت دون انتشار اللون الغنائي الإبي، فإلى الحوار:

لكل وقت غناء ولحن
  ما الذي يميز الأغنية الإبّيّة؟ وهل هناك خصوصية لها؟ وأين تتجلى تلك الخصوصية؟
أولا أتقدم بجزيل الشكر سلفاً لصحيفة «لا» على استضافتها لي بهذا اللقاء. بالنسبة للون الغنائي في إب فإنه يتميز بأدائه القديم الأصيل الذي لم يتعرض للمسخ، وخصوصا غناء القصائد الطويلة التي تحتوي على أكثر من لحن، مثل: «اقبس متى شئت»، «يا أهيل الغرام»، «بات سميري» وغيرها. وللأغنية الإبية خصوصيتها التي تتجلى في أدائها الحر غالبا. كما تمتاز بألحان تؤدى على مدار الـ24 ساعة، لكل وقت غناء ولحن.

فنانون بلا تسجيلات
 من هم أبرز القامات الغنائية في محافظة إب؟
كانت إب تزخر بكوكبة فنية عملاقة قبل ظهور والدي، وكان على رأس تلك الكوكبة، في ثلاثينيات القرن الماضي، الفنان حسين النود والفنان غالب البوصي والفنان علي الجارش، والذين للأسف لا يوجد لهم أي تسجيلات، لأنه أولاً كان الفن بحكم الممنوع، وأيضاً لم يكن هناك تسجيلات في إب مطلقاً. وكان للفنان علي الجارش الفضل في تعليم والدي العزف على العود القديم، والذي كان يسمى في إب «الكتاب».
  ما مغزى تلك التسمية؟
كان العود القديم يسمى «الكتاب»، والسبب أن المجالس والمقايل كانت هي أماكن التجمعات، وكانوا يتداولون قراءة الكتب، مثل كتاب «المستطرف في كل فن مستظرف»، والقصص مثل عنترة وغيرها، فكانوا يسمون العود «الكتاب» أمام العوام، ويقولون سنأخذ الكتاب لبيت فلان، كأنه أحد تلك الكتب.
 وماذا عن الموشحات والأناشيد الدينية؟
بالنسبة لمجال النشيد والموشحات والموالد والمدائح فكان جدي الفقيه محمد سالم هو الأبرز فيه، هو وأولاده الثلاثـــــــة: عبدالكريم وأحمد وعلي أصغرهم، وهو والدي، والذي كان الناس ينادونه «علوي» بدلا من «علي»، من باب التدليل والدلع. 

عشت في بيئة فنية
 كيف كانت بداياتك مع الغناء؟ وهل كان للوالد أثر في تنمية موهبتك؟
بالنسبة لبداياتي الفنية، فبما أنني ولدت وترعرت في بيئة وبيت فنيين، فقد عشقت الفن منذ الصغر. ولا شك أنه كان للوالد الأثر في تعليمي وتنمية موهبتي.
  بمن تأثرت من الفنانين الذين سبقوك؟ وهل التقيت بعضهم؟
تأثرت بوالدي الفنان علوي، وعشقت الآنسي وأبو نصار. عرفت الآنسي عندما زار إب في عرس بيبت أحمد الهيكل، وكنت بصحبة والدي. وكنت صغيراً جداً. أما المرحوم السمة فقد التقيته شخصياً بصحبة الكابتن محمد الحمامي، الذي اصطحبني للقائه في منزل الوالد الكريم المرحوم قاسم حسين فارع.

سلبوا مني التكريم
  ماذا عن مشاركاتك الفنية داخلياً وخارجياً؟
مشاركاتي الفنية كثيرة لا أستطيع حصرها، ففي السابق لم يكن لدينا فرق موسيقية في إب، وكان الفنان هو الكل في الكل. ومنذ أواخر السبعينيات وأنا مشارك أساسي في غالبية الأعياد الوطنية، بالإضافة إلى المخيم الخامس لاتحاد طلاب اليمن 1985، ومهرجان الهواة الذي كان يتبع المجلس الأعلى للشباب والرياضة. 
كما أنني شاركت خارجياً في السنة الدولية للشباب في أبريل 1985 بدولة الكويت. وآخر مشاركة لي كانت في العيد الـ17 للوحدة، وكانت مهمتي اللوحة الزراعية مع الوفد الكوري وقيادة الموسيقار المبدع أحمد بن غودل.
  وماذا عن التكريم؟
بالنسبة للتكريم كان يحدث أحيانا، ولكن في العيد الـ17 للوحدة سُلبت كل مستحقاتي المالية من اللجنة العليا للاحتفالات، حتى شهادة التكريم لم أستلمها. يقال إنها فوق أحد الدواليب في مبنى المحافظة.

