طلال سفيان/ لا ميديا

بشكل دراماتيكي، تعاني عدن مشكلة جديدة من نوع خطير قد تفضي في قادم الأيام إلى عواقب وأمور تعصف بمدنيتها 
وتحولها إلى أكوام ركام من الخرسانة الاسمنتية. مرض خبيث يلوث وينهش في مفاصل المدينة ويغير من رونقها وتعبير وجهها الساحر  المملوء بالشباب والحيوية، والذي أصبح يتنفس الديناميت والكبس والأحجار بدل نسائم (مخلف صُعِيب) 
ونفحة هواء تاج النهار العليل الذي يصل من أمواج شاطئ الغدير إلى ساحل أبين: قِبلة ومعبد العشاق.


طمس رمز ووطن
بضوء أخضر من الحاكم العسكري المحتل الذي يبيح النهب والسطو ويغذي الفوضى والأحقاد بهدف طمس معالم وإرث وهوية عدن لتحويلها إلى مدينة أشباح، لم تكد تمضي أيام قلائل على دخول قوات الاحتلال السعودي الإماراتي لمدينة عدن، حتى قام مسلحون يتبعون قوات العميل هادي بقيادة شخص يدعى شكيب كتكت باقتحام منزل الرئيس الأسبق عبدالفتاح اسماعيل، الكائن في حي السفارات بخور مكسر، وقاموا باحتلال المنزل ومكتب المحامية وفاء عبد الفتاح اسماعيل وإتلاف محتوياته.
لم يقتصر الأمر على عملية احتلال منزل أسرة رائد الاشتراكية في اليمن والشرق الأوسط، بل ذهب المغتصبون إلى انتهاك الإرث التاريخي للقائد المعلم، من خلال رميهم منذ أيام لكل الكتب الموجودة بالفيللا والوثائق والصور، في مكب القمامة، وبطريقة تنم عن حقد دفين دشن أولاً بنفي هوية هذا الرمز الوطني من المدينة.
كان عبد الفتاح إسماعيل رئيس دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً، وزعيم مؤسس للحزب اليمني الاشتراكي، وكان رئيس هيئة أركان مجلس الشعب الأعلى آنذاك، وأحد مؤسسي الجبهة القومية للتحرير من الاستعمار البريطاني.
وتعد ابنته وفاء من أوائل النساء اللاتي انضممن للحراك الجنوبي فور انطلاقه في 2007م، وكانت ضمن الفريق القانوني المدافع عن معتقلي الحراك.
في مقام المسؤولية لعملية اقتحام منزل زعيم وطني وأممي كـ(فتاح) يتحمل الحزب الاشتراكي اليمني أولاً مسؤولية نهب وطمس إرث مؤسسه، وتواطئه ومشاركته في هذا الفعل المشين مع جماعات أباحت وباعت الأرض والكرامة والتاريخ لاحتلال تمادى بعدوانه القذر على البشر والحجر.

حادثة جميلة جميل
في الـ5 من ديسمبر 2015، توفيت الإعلامية جميلة جميل بالعاصمة صنعاء في ظروف غامضة.
يعود نسب الراحلة جميلة إلى أسرة عدنية عريقة سكنت في عدن منذ أكثر من 100 عام قادمة من ريف الحجرية، وهي ابنة الإعلامي والأديب جميل غانم. وكانت الراحلة تعمل مذيعة بقناة عدن الرسمية.
وكثيراً ما أكدت الراحلة سوء المعاملة التي تعرضت لها بعد سيطرة موالين لهادي على قناة عدن والاستيلاء على منزلها، ما اضطرها للانتقال وأطفالها للعيش في دكان داخل مدينة عدن.
وفي ظل معاناتها، اتهمت المذيعة التلفزيونية كلا من خالد بحاح ومحمد المارم مدير مكتب هادي، والإصلاحي راجح بادي، بأنهم أهملوا الشكاوى المتعلقة بأوضاعها المادية والمعيشية والمهنية، وعاملوها بـ(حقارة)، بينما كانت تنتظر استلام مرتبها المرسل من صنعاء. وقالت في عدة منشورات في صفحتها على (فيسبوك) إنها تلقت تهديدات بالقتل من تنظيم القاعدة وتهديدات من قبل المرتزق مارم، ونشرت مكالمة لها معه تضمنت تهديده لها بالقتل عقب انتقالها إلى العاصمة صنعاء للعمل ضمن فريق قناة اليمن الرسمية. وفور وصولها إلى صنعاء كتبت منشورا قالت فيه: (قابلني مسؤولو الإذاعة والتلفزيون بكل حب وخير. أنا لا أشعر بالغربة في صنعاء، بل إنني بين أهلي وناسي الذين كان يفترض أن أكون بينهم منذ سنين خلت).


