علي نعمان المقطري / لا ميديا

طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، أدخل تحالف العدوان مجموعة 
من التغييرات على المستوى الاستراتيجي العام وعلى المستوى التكتيكي العملياتي، وذلك لأسباب عدة، ذاتية 
وموضوعية، نحاول هنا أن نقارب هذه المسارات التي بدأناها في الحلقة السابقة.
كنه المخطط الإمبريالي الجاري
يتواصل الصراع والخلافات داخل صفوف العدوان، وقد تكرس أكثر بعد عامه الأول الذي حمل في طياته الهزائم والانكسارات للمشروع الشرعوي المركزي الإخواني السلفي.
ويشير هادي في تصريحاته ومقابلاته للصحافة السعودية إلى ما عاناه من تطورات داخلية على جبهة النزاع بينه وبين الاتجاه المحسوب على الإمارات. وهو تطور كان مخططاً له ومحسوباً من قبل القيادة العدوانية التي أرادت أن تحرك الإخوان ضمن مسارات محددة سلفاً دون أن تطلق قواهم الكاملة كيلا تحقق إنجازات خاصة بهم للمستقبل، بل هي كما نلاحظ تعمل على تقليص نفوذهم تدريجياً في جبهات القيادة والسيطرة على جبهات كانت محتكرة لهم في البداية مثل تعز ومأرب وعدن، حيث تجري الآن نوعاً من التسليم وإعادة التسليم للأدوار بينهم وبين التيارات السلفية الوهابية الإماراتية الكولونيالية والليبرالية السياحية الشكل.
وكان هادي قد أشار في مجمل طروحاته إلى محتوى الاستراتيجية الجديدة التي انتقلوا إليها بعد العام الثاني للعدوان وبعد فشل المضي بمشروع (الشرعية) وعودتها للعاصمة. قال هادي إنهم الآن يتبعون تعاليم نابليون في تطويق العدو وعاصمته من بُعدْ، بَعدَما عجزوا عن تطويقها من قرب.