اللون الإبي مدفون
  ما هي المرحلة التي نستطيع أن نقول إن الفن الغنائي في إب ظهر فيها كطابع فني؟
مرحلة ظهور الغناء في إب مازالت مدفونة. ولقد تابعت تلفزيون صنعاء 14 عاماً من أجل الحصول على لقاء ثقافي فني لشرح اللون الغنائي في إب، فكانت الإجابة هي اللامبالاة والرفض، حتى إنني كرهت الإعلام المرئي نهائياً. كان هناك برامج فنية مع فنانين كثيرين من أكثر من محافظة، ولكن أعتقد أن هذه اللقاءات كان موصى عليها. 
وبرغم أنني غنيت للتلفزيون عدداً من الأغاني في بداية مشواري الفني، وكانت أخطائي كثيرة بحكم البداية والسن، ولكن كانت أمنيتي أن أشرح عن الغناء في إب، وعن مراحل تطور الأغنية، وخامات بعض الألحان كيف تم تجديدها، وغير ذلك.
  هل هناك تشابه بين اللون الصنعاني واللون الإبي؟ 
يوجد تشابه كبير بين الغناء الإبي والصنعاني، بل يكادان يتساويان، وإنما الاختلاف في طريقة الأداء فقط، أو في الموشحات الدينية.

دور سلبي
  ماذا عن حضور هذا اللون الغنائي على مستوى اليمن؟ ولماذا لم تنتشر الأغنية الإبية كغيرها؟ 
حضور اللون الغنائي الإبي قليل، وذلك بسبب الإعلام غير الموجود. كما أن عدم انتشار الأغنية الإبية كان سببه، للأسف الشديد، أعيان المحافظة الذين لم يسندوها ولم يدعموا تسجيلها وتوثيقها. فهم يحبون ويعشقون الأغنية، ولكن دورهم سلبي وإلى الآن. فكبراء ووجهاء إب لم يخدموا الأغنية بشيء مع شدة حبهم واعتزازهم بها.
 هل تمتلك تسجيلات بصوت والدك لجميع أغاني هذا اللون؟ 
يوجد تسجـيلات بصوت والدي، وله أيضا أغان في تلفزيون صنعاء.

الآنسي أدى الأغنية الإبية
  علاقة الوالد الفنان علوي محمد سالم بغيره من الفنانين.. كيف كانت؟
كان الوالد له لون فني خاص لا يرتبط بأي فنان، لكن كانت تربطه بالفنانين علاقات صداقة حميمة، كالأستاذ العظيم علي الآنسي والسمة وأبو نصار، كما أنه في بداياته الفنية التقى المرحوم قاسم الأخفش.
كان يعتز بالآنسي وأبو نصار، وكل المبدعين آنذاك، وكانت علاقته بالآنسي تحديداً قوية، بحكم علاقة والدي بشقيقه الأكبر، المقام العميد أحمد علي الآنسي، في تعز ما قبل الستينيات.
  لكن يقال إنه بالرغم من تردد الفنانين، أمثال علي الآنسي وعلي السمة، كثيراً على مدينة إب، وتعطشهم وعشقهم للأغنية الأبية، بحسب الكثيرين، إلا أنهم أحجموا عن تأديتها.. لماذا برأيك؟ هل لصعوبتها مثلاً، أم أن هناك أسباباً أخرى؟
لم يحجم الفنان الآنسي عن الغناء باللون الإبي، بل إن أغنية الزفة شاهدة على ذلك، كما أنه غنى كثيراً من الأغاني بنفَس إبّي، مثل: «يا خل لا تشمت بحالي الناس»، «آنست يا حالي»، وغيرهما.
أيضا الفنان السمة، كان له حضوره في إب إعلامياً وأسرياً، وكان النفس الإبي يظهر في بعض أداءاته. وعلى أية حال، ربما لصعوبة الأغنية الإبية دور في الإحجام عن أدائها. 
  أين تكمن تلك الصعوبة بالتحديد؟
ليست الصعوبة في لون الأغنية، بل في الأغاني والقصائد التي تعتمد على الدور ثم التوشيح ثم التقفيل، وكلٌّ لها لحن مختلف، مثل «يا غصن مايس يا قمر»، وأمثالها من القصائد.