سباق سرطاني محموم
لم يُبقِ سرطان الأراضي شبراً أو مساحة أو متنفساً أو منتزهاً أو حديقة أو ساحة أو موقفاً أو مكاناً في عدن إلا ونهش ونخر في جسده، وباتت المدينة آيلة للدمار نتيجة اجتياح تسونامي الفيد والسطو المحمي من قبل الاحتلال.
كل شيء في المدينة معرض للسطو؛ مبان تقتحم من لصوص يرتدون بزات عسكرية، ومدارس وجامعات ورياض أطفال أصبحت بدون فضاء بعد أن صادر نهابة الرياض وأبوظبي متنفسات تلاميذها وحولوها بقوة السلاح إلى محلات تجارية خاصة بهم... وطالت العاصفة محلات تجارية ومواقع استثمارية، مزارع، ميادين عامة، جمعيات سكنية، أراضي تابعة للمؤسسة الاقتصادية والمؤسسة العامة للكهرباء ومقرات اتحاد الأدباء والتربية والتعليم وملاعب الأندية الرياضية ومواقع الإرسال الإذاعي وشركات الملاحة وأراضي مؤسسة المسالخ وأسواق اللحوم ومنازل مسؤولين سابقين ومواطنين من المحافظات الشمالية والجنوبية على السواء فروا من الحرب التي شنتها دول التحالف على اليمن، وما تبعها من فوضى وعبثية مرتزقتهم في مدينة عدن.
بشكل تدريجي تستقطع أراضي عدن ومن ضمنها الأراضي المحيطة والتابعة لميناء عدن، من قبل المحتل الإماراتي بهدف تقليص مساحة الميناء وتدميرها وتهيئة البيئة لعدم إمكانية تطويرها مستقبلاً.
منذ سبتمبر الماضي، سجلت المدينة أكثر من 148 عملية نهب وسطو على مساكن وأراضي المواطنين والدولة، ومازال الرقم يتصاعد.
لا حصر للنهب وممارساته التي تشهدها عدن منذ عامين ونصف، فالمدينة من أقصاها إلى أقصاها باتت ملكية خاصة للنهابين الجدد الذين تحميهم دول العدوان السعودية والإمارات والتي كرست عملياتها بنهب ميناء ومطار عدن والعشرات من المعسكرات والمباني الحكومية التي تحولت إلى سجون خاصة وسرية وأماكن استجواب وتعذيب.
ومنذ أغسطس 2015 وعدن في حالة بسط ونهب هستيرية للأراضي العامة والخاصة، والتي كان آخرها البسط على حقل (بير ناصر) الذي يغذي المحافظة بالمياه، والاستيلاء على محمية الطيور المعروفة بـ(بحيرة البجع) والواقعة بين الطريق البحري ومعسكر بدر، وكذلك بسط أركان اللواء الرابع حماية رئاسية التابع للعدوان على حوض المملاح التابع للمؤسسة الاقتصادية (شركة الملح) والتي تأسست عام 1886م وتعد المعلم الاقتصادي الثاني لمدينة عدن بعد الميناء.