الحرب الجديدة للعدوان بعد الإخفاق الاستراتيجي
(سياسة تطويق العاصمة من بعد)
كانت تلك جوهر الاستراتيجية العدوانية الجديدة التي اتبعها بعد فشل استراتيجيته السابقة القائمة على أولوية الهجوم المركزي البري لاقتحام العاصمة.
لقد انتقل العدو عسكرياً وحربياً إلى وضع الدفاع الاستراتيجي، من حيث وضعه الكلي العام، ومعنى هذا الطرح أن العدوان قد أقر بفشله الاستراتيجي وإخفاق هجومه الاستراتيجي العام الرئيس والأساسي الصاروخي والبري والبحري، وبأنه انتقل إلى أسلوب حرب جديدة مضطراً، محتواها دفاعي وتكون هجومية في التكتيكات الالتفافية غير المباشرة وحسب، مع بقاء الجبهات المركزية للعدوان متواصلة الزخم والقصف والهجمات التشتيتية والحصار والتخريب والخيانة والتجويع.
لكن الهجومات الرئيسية سوف تنتقل إلى جبهات الأطراف والجوانب والمؤخرات للخصم المستهدف ولخدمة معركة الدفاع الرئيسية للعدو التي أضحت الآن هي الجبهة الحدودية: نجران وجيزان وعسير والساحل الغربي الشمالي.
ويبدو أن اتجاهات (السهم الذهبي) العدوانية الجديدة ستتحول من المحور الشمالي الشرقي إلى المحور الشمالي الغربي.
كيف أدت الحرب الوطنية الدفاعية التحررية إلى التصدعات الاستراتيجية لتحالف العدوان وقواه؟! في ضوء فشل الحملة الأولى على الساحل الغربي.
إلى نهاية العام الأول من العدوان والهجوم الساحلي الكبير، كانت السعودية تعتمد على قوات المرتزقة، الإخوان والسلفيين بدرجة رئيسية، ثم جاء الجنجويد والبلاك ووتر وغيرهم، وكانوا يتأطرون سياسياً في إطار (شرعية) هادي والمخابرات السعودية والأمريكية. وبعد عام من الإخفاقات المتوالية للعدو انتقل الجيش اليمني إلى مرحلة من التقدم الهجومي التدريجي والخيارات الاستراتيجية.
وبينما كان يواصل التقدم على الجبهات الحدودية دون توقف، وأصيبت السعودية بالنكسات المتوالية على أصعدة عديدة، حيث ظلت تخرج من نكسة إلى أخرى في كل الجبهات؛ كل ذلك انعكس على شكل أزمة حادة لدى القيادة العدوانية السعودية على الأرض وعجزها عن السيطرة على جبهات عديدة في وقت واحد، والأمر ذاته على المستوى القيادي الأعلى للسعودية.
ولكي لا يسقط السعودي ملطخا بالعار فقد تقدم الأمريكي يعيد ترتيب البيت الملكي من الداخل، وفقاً لأهدافه هو أولاً وعلى ضوء التطورات الواقعية بالنسبة للساحل الغربي والجنوب وتعز ومأرب، والتي اعتبرت مهمة استراتيجية مترابطة تحت قيادة الإمارات وإشراف الأمريكي والإسرائيلي، ولذلك أعاق أية اتفاقات جانبية مباشرة بين السعودية والقيادة الوطنية اليمنية في ظهران الجنوب والكويت وعُمان.
ولذلك، انتقل المشروع استراتيجياً من الشرعية إلى التهيئة للانفصال والانسلاخ عن اليمن وفصل السهل عن الهضبة جيوسياسياً وجيواستراتيجياً.
ولذلك تم تفجير الصراع بشكل أكثر حدة على أساس مناطقي جهوي طائفي جيوسياسي. والرهان على كيان منفصل يضم المناطق الجنوبية والوسطى والشرقية وضمه للكيانات الخليجية، بما فيه من مخزونات بترولية ضخمة.
إن ذلك جعل الإدارات العليا للعدوان تعيد ترتيب الخارطة السياسية للقوى العميلة لها وإعادة نشر تموضعها، ولذا يجد الإصلاح واليساريون مثلاً أنفسهم خارج الحسبة، فببساطة، كان بقاؤهم يعتمد على استعادة المناطق الشمالية والعاصمة، حيث تواجدهم القوي والممكن، وليس الجنوب بالتأكيد. وهم يحاولون حالياً فرض أنفسهم كما حاولوا من قبل، ككيانات مستقلة تريد مقاعد باعتبارها أطراف خارج (الشرعية).
وبالنسبة للجنوبيين المرتزقة، كان الثمن الموعود بكيان مستقل لهم (الجنوب العربي) هو التمدد بالزحف شمالاً وإسقاط الساحل، ولاحقاً أرادت السعودية تجييش المرتزقة من أبناء الجنوبي للدفاع عن حدودها أمام قواتنا الوطنية. وهذا أخر المشروع الانفصالي، وأوجد التباين بين الإمارات والسعودية...
وقد دفعت السعودية إلى فتح جبهات جنوبية غربية تمتص قسماً كبيراً من الجيش اليمني ويمكنها من أن تلتف عليه بدورها من خارج حدودها بعد أن عانت من الاختناق المباشر على خطوطها الدفاعية الأول والثاني، وتكبدت خسائر جنونية على خلفية تلك الضربات اليمنية في عمقها.

في العام الثاني من العدوان
وكان قد تخلله وسبقه مرحلة من المناورات السياسية والتفاوضية بالتزامن مع تحضيرات استراتيجية جديدة لمواكبة الطور التالي من العدوان، وهو الذي سبقه تغييرات عديدة على مستوى القيادات العليا للعدوان والجبهات الميدانية، وتابعنا كيف تم إسقاط ولي العهد السعودي بن نايف لمصلحة محمد بن سلمان.
الأمريكي ترامب حسم الخيارات الغربية لمصلحة بن سلمان باعتباره الأكثر تبعية للمشروع الأمريكي وللإدارة الصهيونية لديهم برئاسة جاريد كاشنار الصهيوني رئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي، وهو المشرف المباشر على خطوات بن سلمان للوصول إلى العرش، بينما كان بن نايف أقرب الخيارات إلى الديمقراطيين الأمريكيين. وكانت أهم المعاتب على بن نايف تصريحه الداخلي وتوجهه للإقرار بالفشل، والذهاب للتفاوض المباشر مع اليمنيين والخروج من المخنق الواقعين فيه. وذلك بالتأكيد ما لا تريده الإدارة الأمريكية ودوائر النفوذ العالمية التي نشطت مصانعها من الصفقات السعودية.
ومعنى خروج السعودية من المعركة أن يجلب الأمريكي والغرب قواتهم مباشرة إلى اليمن، وهذا ما لا يستطيعون فعله، لاسيما بعد حرب فيتنام والعراق. ولذلك تم التعامل مع العائلة السعودية هذه المرة من قبل الأمريكيين بشكل قاسٍ يذكرهم بحقيقة وجودهم، وهي أنهم كيانات وظيفية وكيلة هم مالكوها الأصليون.
والمسألة الآن مع بن سلمان أنه قامر على انتصارات عسكرية لم يستطع مقاربتها حتى، بل إنه ضاعف من التأزم الداخلي السعودي والخليجي، ودفع باليمنيين إلى تقدم أكبر في كل المجالات، لاسيما التصنيع العسكري.

