علي نعمان المقطري / #لا_ميديا -

 لم يترك العدوان الإمبريالي الأجنبي المتحالف مع قوى الرجعية الداخلية والخارجية للثورة الشعبية اليمنية الجديدة أن تواصل تطوير ذاتها، وأن تكشف عن قدراتها الاجتماعية والإنسانية العامة وأن تنجز مهام التحرر الإنساني وأن تحقق أحلامها وبرامجها وآمالها وأهدافها الإنسانية وإعادة بناء المجتمع الجديد العادل القوي المستقل الحر الكريم الهادئ المستقر.
فالثورة في بلد مستعبد، مستغل، مكبل، تابع، يدور في فلك الاستعمار، كبلادنا، كانت تعني بالضرورة محاربة الاستعمار مباشرة وغير مباشرة، لأنها تستهدف أعداء الشعب اليمني، وهذا الاستهداف يصل بالضرورة إلى حماة الرجعية من اللحظة الأولى التي تثور فيها الجماهير في وجه الطغاة المحليين.
لأن الطغمة المحلية الحاكمة ليست بذاتها قائمة، ولكنها ومن أول يوم كانت تابعة للرجعية الأجنبية والاستعمار وتتقاسم معه ملكية الثروات والسيادة والسلطة والدولة، تقاسم التابع مع المتبوع وتقاسم السيد مع الخادم الأجير لا تكافأ فيه.
كما تعني حتما ضرب وخنق الأطماع والمصالح الأجنبية الراعية للرجعية الداخلية التي كانت تكبل الشعب وتستعبده نيابة عن نفسها وعن أسيادها الخارجيين والأجانب الذين أتوا بها وحموها لعقود في وجه الشعب المقهور. وعليه فإن الأجنبي كان دوما هو من يتصدر للصراع ضد القوى الوطنية المحلية ويحرك المؤسسات الحكومية بإشارة من أصابعه حين تتعرض المنظومات الرجعية الداخلية للخطر والتحدي بوصفها قضيته هو، وما التوابع في الداخل إلا أجراء ووكلاء له استهدافهم يعني استهدافه وسقوطهم يعني سقوط مركز من مراكزه.
والبعض سماها علاقة استقواء بالخارج الأجنبي. والحقيقة ليست كذلك، وإنما هي علاقة استتباع واستعباد واستئجار واستخدام بين الداخل الرجعي والخارج الرجعي الاستعماري.
ومن هنا فإن الثورة ضد الرجعية الداخلية هي ثورة في وجه الرجعية الاستعمارية الخارجية في وقت واحد. وهذا قانون الثورة الشعبية الوطنية العام الأول والأهم وقاعدتها الأساسية الكبرى في عصرنا الراهن، ومنذ كان الاستعمار والتبعية والاستعباد والإقطاع والاستبداد، فهو جزء من منظومة ومن نظام كوني عام يشمل العالم كله، عالماً منظماً له زعامته الكونية العالمية ومعسكره ومحاوره الموحدة المتماسكة في حكومة عالمية وقوى وجيوش عالمية مهيمنة تتصدى لكل من يمس هذ النظام وتلك المصالح والمطامع والمواقع والثروات والمنظومات التابعة.
وقد شرع العدوان بالعمل ضد اليمن منذ أول يوم للثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر، وقبل ذلك منذ الاستقلال الوطني مطلع القرن الماضي، بل من قبل ذلك، حيث باشر العدوان منذ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر منذ أن جاءت بريطانيا إلى الإقليم وخلفها كانت جيوش الوهابية وبني سعود، وباسمها ونيابة عنها شنوا الهجمات المتوالية لاحتلال اليمن وسلخ الأجزاء الهامة منه لضمها إلى مستعمرات بريطانيا الوهابية السعودية الخليجية الصهيونية وإمبراطوريتها المغلفة بالتراث الشرقي.
فلم يتوقف العدوان بأشكال عديدة طوال القرون الثلاثة السابقة، وبالأدوات والقوى الرجعية نفسها، التابعة والمصنعة غربيا. كانت السعودية ومازالت طليعة حرب قومية فاشية صهيونية ضد العروبة والعرب وضد أصل العرب. وكانت القيادة الثورية الجديدة تعي كل هذه الحقاق الموضوعية التاريخية والراهنة والمعاصرة المستمرة. من هنا جاءت حكمتها وحذقها ودهاؤها في فهم كنه العدو وتشابكاته بوضوح مهما تغيرت الألوان والشعارات والديكورات. ومن هنا تحصنت رؤية الثورة للعدو الاستعماري والرجعية الداخلية والإقليمية وتشابكاتهما وأصلهما المشترك وعدم انفصالهما عن بعض، بوصفهما ذوي جذور مشتركة تشكل منظومة واحدة أرومتها هي الإمبريالية العالمية الغربية.