معالم تاريخية 
في مهب الريح
في البداية استشرى البناء العشوائي في الرابية التي تقع عليها ساعة (تيل بن)، وبات هذا المد السرطاني يشوه منظر هذا المعلم الواقع في مديرية صيرة وكاد يحجب رؤيتها. ولاحقاً امتدت أيدي العبث عبر استيلاء أحد المواطنين على الساعة واتخاذها للسكن قبل أن يتم إخراجه منها العام الماضي. يعود بناء هذا المعلم التاريخي إلى العام 1890م، وهو نموذج بريطاني مصغر لساعة (بيج بن) الشهيرة.
لم تنتهِ جرائم طيران العدوان بحق معالم المدينة حتى انطلقت معاول الهدم التابعة له بممارسة مهامها التخريبية على ما تبقى من صروح عدن، ففي التاسع من ديسمبر 2015، أقدم إرهابيو القاعدة على تفجير الكنيسة الكاثوليكية في حي حافون بمنطقة المعلا، الواقعة بجوار مقبرة المستعمرين البريطانيين. وفي 18 أكتوبر 2016، تعرضت الواجهة الأمامية للمكتبة الوطنية بكريتر للاستهداف بعبوة ناسفة بعد أيام من إخلاء الجزء الخلفي لهذا الصرح الذي تأسس عام 1919، واتخاذه سكن عائلي من قبل أحد حراس المكتبة.
وبعد قيام مجاميع مسلحة مطلع أبريل الجاري بالبسط على المعهد التجاري، أقدم المؤسسات التعليمية في مديرية خور مكسر، وشروعهم بالبناء داخلها، امتدت خيوط الاستيلاء إلى حرم ثانوية أبان للبنات بمديرية صيرة، حيث شهدت أقدم مدارس عدن التاريخية إقدام أحد هوامير العدوان على بناء وتشييد القواعد داخل هذا الصرح التعليمي الهام.
وتواصلاً لحملة الاستيلاء على المعالم السياحية والمواقع الأثرية التاريخية في عدن، بسط مرتزقة العدوان في ديسمبر الماضي على المساحة الخلفية لباب عدن، ذلك الموقع التاريخي والسياحي الذي يعد واحداً من أبرز معالم عدن.
وهددت أعمال البناء والحفر تحت قلعة صيرة التاريخية هذا المعلم بالدمار. ونخرت العشوائية جسد الصهاريج بعد أن قام نافذون في فبراير الماضي، وبحماية مسلحين، بالاعتداء والبناء داخل معلم مدينة عدن ورمز هويتها التاريخية، في سابقة لم تعهدها اليمن عبر تاريخها الطويل.

دماء على سواتر إسمنتية
منذ احتلال المدينة وأسطوانة (مرتزقة العدوان) لم تُبقِ شبراً أو مكاناً أو ساحة أو مساحة إلا ووضعت عليها أوزارها، وأصبحت ما تطلق على نفسها (المقاومة الجنوبية) هي الصك والوثيقة والتمليك للظفر بقطعة أرض في عدن، من خلال ادعاء التضحيات والنضال، فيما تذوب كل تلك التشدقات الجليدية بقطعة أو مساحة من الأرض.
في أكتوبر الماضي، شهدت المناطق المحيطة بمديرية صيرة توتراً أمنياً بين مسلحي الحزام الأمني الموالي للإمارات وبين مسلحي العميل هادي، للسيطرة على معسكر 20 بكريتر.
انتشرت قوات الحزام الأمني بشكل مكثف في محيط المعسكر، ثم اقتحمته بكل سهولة وبدأت في بيع وتقسيم المعسكر إلى أراضٍ لعدد من النافذين، بتبريرات أن المعسكر يتم تقسيمه إلى أراضٍ لأسر الضحايا الذين سقطوا في المعارك إلى جانب تحالف العدوان.
تقتطع بيادات العدوان أراضي الدولة كما تقتطع عناصر داعش رؤوس البشر. وعلى نفس منوال قوات الفار هادي، سيطر الحزام الأمني على نادي التلال بمنطقة حقات بكريتر وجعله مقراً لقواته، وبات النادي مرة أخرى بلا ملعب.
لم تسلم الرياضة من عدوان هوامير الارتزاق والعمالة والعبث. فمع توجيهات صادرة منذ أيام من وزير داخلية العميل هادي لإدارة الدفاع المدني، بسرعة إخلاء المبنى وتسليمه لإدارة نادي وحدة عدن، وهي الصفقة التي أشار فيها مهتمون في مدينة عدن إلى تحصيل الميسري عمولة بيع من قبل تلك الإدارة التي سبق وأن باعت أراضي تابعة للنادي، من بينها مساحة مخصصة كملعب.
لم تكن عمليات النهب والسطو والإحلال آخر الأعمال بين بيادق الاحتلال، بل وصل الأمر إلى الاقتتال، حيث تعرضت مساحة مهبط للطيران العمودي على سفح جبل باصهيب في 20 مارس الفائت لصراع مسلح بين الشرطة العسكرية التابعة للفار هادي وقوات الحزام الأمني التابعة للإمارات، وتسببت الاشتباكات بسقوط قتيل وثلاثة جرحى من طرف مرتزقة هادي.
فيما شهد ظهر الـ3 من أبريل الجاري، اندلاع اشتباكات عنيفة بين أطقم عسكرية في مديرية خور مكسر بمدينة عدن سقط فيها سبعة جرحى بعد محاولة فصيلين عسكريين تابعين للعدوان السيطرة على فيللا مملوكة لأحمد علي عبدالله صالح هناك.