غلين كيسلر
صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية

«لقد قرأتم أننا سنرسل بعضا من قواتنا إلى السعودية، وهذا صحيح، لأننا نريد مساعدة السعودية، فهم حلفاء جيدون لنا، ووافقوا على دفع تكاليف إرسال القوات. سيدفعون الثمن كاملاً بنسبة 100٪ بما في ذلك كلفة جنودنا. وقد استغرق هذا التفاوض وقتاً قصيراً جداً، ربما حوالي 35 ثانية».. تعليقات ترامب للصحفيين في 16 تشرين الأول/ أكتوبر.
«سنرسل قوات وغير ذلك إلى الشرق الأوسط لمساعدة السعودية، لكن هل نحن مستعدون؟ السعودية، بناء على طلب مني، وافقت على التكفل بثمن كل شيء نقوم به. هذا أولا، لكن السعودية ودولا أخرى أيضا وافقت، لكن السعودية وافقت لتدفع لنا كل شيء نقوم به لمساعدتهم».. تصريحات ترامب للصحفيين في 11 أكتوبر.
«ثم قال الرئيس: «حسناً، السبب الذي لأجله نقوم بسحب القوات من سوريا هو أنني قطعت وعداً في الحملة الانتخابية بإعادة جنودنا إلى الوطن). كان سؤالي له: هل السعودية هي الوطن؟ هل السعودية هي الوطن؟ لماذا تذهب قواتنا إلى السعودية مع أنك وعدت بإحضارهم إلى الوطن؟ وكان رده: (حسناً، السعوديون يدفعون)! هل نقوم حقا بتعريض جنودنا للخطر لأنهم يدفعون لنا؟َ هذا كلام لا معنى له».. تعليق المتحدثة باسم مجلس النواب نانسي بيلوسي، في 17 تشرين الأول/ أكتوبر
الرئيس ترامب لديه نقطة ضعف تجاه السعودية، ولهذا السبب اختارها أن تكون أول محطة له في زيارته الخارجية بعد توليه الرئاسة، وعمل أيضا على إعادة تأهيل الحاكم الفعلي ولي العهد محمد بن سلمان على المسرح الدولي، بعدما توصلت المخابرات المركزية (سي آي إيه) إلى أنه متورط في جريمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي عام 2018.
كانت الإدارة قد أعلنت في 11 تشرين الأول/ أكتوبر أنها سترسل 3 آلاف جندي ومعدات عسكرية إلى السعودية، بما فيها سرب من المقاتلات وبطاريات باتريوت، وذلك ردا على الهجمات التي تعرضت لها منشآت النفط السعودية، وألقت أمريكا بالمسؤولية على إيران. 
وقال بريان هوك المبعوث الخاص للخارجية في ملف إيران: «تقوم الولايات المتحدة بزيادة الثمن على مغامرات الحرس الثوري وزيادة الحوافز لكي تنتصر البراغماتية».
ما أثار انتباهنا هو زعم الرئيس أن السعودية ستدفع الكلفة كلها (100٪) بما في ذلك (كلفة جنودنا)، واتهم النقاد الرئيس ترامب بأنه يحول القوات الأمريكية إلى قوات مرتزقة جاهزة لمن يدفع السعر الأعلى، ولأن الرئيس تاريخاً في المبالغة بما يفترض أنه تفاوض حوله مع السعوديين، فقد اعتقدنا أنه يجب علينا التحقق.
الملاحظ أن الرئيس تحدث عن تفاوض مع السعوديين (تم في فترة قصيرة، حوالي 35 ثانية)، لكن البيت الأبيض عادة ما يقدم ملخصا لما جرى في المفاوضات ليظهر الطريقة التي حدث فيها (الانقلاب)، لكن في هذه المرة كان هناك مجرد هدوء باستثناء تباهي الرئيس، ولم يقدم المسؤولون في البيت الأبيض تفسيرات حول ما الذي كان يريده الرئيس. 
لذلك حاولنا التأكد من كلام الرئيس والاتصال بالبنتاغون، التي حاولت التهرب من السؤال وإحالته إلى وزارة الخارجية، وغياب الجواب الواضح يعني، كما علمتنا التجربة، أن الصفقة لا تزال قيد المفاوضات، وإلا لكانت وزارة الدفاع سعيدة بمناقشة الموضوع مع الصحفيين، وما حصلت عليه الصحيفة لاحقا هو بيان كتب بلغة حذرة أكدت الانطباع بأن كلام الرئيس غير دقيق.