وقد سقطت تجارب وذبحت ثورات في الماضي لأن قيادتها تجاهلت هذه الروابط والعلاقات المتشابكة غير المرئية في الظاهر، وتوهمت أن علاقات تعاون مع الأجنبي يمكن إقامتها، وألا خطر منه على الثورة ومصيرها. ولم تكن الحركة الشعبية اليمنية بعيدة عن تلك الأخطاء والأوهام التي أتت لنا بالكوارث في نهاية المطاف، ومنها تلك المحاولات الإصلاحية والحركات التغييرية التي أقدمت عليها بعض القوى الإصلاحية اليمنية والقومية استنادا إلى التوافق مع الرجعية الخارجية والداخلية أحيانا، حدثت مثل تلك المآسي في اليمن وفي أكثر من بلد عربي وكانت النهاية دوما مأساة وكارثة ومزيداً من التبعية والاستعباد والخراب، ولم تنجح أية محاولة إصلاحية إلا بعد أن قطعت علاقاتها وأوهامها مع الرجعية في الداخل والخارج وانبرت إلى ساحة نزالها جميعا.
لقد تعلمت القيادة الثورية الوطنية الدرس جيدا وبسرعة، وكان هذا أهم أسباب انتصاراتها، وقد تجسد ذلك في الشعار الأيديولوجي الاستراتيجي المرفوع الذي لخص طبيعة العلاقة والصراع القائم والحتمي مع الرجعية وانتفاء الإمكانية لأي مساومات معها، لأنه صراع شامل ووجودي وتناقض تناحري كما يقال في الديالكتيك، ولا يقبل التسويات وأنصاف الحلول، وأصبحت راية الجهاد الكبرى الذي تستظل تحتها جميع قوى المقهورين والمظلومين هنا وفي الإقليم والمنطقة والعالم.
وقيمة الشعار لا تنبع من جماليته وإيحاءاته وفصاحته وتنميقه الأدبي وجمله الثورية الراديكالية، بل تنبع من قدرته على رص الصفوف واستنفار القوى والطاقات الكفاحية وتوحيد الاتجاه النضالي ورسم المهام الكبرى الأساسية للمرحلة الوطنية الثورية ومضاعفة وتزخيم القوى والقدرات العامة، وفي تطبيقه على الأرض وفي الميادين، والالتزام به كقانون وقاعدة ومنظم وموجه وملهم عام. وقد حققت القيادة الثورية بقدراتها وقواها وحنكتها الكثير من شعاراتها ومعانيها ومهامها والتزاماتها بما يفوق الوصف، وتمكنت دوما من تجاوز الأفخاخ والثغرات والأوهام التي عانت منها القيادات الثورية الوطنية السابقة التي أضاعت ثوراتها ومصائرها حين وقعت في لجج أوهامها وتصوراتها الباطلة وحساباتها الخاطئة وضعف إرادتها وقصورها عن الالتحام بالشعب كله في أبسط تعبيراته وصوره، وتضييق رؤاها يسارا ويمينا ووسطا، وانعزالها عن ثقافتها الوطنية والقومية والإسلامية ونظرتها إليها بعيون الآخرين وتقييماتهم وموازينهم، وابتعادها عن التقاليد الوطنية والقومية والعقيدية والاجتماعية والقبلية وعن الواقع كله كما هو والنظر إليه باستعلائية شديدة وعدم إدراكه وفهمه وتجنب دراسته علميا وموضوعيا، مما أملى عليها خيارات متناقضة مع متطلبات الواقع والمجتمع وتحدياته، فكانت النتائج مخيبة للآمال، وافرة الضحايا والأكلاف، كثيرة الآلام والنكسات.
كما انعزلت القيادات الوطنية السابقة عن دعم السماء، مغرورة بما حققته البشرية في رقع متناثرة من العالم مستندة إلى مفاهيم متطرفة، اعتبرت السماء خرافات وميتافيزيقيات ما ورائية لا أصل ولا وجود لها إلا في عقول المساكين البؤساء، الطامعين في عزاء السماء بدلا من تحرير إنسان الأرض، وتعزية النفس عن آلام الدنيا بدلا من الشعور بالشقاء انتظارا لعدالة الآخرة، واعتباره مجرد أفيون للشعوب، اخترعه المستبدون والطغاة. وقد وقعت في مأساة الصراع الشقي مع السماء بدلا من اكتساب تأييدها ودعمها في الكفاح التحرري الشامل. ومن ثم سهل ذلك للرجعيات العالمية قمع الثورات والدعوات التغييرية عبر تحريضها للشعوب المقهورة ذاتها ضد طلائعها وقادتها والتنكر لهم ومحاربتهم من صفوف الرجعية والاستبداد.

الرؤية الموضوعية تجاه العدوان
إن جوهر القيادة الوطنية الثورية ودورها يتحققان عبر تأمين حرية الوطن بالدفاع عن الثورة، وتأمين الثورة بالدفاع عن الوطن وكرامته. إن هذه التلازمية الجدلية تعكس مدى استيعاب القيادة الثورية الوطنية وطريقتها الموضوعية في التفكير والتحليل والرؤية المنهجية العلمية التي تتبناها في مقارباتها للأوضاع والتحديات وفي نظام توقعاتها المستقبلية.