ما بعد مجيء ترامب
لقد تمت إعادة صياغة الأسلوب العسكري والقيادي للعدوان البري عل أساس جديد، من حيث توزيع مراكز ثقل عسكرية عديدة، مثل:
1 - فتح مركز ثقل كبير على الساحل الغربي وفتح معارك الموانئ والساحل والسهل الساحلي والمخا والحديدة وميدي وبقية الموانئ والمراكز على امتداد السهل التهامي.
2 - تسليم إدارة الجنوب للحركة الانفصالية والشروع بإعداد المناخ للانفصال والانسلاخ.
3 - تسليم إدارة المناطق (الشافعية أو السنية الوسطى) للقوى الطائفية المذهبية العفاشية.
4 - توظيف المؤامرة العفاشية للغزو من الداخل عبر الإمارات وبن زايد.
5 - دفع القوى القبلية (الشرعية) شمالا إلى مناطقهم القبلية التي لا أثر لهم ولا نفوذ فيها، في حاشد وبكيل، حيث تقف أغلبها مع الجيش اليمني ومع الوطن.
سياسة تطويق المركز من بعد وسلخ الأطراف تدريجيا بالقضم والحصار الاقتصادي الشامل والمؤامرة الانقلابية. وتظهر هذه على شكل فتح ثلاثة مسارح حرب كبرى:
 • مسرح الشرق العاصمة وحواليها.
• مسرح الشمال الغربي.
• مسرح الجنوب تعز والبيضاء وإب والوسط وريمة وعتمة والساحل الغربي التهامي.
وخلال العامين الثاني والثالث من العدوان، وصلت جميع مبادرات السلام إلى طريق مسدود، واستغلت لفتح ثغرات خيانية في الداخل في الجوف والعاصمة.

استراتيجية السعودية في العام الجديد من العدوان
مع دخول العام الجديد للعدوان، يحاول العدو أن ينتقل إلى تكتيكات هجومية جديدة، مستنداً إلى حشد المزيد من المرتزقة اليمنيين، وخصوصاً الجنوبيين، والأجانب، لتكثيف الحشد العسكري للدفاع عن خطوط حدوده الداخلية.
خلال الفترة الماضية، كان جلياً التحضيرات السعودية لشن الهجمات المضادة في نجران وجيزان وعسير. وفي جيزان كان العدو ولا يزال يحاول التقدم باتجاه ميدي ويفشل، وتلك المحاولات تقرأ في اتجاهين:
الأول أنه يريد الزحف على ميدي للتوجه لاحقاً نحو الحديدة... لكن هل هذا هو فعلاً ما يريد، خصوصاً أن معركة السعودية الآن محصورة في عمقها وسلمت الجبهات الأخرى ومنها الساحل للإمارات؟!
وهنا يتبقى الخيار الثاني، وهو أن الزحف على ميدي يراد به الالتفاف على قواتنا في نجران وقطع طريق إمدادها. ومن جهة أخرى كثف الزحوفات والضربات على صحراء البقع وجبال عليب والحضراء، ولأجل الغرض ذاته لكن من الشرق.
وقد تكبد لذلك خسائر فادحة هائلة، ويبدو مقامراً، فهو ترك وحيداً هناك ليجابه وحده.