ومجمل ما جاء في البيان هو ما قاله المتحدث باسم الخارجية، وهو أن الوزارة لا تعلق على الاتفاقيات الدفاعية المشتركة، وأن الولايات المتحدة تشجع على التشارك في تحمل العبء في المجال الأمني المشترك، بما في ذلك الدفاع عن دول الخليج العربي.
التشجيع على تحمل العبء هو في النهاية نوع من الطموح وليس نتيجة مفاوضات، وأن الخارجية لا تتحدث عن (اتفاقيات دفاع ثنائية)، مع أن الرئيس نفسه يكشف عنها، هذا كلام فارغ.
ولم تعثر الصحيفة على جواب من اللجان المعنية في مجلسي الشيوخ والنواب تفيد بأن اتفاقا قد تم، ولم ترد السفارة السعودية في واشنطن على طلب التوضيح.
وعندما نشرت شبكة NBC خبرا في تموز/يوليو عن نشر قوات أمريكية في قاعدة الأمير سلطان الجوية، نقلت عن مصدر أمريكي لم يكشف عن نفسه قوله: «وافقت السعودية على دفع جزء من الكلفة المتعلقة بوجود قوات أمريكية وأرصدة هناك». أي أقل من «100٪» التي يتحدث عنها الرئيس.
وفي محاولات التأكد من صحة الكلام، حولت كل من الوزارتين، الدفاع والخارجية، السائل إلى الطرف الآخر.
ويقول بروس ريدل، المحلل السابق في (سي آي إيه) والباحث حاليا في معهد بروكينغز: «عندما تم نقل القوات إلى قاعدة الأمير سلطان الجوية عام 1996، بعد عملية الخبر، فإني ساعدت في التفاوض على الاتفاق» وأضاف ريدل: «لقد وافق السعوديون على بناء الثكنات العسكرية والبنى الأخرى للقاعدة، التي كانت ملكهم بالطبع، لكنهم قاموا بعمل التغييرات المناسبة لسلاح الجو الأمريكي والسلاح الجوي الملكي البريطاني والطاقم الجوي الفرنسي، ولم يسددوا أي نفقات»، وعلق ريدل بأن رفض البنتاغون التعليق أمر مهم.
أما أنتوني كوردسمان، الباحث البارز في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، فقد قال: «لا يوجد هناك تعريف رسمي «للتشارك في العبء»، وقد يكون توفير المنشآت والخدمات للقوات الأمريكية مجانا أو بأسعار مخفضة وشراء أسلحة أو مقايضة أو تحويلات مالية مباشرة وغير مباشرة. ولا يوجد هناك إشراف مالي ولا تقارير، ويتم منح بعض البرامج صفة السرية. وبناء على هذا يمكن للرئيس قول ما يريد وبطريقة مبالغة كما فعل بشأن صفقات السلاح السعودية».
ولكن كوردسمان قال إن السعودية تحملت العبء المالي الأكبر في عمليات حرب الخليج ما بين 1990 - 1991. و»عادة ما تدفع متأخرة أو مقدما»، و»قد تكون قلقة من الميول الأمريكية المتزايدة للانسحاب أو الفشل للتحرك، ولهذا تحاول ضمان الدعم الأمريكي من خلال دفع شكل من أشكال الزيادة».
وفي الوقت الحالي، هناك فاتورة ضخمة لم يدفعها السعوديون. وبحسب التقارير فإن السعودية لم تدفع للبنتاغون فاتورة بـ181 مليون دولار لقاء عمليات توفير الوقود لمقاتلاتها في الجو أثناء عمليات القصف لليمن.
وتقول القائدة ريبيا ريباريتش، المتحدثة باسم البنتاغون، إن السعوديين حققوا تقدما من خلال دفع جزء من الفاتورة المستحقة عليهم، مضيفة أن «عملية سداد الدين مستمرة ونتوقع سداد المبلغ الكامل لقاء توفير الوقود».
بعد سنوات على مراقبة ترامب فإن هناك جزءا من الحقيقة في كلامه، لكن تمت المبالغة فيه، ورفض المسؤولين في الإدارة مناقشة المفاوضات يعد مثيرا للشك، ولا يمكن الاعتماد على كلام الرئيس الذي لم يكن كلامه صحيحا، خاصة فيما يتعلق بالعقود العسكرية مع السعودية.

موقع عربي 21
21 أكتوبر 2019