ويبرز ذلك من خلال جملة المهام الاستراتيجية الوطنية الثورية التي تولت وتتولى القيادة الثورية إنجازها وتعزيزها خلال مسيرة الكفاح الوطني الثوري العسكري والسياسي والأمني الشامل قبل العدوان الكبير وبعده، وأولاها رؤيتها الموضوعية الواضحة لطبيعة العدوان، بوصفه واعتباره عدواناً قديماً متواصلاً في معركة استراتيجية واحدة طوال عقود.
وإذا دققنا في تاريخ العدوان الأمريكي ـ السعودي الإمبريالي الاستكباري سنجد أنه كان دوما قائما على اليمن منذ فترة للسيطرة عليها واستتباعها بأساليب مختلفة، حارة وباردة، ظاهرة ومستترة.
وحسب التصريحات الأخيرة للعدو نفسه فإننا نشير إلى بداية مشروع الملك عبدالله، الذي اعترف به بنفسه عبر هادي، والذي يعود إلى أوائل التسعينيات، إلى أيام الوحدة الزاخمة التي لم تكن السعودية تريد لها أن تستمر وأن تبقى.
إننا أمام عدوان مستمر عمره ربع قرن من الزمن، وهذا ما يجعل العبء شديد الوطأة على أية قيادة وطنية. وقد قدمت على الطريق صفوف من القادة الأحرار على مذبح الحرية الوطنية والشعبية طوال تلك المسيرة الظافرة الطويلة المجيدة من الكفاح الوطني. ونشير إلى أن تصريحات الملك عبدالله تؤكد حقيقة نواياه وخططه، وقد حقق بعضاً من أهدافه، منها تسليم الأراضي اليمنية الواقعة على الحدود ومحل النزاع والتي توسعت السعودية فيها خلال العقود السابقة عبر ترسيم الحدود من قبل عملائها عفاش والأحمر وعلي محسن، وتمزيق الوحدة اليمنية بالحرب التي أشعلتها ومولتها على الجانبين لسلخ المحافظات الجنوبية الشرقية النفطية ذات الموقع الاستراتيجي، وإشعال نار الفتن الداخلية التي تمهد لحروب كبرى تعم الوطن وتحيله إلى رماد، وإشعال حروب صعدة الست لاستئصال السكان اليمنيين الوطنيين من المحافظات الحدودية المليئة بمخزونات من النفط والمعادن في صعدة والجوف وحجة ومأرب، وتدمير القوات المسلحة اليمنية الرسمية وغير الرسمية، وإفساح المجال لبناء القوى الإرهابية التكفيرية الوهابية وهيمنتها على كل المقدرات الوطنية، بما فيها الدولة اليمنية وما بقي منها، في سياق مخطط الربيع العبري الأمريكي ـ الصهيوني ـ السعودي ـ القطري ـ العثماني المشترك.

أولويات القيادة الثورية
يأتي في مقدمة وقلب أولويات القيادة الثورية استيعاب الموقف الاستراتيجي الشامل والتطورات الجديدة والقديمة المرتبطة بها، والتدقيق في كنه الحرب العدوانية، وتحديد ماهيتها وطبيعتها الواقعية موضوعيا وذاتيا، وإطارها التاريخي الإقليمي والدولي والجيواسترتيجي والسياسي، وكل ارتباطاتها وعلاقاتها المتشابكة وقواها الخارجية الداخلية وتحالفاتها وطاقاتها وأهدافها الحقيقية القريبة والبعيدة، وتقدير حجم التحديات الواقعية ومتطلباتها، وتحديد قدراتنا الوطنية على المواجهة والاستمرارية والفوز والوصول إلى تقدير واقعي لكلا الجانبين، وموازين القوى ومآلاتها هنا وهناك، وتحديد الأهداف الاستراتيجية المرحلية والآنية التي يمكن تحقيقها والبناء عليها، أو كما يقول سيد المقاومة العربية الإسلامية ليبنى على الشيء مقتضاه وإعداد العدة للمستقبل وللحاضر، واجتراح برامج وخطط العمل الوطني الثوري، وتوزيع الأعباء على قطاعات الكفاح الوطني الثورية وقواها الشعبية، واقتحام المهام الكفاحية الملحة بقلب من حديد، واثق ومتيقن، وبعقل نير صافٍ كالبلور، لا يعرف التشوش ولا الغرور ولا الإحباط ولا التساهل ولا الكلل ولا الملل ولا المبالغة أو الشطط أو الجهل والتجاهل، والإمساك باللحظات التاريخية المناسبة لكل عمل بلا تقديم ولا تأخير، وتحديدها بشكل صحيح، والتعلم والتعليم الدائمين على ضوء الخبرة والمعرفة والحكمة المستخلصة.