وصلت حد فقدان الأمل
  لمَ لمْ تقدم هذا الإرث الفني عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليتسنى للناس معرفته ويأخذ حقه؟ 
هذا الإرث الفني والدي عانى كثيراً في الحفاظ عليه، وأنا عانيت ومازلت حتى فقدت الأمل. كان البعض يتهم أبي -رحمه الله- بأنه دفن الغناء الإبي. ويأتي الاتهام عادةً من قبل المهتمين والمحبين، وهو ودي بشكل عتاب ولوم. الآن هناك البعض يكرر الاتهام لي بأنني دفنت الغناء الإبي، مع أنني حاولت حتى تعبت، حيث لم أتقاعس عن أي منتدى أو مهرجان أو لقاء. ولكن لو كان كبراؤنا يريدون توثيق الغناء في إب لكان باستطاعتهم أن يصنعوا استوديو تلفزيونياً كاملاً. أما أنا فأية قوة لدي؟ أنا أغني وبس.
  هل يمكن القول بأنكم استطعتم الحفاظ على ذلك الإرث؟
نعم، إلى حد ما، والحمد لله. إضافة طبعاً إلى الفنان الكبير محمد القرمة، الذي أخذ عن والدي الكثير.

توثيق الأغنية الإبية قيد الدراسة
  هل لديك أي مشروع للتوثيق في ما يخص الأغنية الإبية؟ وما هو؟ 
مشروع التوثيق قيد الدراسة.
  وهل يتم ذلك بجهود فردية؟
كانت فكرة التوثيق بمساعدة جامعة إب، وهذا كان مبادرة من الدكتور عبدالعزيز الشعيبي رئيس الجامعة سابقا. وأستطيع القول بأنه مشروع فردي، رغم نفسيتي المحبطة في هذا الجانب، ولكن على الله.

أفخر بأنني فاشل!
  ما رأيك في ما يقدم من فنٍّ هذي الأيام؟ وهل التقدم التكنولوجي وحداثة طرق التواصل الاجتماعي ستخدم فننا اليمني أم ستهدمه؟
ليس لي رأي في الأمر، بل إنني فشلت واحترت في تقييم أو فهم ما هذا أو من أين هذا. لا أعرف كيف أتحدث، وهي عندي بمثابة مأساة. الجيل الفني الجديد في إب لا أدري هل لم يستوعب الأغنية الإبية، أم أنه لم يستسغها وارتضى بنهج غناء الصالات. لأن غناء الصالات بصنعاء يعتبر لوناً جديداً بعيداً عن الأغنية الصنعانية. حتى الرقص أيضا أصبح رقصاً صنعانياً مطورا مطعما باللحجي والمصري والدبكة. هذه وجهة نظري أنا الفنان الفاشل، وأفخر بأنني فاشل لأنني لم أستطع أن أواكب هذا التحديث.
  ما هو أكثر ما يزعج الفنان نبيل علوي؟
أكثر ما يزعجني هو استدعاني لحضور الأعراس والصالات، لأن ثقافة الغناء تغيرت جملة وتفصيلاً، ولا يروق لي مواكبتها، فوقفت عندها حائراً فاشلاً. وأغلب حضوري في هذه المناسبات هو من باب الإحراج فقط.

كلمة أخيرة..؟
أكرر شكري لك أخي نشوان، وللكادر الذي يعمل بصحيفة «لا» فرداً فرداً.